الدولة الأموية وتاريخ طويل من العبث بالإسلام.. إليك أبرز أفعال بني أمية خلال حقبتهم المظلمة
انفوبلس/ تقارير
قد تمرّ الأمم بحال من الركود وإن كانت تختزن معاناة، أو تميل إلى السكون وإن كانت مُثقلة بالجراح، وقد تهبط الى الرضوخ خوفاً من بطش طاغية وتجنباً لسيف سفّاح مستبِد، حينها الأمة لا تكون بحاجة إلى شيء كحاجتها إلى قوة توقِظها من غفوتها، وتنتزعها من خدرها، ثم تستنهض قدراتها للتغيير والإصلاح وصولاً لصناعة واقع جديد.
*حُكم بني أمية التسلّطي
في جانب من نتائجها، واقعة كربلاء أظهرت رؤى ومفاهيم وقناعة جديدة، وحفّزت عموم الأمة روح الثورة على حُكم بني أمية التسلّطي، فما إن استُشهِد الإمام سيد الشهداء (عليه السلام)، حتى اضطربت أطراف البلاد، وأخذت الثورات تتوالى ضد الطغيان الأموي، وإن كانت دوافع الثورات وأهدافها متباينة، وكانت البداية في حركة التوّابين الاستشهادية، ثم ثورة المدينة، وبعدها انتفاضة المختار الثقفي، وفي سنة 121هـ كانت حركة زيد بن الإمام علي زين العابدين (عليه السلام).
وهذه الحركات الثائرة، وإن انتهت بنهايات مُفجِعة، لكن كانت من العوامل الرئيسية لانهيار الدولة الأموية. يقول المرجع المجدِّد الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس): «إن استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) لفت الأنظار إلى مواطن انحراف الدولة الأموية عن الإسلام، وأسّس للأجيال التالية خير مرقب يرصدون به الانحرافات، لا فقط الانحرافات التي يمارسونها باسم الإسلام، بل الانحرافات التي تقع في الإطار الإنساني العام أيضاً».
*فساد النظام السياسي الأموي
مع ذلك، هناك جانب آخر لسقوط حُكم بني أمية، وقليل ما يُسلط الضوء عليه رغم أهميته كحقيقة تاريخية من جهة وعبرة للتأمل والاعتبار من جهة أخرى وهذا الأهم، ألا وهو فساد النظام السياسي الأموي، وهذا الجانب لوحده كفيل بإسقاط أية دولة مهما بلغ شأنها قوة وسطوة.
يذكر المسعودي في مروج الذهب: سُئل بعض شيوخ بني أمية وكبارهم، عقيب زوال المُلك عنهم إلى بني العباس: ما كان سبب زوال مُلككم ودولتكم؟ قال: «إنا شـُغِلنا بملذاتنا عن تفقّد ما كان يلزمنا، ظلمنا رعيّتنا، فيئسوا من إنصافنا وتمنّوا الراحة منا، وتحومِل (ظلمنا) على أهل خراجنا (الدول والأقوام الخاضعة) فتخلّوا عنا، وخربت ضياعنا، وخلتْ بيوت أموالنا (بسبب الفساد ولا حساب)، ووثّقنا بوزرائنا فآثروا مرافقهم (مصالحهم) على منافعنا، وامضوا أموراً دوننا وأخفوا عـِلمها عنا، وتأخر عطاء جندنا فزالت طاعتهم لنا، واستمالهم أعادينا فتظاهروا معهم على حربنا، وطَلَبَنا أعداؤنا فعجزنا عنهم لقلة أنصارنا، وكان استتار الأخبار عنا (جهلهم لما يجري بين الناس) من أوكد أسباب زوال ملكنا».
ويُروى أن الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان خطب في مكة، والمظالم قد عمّت البلاد فوعظ الناس وأمرهم بتقوى الله، فقام إليه رجل من الحضور، وقال: «مهلاً مهلاً، إنكم تأمرون ولا تأتمرون، وتنهـَون ولا تنتهون، أفنقتدي بسيرتكم في أنفسكم أم نطيع أمركم في ألسنتكم؟».
وأضاف: «فإن قلتم اقتدوا بسيرتنا، فأين، وكيف، وما الحجة، وما النصير من الله في الاقتداء بسيرة الظلمة الذين أكلوا أموال الله دولاً (ما يتداول من المال فيكون لقوم دون قوم)، وجعلوا عباد الله خولاً (من خلال السلطة والمال يجعلون الناس عبيداً لهم وأتباع)؟! وإن قلتم أطيعوا أمرنا، واقبلوا نصيحتنا، فكيف ينصح غيره من يغشّ نفسه؟! أم كيف تجب الطاعة لمن لم تثبت عدالته؟! وإن قلتم خذوا الحكمة من حيث وجدتموها، واقبلوا العِظة ممن سمعتموها، فعلامَ قلّدناكم أَزِمّة أمورنا، وحكّـمناكم في دمائنا وأموالنا؟».
ثم قال مذكّراً: «أما علمتم أن فينا من هو أبصر بفنون العظات، وأعرَف بوجوه اللغات منكم؟». وختم الرجل كلامه قائلاً: « فتزحزحوا عنها (عن الحكم) لهم (لمن هم أفضل منكم) وإلا فأطلقوا عقالها (اهربوا) وخلوا سبيلها، يتدبر إليها الذين شرّدتموهم في البلاد، ونقلتموهم في كل وادٍ، فوالله ما قلّدناكم أَزِمّة أمورنا، وحكّمناكم في أبداننا وأموالنا وأدياننا لتسيروا فيها بسيرة الجبّارين».
*هدم الدولة الأموية للكعبة المشرفة
أما بالنسبة إلى رأي الدولة الأموية في الكعبة، وزمزم، ومقام إبراهيم وغيرها من المقدسات، فذلك أوضح من الشمس وأبين من الأمس، ويتضح ذلك من النصوص التالية :
· كان خالد القسري قد أخذ بعض التابعين فحبسه في دور آل الحضرمي بمكة المكرمة فأعظم الناس ذلك وأنكروه، فخطب قائلا: قد بلغني ما أنكرتم من أخذي عدو أمير المؤمنين (يقصد معاوية) ومن حاربه، فوالله أمرني معاوية أن أنقض هذه الكعبة حجرا حجرا لنقضتها.
· قال المدائني: كان خالد يقول: لو أمرني أمير المؤمنين لنقضت الكعبة حجرا حجرا، ونقلتها إلى الشام.
· وأعظم من ذلك وأشد خطرا، وأعظم جُرأة على الله: أن الحجاج لم يكتفِ في حربه لابن الزبير برمي الكعبة بأحجار المنجنيق، حتى رماها بالعذرة أيضا.
· كما أن الوليد بن يزيد الأموي قد أنفذ مجوسيا ليبني على الكعبة مشربة للخمر، حيث ذهب في عهد هشام إلى مكة ومعه خمر، وقبّة ديباج على قدر الكعبة، وأراد أن ينصب القبة على الكعبة، ويجلس فيها، فخوّفه أصحابه من ثورة الناس حتى امتنع .
· وتقدّم قول الجاحظ: إن هاشما تفخر على بني أمية بأنهم لم يهدموا الكعبة، وأنهم أعادوا على بيت الله بالهدم، وعلى حرم المدينة بالغزو، فهدموا الكعبة، واستباحوا الحرمة.. الخ.
*تحويل الدولة الأموية للقبلة
حوّلت الدولة الأموية قبلة المسلمين كما ينص عليه الجاحظ، حيث إنهم قد حولوها إلى بيت المقدس تجاه الصخرة، التي هي قبلة اليهود.
يقول الجاحظ، "حتى قام عبد الملك بن مروان وابنه الوليد وعاملهما الحجاج ومولاهما يزيد بن أبي مسلم فأعادوا على البيت بالهدم وعلى حرم المدينة بالغزو فهدموا الكعبة واستباحوا الحرمة وحوّلوا القبلة واسط ".
ومما يدل على تحويل قبلة واسط أيضا: أن أسد بن عمرو بن جاني ، قاضي واسط ، قد رأى قبلة واسط رديئة ، فتحرف فيها ، فاتُهِم بالرفض، فأخبرهم أنه رجل مرسَل من قبل الحُكام ليتولى قضاء بلدهم.
*إضرارهم بالإسلام واستهزاؤهم بالمصحف والدين
يذكر المؤرخون، أن الخليفة الأموي، قرأ ذات يوم (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) فرمى المصحف بالنشاب، وهو يقول :
تهدّدُني بجبّارٍ عنيدٍ *** فها أنا ذاكَ جبٌّار عنيدُ
إذا ما جئتَ ربّكَ يومَ حَشْرٍ *** فقُلْ يا ربِّ خرَّقَني الوليدُ
ولا نجازف إذا قلنا، إنه في عهد الخلفاء الذين سبقوا خلافة أمير المؤمنين الإمام علي «عليه السلام» قد كانت السيطرة والهيمنة لتلك الفئة التي لم تكن تُقيم للدين وزنا.
وأصبح الجو العام هو جو الاستهزاء والسخرية بالدين وبالمتدينين مع عدم اهتمام ظاهر من السلطات بردع هذا الفريق من الناس ومكافحتهم لأسباب مختلفة.
وكشاهد على ذلك نذكر :
أن حذيفة بن اليمان قال، "ابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلّي إلا سِرّاً".
فإذا كان أمثال حذيفة لا يستطيعون الإعلان بصلاتهم، فما ظنّك بالأعمّ الأغلب من الناس الذين لم يكن لهم مقام ولا مكانة حذيفة ونفوذه؟!.
*إنهاء الشورى وتوريث الحكم
لقد اعتمدت الدولة الإسلامية الشورى في اختيار رئيس دولتها بدءاً من أبي بكر وانتهاءً بالإمام علي "عليه السلام"، لكن الأمر تغيّر منذ عهد معاوية بن أبي سفيان، فأصبح وراثة، إذ ورث الحكم لابنه يزيد ثم توالت الأمور بهذه الصورة، فلماذا تغير الأمر من "شورى" إلى "وراثة"؟
*لماذا تغيّر الأمر من "شورى" إلى "وراثة"؟
لقد استغل معاوية وفاة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- فأنهى نظام الشورى وقرر توريث الحكم لأبنه يزيد، وساعدته بذلك بضع المؤامرات الداخلية والخارجية منها مؤامرات أبي لؤلؤة المجوسي ومؤامرة عبد الله بن سبأ التي شهدت استشهاد الإمام علي "عليه السلام" وقتل عثمان بن عفان ووقوع معركة الجمل.
*سقوط الدولة الأموية
يرى كثير من المؤرخين أن العامل المهم الذى أدى إلى سقوط بني أمية هو تعصّب الأمويين للعرب، حيث كان حكام الدولة الأموية متعصّبين للعرب وللتقاليد العربية، وللغة العربية، ولم يستطع معظم خلفائها أن يرتفعوا على مستوى المساواة والعدل في الإسلام مما أدى إلى خروج الموالي على الدولة الأموية.
والموالي جمع مولى، وهم الخدم والحلفاء في لغة العرب، تم استخدامه بكثرة في زمن الخلافة الأموية للإشارة إلى المسلمين من غير العرب، كالفرس والأفارقة والأتراك والأكراد.
وسقطت الدولة الأموية على يد القائلين بأحقيّة آل البيت "عليهم السلام" بالخلافة.
ويشير كتاب "الاستشراق والاستغراب" إلى أن المستشرق "فلهوزن" أكد على أن الموالي كانوا مضطهدين من قبل الدولة الأموية، مما أدى إلى أن يشارك الأعاجم والموالي في الثورة على الدولة الأموية مما تسبب في سقوطها، مشيرا إلى أن العرب كانوا ينظرون نظرة استصغار ضد الموالي والعجم.