سجال نتائج التعداد السكاني وزيادة عدد النواب.. هل يؤجل الانتخابات وماذا عن نصوص الدستور؟

انفوبلس/ تقرير
بالتزامن مع تصويت مجلس الوزراء، على تحديد يوم 11 من شهر تشرين الثاني نوفمبر من العام 2025 موعداً لإجراء الانتخابات التشريعية، وإعلان نتائج التعداد السكاني في العراق مؤخراً، للمرة الأولى منذ عام 1997، عاد السجال حول ارتفاع عدد نواب البرلمان اعتماداً على نتائج التعداد، فهل يتحقق ذلك؟ وهل يؤدي الى تأجيل الانتخابات بعد اللجوء إلى المحكمة الإتحادية؟
وصوّت مجلس الوزراء، في 9 نيسان/ أبريل الجاري، على تحديد يوم 11 من شهر تشرين الثاني / نوفمبر من العام 2025 موعداً لإجراء الانتخابات التشريعية.
كما أظهرت النتائج النهائية للتعداد العام للسكان، في 24 شباط/ فبراير الماضي، أن عدد سكان العراق يبلغ 46 مليوناً و118 ألف نسمة، بعدما ذكرت النتائج الأولية التي أُعلنت في تشرين الثاني نوفمبر 2024 أن عددهم يبلغ 45 مليوناً و407 آلاف نسمة.
*السجال يتجدد
أعلن النائب علي المشكور، اليوم الأربعاء، عن اللجوء إلى المحكمة الإتحادية لزيادة عدد مقاعد البرلمانية لمحافظة البصرة، ملوّحاً بتأجيل الانتخابات إذا لم يتم ذلك. وقال المشكور في حوار متلفز تابعته شبكة "انفوبلس"، إنه "سيرفع دعوى لدى المحكمة الإتحادية لزيادة مقاعد محافظة البصرة البرلمانية، وفق الدستور والتعداد السكاني الأخير والذي أظهر أن المحافظة مستحقة 40 مقعدا برلمانيا"، متسائلا: "لماذا أفرط بهذه المقاعد".
وحول ما إذا كان ذلك سوف يسفر عن تأجيل الانتخابات لعدم استطاعة المفوضية لإجراء الانتخابات في ظل زيادة المقاعد البرلمانية لضيق الوقت، أكد قائلا: "سأؤجل 100 انتخابات في سبيل نيل حقوق أهل البصرة"، مضيفا أن "التعداد السكاني رسمي وتم وفق الدستور وأي شخص سيرفع دعوى لدى المحكمة الاتحادية بشأن المقاعد البرلمانية فسوف يكسبها".
ووفق ما نص عليه الدستور العراقي لعام 2005، بإمكان عدد مقاعد البرلمان أن يصل إلى 600 بمرور السنوات المقبلة، لكن الأمر يخضع إلى تفسير المادة 49 من الدستور، التي تنص على أن مجلس النواب يتكون من نائب لكل 100 ألف نسمة. مع العلم أن أول انتخابات برلمانية في 2005، أدت لوصول 275 نائباً إلى البرلمان، ليرتفع إلى 329 نائباً في الدورات اللاحقة، رغم عدم وجود تعداد سكاني دقيق.
ويأتي ذلك في ظل الخلافات السياسية حول الانتخابات المقرر إجراؤها في 11 تشرين الثاني نوفمبر المقبل والانقسام حول تعديل قانونها، فضلا عن تحديات أخرى اقتصادية وخدمية. ويدور الحديث داخل أروقة السياسة، عن تمسك ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي بمطالبته في تغيير قانون الانتخابات، وسط انقسام قوى الإطار بين مؤيد ورافض"، بحسب مصادر مطلعة.
وينص القانون على أن يكون تحديد موعد الانتخابات قبل 90 يومًا، لكن السوداني حدد موعد الانتخابات بشكل مبكر جدًا وقبل 7 أشهر من موعدها المحدد، وهي قد تكون "سابقة من نوعها"، في محاولة لقطع الطريق على اية إشكالات ومزايدات سياسية محتملة.
ووفق معلومات، يسعى هؤلاء النواب إلى تطبيق مبدأ "نائب لكل 100 ألف مواطن"، وهو ما يبدو ظاهرياً تبريراً قانونياً لتعزيز التمثيل الشعبي. لكن تحليلات عديدة أشارت إلى أن هذه الخطوة قد تخفي أهدافاً سياسية أعمق، أبرزها محاولة كسب الوقت وتأجيل الانتخابات المقبلة.
عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب محمد عنوز قال إن "الدستور العراقي كان واضحاً في شرح مسألة أعداد أعضاء مجلس النواب، وعبر عن أن عدد المقاعد يعتمد على نسبة السكان، وأن العدد الحالي للأعضاء اعتمد على تخمينات وتقديرات من بعض الوزارات العراقية".
وأوضح، إن "النمو السكاني الذي ظهر عبر التعداد السكاني في العراق قد يؤدي إلى رفع عدد مقاعد البرلمان، لكن لا بد من التفكير في الجوانب الفنية والمالية في هذا التوجه". وأضاف عنوز أن "الوضع السياسي في العراق، يرتبط بالتوافقات السياسية، وبالتالي فقد يخضع موضوع زيادة عدد أعضاء البرلمان إلى الاتفاقات والتفاهمات والصفقات بين الأحزاب السياسية"، مشيراً إلى أن "الأحزاب التقليدية فقدت جماهيرها بشكل واضح، بالتالي فإن الاحتيال على الناس بأي طريقة من الطرق سيرتد عليها انتخابياً".
من جهته، بيَّن عضو مجلس النواب عبد كريم عبطان مؤخراً، أن "نتائج التعداد السكاني في العراق لن تؤثر على زيادة مقاعد مجلس النواب الانتخابات المقبلة لسببين، الأول يتعلق بوجوب تعديل المادة الدستورية من خلال زيادة عدد السكان الممثلين بمقعد نيابي، والسبب الثاني يكمن في أن زيادة المقاعد سيكلف خزينة الدولة مبالغ مالية كبيرة".
*عدد النواب في الدورات الانتخابية السابقة
كشف نائب رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق المحامي حازم الرديني أن المادة (49) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 نصت على أن (يتكون مجلس النواب الاتحادي من عدد أعضاء بواقع نائب عن كل مائة ألف نسمة من نفوس العراق)، ومنذ إجراء أول انتخابات لمجلس النواب بدورته الاولى في 2005 كان عدد أعضائه 275 نائبا وفي الدورة الثانية كان 325 عضوا وفي الدورات الثالثة والرابعة والخامسة التي جرت في 2021 تم اعتماد 329 نائبا، وكان العذر هو عدم وجود إحصاء سكاني بعد 2003.
وأضاف، أن الأعداد ثبتت ولحين إجراء تعداد سكاني يبين العدد الحقيقي بالدقة لأن جميع البيانات التي استُخدمت سابقا هي تقريبية وخاصة فيما يخص توزيع عدد المقاعد على أساس كل محافظة وحصتها من 329 مقعدا، مبينا أن هناك محافظات ممكن ان تزيد مقاعدها واخرى تقل وذلك نتيجة الحركة السكانية الحاصلة ما بين المحافظات من 1996 ولغاية 2024، فهناك ظروف امنية واخرى اقتصادية.
بعد إجراء التعداد العام للسكان سيكون هناك خياران – بحسب الرديني - لمجلس النواب الأول: بتعديل قانون الانتخابات بزيادة عدد مقاعد مجلس النواب في دورته السادسة ومن المتوقع انه لا يقل 430 نائبا وتوزيعها على 18 محافظة كل حسب عدد سكانها وفق الإحصاء. والخيار الثاني هو العمل على تعديل المادة (47) بإلغاء فقرة نائب لكل مائة ألف نسمة وتثبيت العدد بحد أعلى لا يتجاوز الـ(300) وعرضه للاستفتاء في نفس يوم انتخاب مجلس النواب القادم حتى لا تكون هناك كلف مالية ترهق موازنة الدولة.
وبعدها، أكد رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي، نهاية العام الماضي، أن المادة (49 أولاً) من الدستور تحدد عدد النواب بمعدل نائب واحد لكل 100 ألف نسمة، وأن هذا المعيار الدستوري ظل معطلاً في السنوات الماضية بسبب عدم وجود إحصاء سكاني حديث، حيث تم اعتماد تقديرات سكانية قديمة تشير إلى أن عدد سكان العراق كان 32.9 مليون نسمة، ما أدى إلى تحديد عدد أعضاء البرلمان بـ329 نائباً.
وأشار الغراوي إلى أنه لا يمكن اعتماد العدد المعلن البالغ 45 مليون نسمة في تعداد 2024 لتغيير عدد أعضاء مجلس النواب من 329 إلى 453 نائباً، لأن ما جرى هو تعداد سكاني وليس إحصاء شامل، كما ينص الدستور، لافتا الى أن التعداد الحالي أغفل فقرات القومية والديانة، وهي معلومات أساسية في الإحصاء السكاني الشامل، كما أن المادة 49 من الدستور تعد من المواد القابلة للتعديل.
وأضاف الغراوي، أن تغيير عدد المقاعد البرلمانية وفقاً للنسبة المعلنة سيكلف الدولة ميزانيات ضخمة، مؤكدًا أن العديد من الدول المستقرة دستورياً أبقت على عدد مقاعد مجلس النواب ثابتاً بغض النظر عن الزيادة السكانية، لأن من غير المنطقي أن يرتفع عدد المقاعد من 329 نائباً إلى 453 نائباً استناداً للتعداد السكاني لعام 2024، ليصبح 800 مقعد في حال بلغ عدد السكان 80 مليون نسمة بحلول عام 2050، مما قد يساهم في عدم استقرار الدولة.
وطالب، الحكومة والبرلمان بالعمل على تعديل المادة (49) بإلغاء فقرة "نائب لكل 100 ألف نسمة" وتثبيت العدد بحد أقصى لا يتجاوز 329 نائباً، وعرض هذا التعديل للاستفتاء في نفس يوم الانتخابات البرلمانية القادمة، لتجنب الأعباء المالية على موازنة الدولة وتسهل عملية تصويت المواطنين على التعديل.
كما أكد رئيس تيار الحكمة والقيادي بالائتلاف الحاكم في العراق، عمار الحكيم، في تصريح صحافي مؤخراً، أن التعداد السكاني في العراق لن يكون له أي تبعات سياسية ولن يعرض المواطنين لمساءلات تخص الانتخابات أو غيرها.
قانونياً، قال الخبير القانوني من بغداد، علي التميمي، إن "تفسير المادة 49 سيُحدد آلية العمل في المستقبل، ما إذا ستتم زيادة عدد المقاعد البرلمانية. وبكل الأحوال فإن انعكاس نتائج التعداد السكاني في العراق وزيارة عدد النواب إلى 450، هو عدد كبير، بالتالي لا بد من تدخل المحكمة الاتحادية وحل هذا الإشكال".
وأفادت تحليلات أن التداعيات المالية لهذا القرار قد تكون كارثية. وفقاً لإحصاءات سابقة من أرشيف البرلمان العراقي، تكلفة نائب واحد سنوياً، بما في ذلك الراتب والحماية والمخصصات، تصل إلى نحو 120 مليون دينار (حوالي 82 ألف دولار). بزيادة 126 نائباً، قد يرتفع العبء المالي إلى أكثر من 15 مليار دينار إضافية سنوياً، في وقت تعاني فيه البلاد من عجز في الموازنة وتأخر في دفع رواتب الموظفين.
بينما يرى المعارضون لزيادة أعداد النواب، أن هذه الأموال يمكن أن تذهب لتحسين الخدمات أو دعم الشباب العاطل عن العمل، لكن الأولوية تبدو لصالح جيوب النواب. كما يتوقع المراقبون أن يؤدي هذا الاقتراح إلى تصعيد الخلافات داخل البرلمان، الذي يعاني أصلاً من انقسامات حادة بين الكتل الشيعية والسنية والكردية. ووفق معلومات متداولة، قد يتحول الشارع إلى ساحة احتجاجات جديدة إذا تمت المصادقة على الزيادة.