التأكيدات تتوالى.. ما الجديد في الضغوط الخارجية على السيد السيستاني لإصدار فتوى بحل الحشد الشعبي؟
انفوبلس/ تقرير
وردت تأكيدات بأن المرجعية الدينية الأعلى في النجف الاشرف، السيد علي السيستاني (دام ظله)، واجه ضغوطاً دولية لإصدار فتوى بحل الحشد الشعبي، على غرار فتوى الجهاد الكفائي التي تأسس على إثرها لمواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي، وأصدرها هو نفسه عام 2014، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس" الضوء على التفاصيل الجديدة التي تكشفت حول هذا الملف.
الحشد الشعبي مؤسسة رسمية قانونية صوّت البرلمان العراقي على قانونها وهي إحدى صنوف القوات المسلحة التي تأتمر بإمرة القائد العام لقوات المسلحة.
*تفاصيل "مثيرة"
كشفت مصادر عراقية - طالبةً عدم الكشف عن اسمها - إن هناك ضغوطاً أممية وأوروبية جرت مؤخراً، خلال زيارات مسؤولين إلى السيد السيستاني (دام ظله)، تطلب إصدار فتوى بحل وحدات الحشد الشعبي ونزع سلاحها، خاصة بعد طلب واشنطن من الحكومة العراقية الأمر ذاته، حسب ما أكده مسؤولون عراقيون في تقارير سابقة.
وسبق أن زار ممثل الأمم المتحدة في العراق، محمد الحسان، السيد علي السيستاني (دام ظله) مرتين، آخرهما في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2024.
سياسي شيعي مقرب من مكتب السيد السيستاني (دام ظله) ومطلع على اجتماعاته بالمسؤول الأممي قال، إن "الحسان طلب تدخل السيستاني لحل الفصائل المسلحة، لعدم تعريض العراق لمخاطر عدم الاستقرار في ظل الأوضاع الحالية". مؤكداً، إن "الحديث تناول إصدار فتوى بشكل غير مباشر، لكن السيستاني لن يتصرف وفقاً لأي ضغوط أو مطالب خارجية".
وفي نهاية الشهر الماضي أيضا، كشفت مصادر سياسية رفيعة المستوى، عن رفض المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني (دام ظله)، إصدار فتوى لحل الحشد الشعبي، بالرغم من الضغوط الغربية التي يتعرض لها العراق.
وقال مصدر عراقي مسؤول، إن "الحكومة العراقية تلقّت، أكثر من مرة، طلبات من أطراف دولية وإقليمية لحلّ الحشد الشعبي وتسليم الفصائل المسلحة سلاحها للدولة". مضيفا، إن "الزيارة الثانية لممثل الأمم المتحدة في العراق، محمد الحسان، إلى المرجع الديني الأعلى في النجف، السيد علي السيستاني، كانت بهدف الطلب منه إصدار فتوى لتفكيك الحشد الذي تأسس بفتوى منه، أو دمجه مع الوزارات الأمنية، ليرفض الأخير استقباله"، بحسب صحيفة "الاخبار" اللبنانية.
أما مصدر من الحكومة العراقية، فقد قال، إن "رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، يتعامل مع جميع الأطراف من أجل تخفيف الصراع الأيديولوجي، وخاصة بعد طوفان الأقصى وما تلاه من أحداث في سوريا وسقوط النظام". موضحا، إن "قضية حلّ الحشد وتفكيك الفصائل رغبة غربية ليست جديدة، لا سيما من جانب الولايات المتحدة التي دائماً ما تعبّر عن انزعاجها من الفصائل".
وأشار إلى أن "السوداني دائماً ما يشدّد على عدم تدخل الحشد الشعبي في الصراعات الداخلية والإقليمية وحتى عند أحداث غزة ولبنان، أُبعد الحشد عنها تماماً، لكنّ هناك أطرافاً دولية وإقليمية تعتبر أن الفصائل تهدّد مصالحها وتتحكم بها إيران".
أما المصدر الثالث، فقد قال إن "السيد السيستاني استقبل الحسان فعلاً في زيارة أولى، جرت خلالها مناقشة الأوضاع في المنطقة ومصلحة العراق، بينما في الزيارة الثانية، التي أُجريت قبل أيام وبعد نحو شهر على الأولى، لم يستقبله المرجع الأعلى بل ابنه السيد محمد رضا، وهذا ما يبيّن أنه فعلاً كان هناك طلب بخصوص حل الحشد، وعدم استقباله هو بمثابة الرفض لذلك الطلب".
وحلّ الحسان في الرابع من تشرين الثاني الماضي ضيفاً على السيد السيستاني، إثر الأحداث والتحوّلات التي عاشتها المنطقة. وحينها، شدد المرجع على وحدة الصف العراقي وحصر السلاح بيد الدولة والابتعاد عن لغة الحروب، وهو ما فسّره ناشطون ومحلّلون سياسيون على أنه إشارة إلى الفصائل بوقف عملياتها العسكرية التي أحرجت الحكومة العراقية.
وكانت مصادر سياسية مطلعة في العراق قد كشفت، في 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي، عن تلقي الحكومة العراقية رسالة أميركية محرجة تطالبها بحل الحشد الشعبي ومكافحة السلاح المتفلت وإبعاد تأثيرات دول الجوار على قرارها السيادي، مقابل استمرار الدعم للنظام السياسي القائم، فيما ربطها سياسيون بـ"مؤامرات داخلية" تستهدف إضعاف المكون "الأقوى"، وخلخلة الاستقرار الأمني في البلاد.
وأقر عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية مختار الموسوي، في حينها، بوجود ضغوط أمريكية لحل الحشد، داعياً الحكومة إلى عدم الاستجابة لها، مهما كلفها من ثمن، لافتاً إلى أن "الحشد الشعبي يشكل صمام أمام البلاد، ومن ثم الأجهزة الأمنية والعسكرية".
ونفى رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني مؤخراً، وجود أي شروط أو إملاءات حول موضوعة حل الحشد الشعبي. مضيفاً، أن التحالف الدولي انتهت مهمته ومبررات وجوده لكن أحداث 7 أكتوبر وتداعياتها عرقلت ذلك، لكن وصل العراق إلى اتفاق وحدد شكله.
ويرجع تشكيل هيئة الحشد الشعبي في العراق إلى عام 2014 عندما أصدر المرجع الديني الأعلى، السيد علي السيستاني (دام ظله)، في النجف فتوى بتشكيل حشود شعبية لمواجهة خطر تنظيم "داعش" الارهابي، الذي توغل داخل مدن عراقية وسيطر على ثلث أراضي العراق، ووصل إلى مشارف العاصمة بغداد.
فهبَّت الحشود، وتطوع ما يقارب المليون شخص وحملوا السلاح وتوجهوا إلى جبهات القتال مع الجيش العراقي، وبعد مرور عامين، أصدر مجلس النواب العراقي عام 2016، بعد طلب رفعه نواب من الكتل السياسية، قانونا خاصا بالحشد الشعبي في العراق، باعتباره أحد تشكيلات القوات المسلحة العراقية.
هل يمكن حل الحشد الشعبي؟
تعليقاً على تصريحات السيد السيستاني بشأن حصر السلاح بيد الدولة، قال قيادي في المقاومة العراقية، "فهمنا من تصريحات السيد السيستاني أنه يقصد سلاح العشائر والسلاح المنتشر بين المواطنين العاديين، بالإضافة إلى سلاح القوات الأمريكية المتواجدة في العراق". وأضاف: "لا نعتقد أن السيد السيستاني قد يصدر فتوى لحل الحشد الشعبي، فهو تأسس بناءً على فتواه، ونحن من نفذ أوامره وحاربنا من أجل العراق. فهل يكون هذا هو رد الجميل؟".
الجدير ذكره، أن الحشد الشعبي يُعد في الوقت الحالي قوات نظامية عراقية، وجزءاً من القوات المسلحة العراقية، تأتمر بإمرة القائد العام للقوات المسلحة، بعد أن صادق مجلس النواب العراقي في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 على قانون دمج الحشد الشعبي بالقوات المسلحة.
أما بشأن الحديث عن وجود ضغوط خارجية للدفع باتجاه حل الحشد، فقال القيادي: "الجميع في العراق، سواء القادة السياسيين أو الدينيين، يعلمون أن مسألة حل الحشد الشعبي لن تحدث مهما تعرض العراق لضغوط". وتابع، بأن "السيد السيستاني نفسه يعلم أنه، مع ما يحدث في سوريا، فإن وجود الحشد الشعبي أصبح أكثر أهمية، ولا يمكن حله بالقوة".
وعن الضربة التي ستبدد أحلام واشنطن، أكدت كتلة الصادقون، أن "الفصل التشريعي القادم سيشهد التصويت على قانون الخدمة والتقاعد لمجاهدي الحشد كرد جميل لتضحياتهم في الدفاع عن الوطن وسيادته".
السيد السيستاني والسياسية في العراق
سبق أن لعب السيد السيستاني (دام ظله) دوراً كبيراً في تشكيل الحياة السياسية في العراق. فمنذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، تدخل بشكل مباشر في صياغة الدستور العراقي الجديد، واستخدم نفوذه الديني والروحي لتشجيع الناس على التصويت على الدستور آنذاك. كما دعم بشكل علني أول كتلة سياسية شيعية خاضت أول انتخابات برلمانية عام 2005، بحسب الباحث السياسي العراقي معتصم ذو الفقار.
وقال الباحث السياسي المهتم بالشؤون الدينية في العراق: "كان دور المرجعية الدينية كبيراً، سياسياً، وتصدى لمحاولات احتكار السلطة أثناء ولاية نوري المالكي. لكن السيد السيستاني قرر تخفيف تدخله بشكل كبير منذ عام 2013، محتفظاً بأقل قدر من التدخل في الحياة السياسية، عندما يرى اختلالاً في توازن القوى أو صراعات طائفية".
وعادةً لا يقابل السيد السيستاني الزعماء السياسيين. فقد طلب مقتدى الصدر سابقاً مقابلة السيستاني لكنه رفض، وكذلك خلال الصراع السياسي بين الإطار التنسيقي والصدر في عام 2021، رفض أيضاً طلب عدد من قادة الإطار التنسيقي الشيعي مقابلته، بحسب المصادر العراقية.