مجزرة طريق الموت.. حرب غادرة خالفت المواثيق الدولية
إنفوبلاس..
اثنان وثلاثون عاماً انقضت على جريمة حرب فظيعة أقدمت عليها القوات الأمريكية بحق القوات العراقية المنسحبة من الكويت، في إبادة شاملة وغادرة للقدرات العسكرية العراقية كان هدفها إضعاف العراق بعد تجاوز نظامه السابق جميع الخطوط الحمراء وجنون رئيسه ودخوله في حروب عبثية أضرّت بالعراق لعقود واستمرت أضرارها حتى يومنا هذا.
ليلة الـ26 من شهر شباط/ فبراير عام 1991 وصلت القوات العراقية المنسحبة من الكويت إلى الطريق السريع رقم 80 (وهو طريق يبلغ طوله أكثر من 100 كم) الذي يربط مدينة الكويت بمنفذ العبدلي الحدودي على الحدود الكويتية العراقية ومن هناك في صفوان الطريق الرابط من صفوان إلى البصرة.
على امتداد هذا الطريق وقعت أكبر وأبشع مجزرة ضد الجيش العراقي، والتي عُرفت حينها بـ"مجزرة طريق الموت" حيث استُشهد وأُصيب ما لا يقل عن 10 آلاف جندي عراقي و تعرّضت أكثر من 1500 مدرعة عراقية للتدمير الشامل.
بدأت وقائع تلك المجزرة عندما بدأ الجيش العراقي الانسحاب من الأراضي الكويتية متجهاً إلى البصرة تلبيةً لنداء بغداد بعد الامتثال للقرار 660 .
مجزرة مخالفة للمواثيق والأعراف الدولية..
وأثناء الانسحاب، كان تنفيذ الخطة الانتقامية بقيادة "كولن باول" (الذي كان يشغل حينها منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة، وهو أعلى منصب عسكري في وزارة الدفاع الأمريكية) والتي تقوم على ضرب المقدّمة و المؤخرة، على طول الطريق الممتد بين الكويت و العبدلي، لإرباك وحصار الجيش العراقي أثناء انسحابه، الأمر الذي خلق حالة من الازدحام الشديد على الطريق، حتى وقعت تلك المدرعات والأرتال العسكرية في فخ القوات الأمريكية، التي نفذت قصفها الوحشي وقامت بتدمير أرتال الجيش العراقي على طول الطريق رقم 80، وإبادة جميع قوات الجيش المنسحبة على امتداد هذا الطريق .
استخدم طيران القوات الأمريكية في مجزرة طريق الموت عدداً من الأسلحة الفتاكة ضد قوات الجيش العراقي المنسحبة، أبرزها (الذخائر العنقودية، قذائف A-10، ذخائر مافريك، الذخائر الحارقة الموجَّهة بالليزر، ذخائر المنتقم) كان الأمر مرعباً حقاً، أشلاء الجثث المتفحمة في كل مكان على امتداد طريق الموت، وكانت جريمة انتقامية مكتملة الأركان تخالف كل العهود و المواثيق الدولية.
الصحفية الأمريكية لبنانية الأصل "جويس شدياق" وصفت ما حدث في مجزرة طريق الموت خلال حديثها لمجلة نيورك تايمز عدد مارس 1991، قائلةً: تعرضت الشاحنات لقصف شـديد، لدرجة جعلها تلتصق بالأرض، وكان من المستحيل التعـرف بالنظر إليها ما إذا كانت تحمل سائقين أم لا، كما ذاب الزجـاج الأمامي لهذه الشاحنات تماما، وتـم اختزال دبابات ضخمة إلى مجرد خردة حديدية، كما حاصرت الطائرات الأمريكية القوافل الطويلة عن طريق تعطيل المركبات من الأمام والخلف، ثم قصفت الاختناقات المرورية الممتدة على طول طريق الموت لساعات.
مجلة التايم الأمريكية نشرت تقريرا في عام الانسحاب كشفت خلاله صراحة و باعتراف عدد من الضباط الأمريكيين المشاركين في حرب الخليج الثانية، أن هدف الولايات المتحدة لم يكن تحرير الكويت في تلك المرحلة بل كان تدمير قوة العراق الهجومية التي جعلته يمثل تهديداً إقليمياً .
وأضافت المجلة بتقريرها الصادر في 12 آب/ أغسطس عام 1991: كان قدر كبير من تلك القوة الهجومية العراقية (أي القوة التي قرروا تدميرها) والتي تتألف من مركبات على طريق البصرة (طريق الموت 80)، يُقاد من قبل أفراد الحرس الجمهوري، وكان الحلفاء مصممين على عدم منحهم متنفَّساً للانسحاب أو إعادة تجميع صفوفهم لشن هجوم على الجيش الأمريكي.
تساؤلات بلا إجابة..
وحتى يومنا هذا، لا تزال العديد من الأسئلة تبحث عن إجابات مقنعة حول أسباب عدم مبالاة صدام حسين بفترة الإنذار الدولي التي انتهت يوم 15 يناير/ كانون الثاني 1991 لسحب قواته من الكويت التي غزاها في 2 أغسطس/ آب 1990، وإلا تعرض لحرب يشنّها تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة.
وبعد الغزو العراقي للكويت تشكل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، وشمل أكثر من 30 دولة، يتضمن 750 ألف جندي (75% منهم أميركيون)، و3600 دبابة، و1800 طائرة، و150 قطعة بحرية.
واكتسب التحالف الدولي شرعيته بعد اعتماد مجلس الأمن قراره رقم 678 في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1990، والقاضي باستخدام كل الوسائل اللازمة -بما فيها استعمال القوة العسكرية- ضد العراق إذا لم يسحب قواته من الكويت، وحدد يوم 15 يناير/ كانون الثاني 1991 موعدا نهائيا لذلك الانسحاب.
وحين اكتملت الترتيبات الميدانية لقوات التحالف، وانقضت المهلة الممنوحة للعراق للخروج من الكويت تحولت الأزمة إلى مرحلتها الأخيرة التي تمثلت في استخدام القوة العسكرية لإرغام العراق على هذا الانسحاب، وكان أهم فصولها بدء الحرب البرية في 24 فبراير/ شباط 1991، وأدت إلى إخراج القوات العراقية من الكويت، وتدمير قدراته العسكرية والاقتصادية، وفرض حصار قاسٍ على العراق سبّب مأساةً إنسانية كبيرة دامت سنوات عدة انتهت بالغزو الأميركي للبلاد عام 2003 والإطاحة بنظام صدام.
ملامح حرب الخليج الثانية تكشف في ظاهرها أن الولايات المتحدة استغلت توتر العلاقات بين بعض الدول الخليجية، حيث شجعت ضمنيا السفيرة الأميركية لدى العراق يومئذ أبريل غلاسبي صدام حسين على تنفيذ تهديداته للكويت، وذلك حين قالت له -خلال لقائهما يوم 25 يونيو/ حزيران 1990- إن حكومة بلادها "ليس لها رأي بشأن الخلافات العربية العربية"، وذلك وفق قول المحلل السياسي خالد القره غولي الذي يضيف، "لكن أميركا تزعمت لاحقا التحالف المناهض للعراق عندما غزا الكويت".
ويرى القره غولي بأن دخول العراق للكويت يعد خطأ فادحا يتحمل مسؤوليته صدام، لكنه يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة أعدّت سيناريو دخول العراق للكويت وقدمته لصدام هدية الحرب الإيرانية العراقية، واصفا هذا الدخول بـ"القشة التي قصمت ظهر البعير" وجعلت الشعب العراقي يدفع ضريبته حتى اليوم.
ويضيف القره غولي، أن دخول العراق للكويت سيناريو مُعد من أميركا، بدليل قول صدام الشهير -قبل بدء الحملة العسكرية لحرب الخليج الثانية- "ولقد غدر الغادرون" وهي إشارة إلى أميركا، وفق قول القره غولي.