مشاريع مصافٍ خارج العراق تُشعل الجدل في بغداد... رؤية اقتصادية أم خطوة غامضة؟

حقيقة مشروع المصفاة في لبنان
انفوبلس/..
تداولت أوساط سياسية وإعلامية في العراق معلومات حول توجيه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ببناء مصفى نفطي في مدينة طرابلس اللبنانية بطاقة إنتاجية تصل إلى 70 ألف برميل يوميًا، إلى جانب مدّ خط أنابيب جديد يمتد من البصرة مرورًا بحديثة غرب العراق، وصولًا إلى طرابلس اللبنانية وبانياس السورية، بسعة مليون برميل يوميًا.
النائب العراقي مصطفى سند، المعروف بانتقاداته اللاذعة لملف الطاقة وإدارة الثروات، أفاد بأن المقترح تم تقديمه في وقت متأخر من الليل من قبل مدير شركة "كار" الكردية إلى رئيس الوزراء خلال لقاءات وصفها بـ"المستمرة والغريبة"، مشيرًا إلى أن الشركة ذاتها ستكون مسؤولة عن تنفيذ المشروع حال اعتماده.
سند وجّه انتقادات لاذعة للمشروع، مؤكدًا أن ما يروّجه البعض بأن الهدف منه هو دعم "جبهة المقاومة" مجرد وهم، مؤكدًا أن مدينة طرابلس تُعد من أكثر المناطق اللبنانية "تطرفًا" تجاه الجنوب اللبناني والمقاومة، وأن الخطاب السائد فيها يحمل عداءً علنيًا لحزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله.
"أنباء هوليوودية"
من جانبه، نفى المستشار السياسي لرئيس الوزراء، فادي الشمّري، صحّة هذه الأنباء، واصفًا إياها بـ"الهوليوودية"، إذ أكد الشمّري في بيان رسمي، اليوم الإثنين، أن الحديث عن إصدار توجيه فردي من رئاسة الوزراء لبناء مصفًى خارج البلاد لا يتعدّى كونه رواية مختلقة، مبينًا أن مثل هذه المشاريع تُعد من الصلاحيات الحصرية لمجلس الوزراء وتخضع لدراسات معمقة من الوزارات المختصة، وقد يستغرق الإعداد لها سنوات.
وأضاف الشمّري، أن "الاستثمار في المصافي خارج البلاد ليس بالأمر الجديد على الدول ذات الاقتصادات النفطية الكبرى، مستشهدًا بتجارب السعودية، الإمارات، الجزائر، وحتى الولايات المتحدة، التي تعتمد مثل هذه المشاريع لتعزيز تنوّع منافذ التصدير وتوسيع الأسواق".
وشدد على أن أي مشروع من هذا النوع يجب أن يُنظر إليه كاستثمار اقتصادي سيادي، لا كخطوة للتفريط بالثروات الوطنية.
وفي ظل غياب بيان رسمي من مكتب رئيس الوزراء بشأن المشروع، يبقى الجدل قائمًا بين مؤيد يرى فيه خطوة استراتيجية لتعزيز نفوذ العراق في سوق الطاقة، ومعارض يعتبره تجاوزًا لصلاحيات المؤسسات الرسمية ويشكك في نوايا الجهات المنفذة.
مصافي النفط في العراق
ومن الجدير بالذكر، يمتلك العراق بنية تحتية ضخمة في مجال تكرير النفط، تسعى بغداد إلى تطويرها لمواجهة التحديات المتراكمة في هذا القطاع الحيوي.
تُعد مصافي النفط في العراق من الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني، إذ تسهم بشكل كبير في تلبية الطلب المحلي على المشتقات النفطية، رغم التحديات الأمنية التي واجهتها خلال السنوات الماضية، لا سيما الهجمات التي طالت بعضها إبّان المعارك مع عصابات داعش الارهابية.
ومنذ انتهاء العمليات العسكرية الكبرى، كثّفت الحكومة جهودها لإعادة تأهيل وتوسيع هذه المصافي، مع التركيز على استثمار الطاقات المحلية وزيادة قدراتها الإنتاجية.
تتوزع المصافي العراقية على ثلاث شركات رئيسة تابعة لوزارة النفط، وهي شركة مصافي الشمال، ومصافي الجنوب، ومصافي الوسط، وتشرف شركة مصافي الشمال على مجموعة من المصافي المهمة، أبرزها مصفاة "الصمود" في بيجي، والتي تبلغ طاقتها التصميمية نحو 280 ألف برميل يوميًا، إلى جانب مصافي صلاح الدين 1 و2، ومصفاة كركوك، والصينية، والكسك، وحديثة، والقيارة، والتي تتراوح طاقاتها بين 10 إلى 150 ألف برميل يوميًا.
أما شركة مصافي الوسط، فتضم مصفاة الدورة في بغداد بطاقة 140 ألف برميل يوميًا، ومصفاة كربلاء الحديثة، بالإضافة إلى مصافي السماوة والنجف والديوانية، والتي تشهد جهودًا لزيادة طاقتها الإنتاجية إلى 90 ألف برميل يوميًا.
وتحت إدارة شركة مصافي الجنوب، تبرز مصفاة البصرة كأكبر المنشآت في الجنوب بطاقة 210 آلاف برميل يوميًا، موزعة على ثلاث وحدات فرعية، إلى جانب مصافي ميسان وذي قار.
وتسعى بغداد من خلال هذه المنظومة المتكاملة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على استيراد المشتقات، ما يعزز من مكانة العراق كمركز إقليمي في صناعة النفط والغاز.
تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليص الاستيراد
وفي سياق الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة العراقية لتطوير قطاع التكرير وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المشتقات النفطية، تتواصل عمليات تحديث وتوسعة مصافي النفط ضمن برنامج وطني طموح تشرف عليه وزارة النفط بشكل مباشر.
وتهدف بغداد من خلال هذه المشاريع إلى تقليص الاعتماد على الاستيراد، وتحسين جودة المنتجات النفطية، وتعزيز الأمن الطاقي في البلاد.
وأكدت وزارة النفط في وقت سابق، أن نسب الإنجاز في مشاريع تطوير المصافي ضمن البرنامج الحكومي لعام 2023 بلغت 100%، وهو ما أسهم بشكل ملموس في تقليص كميات استيراد البنزين وبعض المشتقات الأخرى.
وأشارت الوزارة، إلى أن إدخال الوحدة الرابعة في مصفاة البصرة بطاقة 70 ألف برميل يوميًا، ودخول مصفاة كربلاء بطاقة 140 ألف برميل يوميًا، واستكمال العمل في مصفاة الشمال بطاقة 150 ألف برميل يوميًا، شكّل نقلة نوعية في منظومة التكرير العراقية.
وبيّنت أن هذه المشاريع أدّت إلى تقليل واردات البنزين من 14 مليون لتر يوميًا إلى 7 ملايين بعد تشغيل مصفاة كربلاء، ثم إلى ما بين 3.5 و4 ملايين لتر بعد إدخال مصفاة الشمال للخدمة، كما تعمل الوزارة حاليًا على مشروع وحدة الـFCC في البصرة، بنسبة إنجاز بلغت 76%، ومن المتوقع أن تدخل الخدمة منتصف العام المقبل، لتنتج نحو 4 ملايين لتر يوميًا من المنتجات عالية الجودة.
كما تشمل خطة التوسعة تطوير مصفاة الديوانية من 20 إلى 90 ألف برميل يوميًا، بإضافة وحدات للهدرجة وتحسين البنزين، إلى جانب تطوير مصفاة حديثة في الأنبار وفق المواصفات الحديثة.
وأوضحت وزارة النفط، أن العراق أصبح يمتلك أربع مصافٍ كبيرة بعد تشغيل مصفاة كربلاء، بالإضافة إلى عدد من المصافي الصغيرة التي تعمل الوزارة على تطويرها تدريجيًا. وضمن هذه الرؤية، تدفع الحكومة باتجاه تسهيل دخول القطاع الخاص في مشاريع التكرير، عبر تفعيل قانون الاستثمار في المصافي، في محاولة لتعزيز الشراكة بين الدولة والمستثمرين المحليين والأجانب.
هذا التوسّع يعكس توجّه العراق نحو استعادة مكانته كقوة إنتاجية وتكريرية فاعلة في المنطقة، وتوجيه العوائد نحو تنمية الاقتصاد وتوفير منتجات ذات جودة عالية للمواطنين.