الحرب على "البككا" وتصدير النفط وإطلاق المياه.. 3 ملفات تُهيمن على زيارة أردوغان الأولى له إلى العراق بوصفه رئيسا للجمهورية
انفوبلس/ تقرير
من المرتقب أن يُجري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، زيارة إلى العراق نهاية الأسبوع المقبل لأول مرة منذ 12 عاما، لحسم عدد من الملفات والقضايا العالقة بين البلدين، ومن أبرزها ملفات المياه وتصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي وكذلك ملف الأمن والحرب على حزب العمال الكردستاني.
ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على التفاصيل الكاملة للزيارة وأبرز الملفات التي ستُناقَش بين الطرفين
*موعد الزيارة
في 26 يونيو الماضي، أعلنت الحكومة العراقية، عن زيارة مرتقبة لأردوغان إلى العاصمة بغداد، لعقد مباحثات مع المسؤولين العراقيين، دون كشف أي تفاصيل عنها وعن موعدها الرسمي، فيما أثار تأخرها أنباء متضاربة بشأن إلغائها أو تأجيلها، دون أي تعليق رسمي عراقي بشأن ذلك.
لكن وسائل إعلام تركية، ذكرت أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعتزم زيارة العراق في 22 أبريل الجاري للمرة الأولى منذ 12 عاما. وذكرت قناة A Haber التركية أنه "تم التحضير للزيارة إلى بغداد بشكل نشط خلال الأسابيع القليلة الماضية.
ومن المقرر أن يتم خلال مفاوضات أردوغان في العراق التوقيع على حزمة من الاتفاقيات والمذكرات، بما في ذلك في مجال مكافحة الإرهاب"، وفقا لوسائل الإعلام.
وأكد مسؤول في مكتب رئيس الحكومة محمد شياع السوداني لـ"انفوبلس"، موعد زيارة الرئيس التركي اردوغان، وقال إنه في "22 أبريل/ نيسان 2024"، واصفاً المباحثات المرتقبة بالمهمة، والتاريخية للبلدين.
لكن مصادر سياسية قالت لـ"انفوبلس"، إن الجانب العراقي أبلغ بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى العراق ستكون في 22 نيسان وتستغرق هذه الزيارة يومين، مشيرة الى أن زيارة أردوغان إلى العراق ستركز على ملفات وقضايا عالقة بين البلدين منذ فترة طويلة، أبرزها ملفات المياه وإعادة تصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي، وكذلك ملف الأمن.
وكانت الجولة الثانية من الاجتماعات الأمنية رفيعة المستوى، بمشاركة وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات ومسؤولين آخرين من تركيا والعراق، في بغداد في 13 مارس (آذار) الماضي، في إطار التحضير لزيارة اردوغان.
وتمخض عن الاتفاق إنشاء لجان دائمة مشتركة تعمل في مجالات مكافحة الإرهاب، والتجارة، والزراعة، والطاقة، والمياه، والصحة، والنقل.
وعُقدت الجولة الأولى في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي في أنقرة، والتي أعقبتها زيارات متبادلة لوزراء الخارجية، والدفاع، ومسؤولي المخابرات، والأمن في البلدين، إلى جانب زيارات المسؤولين الأتراك لأربيل.
* أردوغان يكشف جدول أعماله في العراق
كما كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أهم القضايا على جدول أعماله في زيارته المرتقبة الى العراق والمقررة في 22 ابريل الجاري لأول مرة منذ 12 عاما.
وفي إجابة على أسئلة الصحفيين عقب انتهاء اجتماع الحكومة في العاصمة أنقرة، قال أردوغان اليوم، إن الجانب العراقي "يُولِي أهمية كبيرة لزيارتنا المقبلة، ومن أهم القضايا التي ستجري مناقشتها تدفق المياه والغاز الطبيعي والنفط إلى تركيا، وذلك بناءً على طلب بغداد في النظر إلى هذه القضايا".
وأشار أردوغان أنهم يدرسون طلبات تقدَّم بها الجانب العراقي بخصوص المياه وسيسعون لحل هذه المشكلة معهم، مبينا أن "هم يريدون منا حلها وستكون خطواتنا بهذا الاتجاه، وهناك أيضًا قضايا تتعلق بتدفق الغاز الطبيعي والنفط إلى تركيا، وسنسعى إلى معالجتها أيضًا"، فيما ألمح أردوغان إلى إمكانية زيارة أربيل عقب انتهاء مباحثاته في العاصمة بغداد.
*الخطط التركية
وتخطط تركيا لشن عملية عسكرية واسعة النطاق للقضاء على وجود "العمال الكردستاني" في شمالي العراق بالتعاون مع بغداد، التي ربطت مشاركتها في هذه الجهود بالتعاون في ملفات الطاقة، والمياه، والنقل، إلى جانب مشروع طريق التنمية، وهو ما لاقى ترحيباً من أنقرة.
وتسعى تركيا من خلال هذه العملية إلى إقامة منطقة عازلة على حدودها الجنوبية بعمق من 30 إلى 40 كيلومتراً داخل الأراضي العراقية، للقضاء على تهديدات "العمال الكردستاني" من شمال العراق، وقطع صلته مع "وحدات حماية الشعب" الكردية، أكبر مكونات "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المدعومة، بالتعاون مع بغداد.
كما قال الرئيس رجب طيب اردوغان، في مارس الماضي، إنه سيتم الانتهاء من إقامة "حزام أمني" بعمق 30 - 40 كيلومتراً في شمال العراق بحلول الصيف المقبل، مع الاستمرار في الإجراءات التي تُتخذ لاستكمال المنطقة الآمنة في شمال سوريا.
والشهر الماضي، أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لأول مرة عن الزيارة المرتقبة لاردوغان إلى العراق قائلاً إنها ستُجرى في أبريل، دون تحديد تاريخ دقيق، متحدثاً عن صياغة الاتفاقيات ضمن إطار معين حتى هذه الزيارة.
وعقب عودته من بغداد الشهر الماضي، قال فيدان إن الاتفاق الإطاري، الذي يجري العمل عليه، هو اتفاق يشمل التعاون الإقليمي، ليس فقط في مجال الأمن، ولكن أيضاً في مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك الطاقة، والمياه، والزراعة، وتشغيل البوابات الحدودية.
ولفت إلى أن إيران يمكنها أن تشارك في المشروعات التنموية المشتركة بين تركيا والعراق أيضاً. وأكد فيدان أن الأمن هو إحدى ركائز الاتفاق الإطاري الذي تبذل الجهود للتوقيع عليه خلال زيارة اردوغان، و"ستكون هناك مذكرة تفاهم في هذا المجال".
وذكر، أن "هناك تعاوناً استخبارياً بين العراق وتركيا، وهناك مجالات تعاون مع بغداد وأربيل تتمحور حول الأمن ومكافحة الإرهاب".
بدوره، قال مستشار الإعلام والعلاقات العامة بوزارة الدفاع التركية زكي أكتورك، الأسبوع الماضي، إن بغداد أظهرت توجُّهاً إيجابياً بشأن إقامة مركز عمليات مشتركة مع تركيا يستهدف تنسيق العمليات ضد حزب "العمال الكردستاني".
وأكدت مصادر في وزارة الدفاع التركية، أن هناك اتفاقاً بين أنقرة وبغداد على إقامة منطقة آمنة على الحدود بعمق 30 إلى 40 كيلومتراً في شمال العراق بحلول الصيف، كما سبق أن أعلن الرئيس اردوغان.
يُشار إلى أن رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، أجرى زيارة رسمية إلى العاصمة التركية أنقرة، في مارس/آذار الماضي، على رأس وفد وزاري وأمني كبير، بحث خلالها عدة ملفات أبرزها: الأمن، والحدود، والمياه، والطاقة، وتوسيع نطاق التجارة بين البلدين.
ويرى بعض السياسيين، أن تركيا اعتدت على العراق في كثير من الملفات، منها التوغل العسكري شمالي البلاد، وكذلك استخدامها لورقة المياه كوسيلة ضغط على العراق، حيث يقول النائب عن ائتلاف دولة القانون ثائر الجبوري، إن "تركيا قامت بالاعتداء على العراق عندما قامت بإنشاء سدود على نهري دجلة والفرات، وهذا الأمر مخالف للقانون الخاص بالدول المتشاطئة".
ويبين، إن "هناك إمكانية لاستثمار الملف الاقتصادي كورقة ضغط على تركيا لتحقيق أعلى قدر ممكن من المصالح للعراق"، لافتا الى أن "ملف المياه يجب أن لا يركن عن المفاوضات التي ستجري بين العراق وتركيا حول طريق التنمية، وكذلك في زيارة الرئيس التركي للبلاد".
وعلى السياق ذاته، عدَّ المحلل السياسي حازم الباوي، أن استخدام تركيا بملف المياه ضد العراق، بمثابة تعطيش للعراق. ويقول إن "ما فعلته تركيا من تعطيش، يُحتّم على العراق استخدام الورقة الاقتصادية للضغط على تركيا بموضوع المياه وغيرها من المواضيع"، مشيرا الى أن "استخدام أردوغان لأسلوب التعطيش، هو بمثابة إبادة جماعية ضد الانسان والبيئة، وهذا الأمر مخالف لميثاق الامم المتحدة".
وشهدت العلاقات بين أنقرة وبغداد توترا في السنوات الأخيرة على خلفية ملفات عدة، ولا سيما المياه والطاقة والعمليات العسكرية التركية في شمال العراق، حيث يتهم العراق تركيا ببناء سدود تتسبب في انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات في وقت تعاني فيه البلاد من جفاف حاد.
كما لم تُستأنف بعد عمليات تصدير نفط إقليم شمالي العراق عبر ميناء جيهان التركي منذ أن أغلقت تركيا خط الأنابيب قبل عام بعدما أمرت محكمة تحكيم أنقرة بدفع نحو 1.5 مليار دولار تعويضات لبغداد بسبب نقل النفط من "شمال العراق" دون موافقة الحكومة العراقية.
كذلك، تنفذ تركيا منذ 2019 سلسلة عمليات عبر الحدود في شمال العراق ضد "PKK" الإرهابي أطلقت عليها اسم "المخلب"، في وقت سجل العراق، أكثر من 22 ألف خرق أمني للجانب التركي تجاه الحدود العراقية، وقدم أكثر من 16 ألف مذكرة احتجاج، وذلك وفقاً للجنة الأمن والدفاع النيابية في مجلس النواب العراقي.
*التواجد التركي في العراق
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق، إن بلاده ستعزز قواعدها الثابتة التي أقامتها حديثا في شمالي العراق خلال الأشهر المقبلة بعد أن قُتل 12 جنديا تركيا في المنطقة.
وتتحدث تقارير موثقة من مصادر استخباراتية عن أن تركيا تمتلك 11 قاعدة عسكرية رئيسية في إقليم كردستان العراق، إلى جانب 19 معسكراً أساسياً تابعاً لها. وتتوزع تلك القواعد والمعسكرات على مناطق بامرني وشيلادزي وباتوفان وكاني ماسي وكيريبز وسنكي وسيري وكوبكي وكومري وكوخي سبي وسري زير ووادي زاخو والعمادية.
في العام 2015، أي بعد حوالي عام على اجتياح تنظيم "داعش" الإرهابي بعض مدن العراق، استحدثت تركيا، بحسب التقارير، معسكرات إضافية جديدة في مدن بعشيقة وصوران وقلعة جولان وزمار، وحوّلت معسكرها في منطقة حرير جنوب أربيل إلى قاعدة عسكرية، وقامت ببناء قاعدة سيدكان، وفتحت بضعة مقرات في مدينتي ديانا وجومان القريبتين من جبال قنديل، من أجل إحكام السيطرة على مناطق خنير وخاوكورك وكيلاشين، وبالتالي الاقتراب من مواقع تمركز تشكيلات حزب العمال الكردستاني.
ويُقدَّر عدد العسكريين الأتراك (ضباط وجنود) الموجودين في تلك القواعد والمعسكرات، بأكثر من 7 آلاف عنصر يتحركون بمساحات جغرافية واسعة تصل إلى حوالي 100 كلم في عمق الأراضي العراقية. وإضافةً إلى القواعد والمقرات العسكرية، ينشط جهاز الاستخبارات التركي (MIT) على نطاق واسع في إقليم كردستان. وبحسب التقارير، هناك 4 مقرات رئيسية له في كلٍّ من العمادية وماتيفا وزاخو وكاراباسي في مركز مدينة دهوك.
وتتنوّع مهام تلك المقرات الاستخباراتية، بحيث لا تقتصر على دعم الأعمال العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني وتعزيزها، إنما تمتد إلى العمل على ملفات سياسية وغير سياسية أخرى، مستفيدة من علاقاتها الإيجابية مع بعض القوى والأحزاب والشخصيات العراقية، الكردية والتركمانية والعربية.
وبما أنَّ أنقرة ترى أنَّ الاقتصاد يمثّل أحد أهم وأبرز مرتكزات وأسس التوسع والتمدّد، فإنها لم تكتفِ بتكريس وجودها العسكري والاستخباراتي في العراق وترسيخه، إنَّما راحت تعززه بحضور اقتصادي في مجال الاستثمارات النفطية، إذ يعمل عدد من شركات النفط التركية في 8 حقول في إقليم كردستان.
ووفقاً لمصادر إعلام كردية، تملك شركة "كنل إنيرجي" حصصاً، وبنسب مختلفة، في البلوكات النفطية في الإقليم، فهي تملك 25% في بلوك طاوكي، و40% في بلوك بيربهر، و40% في بلوك دهوك، و44% بلوك بناوي، و44% في بلوك طقطق، و75% في بلوك ميران، و60% في بلوك جيا سورخ.
وتملك شركة "بيت أويل" أيضاً حصصاً في حقول جيا سورخ وبلكانة بنسبة 20%، فضلاً عن أنَّ الجزء الأكبر من أنبوب نفط الإقليم الذي يمتدّ إلى ميناء جيهان التركي يقع داخل الأراضي التركية، إذ يبلغ طوله 896 كلم، ويبدأ من حقل خورملة جنوب أربيل، ويمتدّ داخل أراضي إقليم كردستان إلى مسافة 221 كلم، حتى منطقة فيشخابور قرب الحدود مع تركيا، ويقع 675 كلم منه داخل الأراضي التركية، ويخضع لإشراف شركة "بوتاش" التركية التي تجني عوائد مالية كبيرة منه.
ولا تعمل شركات النفط التركية وحدها في إقليم كردستان، فهناك عشرات الشركات المتخصصة في قطاعات البناء والإعمار والصناعات الغذائية والدوائية والكهربائية والألبسة والتقنيات الإلكترونية، والتي تشغل حيزاً في مجمل النشاط التجاري والاقتصادي في الإقليم وعموم العراق، فضلاً عن المصارف التركية وشركات تحويل الأموال.