مشعان الجبوري ينكر دور الحشد في تحرير تكريت ويواجه ردوداً غاضبة... تعرف على مراحل المعركة

انفوبلس/..
أثار النائب العراقي السابق مشعان الجبوري جدلاً واسعاً بعد تصريحاته الأخيرة التي شكك فيها بدور قوات الحشد الشعبي في معركة تحرير مدينة تكريت من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي عام 2015، متهماً الحشد بالانسحاب من ساحة المعركة، ومؤكداً أن النصر تحقق حصراً على يد القوات الأمنية الأخرى دون الحشد الشعبي.
مشعان الجبوري: كان ابني يزن، ضمن أبطال قوات الصولة التي حررت مدينة تكريت من براثن إرهاب داعش، وعشتُ تفاصيلها لحظة بلحظة
وفي منشور أثار تفاعلاً حاداً على وسائل التواصل الاجتماعي، قال الجبوري: "في معركة تحرير تكريت من براثن إرهاب داعش، رأيتُ الوقائع بعيني، وعشتُ تفاصيلها لحظة بلحظة، وكان ابني، يزن، ضمن أبطال قوات الصولة تحت قيادة الفريق عبد الوهاب الساعدي القائد الحقيقي للمعركة".
وأضاف، أن "قوات مكافحة الإرهاب والجيش والشرطة الاتحادية هم مَن حرروا تكريت" فقط، والحشد الشعبي لم يشارك، بل انسحب من المعركة بعد رفضهم التقدم تحت الغطاء الجوي للتحالف الدولي، وهو القرار الذي أصر عليه القائد العام للقوات المسلحة آنذاك، حيدر العبادي".
تصريحات الجبوري جاءت في ظل استمرار إطلاق الآراء الرامية الى إلغاء ومصادرة دور الحشد الشعبي في معارك التحرير.
كما أشار مشعان الجبوري، في حديثه إلى "حوار دار في مجموعة خاصة على تطبيق واتساب، حيث اعترض وزير سابق، وهو قائد عسكري شارك في المعركة (في إشارة الى جمعة عناد الجبوري) على رواية لوزير حالي أكد فيها أن الحشد الشعبي هو من قاد المعركة، مشيراً الى رفض الوزير السابق هذا الرأي بحزم.
كلام يتناقض مع الحقيقة
كلام الجبوري، يناقض ما وثقته تقارير إعلامية، وشهادات ميدانية سابقة، وأحداث ووقائع حصلت بشكل واضح، تحدثت عن الدور الأساسي والمشاركة الفعلية والمؤثرة لقوات الحشد الشعبي في العمليات التي سبقت ورافقت تحرير تكريت، الى جانب القوات الأمنية بمختلف صنوفها وتشكيلاتها.
تصريحات الجبوري فتحت باباً واسعاً للنقاش حول كيفية توثيق الحقائق المتعلقة بالمعارك المصيرية، وسط محاولات إلغاء دور الحشد الشعبي في الحرب ضد داعش، وخصوصاً في المدن التي كانت تخضع لسيطرة عصابات داعش الإرهابية.
ويرى مراقبون للشأن السياسي، أن "تصريحات الجبوري محاولة لإعادة كتابة الرواية من زاوية ضيقة تخدم أطرافاً سياسية معينة، في الوقت الذي يبقى فيه دور الحشد الشعبي في معركة تكريت، عنصراً حاسماً في النصر".
رد حسن فدعم
في أعقاب تصريحات مشعان الجبوري المثيرة للجدل، سارع النائب السابق حسن فدعم إلى الرد عليه عبر تغريدة شديدة اللهجة نشرها على حسابه في منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، حيث اتهم الجبوري بتزوير الوقائع والتنكر لتضحيات الحشد الشعبي.
وقال فدعم في تغريدته: "لعد انتم بگتو الثلاجة، ليش تتهمون الحشد؟ آلاف المقاتلين بالحشد اشتركوا بتحرير تكريت وانا واحد منهم مع اخوتي في تشكيل فجر وباقي الفصائل، لا يا ناكر الجميل."
تغريدة حسن فعدم، أول رد سياسي مباشر على تصريحات الجبوري، وتعكس حجم الغضب داخل الأوساط المؤيدة للحشد الشعبي، خاصة في ظل ما يرونه محاولة ممنهجة لتقليل شأن التضحيات التي قدمها الحشد في معركة تكريت وباقي المعارك ضد تنظيم داعش.
واعتبر فدعم أن تجاهل أو إنكار مشاركة الحشد الشعبي يُعد إساءة مباشرة لعوائل الشهداء والمقاتلين الذين بذلوا أرواحهم في سبيل تحرير المدن العراقية من الإرهاب. كما أشار إلى أن مشاركته الشخصية في المعركة ضمن "تشكيل فجر" تمثل دليلاً حياً على وجود قوات الحشد في الميدان.
قصة تحرير تكريت
في صيف عام 2014، سيطر تنظيم داعش على مدينة تكريت، مسقط رأس الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، مما جعلها هدفًا استراتيجيًا للقوات العراقية.
في 2 مارس/آذار 2015، أطلقت الحكومة العراقية عملية عسكرية واسعة لتحرير تكريت، بمشاركة قوات الجيش والشرطة العراقية، إلى جانب دور محوري وأساسي لقوات الحشد الشعبي التي كانت في طليعة المواجهة، مسنودة ببعض العشائر العربية.
وخاض المقاتلون معارك شرسة وسط بيئة معقدة، حيث اعتمدت عصابات داعش الإرهابية على زرع العبوات الناسفة وتفخيخ المباني لإعاقة التقدم، ما تطلب تكتيكات حذرة لتقليل الخسائر البشرية.
في 5 مارس، حاولت عصابات داعش الإرهابية شن هجوم على القوات العراقية في قرية المعبيدي، شرق تكريت، لكن مقاتلي الحشد الشعبي تصدوا للهجوم بشجاعة، ودارت معارك ضارية انتهت بتقدم القوات نحو تل كصيبة ومشارف الدور والبوعجيل.
كما تمكن الحشد الشعبي والجيش العراقي من السيطرة على حقل عجيل النفطي، ما وجَّه ضربة قاصمة لعناصر الإرهاب بحرمانهم من أحد أهم مصادر تمويلهم.
ومع استمرار العمليات، فرضت القوات العراقية، بقيادة وتضحيات الحشد الشعبي، حصارًا محكمًا على تكريت من ثلاثة محاور، وبدأت باستعادة القرى الجنوبية، حيث كان للحشد دور أساسي في تنفيذ العمليات الميدانية، مستخدمًا المدفعية وراجمات الصواريخ لشلّ تحركات العدو.
التقدم والتحرير
وفي 10 مارس، تحقق تقدم استراتيجي كبير باستعادة بلدة العَلَم شمال تكريت، مما مهّد الطريق لمرحلة الهجوم الحاسم على المدينة. وبعدما أحكمت القوات قبضتها على جميع مداخل تكريت، تم توجيه إنذار نهائي لعصابات داعش الإرهابية بالاستسلام، لكن عناصرها اختاروا القتال حتى النهاية.
في 11 مارس، انطلقت معركة التحرير النهائية من أربعة محاور، وكان الحشد الشعبي في الخطوط الأمامية، يقاتل بشجاعة لاستئصال الإرهاب من المدينة، وتقدمت القوات من الشمال والجنوب، ونجحت في تحرير أجزاء واسعة من حي القادسية، بينما تحركت قوة أخرى من الجنوب باتجاه مركز المدينة.
لم تمضِ سوى ساعات حتى تمكنت قوات الحشد الشعبي والجيش من رفع العلم العراقي فوق المستشفى العام جنوب تكريت، إيذانًا بانهيار التنظيم الإرهابي، كما اقتحمت قوات الحشد منطقة القصور الرئاسية، أحد أهم معاقل داعش، وفرضت سيطرتها الكاملة عليها.
استمر القصف المدفعي والجوي على المناطق المتبقية التي تحصنت فيها عصابات داعش الإرهابية، فيما واصل الحشد الشعبي والجيش زحفهما عبر منطقة الديوم وصولًا إلى مركز تكريت.
وبحلول نهاية مارس، اكتمل التحرير التام للمدينة، في واحدة من أعظم معارك الحشد الشعبي والقوات العراقية، والتي مهّدت الطريق لمعارك التحرير اللاحقة، وصولًا إلى اجتثاث الإرهاب من المدن العراقية الأخرى.
التحديات والصعوبات
خلال معركة تحرير تكريت، واجهت القوات العراقية، وفي مقدمتها الحشد الشعبي، تحديات معقدة فرضتها عصابات داعش الإرهابية في محاولة لعرقلة التقدم وتأخير الهزيمة المحتومة، ورغم شراسة المواجهات، أظهرت القوات العراقية صمودًا استثنائيًا، متجاوزة هذه الصعوبات بروح قتالية عالية وتكتيكات عسكرية فعالة.
اعتمدت عصابات داعش الإرهابية على استراتيجية تفخيخ الطرق والمباني بزرع كميات هائلة من العبوات الناسفة، مما جعل التقدم العسكري محفوفًا بالمخاطر. وكان على فرق الهندسة العسكرية، خاصة التابعة للحشد الشعبي، العمل بحذر شديد لتفكيك الألغام وإزالة العوائق، مما ساعد في تقليل الخسائر وتأمين مسارات آمنة للقوات المتقدمة.
كما تمركز القناصة في مواقع استراتيجية داخل المدينة، واستُخدمت أساليب قتال عنيفة مثل الهجمات الانتحارية والمفخخات، في محاولة لإبطاء تقدم القوات العراقية، لكن بفضل تكتيكات الحشد الشعبي، تم تحييد هذه التهديدات عبر عمليات اقتحام منسقة، وكمائن مضادة، ما أدى إلى سحق عناصر العدو وتحرير الأحياء تباعًا.
وحاولت عصابات داعش الإرهابية بثّ الرعب من خلال حملات إعلامية دعائية، مستغلة مواقع التواصل الاجتماعي لبث مقاطع فيديو تهدف إلى التأثير على معنويات القوات العراقية، غير أن الحشد الشعبي والقوات الأمنية واجهوا هذه الحرب النفسية بإرادة صلبة، مستخدمين الإعلام المضاد لنقل الانتصارات وتعزيز الروح القتالية لدى المقاتلين والمدنيين على حد سواء.
ورغم كل هذه التحديات، نجح الحشد الشعبي والقوات العراقية في فرض سيطرتهم على ساحة المعركة، مستفيدين من التخطيط المحكم والقدرة على التكيف مع أساليب العدو.
كانت معركة تكريت اختبارًا حقيقيًا للإرادة الوطنية، وقد سجل المقاتلون العراقيون فيها ملحمة بطولية أعادت الأمل بتحرير العراق بالكامل من براثن الإرهاب.
المحاور القتالية في المعركة
انطلقت معركة تحرير تكريت وفق خطة عسكرية محكمة، حيث تقدمت القوات العراقية والحشد الشعبي من عدة محاور رئيسية، بهدف محاصرة عصابات داعش الإرهابية وشلّ تحركاتها داخل المدينة.
المحور الجنوبي: تقدمت القوات من منطقة الديوم باتجاه مركز المدينة، حيث خاضت مواجهات شرسة، انتهت بالسيطرة على مستشفى تكريت العام ورفع العلم العراقي فوقه، في إشارة رمزية لانهيار التنظيم الإرهابي.
المحور الشمالي: تقدمت القوات عبر حي القادسية، مخترقة تحصينات العدو وصولًا إلى عمق تكريت، مما ساهم في إضعاف دفاعاته.
المحور الشرقي: شهد اقتحام القصور الرئاسية، أحد أهم معاقل داعش، حيث تمكنت القوات العراقية والحشد الشعبي من تطهيرها بالكامل.
كان التنسيق العالي بين القطاعات العسكرية، إلى جانب الإسناد الجوي المكثف، عاملًا حاسمًا في تسريع وتيرة الحسم العسكري.
نقطة تحول استراتيجية
لعب تحرير تكريت دورًا كبيرًا في تعزيز الوحدة الوطنية، إذ شاركت في العملية قوات من الجيش والشرطة والحشد الشعبي، إلى جانب مقاتلي بعض العشائر في صلاح الدين، مما أكد أن العراقيين قادرون على التكاتف لعبور المحن.
كان تحرير تكريت نقطة تحول استراتيجية في الحرب ضد عصابات داعش الإرهابية، إذ أثبت هذا النصر قدرة القوات العراقية، وعلى رأسها الحشد الشعبي، على استعادة الأراضي وتحرير المدن من الإرهاب. كما عزّز الانتصار، الثقة في الجيش العراقي ومؤسساته الأمنية، ومهّد الطريق لتحرير الرمادي والموصل لاحقًا.
إلى جانب الأهمية العسكرية، لعب تحرير تكريت دورًا كبيرًا في تعزيز الوحدة الوطنية، إذ شاركت في العملية قوات من الجيش والشرطة والحشد الشعبي، إلى جانب مقاتلي بعض العشائر في صلاح الدين، مما أكد أن العراقيين قادرون على التكاتف لعبور المحن والتصدي للتحديات المشتركة.ا