مَن يقتل جامعي الكمأ في العراق وسوريا؟.. إليك أبرز الاستهدافات من النخيب والضبيات والرجباية إلى الجريمة الأخيرة في الرقة
انفوبلس/ تقارير
لم تعُد رحلة البحث عن الكمأة للعراقيين والسوريين رحلةً ترفيهية أو لجني المال كما في السابق، فهي اليوم تنطوي على مخاطر تصل إلى حد الموت للوصول لهذه الثمرة المميزة التي تنمو على امتداد البادية السورية في أرياف حمص وحماة ودير الزور والرقة، والبالغ مساحتها 75 ألف كيلومتر مربع. وكذلك في المناطق الغربية من العراق لاسيما بعد تساقط الأمطار.
رزقُ جامعي الكمأ في العراق وسوريا بات مغمَّساً بالدم، ولعل جردة سريعة للاستهدافات والعمليات الإرهابية التي طالتهم خلال هذا الشهر فقط تثبت ذلك، إذ تعرض هؤلاء إلى ثلاث هجمات خلال أسبوع راح ضحيتها أكثر من 40 شخصا. فمَن يستهدف جامعي الكمأ في العراق وسوريا ولماذا؟ وما هي فصول تلك التراجيديا الصحراوية التي باتت تطالهم باستمرار؟
*آخر جريمة
وعن آخر جريمة طالت جامعي الكمأ، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، اليوم الاثنين، بمقتل 11 منهم جرّاء تفجير أعقبه هجوم نُسب إلى تنظيم "داعش" الإرهابي في بادية الرقة.
وقال المرصد في بيان ورد لشبكة انفوبلس، إن مقتل جامعي الكمأ جاء "نتيجة تفجير لغم بسيارة كانت تقلُّ عددا منهم، أثناء رحلة البحث عن الكمأ في بادية الحمى في الرقة بشمال سوريا".
وأضاف، "تبع التفجير هجوم لعناصر تنظيم داعش الإرهابي بالأسلحة الرشاشة على تجمع للسيارات لباحثين عن الكمأ".
وأوضح المرصد السوري، أن الهجوم أسفر أيضا عن خطف 3 أشخاص.
*تراجيدية صحراوية.. ثلاث هجمات خلال أسبوع
بات استهداف جامعي الكمأ أشبه بالتراجيديا التي لا تفارق مشاهديها، إذ رصدت انفوبلس أن هؤلاء تعرضوا لهجمات عديدة لم تكن جريمة اليوم آخرها.
ففي السادس عشر من آذار الجاري، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن ما لا يقل عن 19 مدنيا من جامعي الكمأة قُتلوا جراء انفجار لغم بشاحنة صغيرة أقلَّتهم في شمال سوريا.
وأشار المرصد إلى مقتل "19 مدنيا بينهم 12 امرأة وإصابة آخرين بجروح خطرة جراء انفجار لغم بشاحنة صغيرة في منطقة صحراوية ينتشر فيها تنظيم داعش الإرهابي في ريف الرقة الشمالي".
ووفق ما أورد المرصد فإن الشاحنة أقلَّت أكثر من عشرين مدنياً، بينما كانوا بصدد البحث عن ثمرة الكمأة التي يمتد موسم جمعها بين شباط/ فبراير ونيسان/ أبريل.
أما يوم الخميس الماضي، فقد قُتل خمسة أشخاص وأُصيب آخرون، بهجوم لمسلحي تنظيم “داعش”، على مجموعة من العاملين بجمع نبتة الكمأة في بادية الرقة.
*أكثر من 40 ضحية خلال شهر
وخلال الشهر الجاري، قُتل أكثر من 40 شخصاً من جامعي الكمأة بحوادث استهداف من تنظيم “داعش” الإرهابي وانفجار ألغام مزروعة بالقرب من مقرات للقوات الحكومية أو قرب مقرات الفصائل الموالية لها.
وقالت مصادر محلية من قرية مغلة كبيرة، إن هجوماً لتنظيم “داعش” تسبب بمقتل خمسة أِشخاص، وإصابة ثلاثة من العاملين بجمع الكمأة في بادية الحمى بريف الرقة الشرقي، فيما لا يزال مصير ثلاثة آخرين مجهولاً.
وأضافت، إنه عُرف من بين القتلى أحمد القليب، فيما أُصيب كل من ماجد السليمان، وعيد القليب، ومحمود الدويش، فيما لا يزال مصير جمال العلوش، وشابين آخرين مجهولاً.
*جريمة الرجابية في الانبار
تواصل انفوبلس رصد مأساة جامعي الكمأ، ففي آذار من العام الماضي، أقدمت مجموعة من عناصر عصابات داعش على اختطاف خمسة أشخاص بينهم منتسب أمني كانوا يستقلون عجلة مدنية حال تواجدهم في منطقة الرجابية بناحية النخيب في الأنبار.
وقال مصدر أمني آنذاك، إن خمسة أشخاص اختُطفوا ضمن منطقة الرجابية بمدينة النخيب، وبعد ثلاثة أيام عثرت القوات الأمنية على جثثهم جميعهم وهم مقتولين، بجانب عجلتهم التي أحرقها التنظيم الإرهابي.
ويروي القيادي في حشد الانبار اللواء طارق العسل، تفاصيل الحادثة بالقول: "اختُطف 5 أشخاص في صحراء النخيب الواقعة بين محافظتي الأنبار وكربلاء، أثناء قيامهم بجني الكمأ"، ذلك قبل أن يتم العثور على جثث الضحايا.
ويضيف، إن الأشخاص الضحايا هم "من سكنة قضاء الرطبة ناحية النخيب التابعة إدارياً إلى محافظة الأنبار".
وأشار العسل إلى، أن "الأشخاص فُقِد أثرهم في منطقة تقع بين الأبيض والصفاوية التي تبعد عن ناحية النخيب 150كم غرباً، والحادث ضمن قاطع مسؤولية لواء الحدود الخامس".
*مطاردات وتعرضات مستمرة في الانبار
وعن أسباب التعرّضات الإرهابية المتزايدة خلال هذه الفترة في محافظة الأنبار، يرى الخبير الأمني سلام الزبيدي، أن الخلافات السياسية داخل المكون السنّي أحد أسبابها.
ويقول الزبيدي، إن "الخلافات السياسية بين المكون السنّي تُعد من أسباب عودة نشاط عصابات داعش الإرهابية في محافظة الأنبار". مشيرا، إلى أن "هنالك بعض الحواضن مازالت لم تطهر لغاية الآن".
وتابع، إن "هذه التعرّضات تدل على مؤشرات خطيرة على الوضع الأمني داخل العراق ويجب الشروع في عملية أمنية واسعة في الفترة المقبلة". لافتا، إلى أن "بعض الجهات تعمل على إسناد هذه العصابات بالتزامن مع أحداث معينة من أجل التأثير على القرار السياسي في بعض الأحيان".
وأضاف، إن "المناطق التي تشهد تعرّضات أمنية على المواطنين والقوات العسكرية تحتاج إلى عملية استباقية لإنهاء جميع المضافات التي لازالت تحوي بعض عناصر داعش الإرهابي".
*مَن يستهدف جامعي الكمأ ولماذا؟
يتراوح سعر الكيلو غرام الواحد من الكمأ بيالـ 24 دولارا أميركيا، بحسب حجم الثمرة وجودتها، فيما يفضّل الكثير من التجار تصديرها إلى دول الخليج بحثاً عن زيادة الربح، خاصة في ظل تراجع الطلب في الأسواق المحلية نتيجة ارتفاع الأسعار وضعف القوة الشرائية.
لكن مظهر الخطورة الأبرز في المهنة التي تحقّق لأصحابها دخلاً مادياً مرتفعاً، تمثّلَ مؤخّراً بقيام خلايا داعش في البادية بملاحقة قوافل الباحثين عن الكمأ وقتلهم واعتقال بعضهم، إضافة إلى حرق وتدمير مركباتهم، حتى أصبح خبر مقتل أشخاص خلال رحلة البحث عن الكمأ خبراً دائما تتناقله الصفحات الإخبارية المحلية.
وخلال الأيام الماضية، شهدت منطقة البادية جنوبي مدينة دير الزور مقتل عدد من الأشخاص ممن قيل إنهم "تجّار مدنيون" يرافقهم عناصر من ميليشيات الدفاع الوطني التابعة لنظام السوري، بينما توجهت أصابع الاتهام إلى عناصر تنظيم داعش الذين لا يتبنّون عادةً هذه العمليات.
ففي 6 مارس الجاري، قُتل 18 شخصاً بين مدنيين وعسكريين في هجوم نسبه المرصد السوري لحقوق الإنسان لتنظيم داعش في بادية "كباجب" بريف دير الزور الجنوبي، خلال رحلة لجمع الكمأ.
وبحسب المرصد، فإن المهاجمين استخدموا الأسلحة الرشاشة، قبل أن يقدموا على حرق نحو عشر سيارات خلال الاشتباكات بين عناصر التنظيم ومقاتلين موالين للنظام السوري.
وباتت مهنة البحث عن الكمأ "مُغمّسة بالدم" وفقاً لما يقوله العاملون فيها، والذين يرون أنها صارت رهناً بصراعات النفوذ أو هدفاً لهجمات الألغام والكمائن التي ينفذها تنظيم داعش في كافة مناطق البادية.
*حصيلة ثقيلة وصادمة
لم تتوقف عمليات القتل الممنهج لجامعي الكمأ في العراق والبادية السورية ولاسيما في الأخيرة. فبين انفجار الألغام وذخائر مخلّفات الحرب من جهة، والإعدام الميداني من قبل القوى المتصارعة، تبتلع هذه المناطق المترامية الأطراف، بشكل يومي، روّادها من رعاة الأغنام وجامعي فطر الكمأة، الباحثين عن مصدر رزق لهم في هذا الوقت من السنة.
وتشير أحدث الإحصائيات التي أُجريت عام 2023 إلى مقتل أكثر من 244 شخصاً، بينهم نساء وأطفال وعسكريون، خلال 70 يوماً، أي منذ 6 شباط/ فبراير الماضي وحتى 16 نيسان/ أبريل من ذات العام في البادية السورية، ما بين انفجار الألغام المزروعة أو الإعدامات الميدانية، وتتراوح مسؤولية قتلهم في الغالب على يد تنظيم داعش الإرهابي.
وكان أبرز هذه المجازر هي مجزرة بادية الضبيات جنوب شرق مدينة السخنة في ريف حمص الشرقي، في 17 شباط/ فبراير من عام 2023، إذ تم تسجيل مقتل 68 شخصاً بينهم 7 عسكريين يتبعون لقوات النظام، على يد تنظيم "داعش".