مسلسل معاوية يسقط بالضربة القاضية.. فشل ورداءة ومغالطات تاريخية "كارثية"

انفوبلس/ تقارير
تقليدية لدرجة الرداءة، ورديئة لدرجة ارتكاب كوارث في التاريخ، آراء بحثية كلها أجمعت على فشلها، ومشاهدون انسحبوا من متابعته وانصدموا لكثرة الأخطاء، الحديث هنا عن مسلسل "معاوية" وكمية المطبات التي وقع فيها منذ بداية حلقاته، انفوبلس أجرت مراجعة شاملة لها واستطلعت مختلف الآراء، مشاهدين وباحثين ونقّاد، فماذا قالوا؟
بداية أكثر من التقليدية
في أولى حلقاته، انطلق جمهور مواقع التواصل الاجتماعي معلقا بقسوة مستحقة على مسلسل معاوية بعد أن كانت بداية المشهد الأول أكثر من تقليدية لعمل غلب على ظن الجمهور والنقاد أنه لن يكون تقليديا أبدا، لكن ولادة رأس الفتنة معاوية في المشهد الأول أدت بشكل تلقائي إلى توقع وفاته غالبا في المشهد الأخير؛ بحكاية لا يبدو فيها الطموح الإبداعي على مستوى الطموح الإنتاجي.
ورغم أن الأعمال الفنية لا تلتزم عادة بحوادث التاريخ، فإن عليها الالتزام بحقائقه، وهو أمر يحتاج إلى نظر في العمل الذي ينتظر أن تحمل حلقاته القادمة مفاجآت جديدة وأسئلة خلافية جديدة، وهو ما أجمع النقاد والباحثون عليه بأن مسلسل معاوية لن ينجح بتحقيق تلك المعطيات.
مراجعة شاملة.. مغالطات تاريخية وقفزات زمنية
بعد الجدل، تابعت انفوبلس جميع الآراء بشأن المسلسل، وتقصت عن المعلومات التي طرحها الباحثون بشأن المسلسل الذي و وِفقهم، لم يصور قصة حياة معاوية بن أبي سفيان تحديدا، ولكنه قدم صورة أراد صنّاعها أن تكون لحياة معاوية، ومن ثم أطلق صناع العمل لخيالهم العنان في إعادة صياغة التاريخ وكتابة أحداثه وبناء شخصياته بشكل لا يتسق مع ما أروته كتب التاريخ.
ورغم خطورة المغالطات التاريخية في العمل، فإن القفزات الزمنية التي تجاوز بموجبها صناع العمل أحداثا مفصلية في حياة صاحب السيرة قد تمثل جريمة فنية بسبب دورها الكبير في توضيح الصورة وبيانها، فلا وجود في العمل لغزوتي بدر وأحد إلا بمرور سريع جدا.
وإذا كانت أشكال المنازل وتصميمها خارجيا وداخليا والملابس والإضاءة والإكسسوارات قد جاءت مغايرة تماما لما ينبغي أن تكون عليه الملامح الاجتماعية والثقافية لتلك المرحلة، فإن تغيير بنية أبي بكر الصديق بدا مدهشا، فبينما ظهر الممثل الذي جسد دوره ضخم البنية قويا أكد الرواة والمؤرخون أن أبا بكر كان نحيلا.
وأكد الخطأ التاريخي في استخدام سيوف دمشقية لم تشتهر وتُعرف إلا في مرحلة تالية. إن صناع العمل لم يُرهقوا أنفسهم بتوظيف مراجعين لتاريخ مرحلة بهذه الأهمية والحساسية في تاريخ المسلمين.
رأي الباحثين.. زياد أحمد سلامة
كما قلنا، فقد تابعت وتقصت انفوبلس آراء الباحثين بشأن المسلسل، وبهذا الصدد قال الباحث زياد أحمد سلامة، "في مسلسل “معاوية” كان الضعف واضحاً في عدة نقاطمنها اللغة وعدم مراعاة الناحية التاريخية للألفاظ المستعملة وطريقة صياغة الجملة في ذلك العصر، فقد تمت صياغتها حسب التعبيرات الحديثة.
وكذلك لم تتم مراعاة اللباس والأزياء ولزوم أن توافق تلك الفترة، فكان لباساً حديثا باذخا، وكذلك المناظر والديكورات الداخلية والخارجية، حيث بدت دمشق وكأنها روما بقرميدها ومبانيها وشوارعها، وعدم دقة الأحداث التاريخية.
بالإضافة إلى تسارع الأحداث واختصارها وعدم التركيز على البعد النفسي والصراع الداخلي للأشخاص وانتقال الشخصيات من فكر إلى فكر، مثل شخصية أبي سفيان وهند ومعاوية نفسه، أي سوء رسم الشخصيات.
أيضا غياب الحوارات الفكرية بين الفكرة الإسلامية الوليدة والفكر السائد لدى عالم قريش بكل مكوناته.
المهم في الأمر أننا عند صناعة عمل درامي تاريخي أومشاهدته ننتظر أن ينقلنا لأجواء الحدث تاريخاً ولغةً ولباساً ومناظر، وعادات وتقاليد ونمط عيش والغوص إلى دواخل الشخصيات واستنطاق مشاعرها وأفكارها ومواقفها من الأحداث. وبعبارة أخرى: "ننتظر الصدق الفني في العمل".
كذلك، فأهم ما غاب عن مسلسل “معاوية” عدم جود رسالة فكرية واضحة، تعالج مشكلة معاصرة تبحث عن حل، ولذلك لا تنقذ مئات الملايين من الدولارات عملاً غير مسبوك الصياغة لم تحقق مفاهيم العمل الدرامي التاريخية.
كان هذا رأي الباحث زياد أحمد سلامة في مسلسل معاوية ويتضح منه أن المسلسل فشل فشلا ذريعا وأخفق في العديد من المحطات.
مسلسل رديء – رأي الباحث: عبدالله معروف
بعد سلامة، وصلت انفوبلس لرأي باحث آخر بشأن مسلسل معاوية وهو عبد الله معروف الذي قال: شاهدتُ الحلقة الأولى من مسلسل (معاوية) الذي يقولون إن تكلفته وصلت إلى 100 مليون دولار، حرصتُ على متابعة الحلقة مجرداً من أي انطباعاتٍ مسبقة وقلت في نفسي لعل هذا العمل يكون إضافةً حقيقية نحتاجها.
وأضاف معطيا رأيه من المسلسل، "مسلسل رديء من ناحية اللغة العربية البعيدة تماماً عن جزالة لغة ذلك العصر (هند تقول لوليدها معاوية: "أنت إنجازي الأعظم".. ولا أدري منذ متى كانت قريش تستعمل هذه الكلمة)".
وتابع، "التمثيل في غاية الضعف والهزالة، ويظهر فيه بوضوحٍ أسلوبُ المسلسلات المصرية التاريخية من خلال المبالغة السَّمِجَة في الانفعالات ومحاولة إظهار التعابير بشكل غير طبيعي ومبالغ فيه، ثم لا أدري من المسؤول عن الملابس في هذا المسلسل..! فمنذ متى كان العرب في مكة يلبسون القفطان العثماني وملابس العصر المملوكي؟!!".
جهل كارثي بالتاريخ
أما بالحديث عن الأخطاء التاريخية، فأكمل معروف رأيه عن المسلسل بالقول: "من الواضح أن الكاتب لا يعرف من التاريخ إلا ما يجده في بعض الكتب الحديثة، فقد أظهرَ في بداية المسلسل أن معاوية وُلد في العام الثالث عشر قبل الهجرة (أي في السنة الأولى للبعثة)، وهذا كلام غير صحيح، لأنه كان في الخامسة من عمره عند بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فقد وُلد في العام الثامن عشر قبل الهجرة.. فالفارق خمس سنواتٍ كاملة.. كما أن المؤلف الجاهل جعل الهجرة إلى الحبشة تحدث في العام الرابع قبل الهجرة، أي العام التاسع للبعثة الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شِعَبِ أبي طالبٍ خلال المقاطعة، بينما يعرف أصغر طالبٍ في التاريخ الإسلامي أن هجرة الحبشة حدثت في العام الخامس للبعثة، فكيف خلط هذا الكاتب كل تلك الأحداث بهذه الفظاظة؟!".
وأكد، "بحثت بعد مشاهدة الحلقة عن مؤلف المسلسل فوجدته صحفياً مصرياً لا علاقة له بالتاريخ من قريب أو بعيد.. ففهمت مدى الكارثة المحرجة التي وضع أصحاب هذا المسلسل أنفسهم فيها".
وبيّن، "قارِن مقارنةً بسيطةً من حيث اللغة والانفعالات والملابس والديكور والموسيقى التصويرية والحبكة الدرامية بين هذا المسلسل من ناحية، والحلقة الأولى من مسلسل (عمر) من ناحية أخرى.. فسيتبين لك الفرق الهائل بين ذلك العمل العملاق، وهذا العمل القزم.. ووجدتُني في نهاية الحلقة أتحسر على مائة مليون دولار ذهبت هباءً كان يمكن أن تنتج شيئاً عظيماً لو وُسِّدَ الأمرُ لأهله".
وزاد، "ثم تفكرت في السبب، فلم أجد إلا صفاء النيَّة وكدَرَها.. فمن لم تكن نيّته صافيةً لم يكن عمله خالصاً".
أخطاء بالجملة تخص الزخرفة والديكور– رأي الباحث: هشام الأحرش
أما الباحث هشام الأحرش فقال: "وأنا أُتابع البارحة حلقة من حلقات مسلسل معاوية، أثار انتباهي كباحث في تاريخ العمارة الإسلامية، وجود زخرفة جصّية تُزيّن الحائط الخلفي لكرسي معاوية، وهي زخرفة لم تظهر إلا بالغرب الإسلامي وذلك خلال الزمن الموحدي حيث زينت هذه الزخرفة التي يطلق عليها المعلمون في المغرب درج أو كتف (يمكن التعرف عليها في أول تعليق: زخرفة يمكن أن يكحل الناظر عينيه بمشاهدتها وهي تتوج صومعة حسان بالرباط، وكذلك الواجهة الداخلية لباب القصبة بالرباط (الاوداية)".
وتابع، "أما طريقة جلوس معاوية فوق كرسي الإمارة فتلك قصة أخرى نرويها باختصار".
وختم، "ومختصر الحكاية أن أمراء بيني أمية وبني العباس (صورة هارون الرشيد بريشة رسام من روما كانوايجلسون وقد ثنو أرجلهم، وهو ما نسميه بالتربيعة ولهذا درج المغاربة على القول تربّع على العرش والتي تعني في معاجم العرب جلس عليه؛ لأن طريقة الجلوس كانت بالكيفية التي أشرنا إليها وأما اللباس فتلك قصة أخرى نرويها لاحقا".
بذخ إنتاجي لنَص ضعيف
منذ الحلقة الأولى، يظهر البذخ الإنتاجي في المشاهد، بتصويرها الفخم وديكوراتها، وهو ما دفع البعض إلى اعتباره "أقوى عمل درامي إسلامي" في تاريخ الدراما العربية.
وقدم العمل معاوية -الذي يؤدي دوره الممثل لجين إسماعيل- كشخصية مركبة، فهو قائد طموح، لكنه يتألم ويُخطئ كأي إنسان.
وجاء الحوار، الذي كان يفترض أن يكون بليغا وملحميا، فاترا وضعيفا، يفتقر إلى العاطفة، كما افتقر إلى العمق في بناء الشخصيات، إذ بدت سطحية وغير مؤثرة، كما لو أن صانع العمل لم يكلف نفسه الغوص عميقا في تفاصيل شخصية معاوية.
أزياء فخمة لا تتناسب مع تاريخ حدث المسلسل
وفق الباحثين، فإنه خلال الحقبة التي عاشها معاوية، كانت الملابس بسيطة وعملية تتناسب مع بيئة صحراوية قاسية وحياة قبلية، وقد كان يلبس الرجال أردية خفيفة من الصوف أو الكتان ذات ألوان طبيعية تميل إلى البيج أو البني الفاتح، بلا زخرفة. أما النساء، مثل هند بنت عتبة والدة معاوية، فكنّ يرتدين ثيابا فضفاضة تغطي الجسم مع غطاء رأس بسيط مزين أحيانا بقليل من الحلي القبلية المصنوعة يدويا من الفضة أو الحجر.
لكن الشخصيات ظهرت بأزياء أكثر فخامة مما يناسب العصر بينها أقمشة لامعة أو مطرزة بزخارف غنية، تشبه أزياء العصور الإسلامية اللاحقة (مثل الحقبة العباسية) أو حتى تأثيرات عصرية.
فعلى سبيل المثال، إذا ارتدت هند ثوبا حريريا مزخرفا وارتدى أبو سفيان عباءة ذات ألوان زاهية مع إكسسوارات معدنية لامعة فهذا يتناقض مع بساطة تلك المرحلة، إذ لم تكن التجارة العالمية قد جلبت بعد مثل هذه المواد الفاخرة، وقد تكون رؤية المخرج تتعلق بإضفاء لمسة درامية بَصَرية لكنها في الواقع أضعفت المصداقية التاريخية.
وينطبق الأمر نفسه على البيوت التي كانت من الحجر الخام، والأسقف التي صُنعت من جريد النخل أو القماش الثقيل مع أرضيات ترابية أو مغطاة بحصر من سعف النخيل، وأثاث محدود مثل الأسرّة المنخفضة أو الحصير.
ومن ثم فإن مشهد الولادة كان ينبغي أن يُصوّر في غرفة ضيقة تحوي مصباحا زيتيا واحدا وأدوات بسيطة مثل إناء للماء أو قطعة قماش للمساعدة، ولكن مشهد البداية جاء خياليا تماما.
ردود فعل ختامية: مسلسل "كُلُّه سلبيات" ولا يستحق المشاهدة
السلبيات على المسلسل سيطرت بسرعة؛ فبعد 3 حلقات، وصف أحد المشاهدين الشخصيات "بالبرود" والحوارات "بالضعف"، مشتكيا من افتقارها إلى العاطفة أو القوة الملحمية.
تعليق آخر هاجم الجودة، واصفا المسلسل بأنه "رديء" ومخزٍ"، مع اتهامات للعمل بالتجسيد "غير اللائق".
ولعل أزمة مخرج العمل طارق العريان الذي انسحب تاركا المجال للمخرج أحمد مدحت إثر خلافات غامضة قد أسهمت في شعور البعض بأن مستوى العمل متواضع ومملوء بالمشاهد الضعيفة، كما وُصف على منصة "إكس".
هذا الاستقطاب جعل المسلسل حديث الساعة، لكن صناع العمل دفعوا الثمن إذ فقدوا ثقة جزء كبير من الجمهور بمصداقيته الفنية والتاريخية.
في النهاية، حاولت السعودية إعادة صياغة شخصية رأس الفتنة معاوية بإنتاج ضخم بغية التلميع لها لكنها سقطت في العديد من المطبات وعانت من سيناريو ضعيف افتقر إلى البلاغة والعمق، وأداء بارد لم يرتقِ إلى توقعات البذخ والأموال التي صُرفت عليه.