انفجار البيت السني قبيل الانتخابات.. بورصة المناصب تشتعل والانشقاقات تعصف بالتحالفات!

انفوبلس/..
في مشهد سياسي متقلب، تعيش التحالفات السنية واحدة من أعنف موجات الانقسام منذ سنوات، مع قرب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 تشرين الثاني 2025، حيث تتوالى الانشقاقات بوتيرة متسارعة، لتكشف عن أزمة قيادة عميقة، وصراع محموم على المناصب، وتحول الأحزاب إلى ما يشبه "البورصة السياسية" التي تُباع فيها المواقع وتُشترى الولاءات.
الشرارة الأولى جاءت من تحالف “حسم”، حين أعلن القيادي في مجلس محافظة الأنبار، خالد الكربولي، انشقاقه بشكل مفاجئ، لتتبعها سلسلة من الانقسامات داخل تحالفي “تقدم” و”عزم”، حيث انسحب أربعة من أبرز قيادات كل منهما، وسط صمت من قيادات الأحزاب الكبرى، وخيبة متصاعدة لدى قواعدها الشعبية.
وبحسب عضو تحالف الأنبار المتحد، عبد الستار الدليمي، فإن الأيام المقبلة “ستشهد عاصفة انشقاقات جديدة” ستضرب ما تبقى من تماسك في البيت السني، نتيجة فقدان الثقة داخل التحالفات، وغياب الآليات الديمقراطية الداخلية، وتحول القيادات إلى “تجار سلطة”، بحسب تعبيره.
*أزمة قيادة أم صراع نفوذ؟
اللافت في هذه الانشقاقات، هو تزامنها مع تراجع شعبية بعض الأسماء التي طالما هيمنت على المشهد السياسي السني، وفي مقدمتهم محمد الحلبوسي، رئيس تحالف تقدم، الذي يجد نفسه اليوم في موقع دفاع، بعد أن كان الأقرب إلى حسم السباق النيابي في الدورات السابقة.
السياسي المستقل، عائد الهلالي، يؤكد أن الانشقاقات ليست مجرد خلافات عابرة، بل هي نتيجة طبيعية لصراع داخلي طويل الأمد، تُغذيه الرغبة الجامحة لدى عدد من الشخصيات السنية بالعودة للمشهد السياسي، بأي ثمن، حتى وإن كانت الوسيلة هي ضرب التحالفات من الداخل.
ويضيف الهلالي: “حظوظ الحلبوسي تتراجع بوضوح، بالتزامن مع صعود أسماء جديدة مثل سالم العيساوي ومثنى السامرائي، وعودة رموز تقليدية مثل أسامة النجيفي، ما يُعيد رسم خريطة القوى داخل البيت السني”، مشيراً إلى أن هذه العودة تخلق نوعاً من الزحام السياسي الذي قد يفجّر مزيداً من التحالفات.
*من الممثل إلى المنقسم: مسرحية بلا جمهور
يرى مراقبون أن ما يحدث داخل البيت السني لم يكن مفاجئاً، بل هو نتيجة تراكمات متواصلة من سياسات الإقصاء، والاتجار بالولاءات، وتفكك الهوية السياسية الجامعة. فقد تحولت العديد من التحالفات إلى “مسرحيات مُملّة”، حسب تعبير بعض الناشطين، حيث يُعاد تمثيل نفس الوجوه، بنفس السيناريو، ولكن بدون جمهور متفاعل أو مؤمن بصدق العرض.
تصريحات عبد الستار الدليمي تسلط الضوء على هذا الجانب، إذ يقول إن بعض القيادات “حولت الأحزاب إلى بورصة للمناصب، يتحكمون بموارد المحافظات السنية ويوزعون الغنائم بعيداً عن المصلحة العامة”، مؤكداً أن هذا النهج أدى إلى “نقمة شعبية واسعة، وتحول هذه الأسماء إلى شخصيات منبوذة”.
*الطريق إلى الانتخابات.. بكتل ممزقة
في ظل هذا المشهد، يبدو أن القوى السنية تتجه نحو خوض الانتخابات القادمة بكتل صغيرة متفرقة، تسعى كل منها للحصول على أكبر قدر من المقاعد، حتى وإن كانت العملية محفوفة بالمخاطر، أبرزها ضياع الأصوات، وتشتت التمثيل النيابي.
عبد الهادي السعداوي، النائب السابق، يوضح أن غياب القيادة الدينية أو السياسية الجامعة للمكون السني هو ما يجعل هذه الانشقاقات طبيعية، بل ومتوقعة. فبخلاف باقي المكونات التي ترتكز على مرجعيات أو زعامات واضحة، يعيش البيت السني حالة من “الفراغ القيادي”، تُدار فيها التحالفات بالأهواء، وتُنسف فيها التفاهمات بمجرد خلاف شخصي أو طموح منفرد.
ويتابع السعداوي: “ما يحدث هو تكوين كتل صغيرة على أمل انتزاع موطئ قدم في البرلمان المقبل، وهذا قد يكون له نتائج كارثية على وحدة التمثيل السني”، لافتاً إلى أن الانشقاقات ليست بدافع إصلاحي بقدر ما هي رهانات انتخابية تسعى للربح السياسي الآني.
*هل تسقط الزعامات التقليدية؟
واحدة من أبرز الأسئلة المطروحة اليوم هي: هل يمكن أن تؤدي هذه الانشقاقات إلى نهاية نفوذ الزعامات التقليدية مثل الحلبوسي والخنجر والنجيفي؟ المؤشرات الحالية تشير إلى تآكل واضح في رصيد هذه الشخصيات، ولكن في المقابل لا توجد قوة سنية بديلة صاعدة تمتلك رؤية موحدة أو قاعدة شعبية واسعة.
وبينما يسعى البعض إلى الترويج لـ”جيل سياسي جديد”، إلا أن الواقع يشير إلى أن الصراعات الحالية تُعيد تدوير نفس الأسماء، وإن اختلفت مواقعهم أو شعاراتهم.
*خلاصة المشهد
ما يجري اليوم في البيت السني يمكن وصفه بـ”الانفجار السياسي المؤجل”، نتيجة سنوات من الانقسامات غير المعلنة، والصراعات المكتومة، والطموحات الجامحة. الانشقاقات ليست مجرد ظاهرة انتخابية مؤقتة، بل هي انعكاس لخلل هيكلي عميق في بنية التحالفات، وانعدام الثقة بين القواعد والقيادات، وانفصال تام بين الخطاب السياسي والمطالب الشعبية.
وإذا ما استمرت هذه الانقسامات دون معالجات حقيقية، فإن الانتخابات القادمة قد تكون بداية مرحلة جديدة من التشرذم، تنتهي بتفتيت التمثيل السني، وغياب التأثير الحقيقي داخل قبة البرلمان.
في النهاية، يبدو أن التحالفات السنية تسير نحو مشهد أكثر تشظياً، حيث تُباع المناصب وتُشترى الولاءات، فيما يراقب الناخب من بعيد مسرحية بلا بطل، ولا نهاية سعيدة.