"وجهك مو إلك".. تحذير: لا تعبث بصورتك.. الكارتون الظريف قد يفتح عليك باب الجحيم!

انفوبلس/..
في لحظة حماس أو فضول رقمي، يندفع كثيرون لتحميل تطبيقات تحوّل صورهم الشخصية إلى رسوم كارتونية أو أنماط فنية مبهرة باستخدام الذكاء الاصطناعي. ولكن خلف هذه التجربة المسلية، تكمن واحدة من أخطر تهديدات الخصوصية الرقمية في عصر التقنية المتسارعة: سرقة الهوية البصرية
* من المتعة إلى التهديد
تُعرف هذه الظاهرة باسم “استعارة الملامح”، حيث تقوم بعض التطبيقات، خاصة المجانية أو مجهولة المصدر، بجمع وتحليل صور المستخدمين، دون أن يلتفتوا إلى الشروط الطويلة التي غالباً ما تتضمن بنوداً تسمح للشركة باستخدام الصور لأغراض التدريب، أو حتى بيعها لشركات أخرى.
يقول الخبير في الأمن السيبراني، علي عبد الله، "ما لا يعرفه كثيرون أن تلك الصور تدخل في قواعد بيانات تستخدم لاحقاً لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على التعرف على الوجوه، بل وربما لصنع وجوه وهمية أو استخدامها في إنشاء محتوى زائف Deepfake دون علم أصحابها".
وايضا، استعرض خبراء ومختصون بالتكنولوجيا، أسبابا محتملة وراء "حمّى تحويل الصور الى صور كارتونية عبر الذكاء الاصطناعي" والذي انتشر بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية، فيما كشفوا عن مخاطر تتعلق بالخصوصية واستخدام ملامح وصور الأشخاص في مشاريع أخرى بينها التزييف العميق.
ويقول المختصون،إن ترند تحويل الصور الشخصية إلى رسومات كرتونية لاقى رواجًا كبيرًا بين المستخدمين من مختلف الأعمار، خاصة فئة الشباب، بسبب الرغبة في التميز، وتحقيق محتوى بصري مختلف ولافت للانتباه، إلى جانب حب التجربة والتفاعل مع أحدث الصيحات التقنية.
كما رجح المختصون أن يكون التفاعل الكبير وتجربة هذه التقنية يعود الى أن الرسوم الكرتونية تمنح المستخدمين فرصة لتجديد صورتهم الرقمية بطريقة مسلية، وغالباً ما تلامس الجانب الطفولي في النفس البشرية، كما أن مشاركة هذه الصور تفتح بابا للتفاعل الاجتماعي من خلال التعليقات والمقارنات.
لكن المختصين يحذرون من مخاطر حقيقية خلف هذا الترفيه الظاهري، تتعلق بالخصوصية وسرقة البيانات، فمعظم هذه التطبيقات تطلب الوصول إلى ألبومات الصور أو تخزين البيانات على خوادم خارجية، ما يثير القلق حول استخدام الصور لأغراض تجارية أو حتى أمنية دون علم المستخدم، حيث يمكن استخدام هذه الصور المعدّلة في عمليات التزييف العميق (deepfake) أو في انتحال الهوية.
وينصح الخبراء بعدم استخدام التطبيق إلا إذا كانت هناك ثقة في الجهة المطورة، مع مراجعة شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية قبل تحميل أي صورة خاصة في عالم رقمي سريع التطور.
*تحول الإنسان إلى “بيانات خام”
تشير تقارير تقنية إلى أن بعض التطبيقات تتعاون مع أطراف ثالثة لجمع البيانات البصرية وبيعها لشركات إعلانات، أو حتى لمنصات تطوير الذكاء الاصطناعي في مجالات قد لا تخطر على بال المستخدم. في هذه الحالة، يصبح وجه الإنسان نفسه مادة قابلة للبيع، دون إذن أو تعويض، ما يطرح أسئلة أخلاقية وقانونية خطيرة.
*الوجه هو الجريمة
أسوأ ما قد يحدث ليس مجرد استخدام الصورة في إعلان عشوائي، بل في سيناريوهات “التزييف العميق” (Deepfake) التي قد تُستخدم للإساءة أو الابتزاز أو حتى خلق هويات رقمية مزيفة. يمكن تعديل صوتك وصورتك لتقول أو تفعل شيئاً لم تقم به أبداً. كل ما يحتاجه المخترق أو صانع المحتوى الزائف هو صورة واضحة، وتلك التطبيقات تقدّمها له على طبق من ذهب.
*تحذير
ويبدو أن الظاهرة لاقت إقبالا واسعا، حيث عجّت الصفحات الشخصية بصور ذات طابع كرتوني وأخرى مشابهة للدمى، غير أن هذا التفاعل الجماهيري يخفي خلفه إشكالات عميقة تتعلق بالخصوصية.
في هذا السياق، حذّر الخبير في الأمن المعلوماتي، حسن خرجوج، من المخاطر المترتبة عن استعمال مثل هذه التطبيقات، مؤكدا أن “من يشارك وجهه في ترند الذكاء الاصطناعي يمنح ملامحه لتُباع تجاريا دون أن يدري”.
وأوضح خرجوج، أن الشركات التي تطور هذه التطبيقات لا تكتفي بتحويل الصور، بل تقوم أيضا بتخزين البيانات البيومترية الخاصة بالأفراد، وهو ما يشكل خرقا واضحا للخصوصية.
وأضاف، أن هذه الصور وملامح الوجوه “يتم بيعها لاحقا لشركات متعددة، من بينها شركات الأدوية التي تعتمد على الوجوه لتطوير مستحضرات التجميل، أو شركات صناعة المحتوى المرئي كهوليود التي قد تستغلها في إنهاء مشاهد معينة من أفلام، أو شركات تطوير البرمجيات مثل فوتوشوب لتعزيز قدراتها في الذكاء الاصطناعي”.
ووفق الخبير نفسه، فإن هذه المعطيات الشخصية يمكن أن تُستخدم أيضا في تطوير كاميرات المراقبة داخل المدن الذكية، حيث تُستغل البيانات الوجوه في مراقبة الأحياء وتحليل حركة الأشخاص.
كما نبّه إلى أن المستخدم، عند استخدام هذه الخصائص، يوافق ضمنيا – ودون انتباه في الغالب – على شروط استخدام تتيح للمنصة التصرف في معطياته كما تشاء، مضيفا، “حتى في حال رفع دعوى قضائية، فإن المستخدم سيكون قد سبق ووقّع اتفاقا افتراضيا يمنح الشركة تلك الحقوق”.
وختم خرجوج حديثه بدعوة الجميع إلى الحذر، مؤكدا أن “معطياتنا الشخصية هي كنز ثمين للشركات الكبرى، ويجب ألا نمنحها مجانا تحت غطاء التسلية أو الفضول”.
*مزايا جمالية وتسويقية
في المقابل، يرى بعض الخبراء أن تحويل الصور إلى رسوم كرتونية قد تكون له سيئات، لكن أيضا قد تكون له حسنات وفوائد، ولذلك فإن هناك خطوات وقائية يمكن للشخص اتباعها لحماية بياناته.
الخبير في الأمن السيبراني أحمد حسين العمري، "أكد أن هذه التطبيقات وعملها هو أحد نتائج الذكاء الاصطناعي أصلا، لأن عملها يعتمد على برمجياته، والتي تعمل على تعديل الصور وإزالة واستبدال بعض ملامح الإنسان وفق أنماط محددة بحيث تظهر على شكل رسوم كالتي نشاهدها في الأنيميشن وأفلام الكرتون".
وقال العمري، "تقنية تحويل الصور نعم قد يكون لها سيئات وعواقب وخيمة، ولكن لها أيضا حسنات، مثلا زيادة الشعبية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث إنها تساعد في إنتاج محتوى مميز وجذاب على هذه المنصات، وكما هو معلوم فإن هذا الأمر قد يجلب زبائن جددا".
وتابع، "مثلا تطبيقات مثل تيك توك وإنستغرام تمنحك مثل هذه الخاصية، وبالتالي فإن الشخص إذا كان لديه مثلا عيوب خلقية أو عيب معين لا يريد إظهاره، فإنه في هذه الحالة يستبدل بالصورة رسما كرتونيا، وأيضا يعكس شخصية المستخدمين، فأحيانا البعض يرغب في إظهار شخصيته بمظهر ما أو تقليد لشخصية مُحببة وهذه التقنية تمنحه ذلك".
ومن مزايا هذه التقنية وفقا للعمري، "زيادة أرباح الشركات المُطورة، وبالتالي توفير فرص عمل جديدة للعاملين في قطاع التصميم أو في الذكاء الاصطناعي، حيث يمكنهم عمل فلاتر مشابهة أو مستنبطة من هذه التكنولوجيا وبيعها".
ولفت إلى أنه "يمكن أيضا الاستفادة منها في الحملات الإعلانية التسويقية، حيث إنه أصبح الآن منتشرا ما يسمى بالتسويق الكرتوني، حيث تستغني بعض الشركات عن التعاقد مع مؤثرين تدفع لهم أموال طائلة للدعاية، وتستخدم رسوما كرتونية كالتي يتم إنتاجها بهذه التقنية، خاصة أن تكلفة الاستعانة بالرسم الكرتوني أقل بكثير من الاستعانة بالمؤثرين".
وأوضح أن "بعض المنصات والتطبيقات تستفيد من هذه التقنية عبر زيادة التفاعل بين المستخدمين، من خلال استخدام هذه الصور المُعدلة في ما يسمى (التظليل البصري)، وكذلك يستفيد المؤثرون وقطاع الإعلام منها عبر استخدامها لتعزيز المحتوى".
ومن الأمور التي حذر منها البعض خلال استخدام هذه التقنية، إمكانية إعادة الرسم الكرتوني لصورة مرة أخرى، عبر عملية برمجية عكسية، وبالتالي فقد يقوم شخص ما بسرقة هذه الرسوم من حساب المستخدم ثم يعيدها إلى هيئتها الأولى مرة أخرى.
وأكثر ما يخيف مما يُحذر منه هو إعادة استخدام هذه الصور بعد إعادة تحويلها من رسم في عمليات ابتزاز وتشويه لشخصية صاحب الصورة، عبر تركيب صور اباحية مثلا أو وضعه في موقف أو مكان ما يثير الشبهات.
*كيف تحمي بياناتك؟
وعلى الرغم من معرفة البعض بأن هناك مخاطر لاستخدام هذه التقنية على الرغم من وجود حسنات لها، إلا أن الفضول قد يدفعهم لتجربتها، وربما رغبة منهم في منح أنفسهم الشعور بأنهم أجمل في الصور الكرتونية.
ولهذا يبقى من المهم أن يعرف كل مستخدم كيف يحمي نفسه حينما يستخدم هذه التطبيقات.
عبدالرحمن الصاوي، مهندس برمجيات وباحث في شركة BeamNG GmbH، قال، إن "هذه التقنية أثارت جدلاً واسعًا، إذ اشتكى الفنانون الرقميون والمصورون من أن هذه النماذج تم تدريبها على صور وأعمال فنية مأخوذة من الإنترنت دون إذن مُسبق من أصحاب حقوق الملكية".
وتابع الصاوي بالقول: "يعتبر كثيرون أن استخدام هذه الصور دون موافقة صريحة ينتهك الملكية الفكرية، خصوصًا إذا استُخدمت النتائج تجاريًا أو منافسةً للأعمال الأصلية".
وأوضح أنه "بالمقابل، تُجادل بعض الشركات بأن البيانات التي يُدرَّب عليها الذكاء الاصطناعي تكون غالبًا علنية أو متاحة بموجب الاستخدام العادل، وعلى الرغم من أن هذه النقطة لا تزال تحت الدراسة القانونية في العديد من الدول، فإن المطالبات بإصدار قوانين أكثر وضوحًا لحماية المبدعين تزداد يومًا بعد يوم".
ولحماية البيانات الشخصية نصح الصاوي المستخدمين، "بعدم رفع الصور على منصات غير موثوقة أو مجانيّة دون قراءة الشروط، و تجنّب الإدخال العشوائي للبيانات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي المفتوحة".
ومن وسائل الحماية أيضا نصح، "باستخدام علامات مائية رقمية، أو أدوات تشويش الوجه للمحتوى الحساس، وضبط إعدادات الخصوصية في منصات التواصل الاجتماعي لمنع من لا نرغب أن يشاهد ما ننشر بمشاهدته، كذلك استخدام أدوات حظر تتبّع البيانات وتصفّح الإنترنت بشكل آمن".
وحول كيف يمكن للناس استخدام الذكاء الاصطناعي وفي ذات الوقت حماية بياناتهم، قال الصاوي: "يجب استخدام نماذج محلية (Local AI Models)، مثل DeepSeek أو Mistral، لتشغيل الذكاء الاصطناعي على جهازك دون إرسال بياناتك لخوادم خارجية".
وختم نصائحه بالقول: "يجب تجنّب أدوات الذكاء الاصطناعي المجانية تمامًا، لأن بعض هذه الأدوات "تتغذى" على بيانات المستخدم وتستخدمها في التدريب، وما لا تدفع مقابله غالبًا ما تستخدم بياناتك كثمن له، وأخيرا قراءة الشروط وسياسات الخصوصية لأي أداة تستخدمها، وتفعيل خيار "عدم استخدام بياناتي للتدريب" إن توفر".