انفوبلس تجرد غيابات مجلس النواب منذ دورة 2018.. أكثر من ثلث النواب "فضائيون"!

انفوبلس/ تقارير
منذ دورة 2018، أجرت شبكة انفوبلس جردة بغيابات مجلس النواب وتوصلت إلى أن مصطلح "الفضائيين" لم يقتصر على المؤسسات الحكومية الصغيرة بل وصل إلى قلب السلطة التشريعية، فالإحصاءات أظهرت غياب أكثر من ثلث النواب حيث إن 138 نائبا من أصل 329 أدوا اليمين الدستورية لكنهم لم يحضروا الجلسات! فما الذي كشفته الإحصاءات أيضا؟ ومَن يتحمل مسؤولية الغيابات تلك؟
ماذا يقصد بالفضائيين؟
يقصد بتسمية الفضائيين في العراق، فئتَين، الأولى البطالة المقنعة في مؤسسات الدولة، وهم الأشخاص الذين يتسلمون رواتب من مؤسسات رسمية عدة، لكنهم لا يحضرون الدوام الرسمي ولا يقومون بواجباتهم. والثانية لأشخاص لا وجود لهم على أرض الواقع، وإنما عبارة عن أسماء وهمية ثُبّتت في سجلات صرف المستحقات الشهرية، لكن ما يحصل في البرلمان يمثل الفئة الأولى.
ويضم مجلس النواب 329 نائبا، وبحسب النظام الداخلي للبرلمان، فإن حضور الجلسات واجب وطني ووظيفي، إلا أن غالبية الجلسات التي يشهدها المجلس البرلمان لم يصل الحضور فيها إلى 300 نائب.
وتقف رئاسة البرلمان مكتوفة الأيدي من دون اتخاذ إجراءات قانونية، بالرغم من كونها مخوّلة بتنبيه النائب الغائب ثم تحذيره ثم معاقبته، وصولاً إلى إسقاط عضويته إذا تطلب الأمر.
جردة لغيابات النواب آخر عامين
وبجردة متفاوتة أجرتها شبكة انفوبلس، فإن عدد حضور اعضاء مجلس النواب في الجلسة الرابعة بتاريخ 2023/7/20 من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الثانية من الدورة الانتخابية الخامسة، بلغ 202 نواب، وفق جداول نشرها المرصد النيابي وموقّعة بأسماء النواب الحاضرين.
بينما حضر 200 نائب فقط في الجلسة الخامسة بتاريخ 2023/7/31 من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الثانية.
وفي الجلسة السابعة بتاريخ 2023/8/3 من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الثانية حضر 209 نواب بينما غاب 120 نائباً أغلبهم لم يحضر الجلسات السابقة.
فيما حضر 180 نائبا فقط في الجلسة الحادية عشر بتاريخ 2023/8/16 من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الثانية.
وفي جلسته الرابعة عشر بتاريخ 2023/9/12 من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الثانية، حضر 214 نائباً.
أما في الجلسة السابعة عشر بتاريخ 2023/10/1 من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الثانية حضر 178 نائبا.
بينما حضر 218 نائبا في الجلسة الثانية والعشرون بتاريخ 2023/10/15 من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الثانية من الدورة الانتخابية الخامسة.
وفي جلسة استثنائية عقدت بتاريخ 2023/11/15 من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الثانية فقد حضر 198 نائباً.
وفي جلسة استثنائية أخرى عقدت بتاريخ 2023/11/18 من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الثانية، حضر 171 نائباً فقط.
وعلى غير العادة، فقد أعلنت رئاسة مجلس النواب بتاريخ 2024/2/1، عن قائمة بأسماء أعضاء المجلس المتغيبين عن جلسته الخامسة من الفصل التشريعي الأول للسنة التشريعية الثالثة والتي بلغت 125 غياباً أغلبهم أسماء تكررت غياباتها في الجلسات السابقة وحتى اللاحقة من التاريخ أعلاه.
وفي الجلسة السادسة بتاريخ 2024/2/12 من الفصل التشريعي الأول للسنة التشريعية الثالثة، فقد حضر 200 نائب بينما غاب عن الجلسة 129 نائباً. وبتاريخ 2024/2/14 من الفصل التشريعي الأول للسنة التشريعية الثالثة، حضر 205 نواب فقط.
وفي الجلسة التي عقدت بتاريخ 2024/4/17، غاب 166 نائباً مما دعى رئاسة البرلمان لتوجيه الدائرة المالية لاستقطاع مبلغ مليون دينار من كل نائب متغيب حينها.
وفي الدورة النيابية السابقة أي عام 2018، كان معدل حضور النواب في كل جلسة بين 107– 180 نائبا، من مجموع 329 نائبا، وكانت تمرر القوانين بالأغلبية البسيطة، والأهم هو عقد الجلسة بالنصاب القانوني لها ويقدر بـ166 نائبا (النصف + 1).
138 نائبا أدوا اليمين ولم يحضروا
في أحدث تصريح لوزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء فؤاد حسين، أكد وجود قرابة 100 نائب فضائي، "أدوا القسم ولم يحضروا جلسات البرلمان طيلة الدورة الحالية" لكن هذا العدد ارتفع إلى 138 بحسب إحصائية المرصد النيابية.
وبهذا الصدد، قال مدير المرصد النيابي مزهر جاسم الساعدي، إن "المعدل العام لغيابات أعضاء مجلس النواب، تجاوز الـ100 نائب خلال الدورة التشريعية الخامسة، إذ وصل معدل الغياب إلى 138 نائبا".
وأضاف الساعدي، أن "هناك نواباً أدوا القسم ولم يصلوا بعدها إلى مبنى البرلمان"، مشيراً الى أن "رئاسة البرلمان يفترض أن تُساءل على ذلك".
وأوضح، أن "رواتب النواب المتغيبين والفضائيين مستمرة من دون قطوعات أو غرامات، بالرغم من أن النظام الداخلي للمجلس يؤكد على استقطاع مبلغ من المال للنائب المتغيب، تحدده رئاسة البرلمان، إلا ان الرئاسة لم تطبق ذلك".
وبيّن مدير المرصد النيابي، أن "غيابات النواب أثرت على عمل المجلس وأحدثت خللاً في انعقاد الجلسات"، واصفاً الدورتين البرلمانيتين الرابعة والخامسة بـأنهما "الأسوأ في الانتظام والتشريع".
العقوبة القانونية للنائب المتغيب
إلى ذلك، أوجز الخبير القانوني، علي التميمي، 6 نقاط رأى انه يمكن من خلالها إقالة النواب المتغيبين عن جلسات البرلمان.
وقال التميمي في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، إن "المادة 18 من النظام الداخلي للبرلمان تنص على أن الغياب والحضور ينشر في موقع البرلمان وإحدى الصحف، وان يتم تنبيه المتغيبين للحضور بدون عذر".
وأضاف أنه "إذا وصل الغياب إلى 5 مرات متتالية أو 10 مرات متفرقة في الفصل التشريعي الواحد فبإمكان البرلمان أن يصوت على إقالة الغائب بالأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء، أي نصف العدد الكلي زائد واحد وفقاً لقانون الاستبدال، والبرلمان هو الذي يقرر الإقالة من عدمه وفقاً لقانون الاستبدال 49 لسنة 2007، ويكون البديل من ذات القائمة وأفضل الخاسرين وفق قرار المحكمة الاتحادية الذي فسر المادة 46 من قانون الانتخابات 9 لسنة 2020".
ونوّه الخبير القانوني أن "الغائب الذي لا يحضر بعد أداء اليمين الوارد في المادة 50 من الدستور الذي أكد على مراعات مصالح الشعب والعمل بإخلاص ومراعات مصالح الشعب وتطبيق القانون، وعدم الحضور يعني حنثاً باليمين ويخالف المادة 258 من قانون العقوبات".
وبحسب التميمي فإنه "سواء كان الغياب منفرداً أو جماعياً هو قابل للمعالجة القانونية وتطبيق قوانين الاستبدال، ويمكن للمتضرر من قرار الاستبدال الطعن امام المحكمة الاتحادية".
ويمكن لثلث أعضاء البرلمان الطلب من رئاسة البرلمان التصويت على إقالة النواب المتغيبين واستبدالهم، وفق التميمي الذي قال: "إذا صوت البرلمان بالأغلبية المطلقة لعدد النواب الكلي على ذلك يتم استبدالهم وفق المادة الأولى من قانون الاستبدال رقم 49 لسنة 2007، ويكون النواب الذين يحلون محل النواب المستبدلين من نفس القائمة وفق تفسير المحكمة الاتحادية للمادة 46 من قانون الانتخابات 9 لسنة 2020 وهم أفضل الخاسرين، أي الذي يلي النائب الذي تم استبداله في نفس القائمة".
وختم، أن "المادة 52 من الدستور متعلقة باستبدال النائب الذي يفقد أحد شروط العضوية"، لافتاً إلى أن "إجراءات الاستبدال يسبقها إنذار إلى المتغيبين من رئاسة البرلمان بضرورة حضور الجلسات من باب إسقاط الحجة".
من يقف وراء تغيب النواب عن جلسات البرلمان؟
يحمل عضو لجنة الأقاليم والمحافظات شيروان الدوبرداني، رئاسة البرلمان والأحزاب والكتل السياسية مسؤولية تغيب النواب، كاشفا عن تغيب نواب لسنتين أو ثلاثة.
وقال الدوبرداني في حديث تابعته شبكة انفوبلس، أن “عدم حضور العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب لجلسات البرلمان يعود الى الكتل والاحزاب السياسية بسبب المشاكل على بعض القوانين لذلك تكون هناك مقاطعة والنائب يتلزم بقرار الكتلة او الحزب”.
وأضاف أنه “في حال وجود اتفاق على القوانين تجد النواب حاضرين في جلسات التي تعقد والذي يعلن عنها من قبل رئاسة المجلس”، مشيرا الى ان “بعض النواب لم يحضروا الجلسات منذ سنتين وثلاثة”.
وتابع أن “عدم معاقبة النواب المتغيبين يعود الى رئاسة المجلس واحزابهم وكتلهم السياسية”.
انعكاسات
في النهاية، توصف حصيلة مجلس النواب في تشريع القوانين وإنجاز الأعمال الرقابية بـ”الضحلة”، حيث لم يتمكنّ المجلس سوى من تمرير عدد محدود من التشريعات بعضها هامشي وقليل الأثر على واقع البلاد وسكانه إن لم يكن ذا تأثير عكسي باتجاه إضعاف وحدة المجتمع وإذكاء النعرات الطائفية والعرقية داخله.
وتأخذ محاولة تمرير أي قانون من قبل البرلمان مددا زمنية طويلة بسبب كثرة الجدل والخلافات التي تدور عادة على خلفية مصالح الجهات الممثلة في البرلمان وتوجهاتها وانتماءاتها العرقية والطائفية.
ويعد تعطل إقرار العديد من القوانين المهمة من شأنه إضعاف الدور التشريعي والرقابي لمجلس النواب، وفق ما يراه مراقبون للشأن السياسي، الذين ينتقدون لجوء البرلمان إلى مبدأ التوافقية السياسية التي أدت لتأجيل قوانين مهمة يرتقبها الشارع العراقي.
ويواجه البرلمان، عقبات كثيرة تمنعه من ممارسة دوره الرقابي في استجواب المسؤولين ممن أشرت عليهم ملفات إخفاق في العمل والأداء وشبهات فساد وغيرها، إذ أنه لم يجر إلا استجوابات بنطاق محدود جدا، على الرغم من التصريحات المتكررة من قبل نواب عن تقصير وفساد في مفاصل الحكومة.
وصوّت مجلس النواب، في شباط فبراير 2024، على قرار يقضي بفرض غرامة مالية مقدارها مليون دينار عراقي عن كل يوم غياب لكل عضو من أعضائه.
وفرض الغرامة المالية هو إجراء قديم فرضه رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي عام 2020 ولم يكن ناجعاً، مما اضطر إلى نشر أسماء النواب المتغيبين في موقع مجلس النواب إلا أن ذلك لم يجد نفعاً أيضا.
الجدير بالذكر أن النظام الداخلي لمجلس النواب قد فرض إجراءات عقابية صارمة بحق النائب المتغيب تصل حد إقالته، إلا أن مجلس النواب العراقي لم يطبق هذا الإجراء على مدى خمس دورات متتالية من عمر البرلمان، لاسيما بحق رؤساء الكتل السياسية الذين لم يحضروا جلسات المجلس.