ظاهرة بيع الوهم لدى النواب ومكاتبهم.. وعود تبدأ بالتعيين والرعاية وتنتهي بـ"القمامة"
انفوبلس/ تقارير
بيع الأوهام، من وعود بالتعيين أو الشمول بالرعاية الاجتماعية، أو التبليط الانتخابي مرورا بالولائم والتشهير بالفقراء، هو ما دأبت عليه بعص مكاتب النواب في العراق طيلة الفترة الماضية. ظاهرة باتت تتكرر في كل دورة بلا ملل حتى تجد غالبية النواب ينسون دورهم التشريعي ويتحولون إلى مديري دوائر خدمية أو حتى إنسانية. فما قصة هذا الظاهرة؟ وما أبرز الأساليب التي يتبعها البرلمانيون لكسب الجماهير لصالحهم؟
التبليط الانتخابي والتبليط الحقيقي
بالحديث عن هذا الملف، يقول مختصون لشبكة انفوبلس، إنه "إذا أردت أن تعرف الفرق بين التبليط الانتخابي والتبليط الحقيقي ستجد الفوارق واضحة، فتبليط الشركات عملية مطولة تتضمن التعلية الترابية للشارع والحدل والتنعيم وفرش المزيج الترابي ثم الحدل مجددا ثم طبقة التبليط السميكة التي صُممت للبقاء خمسين سنة".
ويضيفون، "أما تبليط المرشحين فهو عمل احتفالي ظريف لطيف سريع، حيث إنه عبارة عن طبقة تراب حافية على الارض بلا حدل، فوقها طبقة اسفلت خفيفة عبارة عن خليط من الحصى والقير".
ويتابع هؤلاء، "بعض المرشحين لا يجيد النطق بجملة للإعلام، لكنه يفهم أكثر من المهندس المختص في شؤون التبليط الانتخابي السريع، واذا كان تبليط الشركات النزيهة يبقى خمسين سنة فتبليط المرشحين عمره خمسون يوما، ثم يبدأ التشقق والتخسف، وإذا أراد مواطن صالح يعيش على الفطرة أن يتصل بالمرشح ليخبره بنبأ خراب التبليط وهو يعتقد أنه سوف يأسف ويغضب ويستدعي فرق الصيانة لتلافي الخراب يُفاجأ بأن هاتف النائب مغلق، فأغلب الناس لا يعلمون أن تغيير الهواتف مرحلة شهيرة من مراحل الانتخابات النيابية".
لعبة التعيينات الوهمية
أما المرشحون الآخرون أو حتى النواب مع قرب انتهاء فترتهم، فيذهبون مذاهب شتى لرسم صورة حسنة لهم أمام الجماهير فمنهم من يقطع الوعود للعاطلين بالتعيين ويأمرهم بإحضار الوثائق الأربع بملفات ملونة، فترى الملفات أكواما تُثقل كواهل غلمانه، حيث إن مرشح فعل ذلك بقوة رغم أنه كان من دعاة تشكيل مجلس الخدمة الاتحادي لكي يجري تعيين الموظفين بعدالة بين كل المحافظات.
وبهذا الصدد، يقول أحد المراقبين للشأن المحلي، إن غالبية النواب يتمنون أن يتحول الشعب الى حشود فقراء لا يجدون قوت يومهم لكي يستخدموهم في لعبة التعيينات الوهمية بكل دورة وكل مكون يحتفظ بفقرائه ويستمتع بأنينهم، لاستخدامهم في موسم الانتخابات المقبل، وهم يحسبون الامور بدقة فلو بلغ المواطن مرحلة الكفاف فلن يبيع صوته بلفة گص، ولن يبيع صوته بكارت شحن ابو العشرة، وهكذا يصبح المواطن كبشا بين ذئبين".
استغلال الحاجة المادية للمواطنين
يُصرّ معظم النواب ومكاتبهم، على تكرار الأساليب القديمة ذاتها في كسب الجماهير، والمتمثلة باستغلال الحاجة المادية للمواطن في ظل الأوضاع الاقتصادية المتأرجحة، فضلًا عن العزف على وتر العاطفة الدينية والتخندق العشائري والمناطقي، وهو ما يفسره أستاذ في علم الاجتماع بأنه دليل على الإفلاس وعدم القدرة على تقديم برنامج انتخابي حقيقي، أو خطة للنهوض بالأوضاع المتردية.
وإذا كان البعض من هؤلاء المرشحين قد اختاروا الطريق الأسهل للفوز عبر شراء التسلسلات المتقدمة في القوائم القوية، أو عمدوا إلى شراء البطاقات الانتخابية التي راجت عمليات بيعها في جميع المدن العراقية، فإن الآخرين فضلوا العودة إلى الطرق التقليدية، بعد إضافة بعض التحديثات عليها؛ لملائمة التنافس الانتخابي الشرس، الذي يخوضه أكثر من 6500 مرشح للفوز بامتيازات مقعد البرلمان العراقي، وفق أستاذ علم الاجتماع.
ولائم ودعوات للتشهير بالفقراء
وتُعد طريقة الولائم الانتخابية هي القاسم المشترك بين معظم المرشحين او النواب قبيل انتهاء فترتهم، وفي جميع المناطق العراقية بلا استثناء، ومنها: العاصمة بغداد، وتحديدًا في غربها، حيث منطقة "الغزالية" التي يسكنها الأستاذ الجامعي "قاسم حميد الجبوري" 56 عامًا، والذي يحتفظ بأكثر من 15 دعوة لحضور تجمعات انتخابية ينظمها أشخاص لحساب المرشحين، الذين يعيدون استهلاك كلام مكرر ووعود لا طائل منها، بحسب تعبيره.
الأستاذ الجبوري قال، إنه بعد تلبية 3 دعوات؛ قرر التوقف عن حضورها؛ ليقينه بأن جميع محتويات هذه الجلسات مصطنع وغير حقيقي، حيث يشرف على تنظيمها أشخاص يزعمون أنهم وجهاء وشيوخ عشائر، وأن الدعوات يتكفلون بها لخدمة الصالح العام، مضيفًا بأن الحقيقة هي استلامهم لمبالغ ضخمة من المرشح، لقاء تنظيم الوليمة التي تتصدرها لافتات، تؤكد أن أهالي أو وجهاء المنطقة يرحبون بابنهم البار، في إشارة إلى المرشح الذي ليس له أي تاريخ أو منجز.
ويعرب الجبوري عن أسفه لاستغلال حاجة الفقير بشكل بشع، من قبل المرشح ومنظم الدعوات، من خلال تصويرهم أثناء تناول الطعام، أو استلام المظاريف المالية أو الهدايا، ونشرها بشكل واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتعرض الشخص لحملة واسعة من السخرية والتشهير من قبل أقربائه ومعارفه.
مواطن: طلبات التعيين تنتهي إلى القمامة
وفي مناطق أخرى، تأخذ ظاهرة استقبال المواطنين في مكاتب النواب شكلًا أكثر تأثيرًا في الحاجة المادية لهم، حيث يشهر أغلب البرلمانيين الورقة السحرية؛ وهي: التعيين الوظيفي للمواطن وأفراد عائلته.
ويؤكد هؤلاء، أن العديد من المواطنين باتوا يحتفظون بعدة نُسَخ من ملفات تضم مستمسكاتهم الثبوتية وشهادة التحصيل الدراسي، وهي الأوراق التي يطلبها كل مرشح أو نائب منهم لغرض تعيينهم في الوزارات والدوائر الحكومية، متابعًا بأن البعض يتكفل بالتعيين في الأوقاف أو الصحة أو التربية، بينما ذهب بعضهم إلى أبعد من هذا، حين تعهد بتوفير التعيينات في وزارَتَي النفط والكهرباء، والتي يعلم الجميع بأنها وعود شبه مستحيلة.
ويقرّ المتابعون، بأن هذه الطريقة مكررة، وسبق استخدامها في السنوات السابقة من دون جدوى، حيث تم إهمال هذه الطلبات، أو حتى العثور عليها في القمامة، مستدركًا بأن الحاجة تدفع بالمواطن الفقير والطامح إلى تكرار الأخطاء في سبيل الفوز بفرصة التعيين، أو مجرد العيش على أمل أو وهم انتظار هذه الفرصة.
رعاية اجتماعية
تنوعت الأساليب والهدف واحد، حيث يقول مدير مؤسسة النور الجامعة، “أحد أكبر مؤسسات المجتمع المدني الناشطة في عدة محافظات”، أحمد جسام، إن بعض النواب باتوا يخلطون بين التشريع والرقابة وبين الجانب التنفيذي وأهملوا واجباتهم التشريعية لضعف الأداء واتجهوا الى مشاريع تنفذها دوائر حكومية، ما سبَّب إرباكاً بعمل دوائر الدولة بسبب التدخلات غير المبررة”.
ويؤكد جسام، إن “النواب يتسابقون على مشاريع خدمية في مجالات البلدية والكهرباء والماء وهي خارج صلاحياتهم مستغلين ذلك لدعايات انتخابية مبكرة ومتناسين دورهم الدستوري في مجال الرقابة والتشريع”،
وتساءل جسام، من مغزى وجود العديد من النواب الذين يتصدرون إعلامياً إنجازات التبليط وجمع معاملات القاصرين والرعاية الاجتماعية على الرغم من وجود دوائر مختصة بهذا الملف ويقع ضمن مسؤولياتها وبالتالي ما هو دور الدوائر المعنية بهذه الملفات؟
ظاهرة مترسخة
في النهاية، يؤيد الكاتب والاعلامي حسين علي الحمداني، وجود آراء ومؤشرات الاستغلال البرلماني لمهام الدوائر الخدمية، قائلاً “من الظواهر التي على ما يبدو ترسخت لدى البرلماني العراقي أنه يترك دوره التشريعي ويتفرغ للعمل التنفيذي، وهذا إما جهلاً منه بواجباته الحقيقية والتي تتمثل بتشريع القوانين ومراقبة السلطة التنفيذية أو تعمد غاياته تجيير كل عمل له”.
ومضى الحمداني بحديثه، “نجد النائب موجوداً عند تبليط شارع أو فتح مدرسة تبرع بها الناس أو فتح مكتبه لاستلام معاملات التقديم والتعيين ومتناسياً أن هذا من واجبات السلطة التنفيذية وهذه الظاهرة سلبية جدا وتؤكد ضعف البرلماني في إدراك واجباته الحقيقية”.
إلى ذلك، يقول مختصون في الشأن السياسي، إن هذه الظاهرة تنامت بكثرة بعد عام 2003 لكن اشتدادها جاء خلال الثلاث دورات الماضية بسبب كثرة أعداد السكان وحاجة البعض إلى التعيين أو أي شيء يضمن مستقبلهم، رغم أن هذا منافٍ للمنطق.