80 موقعا و5 آلاف جندي وطرق برية جديدة.. انفوبلس تتقصى عن انتشار قوات الاحتلال التركي في العراق
انفوبلس/ تقرير
بعد الحديث عن بدء إنشاء جيش الاحتلال التركي معسكراً جديداً له على قمة جبل كيستة، في محافظة دهوك داخل الأراضي العراقية، تكشفت أرقام جديدة عن حجم التواجد التركي العسكري ضمن إقليم كردستان شمالي العراق، وكذلك تورط الحزب الديمقراطي الكردستاني معهم، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس" الضوء على خريطة انتشاره.
وعلى الرغم من حديث تركيا عن أن غايتها ملاحقة حزب العمال الكردستاني، فإن خبراء وسياسيين يرون أن الغاية الأساسية تبتعد عن ذلك، وتمثل محاولة لإنشاء وجود دائم لأنقرة في العراق.
*انتشار القوات التركية في العراق
يقول جبار الياور، وزير البيشمركة السابق في حكومة إقليم كردستان بين عامي 2014 و2022، إن "عدد القواعد العسكرية التركية الموجودة شمالي العراق يبلغ نحو 80 قاعدة، وهي متنوعة بين معسكر كبير وصغير، وموزعة بين أربيل ودهوك ونينوى، على طول الحدود العراقية ــ التركية".
ويوضح الياور، إن "قسماً من القواعد العسكرية التركية، منتشر بعمق 10 كيلومترات في بعض الأراضي العراقية، وبنحو 40 كيلومتراً في مواقع أخرى، على امتداد 200 كيلومتر على طول حدود البلدين".
وبحسب الياور، فإن "عديد القوات التركية في العراق لا يقل عن 5 آلاف جندي، في قواعد يحوي بعضها آليات عسكرية مختلفة من المدفعية والمدرعات وغيرها، وبعضها الآخر يمتلك مهابط للطيران المروحي، وأماكن مخصصة للطائرات المسيّرة".
ويلفت إلى، أنه "بحسب آخر المعلومات التي لدينا، فإن القوات التركية فتحت طرقا برية جديدة على الحدود التركية العراقية باتجاه بعض قواعدها العسكرية، وتقوم بعمليات عسكرية برية بشكل يومي في تلك المناطق، إضافة إلى العمليات الجوية بالطيران أو القصف المدفعي".
ويؤكد الياور، أنْ "لا وجود لأي اتفاق أمني أو عسكري بين حكومة إقليم كردستان وتركيا بشأن بناء تلك القواعد أو دخول القوات التركية الأراضي العراقية". ويعتبر أن "ملف الحدود وحمايتها من مهام القوات الاتحادية (القوات العراقية المرتبطة ببغداد)، لكن هناك مناطق حدودية لم تصل إليها القوات العراقية لغاية الآن، بسبب الانتشار العسكري التركي، إضافة إلى وجود حزب العمال الكردستاني والقتال المستمر، بالتالي، ما زالت القوات الاتحادية بعيدة جداً عن الخط الصفري الحدودي. إنه فراغ أمني كبير يستغله الجيش التركي في دخوله وخروجه من العراق".
ومنذ منتصف عام 2021، تستهدف العمليات العسكرية التركية البرية والجوية مناطق شمالي العراق بحجة محاربة مسلحي حزب العمال الكردستاني في الشمال العراقي، وتحديداً مناطق ضمن إقليم كردستان، وتقع غالبيتها بمحاذاة الحدود مع تركيا، حيث تدعي تركيا أن الحزب يتخذ منها منطلقاً لشن اعتداءات مسلحة في الداخل التركي.
كما أن تركيا تتعرض لانتقادات "واسعة" من داخل العراق وخارجه بسبب التدخلات العسكرية واستهداف قرى في جبال دهوك والسليمانية، فضلا عن الانتهاكات الجسيمة.
ويتحدث برهان شيخ رؤوف، القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني في مدينة السليمانية، عن معلومات مقاربة لمعلومات الياور، مشيراً إلى أن "هناك ما بين 65 و70 قاعدة ومعسكراً داخل العراق، أغلبها بين محافظتي أربيل ودهوك، وبعضها قواعد عسكرية كبيرة وفيها معدات عسكرية مختلفة، لكن عدد الجنود غير معلوم وهو متغير بشكل يومي".
ويرى شيخ رؤوف، أن هناك "تنسيقاً" بين القوات التركية في العراق والحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل، معتبراً أنه "لغرض تسهيل مهمة تلك القوات في الدخول إلى الأراضي العراقية وبناء القواعد العسكرية، كما أن هناك قاعدة عسكرية كبيرة للجيش التركي وهي عبارة عن مطار عراقي في منطقة بامرني بمحافظة دهوك يُعدّ من أكبر القواعد العسكرية بعد قاعدة بعشيقة، التي تنتشر فيها القوات التركية في العراق وتحديداً في شرق مدينة الموصل". ويرى أن "إخراج القوات التركية من شمال العراق من مهام الحكومة العراقية ببغداد".
وتعتبر محافظة دهوك، التابعة لإقليم كردستان، أكثر المناطق التي تتعرّض بشكل شبه يومي للقصف التركي، كونها محافظة مجاورة للحدود التركية، فضلاً عن أن تركيا تعتبرها منطقة استراتيجية، للتمدد نحو محافظتي نينوى وكركوك.
وتتواصل الانتهاكات التركية لشمال العراق منذ نحو عشرين عاماً، وسط صمت من قبل حكومتي بغداد وأربيل، اللتين لم تتخذا إجراءات رادعة لإيقاف تلك العمليات، التي ألقت بظلالها على حياة المدنيين، وأدت لسقوط مئات الضحايا، فضلاً عن الخسائر المادية.
أما سيف رعد، الخبير في الشأن الأمني والسياسي العراقي، فيكشف أن "المفاوضات الأخيرة بين بغداد وأنقرة بشأن الملف الأمني لم تكن كاملة، بسبب وصف العراق حزب العمال الكردستاني بالمنظمة المحظورة، لا بالمنظمة الإرهابية".
ويستفيض بالقول، إن "المحظور يعني عدم التعامل معه، بينما إعلان الحكومة العراقية حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية يعني أن القوات العراقية ستشارك القوات التركية في العراق بقتال هذا الحزب وطرده بشكل كامل من الأراضي العراقية، وهذا الأمر لا تريده الحكومة ولا أطراف داخلية ولا خارجية".
وقبل أيام، كشف مسؤول عراقي كردي وشهود عيان في محافظة دهوك الحدودية مع تركيا، ضمن إقليم كردستان شمالي العراق، أن جيش الاحتلال التركي بدأ بإنشاء معسكر جديد له على قمة جبل كيستة، الواقع داخل العمق العراقي بنحو 10 كيلومترات عن الحدود العراقية التركية، بعد نجاح عملية عسكرية له الشهر الماضي في طرد مسلحي حزب العمال الكردستاني من الجبل والقرى المجاورة له.
وبحسب الادعاءات التركية، فإن عمليات القوات التركية خلال الفترة الماضية أدت إلى مقتل المئات من مسلحي حزب العمال، وتدمير مقرات ومخازن سلاح ضخمة تابعة للحزب، كما أسهمت في انحسار واضح للمساحة التي كان الحزب ينتشر فيها على الحدود بين البلدين.
وفي الثاني والعشرين من الشهر الماضي، وقّعت كل من بغداد وأنقرة على حزمة اتفاقيات أمنية واقتصادية ضخمة، خلال زيارة أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العاصمة بغداد، وسبقت الزيارة إعلان العراق حزب العمال الكردستاني منظمة محظورة، وهو ما رحبت به أنقرة واعتبرته تطوراً مهماً في مكافحة المنظمة التي يصنفها القانون التركي "منظمة إرهابية".
*انفوبلس تفصّل تاريخ العدوان التركي على العراق
سجل العراق، أكثر من 22 ألف خرق أمني للجانب التركي تجاه الحدود العراقية، في الوقت الذي قدّم العراق أكثر من 16 ألف مذكرة احتجاج، وذلك وفقاً للجنة الأمن والدفاع النيابية في مجلس النواب العراقي.
وقالت اللجنة مؤخرا، إنها "استضافت وزير الدفاع، والعديد من القادة الأمنيين، بالإضافة الى وزير الخارجية لمناقشة ملف الاعتداءات التركية على شمال العراق"، مؤكدة، إن "الخروقات التركية تمارَس على العراق منذ 1987 إلى يومنا الحالي".
واضافت، إن "عدد الخروقات التركية بلغت طيلة السنوات الماضية، أكثر من 22 ألف خرق أمني للجانب التركي تجاه الحدود العراقية، في الوقت الذي قدّم العراق أكثر من 16 ألف مذكرة احتجاج، إلا أن القوات التركية مستمرة بين فترة وأخرى بممارسة تلك الاعتداءات".
وأكدت اللجنة، "ضرورة وجود موقف عراقي صارم بحق تركيا، وحفظ الحدود المشتركة معها، باعتبار أن أغلب الحدود العراقية مع دول الجوار مؤمّنة بشكل تام".
ما كشفته لجنة الأمن والدفاع النيابية، تؤكده وزارة الخارجية العراقية، حيث بيّنت مؤخراً أنها، وثّقت أكثر من 22 ألفاً و740 خرقاً تركيّاً، مضيفة، "أحصَينا أعداد المذكرات والشكاوى التي قُدِّمت من الحكومة العراقية للجانب التركي والبالغ عددها 296 شكوى".
ويعتقد مراقبون أن رد فعل العراق لا يرتقي إلى المستوى الذي تجري فيه انتهاكات السيادة العراقية من قبل تركيا، ويقول الباحث في الشؤون الاستراتيجية أحمد الشريفي، إن رد الفعل الرسمي العراقي "لا يرتقي إلى حجم التدخلات التركية ولا يؤثر في مسار الأحداث".
ويضيف الشريفي، إن هذا التوغل العسكري على حساب الأراضي العراقية يمثل محاولة لـ"إعادة إحياء العمق الاستراتيجي التركي"، ويشير الشريفي إلى أن غاية استمرار التوغل ليست السيطرة على أنشطة حزب العمال الكردستاني، إنما "إعادة المطالبة بمحافظتي كركوك والموصل إلى ساحة الصراع الدولي".
ويتابع، إن الأسلوب العسكري التركي المتَّبع في الداخل العراقي هو، "قبض الأرض والاندفاع باتجاه هدف رئيسي"، ولعلّ ما يؤكد ذلك، بحسب الشريفي، وجود الكثير من المواقع العسكرية بين قاعدة ونقاط تمركز تهدد سيادة العراق".
ويصف الشريفي، إن ما يجري من توغل تركي وإنشاء قواعد في الأراضي العراقية من دون اتفاقات بأنه "احتلال صريح"، معبّراً عن استيائه من عدم اتخاذ الحكومة العراقية "موقفاً أكثر صرامة".
وخلال الأعوام الأخيرة، تحولت تركيا إلى لاعب مؤثر داخل العملية السياسية العراقية، عبر فرض سطوتها على بعض الكتل السياسية السُنية وتحكمها بقرارهم السياسي، ما أدى إلى عرقلة أي خطوات عراقية حقيقية لوقف انتهاكات تركيا للأراضي العراقية.
وعلى الرغم من التنديد المستمر من قبل الحكومة العراقية بالهجمات التركية، فإن الأخيرة مستمرة في القيام بعمليات عسكرية واسعة ضد حزب العمال الكردستاني وإنشاء قواعد عسكرية ونقاط متحركة داخل الأراضي العراقية من دون أي تنسيق أو موافقة من الحكومة العراقية.
وبحسب خبراء، فإن القوات التركية تُضفي على هذا العدوان نوعاً من الشرعية الزائفة باستنادها على الاتفاقية العراقية – التركية المذلّة، التي منح بموجبها النظام السابق للقوات التركية "حق" التوغل حتى عمق 30 كيلومترا داخل الاراضي العراقية. كذلك استنادها الى قرار البرلمان التركي السماح لها بتنفيذ عمليات عسكرية خارج حدود تركيا، فضلاً عن ذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية.