عزت الشابندر في دمشق: زيارة دبلوماسية أم مهمة لجمع "أرشيف التسقيط الانتخابي"؟

انفوبلس / تقرير
وسط استمرار صمت الحكومة العراقية، لا يزال الجدل مستمراً داخل الأوساط السياسية حول زيارة السياسي العراقي عزت الشابندر إلى العاصمة السورية دمشق، بصفته مبعوثا من رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، لا سيما وأنها ضمت تسليم أرشيف المخابرات السورية الخاص بالملف العراقي، فما قصة هذه الزيارة؟ وما هي ردود الفعل حولها؟
تفاصيل الزيارة
ووفقاً لبيان صدر عن الرئاسة السورية نهار الاثنين، فإن رئيس الحكومة المؤقتة في سوريا أحمد الشرع – المعروف سابقاً بأبي محمد الجولاني – استقبل بقصر الشعب، المبعوث الخاص لرئيس الوزراء العراقي عزت الشابندر، من دون ذكر أي تفاصيل أخرى.
بينما كشف مصدر سياسي رفيع المستوى في بغداد أن زيارة السياسي العراقي، عزت الشابندر، أول أمس، إلى دمشق موفداً من رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، ولقاءه الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، جاءا في إطار تنسيق سياسي وأمني رفيع المستوى مع القيادة السورية الجديدة.
وأشار المصدر، إلى أن اللقاء مع الشرع "تناول إعادة تسليم العراق أرشيفه الكامل المحفوظ في دمشق والمتعلّق بحقبة صدام حسين، والأرشيفات الأمنية والعسكرية والدبلوماسية التي أُودعت في سوريا خلال السنوات السابقة"، مضيفاً أن "هناك اتفاقاً مبدئياً بين الطرفين على ترتيب الآليات التقنية لتسليم هذا الأرشيف وفق جدول زمني محدّد، باعتباره جزءاً من عملية إعادة تطبيع العلاقة بين الدولتين بعد سقوط النظام السابق في دمشق".
ويأتي هذا اللقاء بعد سلسلة تحرّكات دبلوماسية نشطة بين الطرفين، أعقبت ظهور أولى بوادر الانفتاح في لقاء جمع السوداني والشرع منتصف نيسان الماضي بوساطة قطرية، وجرى خلاله تأكيد عمق الروابط التاريخية بين الشعبين، وفق بيان صادر عن الرئاسة السورية حينها. وبعد عشرة أيام فقط من ذلك اللقاء، زار رئيس جهاز المخابرات العراقي، حميد الشطري، دمشق، حيث اجتمع بالشرع ومسؤولين أمنيين سوريين، لبحث ملفات التعاون الأمني والاقتصادي، وخصوصاً ملف ضبط الحدود ومحاربة خلايا تنظيم "داعش" النشطة في مناطق التماس بين البلدين.
وبحسب الشابندر فإن الزيارة ناقشت ملفات عدة تهم البلدين، في مقدمتها الملفان الأمني والتجاري، إلى جانب ملف الحدود.
وتناقلت وسائل إعلام، تصريحات للشابندر وصف فيها لقاءه مع الرئيس السوري بالمفيد جدا من أجل بناء علاقات اقتصادية وسياسية واجتماعية بين العراق وسوريا. وقال الشابندر بعد اللقاء "التقيت الرئيس السوري، أحمد الشرع، مبعوثا من رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، للتباحث في أمور تسهم بتقريب وجهات النظر وتمتين العلاقات بين البلدين الشقيقين".
وأضاف، أن "اللقاء بحث ما أثير من اعتداء على مكتب المرجع الديني السيد علي السيستاني في دمشق، وتم تجاوز هذه المسألة، وإمكانية عودة الزيارات الدينية لمقام السيدة زينب، وغيرها من المراقد الدينية، وكذلك عن إمكانية التعاون الاقتصادي بين بغداد ودمشق".
وأوضح المبعوث العراقي، أن أسباب عدم حضور الرئيس الشرع لمؤتمر القمة العربية الذي عقد ببغداد مؤخرا ما زالت قائمة، والتي تلخصت بقيام بعض الأطراف السياسية الشيعية العراقية بالتهديد والوعيد ضد الشرع”، مشيرا إلى أن "تلك الممارسات لم تكن في صالح العراق وهي لا تتناسب مع وعي بناء دولة وصدرت لأسباب انتخابية".
وتابع، أن "هذه الأطراف التي هددت ووعدت دون أن تتخذ أي إجراء، هي ذاتها التي أقامت وتقيم أفضل العلاقات مع دول رعت ومولت الإرهاب والإرهابيين الذين أشاعوا القتل والتخريب في العراق، وعلاقاتها اليوم جيدة مع هذه الدول".
ولم يستبعد الشابندر زيارة الشرع إلى بغداد، من أجل بناء علاقات تكاملية سياسية واقتصادية وأمنية، متسائلا، "ماذا يريد المقاطعون لقيام مثل هذه العلاقة بين العراق وسوريا، وماذا ستنفع هذه المقاطعة؟ في وقت نرى أن الغرب والشرق والدول العربية أقبلت ومقبلة على قيام علاقات طبيعية مع سوريا".
وأكد أن "السوداني والرئيس السوري يتطلعان لبناء علاقات متينة بين البلدين من أجل مصلحة الشعبين الشقيقين، وأن العوائق التي تواجه الشرع من أجل بناء علاقات طبيعية مع العراق هي ذاتها التي تواجه السوداني".
تحذير سياسي
وأعادت زيارة الشابندر إلى دمشق بصفته مبعوثاً للسوداني، الجدل حول اعتماد الحكومة العراقية على "دبلوماسية الظل" في ملفات خارجية حسّاسة، بعيداً عن القنوات الرسمية في الخارجية أو البرلمان. وفي الوقت الذي تلتزم فيه بغداد الصمت حيال فحوى اللقاء مع الشرع، صعّدت قوى سياسية انتقاداتها لتلك الخطوة، معتبرة أن تكليف شخصيات غير رسمية بمهام دبلوماسية يمثّل تجاوزاً للمؤسسات، ويفتح الباب أمام صفقات غير معلنة في ملفات إقليمية شائكة.
وفي هذا الإطار، حذرت قوى سياسية، من استخدام ملف المخابرات السورية الخاص بالعراق في التسقيط الانتخابي، فيما رأت أخرى أن زيارة الشابندر تأتي ضمن دبلوماسية الخفاء التي تعتمدها الحكومة، لمناقشة العديد من الملفات بعيدا عن الإعلام.
إذ قال النائب يوسف الكلابي، في تغريدة عبر منصة (أكس)، إن "أرشيف المخابرات السورية بزمن بشّار الخاص بالعراق قام الجولاني بتسليمه لخطار عراقي". وأضاف، أن "الخطار أخذ الأرشيف لـ(الملاج مالته) في إشارة إلى السوداني والآن (يتم الفرز) لأغراض الاستفادة منها التسقيط الانتخابي”، وختم تدوينته بوسم "شرف الخصومة المنعدم".
لكن رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل أكد أن ما كشف عنه النائب لا يمكن اعتماده، ويتطلب إلى تأكيدات رسمية من الجانبين العراقي أو السوري، إذ قال إن "هذا الأمر يتطلب تأكيدا رسميا من الجهات السورية أو العراقية"، لافتا إلى أنه "وفي حال صحة الأنباء التي تتحدث عن تسليم هذا الأرشيف فإنه من المتوقع أن يسهم في عملية التسقيط السياسي في العراق على اعتبار أن الكثير من القيادات العراقية الحالية كانت ترتبط بالمخابرات السورية وتنفذ أجندتها الخاصة وإن كانت على حساب الأمن القومي العراقي".
ونوه إلى أن "أرشيف المخابرات السورية الخاصة بالملف العراقي يتضمن أرشيف جميع اللاجئين السياسيين والمعارضين العراقيين السابقين في سوريا كونهم كانوا يعملون لدى المخابرات السورية أو بتنسيق معهم".
إلى ذلك، قال رئيس مركز رصد للدراسات، محمد غصوب، إن "لقاءات العراق مع الحكومة السورية الجديدة لحد هذه اللحظة لا تمر عبر القنوات الدبلوماسية ووزارة الخارجية". وأوضح، أن "اللقاء الأول جرى بين رئيس جهاز المخابرات العراقي، حميد الشطري والشرع، وأمس الأول كان لقاءً بين عزت الشابندر (مبعوث رئيس الوزراء) والشرع"، لافتا إلى أنه "ورغم زيارة وزير خارجية سوريا مرتين إلى العراق، إحداهما كممثل عن سوريا في مؤتمر القمة العربية، إلا أن الزيارات العراقية لسوريا تجري بعيدا عن القنوات الدبلوماسية، وذلك يعني أن ما يتم تداوله بين الطرفين يجب أن يبقى بعيدا عن الإعلام والدبلوماسية".
كذلك، شنّ مدونون وسياسيون حملة واسعة على منصات التواصل، لمهاجمة زيارة الشابندر إلى سوريا ولقائه الرئيس الشرع، ضمن نفس فكرة استلام أرشيف المخابرات السورية المنحلة، المتعلقة بالعراق، وهو ما دعا الشابندر للرد عبر حسابه على منصة إكس، مهاجماً من وصفهم بـ"الذباب الإلكتروني"، الذين روّجوا لقصة أرشيف المخابرات السورية.
وقال الشابندر: "أخوتي وأحبتي الذين أبدوا وجهات نظرهم في زيارتي إلى دمشق، وانتقدوا طبيعتها، وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج، بمنطق الحجة والدليل، وبهدف الحرص على مصالح العراق وشعبه، أنحني لهم وأحترم وجهة نظرهم وإن اختلفت معهم"، مضيفاً: "أما الذباب الإلكتروني الوسخ، أو بعض من يستجدون الشفقة من أربابهم، ويذبحون الحقيقة بلا تقَصٍ ولا سنَد ككلاب سائبة تنبح لصالح من يدفع، فأأنف من الرد عليهم لأني مو شايفهم على الخريطة أصلاً".