تداعيات تمديد عمل المفوضية.. هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة أم في موعدها المحدد؟
انفوبلس/ تقرير
بعد قرار مجلس القضاء الأعلى بتمديده مدة ولاية أعضاء مجلس المفوضين للدورة الحالية لسنتين إضافيتين، شهدت الساحة السياسية العراقية جدلاً واسعاً حول إمكانية أن يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة استناداً على ما جاء في برنامج حكومة السوداني. فماذا تقول المعطيات السياسية الحالية وأين وصلت فكرة تعديل قانون الانتخابات؟
الجدير بالذكر، أن البرنامج العام لحكومة السوداني، التي منحها البرلمان العراقي الثقة في 27 تشرين الأول 2022، يتضمن مجموعة بنود ومحاور أبرزها بسط الأمن والاستقرار، ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة، واستئناف العمل بالمشاريع المهمة، ومكافحة الفساد، ومنها أيضا بند ينص على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
*قرار قضائي
قرر مجلس القضاء الأعلى، في وقت سابق من مساء الأربعاء، الموافقة على طلب تمديد مدة ولاية أعضاء مجلس المفوضين للدورة الحالية ولمدة سنتين وذلك لضمان إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المقرر وعدم الدخول في حالة فراغ دستوري أو قانوني بالنظر لعدم انعقاد مجلس النواب والموافقة على طلب مجلس المفوضين بتمديد عملهم تطبيقا لأحكام قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم (31) لسنة 2019.
إلا أن الخطوة قوبلت بانتقادات لاذعة، حيث اعتبرها خبراء ومراقبون تجاوزاً على مبدأ الفصل بين السلطات، وسط تساؤلات حول دور البرلمان وصلاحياته في هذا الملف. في المقابل، يرى البعض أن تعطل عمل البرلمان وتدهور الوضع السياسي هو ما دفع مجلس القضاء إلى اتخاذ هذه الخطوة.
وفي هذا الشأن، أكد عضو اللجنة القانونية النيابية، محمد عنوز، أن قرار مجلس القضاء الأعلى بتمديد ولاية أعضاء مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات جاء نتيجة الظروف التي تمر بها البلاد، وفي مقدمتها الفراغ الدستوري الناتج عن عدم انعقاد جلسات مجلس النواب.
وأوضح عنوز، أن "مدة ولاية المفوضية الحالية تنتهي في 6 كانون الثاني 2025، مما تطلب إصدار قرار التمديد لتجنب تعطيل عمل المفوضية وضمان استمرار الاستعدادات لإجراء الانتخابات المقبلة"، مشيرا الى أن "تمديد عمل المفوضية كان يمكن أن يتم من خلال تعديل قانون المفوضية، كما حدث في التعديلات السابقة عامي 2023 و2024".
وأضاف أن "عملية التمديد الحالية تتعلق بولاية مجلس المفوضين، التي تستند إلى قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الصادر عام 2019". وبيّن عنوز أن "بعض الأطراف السياسية ترى في هذا التمديد فرصة لإعادة تقييم عمل المفوضية وربما تغيير أعضائها"، مشددًا على أن "هذا القرار قد يدفع الجهات التي رشحت المفوضية الحالية إلى تقديم أسماء جديدة أو الإبقاء على الأعضاء الحاليين".
وفي سياق متصل، أشار الخبير القانوني حيدر الظالمي إلى أن قرار التمديد يشوبه عيب قانوني، معتبرًا أن صلاحية تمديد عمل مجلس المفوضين تعود حصريًا إلى مجلس النواب بموجب قانون التعديل الأول لقانون المفوضية رقم (34) لسنة 2023، الذي حدد مدة ولاية المفوضية بـ54 شهرًا.
وأضاف الظالمي في توضيح حصلت عليه "انفوبلس"، أن "مجلس القضاء الأعلى لا يملك سوى صلاحية ترشيح الأسماء لرئاسة الجمهورية لإصدار مرسوم جمهوري بتعيينهم، وبالتالي فإن أي قرار تمديد خارج هذا الإطار يعد مخالفة قانونية، ما قد يجعل قرارات مجلس المفوضين خلال فترة التمديد باطلة".
وفشل مجلس النواب خلال الفترة الماضية في عقد الجلسة الاستثنائية في 5 كانون الثاني/ يناير الجاري، لمناقشة ملف تمديد عمل مفوضية الانتخابات بسبب العطلة التشريعية، وذلك لكون موعد الجلسة وقع بين عطلتين.
وشهد العراق في تشرين الأول 2021 انتخابات برلمانية لاختيار أعضاء الدورة الخامسة لمجلس النواب العراقي، خلفت نتائج العملية نزاعاً سياسياً أدّى لانسحاب التيار الصدري الفائز بأكثر المقاعد من العملية، وفراغ سياسي عرقل تشكيل الحكومة الجديدة نحو عام.
*ماذا تقول المعطيات السياسية عن الانتخابات؟
المعطيات الحالية واجتماع رئاسة الجمهورية ومجلسي النواب والقضاء الأعلى، في قصر بغداد، تشير إلى أن العراق سوف يتجه لإجراء الانتخابات التشريعية في موعدها المحدد.
وذكر بيان لرئاسة الجمهورية تلقّته "انفوبلس"، إن "الرئاسات، عقدت الأربعاء في قصر بغداد، اجتماعا ضم رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد، ورئيس مجلس النواب محمود المشهداني، ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان". وبحسب البيان: "بحث المجتمعون الاستعدادات لإجراء الانتخابات النيابية لسنة 2025 ووجوب توفير المستلزمات اللوجستية والفنية للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات".
ولفت إلى أنه "في الشأن المالي تمت مناقشة قضية السيولة النقدية وتمويل الوزارات والمحافظات من الموازنة الاستثمارية وموازنة تنمية الأقاليم، وتم التأكيد على ضرورة تلبية الالتزامات المالية للمؤسسات والوزارات، واتباع معايير الرقابة والتدقيق على الصرفيات لحماية المال العام والحد من عمليات الفساد".
وبين، إن "الاجتماع ناقش تأخر عرض بعض مشروعات القوانين المهمة المعدة من قبل رئاسة الجمهورية على جلسات مجلس النواب، وتم التأكيد على ضرورة العمل والتنسيق المشترك بين رئاسة الجمهورية ومجلس النواب لإدراج مشاريع القوانين المتأخرة على برنامج جلسات المجلس لارتباطها بمصالح وعمل المواطنين".
وأكد المجتمعون، "ضرورة دعم الحكومة في إنجاز واستكمال فقرات برنامجها من خلال الارتقاء بواقع الخدمات وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين ودعم الاقتصاد العراقي وتشجيع القطاع الخاص وبما يسهم في تحقيق التنمية الشاملة".
وحول التطورات الجارية في المنطقة، تم التأكيد، بحسب البيان، على "ترسيخ الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، وأهمية دعم الجهود الدولية والمساعي لتطويق الأزمات وإيجاد الحلول للمشاكل والقضايا من خلال الحوار البنّاء الذي يعزز السلم والأمن الدوليين".
*آراء سياسية
إلى ذلك، أكد السياسي المستقل عائد الهلالي، أن التمديد لمفوضية الانتخابات سيسمح بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد. وقال الهلالي، إن "مجلس النواب لم يتمكن من عقد الجلسة الاستثنائية بشأن مفوضية الانتخابات وكانت هناك آراء متعددة ومختلفة لدى القوى والكتل السياسية حول التمديد لمجلس المفوضين من عدمه ولكل طرف أسبابه"، مبيناً أن "هناك تحديات كبيرة جداً وهناك تشنج خارجي ولا داعي لأزمة جديدة في العراق".
وأضاف، إن "التمديد للمفوضية يعني إمكانية إجراء الانتخابات النيابية العامة بموعدها المحدد في شهر تشرين الأول المقبل"، مؤكداً أن "رغم الأوضاع الدولية والإقليمية الضاغطة والمتشنجة بعض الشيء إلا أن العراق في وضع مستقر".
*مستجدات تعديل قانون الانتخابات
وكان تغيير قانون الانتخابات أحد أبرز عوامل الخلافات السياسية للعام 2024، حيث إن فريق وحلفاء رئيس الوزراء محمد السوداني لا يرون بضرورة تغيير قانون الانتخابات، فيما يصرّ مناوئي السوداني على ضرورة تعديل قانون الانتخابات، وهو ما قرأه مراقبون بأنه يستهدف التضييق على السوداني ومنعه من الحصول على مقاعد كثيرة في الانتخابات المقبلة، فإذا كان القانون بصيغته الحالي بـ18 دائرة، بحيث توجد دائرة انتخابية في كل محافظة، فإنه سيكون بصالح السوداني، لذلك تهدف بعض أقطاب الإطار الى تعديل قانون الانتخابات لرفع عدد الدوائر وجعلها متعددة أكثر بواقع دائرتين ربما في كل محافظة ليصل عدد الدوائر الى بين 35 الى 40 دائرة انتخابية.
وشهد العراق الشهر الماضي، حراكا سياسيا من قبل كتل سياسية داخل الإطار التنسيقي، وعلى رأسها ائتلاف دولة القانون، لتعديل قانون الانتخابات. وكان نواب قد أقروا بصعوبة تعديل قانون الانتخابات، بسبب الانقسام السياسي بين كبار الكتل السياسية، منوهين إلى أن كل طرف سياسي سيعمل على تمرير القانون وفق ما يخدم مصلحته الحزبية، ولذا تم تأجيل هذا التعديل لحين حسم القوانين الخلافية المعلقة منذ أشهر دون التصويت عليها.
ويتضمن البرنامج العام لحكومة السوداني، التي منحها البرلمان العراقي الثقة في 27 تشرين الأول أكتوبر 2022، مجموعة بنود ومحاور أبرزها بسط الأمن والاستقرار، ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة، واستئناف العمل بالمشاريع المهمة، ومكافحة الفساد، ومنها أيضا بند ينص على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
الجدير بالذكر، أن العراق شهد تشريع ستة قوانين انتخابية منذ عام 2003، الأول كان في مرحلة الدولة الانتقالية، حيث كان العراق كله دائرة انتخابية واحدة، مع إقرار قوائم انتخابية مغلقة.
ورغم اعتماد القانون الانتخابي (رقم 16 لسنة 2005) القوائم المغلقة ونظام القاسم الانتخابي في احتساب الأصوات وتوزيع المقاعد، إلا أنه قسّم العراق إلى 18 دائرة انتخابية، واستمر العمل به حتى عام 2010، ليشهد بعدها تعديلا تمثل في اعتماد القوائم الانتخابية شبه المفتوحة.
وفي 2014 أصدر البرلمان قانونا جديدا للانتخابات، اعتمد فيه نظام سانت ليغو حسب معادلة 1.7، لكن هذه المعادلة شهدت تغييرا في انتخابات 2018 الذي شهد إصدار قانون انتخابي جديد اعتمد معادلة 1.9.
وشهد القانون تغييرا جذريا عام 2020، استجابة لمطالب احتجاجات تشرين (خريف 2019)، إذ اعتمد على الأكثرية بدلا من النسبية، وقسم المحافظة التي كانت في القوانين السابقة دائرة واحدة إلى عدة دوائر انتخابية، ما أسهمت بفوز عشرات المستقلين لأول مرة، وتراجع في حظوظ غالبية الأحزاب الكبيرة التي لم تتمكن من تحقيق الأغلبية، الأمر الذي دفع الأحزاب التقليدية للسعي إلى تغيير القانون، وهو ما حدث بالفعل في 27 مارس 2023، أي قبل إجراء انتخابات مجالس المحافظات بشهور.
وكانت تصريحات نائب رئيس الوزراء الأسبق، بهاء الأعرجي، في آب/أغسطس الماضي، حول وجود صفقة "إطارية – رئاسية" يجري العمل عليها لتعديل قانون الانتخابات وتحجيم شعبية رئيس الحكومة محمد شياع السوداني انتخابيا، قد أثارت غضب رئاسة الجمهورية، واصفة إياها بـ"الشائعات" من أجل إرباك الساحة السياسية، ملوحة بمقاضاته.
يذكر أن مجلس النواب قد صوت خلال جلسته التي عقدت في الـ27 من آذار/مارس 2023 بحضور 218 نائبا على قانون "التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم (12) لعام 2018".
وشملت التعديلات الأخيرة إلغاء النظام المعمول به في انتخابات تشرين الأول أكتوبر 2021، واعتمد بموجب النظام الانتخابي الجديد نظام الدوائر المتعددة وقسم البلاد جغرافيا إلى 83 دائرة بدل النظام القديم الذي حدد أن كل محافظة تمثل دائرة انتخابية واحدة.
وبحسب سياسيين، فإن الأحزاب الناشئة والمرشحين المستقلين استفادوا من قانون الدوائر المتعددة، الذي يمنح المرشح فوزه المباشر من خلال أعداد المصوتين له، لكن نظام الدائرة الواحدة يعطي للقائمة الانتخابية أصوات الناخبين للمرشحين ضمن هذه القائمة، لكن في المقابل رأى مراقبون للشأن العراقي أن التعديلات الأخيرة تعزز هيمنة الأحزاب التقليدية على حساب القوى الناشئة.