استمرار الوجود التركي شمالي العراق يفتح باب الجدل حول السيادة والتعاون الإقليمي

انفوبلس/..
رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على بدء التدخلات التركية في شمال العراق تحت ذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني، فإن هذه العمليات لم تتوقف، بل تصاعدت بشكل ملحوظ بعد عام 2003، متخذةً شكلاً أكثر تعقيداً وتوغلاً من خلال إقامة قواعد عسكرية ومعسكرات دائمة، أبرزها قاعدة زليكان في محافظة نينوى، واستُخدمت هذه القواعد، وفق مصادر أمنية، كملاجئ لقيادات إرهابية خلال معارك تحرير الموصل، في انتهاك واضح للسيادة العراقية.
وبرغم دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، إلى وقف العمليات المسلحة ونزع السلاح، لا تزال القوات التركية تواصل وجودها العسكري على الأراضي العراقية، ما يثير تساؤلات عن الأهداف الحقيقية لهذا التواجد.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر نيابية أن التغلغل التركي بدأ منذ عام 1989، إلا أنه تعمّق بشكل مقلق في الآونة الأخيرة، في ظل غياب أي إطار قانوني يبرر بقاء هذه القوات، ودعت تلك المصادر الحكومة العراقية إلى تحرك دبلوماسي حاسم لإنهاء هذا الوجود "غير الشرعي"، مشددة على أن لا اتفاقيات سابقة أو حالية تمنح تركيا الحق في هذا التواجد العسكري، مما يجعله بمثابة احتلال ينبغي مواجهته على كافة الأصعدة.
أكبر ثكنة مخابراتية داخل العراق
تركيا تمتلك اكبر ثكنة عسكرية مخابراتية واستخباراتية داخل العراق متمثلة بمعسكر زليكان في منطقة الشيخان بمحافظة نينوى، حيث يبعد عن حدود بلدية الموصل 12 كم فقط
وفي هذا الشأن، أكد عضو ائتلاف دولة القانون عمران كركوش، أن "الحكومة امام فرصة كبيرة لاستعادة السيطرة على الكثير من الاراضي التي هي تحت سيطرة حزب العمال الكردستاني وكذلك القوات التركية، بعد اعلان نزع سلاح حزب العمال وتسوية الامور مع الجانب التركي، حيث ان الاعلان عن نزع سلاح الحزب المذكور ينهي وجود اي مبررات لاستمرار تواجد القوات التركية في المناطق الشمالية العراقية، وبالتالي فان الخطوة المقبلة يفترض أن تكون الانسحاب التركي من الاراضي العراقية".
وعلى صعيد متصل، أوضح عضو الاتحاد الوطني الكردستاني غياث السورجي، أن "تركيا تمتلك اكبر ثكنة عسكرية مخابراتية واستخباراتية داخل العراق متمثلة بمعسكر زليكان في منطقة الشيخان بمحافظة نينوى، حيث يبعد عن حدود بلدية الموصل 12 كم فقط"، مبينا ان "حزب العمال الكردستاني ومنذ بدء ثورته المسلحة عام 1984 والى يومنا هذا فأنه لم يصل او يتواجد مطلقا في منطقة الشيخان او ناحية بعشيقة التي تقع قاعدة زليكان التركية على جبلها اذ تسيطر موقعيا على الموصل، وبالتالي فأن تركيا وبحجة حزب العمال فأنها فرضت هيمنتها على نينوى وكركوك، وهناك استغراب كبير من استمرار وجود هذه القاعدة وعدم تدخل الحكومة في ملفها".
احتلال صريح
تورط أنقرة في دعم وتشكيل ميليشيات محلية تعمل لخدمة أجنداتها داخل العراق، من بينها جماعة "الذئاب الرمادية" و"الفرسان الأتراك الأكراد".
وفي تصعيد لحدة الانتقادات الموجهة إلى أنقرة، اتهم النائب عن كتلة "صادقون" النيابية، رفيق الصالحي، تركيا بممارسة "احتلال صريح" للأراضي العراقية، متذرعة بملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني. وأكد الصالحي في تصريح صحفي أن "الوجود العسكري التركي في شمال العراق لم يعد مجرد خرق للسيادة، بل تحول إلى احتلال متكامل الأركان"، مشيراً إلى أن أنقرة تتعامل مع الأراضي العراقية كساحة خلفية لتصفية حساباتها الإقليمية، وسط صمت رسمي وتقاعس دولي واضح في مواجهة هذا التعدي.
وحذر الصالحي من أن استمرار هذا الوضع من دون رد حكومي حازم "يحول السيادة العراقية إلى مجرد شعارات فارغة"، مشدداً على أن الاحتلال التركي لا يهدد فقط أمن العراق، بل يهين كرامة الدولة أمام شعبها والعالم.
وأضاف: "لن نقبل أن تتحول أرواح العراقيين وأراضيهم إلى وقود لمغامرات أردوغان العسكرية"، مؤكداً نية كتلته السياسية اللجوء إلى جميع المسارات القانونية والدبلوماسية لإيقاف ما وصفه بـ"التمادي الخطير".
وفي تطور لافت، كشفت وثيقة صادرة عن جهاز الأمن الوطني العراقي عن تورط أنقرة في دعم وتشكيل ميليشيات محلية تعمل لخدمة أجنداتها داخل العراق، من بينها جماعة "الذئاب الرمادية" و"الفرسان الأتراك الأكراد".
ووفقاً للوثيقة، فإن هذه التشكيلات تتلقى دعماً وتدريباً مباشراً من أجهزة الأمن التركية، في محاولة واضحة لفرض نفوذ تركي ميداني يهدد وحدة العراق واستقراره.
زليكان تحت الاحتلال
وفي سياق متصل، أطلق عضو المكتب السياسي لحركة عصائب أهل الحق، حسين علي الشيحاني، تحذيرات شديدة بشأن وجود قوات تابعة للدولة التركية داخل صفوف ما يُعرف بـ"قوات حرس نينوى" المتمركزة في منطقة زليكان بمحافظة نينوى. وأوضح الشيحاني أن هذه القوات مدعومة بمدرعات تركية وتعمل ضمن معسكرات ميدانية، مما يعكس تصعيداً خطيراً في حجم وطبيعة التوغل التركي.
وأكد الشيحاني، في تصريح صحفي، وجود معلومات استخبارية تشير إلى تشكيل ميليشيات محلية تحت غطاء "حرس نينوى"، بدعم مباشر وممنهج من أنقرة، معتبراً أن الأخطر من ذلك هو ما وصفه بـ"محاولة لزج هذه الجماعات ضمن ألوية الحشد الشعبي"، في خطوة تهدف إلى منحها غطاءً رسمياً وإضفاء شرعية على وجودها.
وأضاف، أن إدماج هذه التشكيلات ضمن الحشد الشعبي لا يخدم سوى المصالح التركية، إذ يسعى إلى تقليل الأعباء الأمنية واللوجستية عن كاهل أنقرة، وفي الوقت نفسه يكرّس وجود قوى مسلحة خارج نطاق الدولة، ما يمثل تهديداً مباشراً لوحدة القرار العسكري والسيادي في العراق.
وحذر الشيحاني من أن التواجد التركي المتخفي داخل "حرس نينوى" يشكل تهديداً واضحاً للأمن الوطني، مشدداً على ضرورة تحرك عاجل لوقف هذه المحاولات التي تقوض سيادة الدولة وتفتح الباب أمام نفوذ خارجي متزايد في مفاصل الأمن العراقي.
تجاهل دعوات الانسحاب
ورغم تكرار المطالبات العراقية الرسمية والشعبية بإنهاء التواجد العسكري التركي شمال البلاد، تواصل أنقرة تجاهل تلك الدعوات، مستمرة في فرض أمر واقع على الأرض، وتلعب تركيا بورقة الضغط المائي كورقة تفاوض رابحة، مهددة بملف المياه في كل مرة ترغب فيها بتمرير أجنداتها السياسية أو الاقتصادية داخل العراق، ما يضاعف من تعقيد المشهد.
ولا يتوقف الأمر عند البُعد الأمني والسياسي، بل يمتد إلى مصالح اقتصادية واسعة، حيث يرتبط التواجد التركي في شمال العراق بشبكات تهريب النفط من إقليم كردستان باتجاه الأراضي التركية، في ظل غياب رقابة مركزية حقيقية، الأمر الذي يدر مكاسب مادية ضخمة لأنقرة، ويعزز من دوافعها للبقاء.
وفي هذا السياق، أكد النائب في مجلس النواب، أحمد صلال، أن "التوغل التركي المتسارع، وإنشاء قواعد عسكرية جديدة في شمال العراق، يكشف عن مخطط أوسع تسعى من خلاله أنقرة لإعادة رسم خارطة النفوذ في المنطقة، بالتعاون مع أطراف داخلية وخارجية". وأضاف أن "صمت وزارة الخارجية إزاء هذه الانتهاكات يثير تساؤلات مقلقة، وكان من المفترض أن تتخذ موقفاً واضحاً وحازماً لحماية السيادة الوطنية".
وكشف صلال عن تحركات برلمانية لجمع تواقيع من أجل استجواب وزير الخارجية العراقي، وذلك على خلفية ما وصفه بـ"التقصير الواضح" في مواجهة التدخلات التركية المتكررة، ضمن حزمة من الملفات الأخرى التي تمس السيادة الوطنية.