جلسات البرلمان معطلة وخلافات حادة على القوانين "المهمة".. هل سيتجه العراق إلى انتخابات مبكرة؟
انفوبلس/ تقارير
يشهد مجلس النواب العراقي حالة من الشلل منذ اختيار رئيسه الجديد محمود المشهداني، ما عزز القناعة لدى الغالبية العظمى من العراقيين بعدم جدوى هذه المؤسسة، حيث يواجه انتقادات حادة وأزمات متلاحقة يبدو عاجزاً عن معالجتها، أبرزها القوانين الجدلية وتعطيل دوره الرقابي، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس" الضوء على آخر تطورات ومستجدات الجلسات.
وصف محللون وباحثون سياسيون، الدورة البرلمانية الخامسة لمجلس النواب العراقي، بأنها "الأسوأ منذ العهد الملكي"، كونها رسّخت مفهوم المحاصصة، بحسب تعبيرهم.
*نواب "غاضبون"
وأكد نواب، أن العشوائية والتسرع في اختيار القوانين المهمة، قد عطَّل عمل الجلسات البرلمانية وحال دون إقرار التشريعات الضرورية التي ينتظرها المواطن.
وقال النائب المستقل أمير المعموري، إن "السبب الرئيسي وراء عدم تمرير العديد من القوانين في مجلس النواب العراقي هو رفعها للتصويت قبل إنضاجها وإكمالها بالشكل المطلوب من قبل اللجان المعنية"، مضيفا أن "الكثير من القوانين التي تُرفع إلى مجلس النواب لم تخضع للتصويت داخل اللجان المختصة، وهو ما يُعد مخالفة واضحة للنظام الداخلي والقانون الذي ينظم عمل مجلس النواب العراقي".
وبين، إن "رفع القوانين مباشرةً إلى جدول أعمال البرلمان دون سابق إنذار أو مناقشة مسبقة يُفاجئ الأعضاء ويخلق حالة من الجدل، مما يساهم بشكل مباشر في عرقلة التصويت عليها". مشيرا إلى، أنه "في حال تم التصويت على القوانين مسبقاً داخل اللجان المعنية وإكمالها بالشكل المطلوب، مع تجنب النقاط الخلافية والجدلية فسيكون تمريرها أمراً يسيراً داخل قاعة البرلمان".
وختم بالقول، إن "الإجراءات المتسرعة وغياب التنسيق المسبق بشأن القوانين المهمة يعطل الجلسات البرلمانية ويحول دون إقرار التشريعات الضرورية التي ينتظرها المواطن العراقي".
ويُصر النواب الشيعة في البرلمان على تمرير قانون الأحوال الشخصية الذي يُعدّ بمثابة تعديل جذري على القانون رقم 188 والذي تم تشريعه عام 1959 في عهد عبد الكريم قاسم، فيما يطالب السُنّة بتمرير قانون العفو العام، بينما يسعى الكرد إلى تمرير قانون إعادة العقارات إلى أصحابها والتي أُخذت منهم في عهد النظام السابق، ولكون هناك خلافات جوهرية حول كل قانون من هذه القوانين فقد سُميت “القوانين الجدلية” بحيث يحتاج تمرير أي قانون منها إلى تمرير القوانين الأخرى.
ودخل مجلس النواب في عطلة الفصل التشريعي بعد أن مدده لمدة 30 يوماً استناداً للمادة 58 من الدستور العراقي، وبالتالي انتهت تلك المدة وأصبح وجوباً الدخول في العطلة من 9 كانون الأول ديسمبر الجاري إلى 9 كانون الثاني يناير 2025.
إلى ذلك، قال عضو اللجنة القانونية النيابية محمد الخفاجي، إن "المجلس يواجه تعطيلاً واضحاً في جلساته نتيجة طريقة إعداد جدول الأعمال التي وصفها بأنها تعاني من عشوائية شديدة وتغلب عليها الصفة السياسية بدلاً من التنظيم".
وأشار إلى "أهمية تشكيل لجنة متخصصة لإعداد جدول الأعمال، تكون على اطلاع بالقوانين الجاهزة للمناقشة". لافتاً إلى، أن "العديد من القوانين المدرجة تحتاج إلى دراسات تفصيلية تختلف من قانون إلى آخر، حيث قد يستغرق بعضها شهراً كاملاً أو أكثر لمناقشته".
وأضاف، إن "بعض القوانين تُرتب في جدول الأعمال بطريقة تهدف لضمان حضور النواب وتوفير النصاب للجلسات". موضحا، إن "ترتيب القوانين لا يتم وفق الأهمية القانونية أو التشريعية، بل يعتمد على اعتبارات سياسية لضمان سير الجلسات بشكل يناسب الأطراف السياسية المعنية".
وبين الخفاجي، إن "بعض القوانين، مثل قانون العقارات، تحمل طابعاً سياسياً يتطلب حله خارج الجلسة، داعياً اللجان المعنية إلى إعداد صياغة قانونية محكمة قبل طرح القوانين للتصويت".
وكشف النائب المستقل محمد الزيادي، في 14ديسمبر كانون الأول الجاري، عن حراك نيابي لإنهاء عمل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة بعد فشل البرلمان في تشريع القوانين المهمة المختلف عليها.
ويتوقع مراقبون للشأن السياسي تمرير القوانين الثلاثة الجدلية خلال الفصل التشريعي الجديد لمجلس النواب العراقي لتكون ورقة للكتل السياسية تستغلها انتخابياً، لذلك من المرجح حصول الاتفاق عليها قبل أشهر قليلة من الانتخابات البرلمانية المقبلة المفترض إجراؤها بحلول تشرين الأول أكتوبر 2025.
وأخفق مجلس النواب العراقي في عقد جلسته الاعتيادية رقم 20 يوم الأحد الثامن من كانون الأول ديسمبر الجاري، للتصويت على مقترحات قوانين، الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، وإعادة العقارات إلى أصحابها المشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، والتعديل الثاني لقانون العفو العام رقم 27 لسنة 2016.
ويُعد تعطُّل إقرار العديد من القوانين المهمة من شأنه إضعاف الدور التشريعي والرقابي لمجلس النواب، وفق ما يراه مراقبون للشأن السياسي، الذين ينتقدون لجوء البرلمان إلى مبدأ التوافقية السياسية التي أدت لتأجيل قوانين مهمة يرتقبها الشارع العراقي.
يشار إلى أن موضوع تمرير القوانين الجدلية والخلافية بنظام ما يُعرف بـ "السلة الواحدة" ليس جديداً على البرلمان العراقي، وهو إجراء يتم اللجوء إليه في حال وصول الخلافات بشأن قانون معين الى طريق مسدود، وبشكل يعزز مصلحة الكتل السياسية واستقطاباتها الطائفية والفئوية والجهوية.
ويواجه تعديل قانون الأحوال الشخصية اعتراضات كبيرة، إذ حذر خبراء قانونيون وناشطون مدنيون، من التعديلات التي ينوي البرلمان وضعها على القانون، وفيما أكدوا أنها يمكن أن تنسف أحد أهم التشريعات العراقية، لفتوا إلى أن التعديلات تضع سلطة المذاهب ورجال الدين في مكانة أعلى من سلطة القضاء والقانون.
كما يواجه تعديل قانون العفو العام، اعتراضات ومخاوف من شموله المدانين بتهم الإرهاب والانتماء إلى تنظيم "داعش" الإرهابي، ويُعد هذا التعديل من المطالب الرئيسية لمعظم القوى السُنيّة، وكان من بين أبرز الشروط التي وضعتها في مفاوضات تشكيل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قبل التصويت عليها داخل البرلمان في تشرين الأول أكتوبر 2022.
أما بشأن إعادة العقارات لأصحابها، فقد أعلنت الكتل الكردية الخمس في مجلس النواب، في أيلول سبتمبر الماضي، توحيد موقفها لدعم مشروع قانون يهدف إلى إلغاء قرارات حزب البعث المتعلقة بالأراضي الزراعية في المناطق المشمولة بالمادة 140 من الدستور العراقي.
ويقول نواب ومسؤولون كرد، إن مشروع القانون يخص الأملاك التي تُعاد إلى أصحابها الأصليين من الكرد والتركمان، وتمت مصادرتها بموجب 8 قرارات صادرة عن مجلس قيادة الثورة المنحل خلال الأعوام من 1975 ولغاية 1979، وكان الهدف منها إجراء عمليات تغيير ديموغرافي في المناطق المتنازع عليها.
وانتُخب المشهداني، في 31 أكتوبر تشرين الأول الماضي، رئيساً لمجلس النواب العراقي بعد نحو عام من شغور المنصب، وحصد 182 صوتاً مقابل 42 صوتاً لمنافسه سالم العيساوي الذي تنافس معه على رئاسة المجلس.
وعقب فوزه، تعهد المشهداني بالعمل كفريق متجانس لتشريع القوانين في البرلمان، من دون ذكر أي القوانين إلحاحاً بالنسبة للشعب العراقي أو المطالبات البرلمانية، لكن أكثر ما يجري الحديث عنه، يتمثل في مشروعين اثنين، وهما العفو العام وتعديل قانون الأحوال الشخصية.
وحظي المشهداني بدعمٍ كبير من تحالف "قوى الإطار التنسيقي"، من ناحية تجميع الأصوات الخاصة بانتخابه.
وسبق أن كشفت اللجنة القانونية في البرلمان العراقي عن وجود 170 قانوناً معطلاً من الدورات البرلمانية السابقة، ويعود هذا التعطيل من ناحية الإقرار أو التعديل لغياب التوافق السياسي بشأن الكثير منها، كقوانين الموازنة، وتعديل رواتب الموظفين، وقانون النفط والغاز، والتجنيد الإلزامي، وجرائم المعلوماتية، وغيرها، وفقاً لعضو اللجنة القانونية البرلمانية، النائب أوميد أحمد.
واعتبر مواطنون أن جميع مشاكل البلاد كانت بسبب نواب البرلمان "فهم مختلفون فيما بينهم، وانعكس ذلك على الشعب" بينما عبر آخرون عن عدم ثقتهم به ولا بنوابه "الذين لا يمثلون الشعب" ورأى آخرون أن مجلس النواب "مؤسسة غير ضرورية، ومن الأفضل أن يلغى".