موجة انتحار تعصف في وزارتي الداخلية والدفاع والأسباب مختلفة.. انفوبلس تكشف أبرز حالات الأشهر الأخيرة
انفوبلس/..
ظاهرة دخيلة برزت خلال السنوات القليلة الماضية، وأخذت تتنامى هذه الأشهر، تمثلت بإقدام منتسبين أمنيين وعسكريين على الانتحار لأسباب ودوافع مختلفة، نستعرض في هذا التقرير أبرزها، كما نحاول الوقوف على حيثياتها.
*أبرز الحالات
يوم أمس الأحد، أعلنت قيادة شرطة بابل، إحباط محاولة انتحار أحد منتسبي مديرية مرور بابل "الموقوف بأكثر من قضية"، عن طريق رمي نفسه بإطلاقات نارية من سلاح بندقية كلاشينكوف، مما أدى إلى إصابته بجروح بليغة في منطقة الرقبة.
وأوضحت القيادة في بيان، أن "المتهم كان موقوفاً في أحد مراكز شرطة العاصمة بغداد، وقد تم إصدار كتاب من محكمة قوى الأمن الداخلي بتسليمه إلى مديرية مرور بابل".
وبحسب بيان الشرطة، فأثناء دخول المتهم إلى مديرية المرور برفقة مفرزة من مركز شرطة العاصمة لغرض تسليمه، قام بسحب إحدى البنادق من المفرزة الأمنية، وقام برمي نفسه في منطقة الرقبة محاولا الانتحار.
وأكدت الشرطة، أن "المتهم أُصيب بجروح بليغة في منطقة الرقبة، وقد تم نقله إلى مستشفى الحلة التعليمي لتلقي العلاج"، مشيرة إلى أن "الأجهزة الأمنية المختصة فتحت تحقيقاً للوقوف على ملابسات الحادث".
*انتحار خلال الإجازة
ومساء يوم الجمعة (20 تشرين الأول 2023)، أفاد مصدر أمني بانتحار منتسب في شرطة النجدة داخل منزله غربي العاصمة بغداد.
وذكر المصدر، أن "المنتسب في شرطة نجدة التاجي، انتحر بإطلاق النار على نفسه من مسدسه داخل منزله في منطقة الغزالية خلال إجازته من الدوام".
وفي 14 أيلول 2023، أقدم منتسب في مكافحة إجرام بغداد، على الانتحار بإطلاق النار على نفسه من مسدسه الخاص، داخل شقته ضمن شقق الصالحية، وسط ظروف غامضة.
وفي الرابع من الشهر نفسه، أعلنت قيادة شرطة نينوى، عن انتحار منتسب بالشرطة بمسدس كاتم الصوت في منزله بالموصل القديمة.
وقال مصدر في شرطة نينوى، إن "منتسبا بالشرطة أقدم على الانتحار بعيارات كاتمة دون معرفة الاسباب داخل منزله في الموصل القديمة".
*انتحار بالزرنيخ
وفي 8 آب 2023، كشفت قيادة الشرطة في محافظة بابل، عن إقدام أحد أفرادها على محاولة انتحار أثناء إجازة طلبها لتلقي العلاج من بعض الأمراض.
يتلقى الشرطي العلاج في المستشفى بعد تناول كمية من سم “الزرنيخ” في محاولة انتحار لأسباب مجهولة وينتسب الشرطي، إلى بلدة الصوب الصغير، وقد تناول جرعة من “الزرنيخ” في محاولة للانتحار، لكنه نجا بعد نقله إلى المستشفى، بحسب بيان رسمي.
وأضاف البيان، أنّ “الشرطة اتخذت الإجراءات القانونية بما يتعلق بالحادثة”، مشيرًا إلى أنّ “المنتسب كان يتمتع بإجازة مرضية تمتد لـ 28 يومًا ابتداءً من 27 تموز/ يوليو، وفق توصية من مستشفى الحلة”.
وشدد البيان، أنّ “قيادة الشرطة تفتح أبوابها كلّ يوم أربعاء للاستماع إلى مشاكل المنتسبين والمواطنين وطلباتهم، بهدف إيجاد الحلول المناسبة، وفق توجيهات وزير الداخلية”.
دفع هذا الموضوع إلى تدخل لجنة الأمن والدفاع النيابية، التي أكدت أنها تتابع حادثة انتحار منتسب في قيادة شرطة محافظة بابل عبر "البث المباشر"، فيما دعت القيادات الأمنيّة إلى توخي الحيطة والتعامل بحذر مع الحالات المرضيّة.
وذكر رئيس اللجنة، عباس الزاملي في بيان: "تابعنا بألم وأسف شديد انتحار المنتسب في قيادة شرطة بابل (المفوض جعفر موسى عبد عباس الجبوري) عبر البث المباشر وإلقاء مناشداته وشكاويه لقادة ذكرهم قبل إقدامه على الانتحار، داعيا القيادات الأمنية الى توخي الحيطة والتماس التعامل الحذر مع الحالات المرضية ووجوب التعامل المهني الإنساني".
وأضاف، إننا "في لجنة الأمن والدفاع النيابية سنتابع بدقة مجريات الحادثة بالتنسيق مع وزير الداخلية والقضاء العسكري وفتح تحقيق وإحالة المقصرين الى أشد العقوبات، مشيرا إلى ، أننا "نذكّر من هذه الجريمة وندعو جميع القوات الأمنية بمنتسبيها وقياداتها التعامل الإنساني المسؤول مع الجميع من القوات الأمنية والمواطنين والقانون هو الفيصل في كل الحوادث والله خير الناصرين .
*مفوض الطاقة
وفي آذار 2023، أقدم مفوض منسوب الى مديرية شرطة الطاقة فوج طوارئ الوسطى، على الانتحار بإطلاق النار على نفسه أثناء الواجب داخل مقر عمله في منطقة معسكر الرشيد في بغداد.
*حوادث أخرى
أقدم عنصر أمني بمحافظة ذي قار، على الانتحار جنوبي مدينة الناصرية مركز المحافظة.
وقال مصدر أمني، إن "مشاكل عائلية دفعت عنصراً أمنياً في شرطة الأفواج يسكن إحدى ضواحي قضاء سوق الشيوخ جنوبي محافظة ذي قار إلى إصابة ابنه بسلاح الدولة نوع (مسدس)، ثم الانتحار رميا بالرصاص"، لافتا إلى أن "المجني عليه يبلغ من العمر 37 عاماً، فيما ابنه المصاب يبلغ من العمر 14 عاماً فقط".
وبين المصدر، إن "قوة أمنية طوقت مكان الحادث وقامت بنقل جثة العنصر الأمني للطب العدلي، وابنه المصاب لأقرب مركز صحي لتلقي العلاج اللازم".
وفي النجف، فقد أفاد مصدر أمني بمقتل منتسب أمني في ناحية الحيرة وسط ظروف غامضة.
وقال المصدر، إن منتسباً أمنيا ينتمي لقوات حفظ القانون في الأربعينيات من عمره قُتل بظروف غامضة داخل منزله في ناحية الحيرة بواسطة سلاح نوع كلاشنكوف".
وبين، إن "التحقيقات الأولية في الحادث تتراوح بين انتحار المجني عليه، أو مقتله على يد ولده المختفي عن الأنظار بعد وقوع الجريمة"، لافتا إلى أنه "تم نقل الجثة للطب العدلي لإكمال الإجراءات القانونية لها".
*هل المخدرات هي السبب؟
وبهذا الصدد، يقول الخبير الأمني حسين الكناني إن "موضوع انتحار المنتسبين أو حالات العنف المرتكبة، هو اجتماعي يتعلق بالكثير من الأسباب التي تقف خلفه، وعادة ما يكون الشخص المنتحر في عمر المراهقة، أما أن يكون هناك رجل كبير يعمل في وزارات مثل الدفاع أو الداخلية، فلا يوجد له أي مبرر علمي، سوى أنه قد يكون نتيجة تأثير المخدرات".
ويضيف الكناني، إن "هذه المسألة تحتاج الى مراجعة، فهناك الكثير من القيم هي دخيلة على المجتمع، ومنها ثقافة الانتحار"، مضيفا أن "بعض الأمور لاقت ترويجا من قبل وسائل الإعلام، ومنها الانتحار والمخدرات، وتجد من ينفذها على أرض الواقع، سواء كان من خلال المراهقين أو من خلال المُدمنين، ولذلك لا نجد لها أي تفسير علمي أو منطقي أو حتى اجتماعي، على اعتبار أن مجتمعنا محافظ وملتزم ولا يوجد هناك ترويج لمثل هذه الثقافات جملة وتفصيلا".
*هل قسوة المؤسسة العسكرية هي السبب؟
ويلفت الكناني إلى أن "المؤسسة العسكرية مبنية على أساس القسوة والقرارات الصعبة والأيام الطويلة وعدم منح الإجازات لمدة شهر، ولكن هذا لا يعطي المبرر للانتحار، خاصة وأنه يتم تدريبهم على مثل هذا الحالات، ومنذ الأيام الأولى للتدريب ينتظر المنتسب لمدة لا تقل عن شهر حتى يبدأ بالنزول، وفي الحالات الطارئة قد تصل إلى عدة أشهر".
ويستطرد، "من غير المقبول المسامحة في أي تصرف مهمل أو ما شابه ذلك من قبل العسكري، وهذه الأمور يتم التدرب عليها منذ دخول هذا السلك، ويعتاد عليها الكثير من المقاتلين، وحتى في العهد السابق كانت هنالك معارك وحروب واشتباكات، وكان التعامل بهذه الطريقة لمدة شهرين أو ثلاثة طبيعيا جدا، فالمقاتل يبقى في جبهات القتال إلى أن ينتهي الإنذار أو حالة المواجهة وفي الحالات الطارئة من الطبيعي أن يبقى المقاتلون في وحداتهم العسكرية، وبالمجمل هذا ليس مبررا للانتحار".
*ماذا عن الظروف الاقتصادية؟
إلى ذلك، يبين الباحث الاجتماعي محمد المولى أنه "للحديث عن حالات الانتحار بين المنتسبين، وتنامي حالات العنف التي يرتكبونها بالسلاح الحكومي فيجب أولا أن نشدد على أن هناك حالات فردية، وهذه الحالات قد تصيب المنتسب أو المواطن الاعتيادي أو الشاب أو الصغير، لأن الشخص عندما يقدم على خطوة كبيرة كالانتحار، فهذا يعني أنه قد وصل إلى حالة فكرية من الانسداد وعدم إيجاد الحلول لأية معضلة، ولم يجد مخرجا للسعادة أو الحياة".
ويلفت المولى، إلى أن "الظروف بمجملها من الضائقة الاقتصادية التي يمر بها البلد والظروف الاجتماعية المتراكمة، والأمور غير المستقرة، حيث يشعر المواطن أنه غير قادر على إيواء عائلته، إضافة إلى المشاكل والضغوطات التي يتعرض لها الفرد، كلها أسباب وأزمات لدى المواطن"، متابعا "إذا كنا نريد مجتمعا صحيا ينظر إلى الأمر بشكل دقيق وصحيح وغد أفضل، يجب أن يكون هناك ثمرة للإنتاجية، فعلينا أن نفصل هذه الحالات ونجد السجل التراكمي النفسي الصحي لها لنصل إلى ما قد أوصل الشخص لهذه الحالة، فقد تكون بتأثير عوامل ثانية مثل المخدرات أو العلاقات أو مشاكل أو انسداد".
*انتحار أم قتل؟
ونظرا للظروف الغامضة التي تحدث فيها غالبية حالات موت المنتسبين، أو تسببهم بقتل آخرين بطرق غامضة، طُرحت العديد من التساؤلات عن طبيعة هذا الموت وهذه الحوادث بعد أن باتت تحدث بشكل متكرر بـ"السلاح الحكومي" وهل يحتمل الانتحار منها أن يكون ناجما عن القتل.
وبهذا الشأن، رأى خبراء أن هنالك حالات قتل بين المنتسبين تُسجَّل على أنها انتحار وهنالك حالات انتحار حقيقية، لكن ليست جميع الحالات كذلك، بل إن "تصفية" الخصوم حاضرة في المؤسسات الأمنية بل تزايدت في الآونة الأخيرة.