صحيفة أمريكية تكشف تفاصيل جديدة حول "أميرة دبي الهاربة"
انفوبلس/ ترجمات/ هيدي بليك من مجلة نيويوركر الأميركية..
بعيدًا في بحر العرب ذات ليلة من فبراير 2018، شعرت الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، ابنة امير دبي الحاكم التي كانت تحاول الهرب، بالتعجب من روعة النجوم فوقها بعد رحلة بحرية شاقة.
لقد استخدمت زورقًا ثم دراجة مائية شخصية (جيت سكي) لتشق طريقها بين الأمواج العاتية، للوصول الى اليخت الذي كانت تعمل على تأمينه منذ فترة طويلة من اجل الهرب، الامر الذي ادى الى بلل متعلقاتها التي قامت بتخبئتها في حقيبتها.
بعد أن صعدت على متن اليخت الذي سيحملها الى الحرية، أمضت أيامًا عدة تعاني من الغثيان.
لكن الليلة كان البحر أكثر هدوءًا، وشعرت بإثارة إحساس غير مألوف: لقد كانت حرة أخيرًا.
كانت لطيفة في الثانية والثلاثين من عمرها وصغيرة الحجم بعيون داكنة وقد استجمعت شعرها على شكل ذيل حصان فضفاض، وبجانبها جلست صديقتها مدربة فنون القتال الفنلندية تينا جوهياينن التي ساعدتها في الاستعداد للهرب.
كانت الليلة باردة، وارتدت كل من لطيفة وتينا سترة شتوية سوداء.
حثت لطيفة صديقتها على النوم على سطح السفينة معها، لكن تينا المتعبة وعدتها بالقيام بذلك في ليلة أخرى، خصوصًا وان هناك فرصًا كثيرة لرؤية النجوم في السماء بعد الأيام العاصفة الأولى من الرحلة.
حتى هذه الليلة، كانت لطيفة قد قضت نصف حياتها وهي تضع خططًا للفرار من والدها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي ورئيس وزراء دولة الامارات، الحليف البارز للحكومات الغربية، والذي اشتهر بنجاحه في تحويل دبي إلى قوة معاصرة على مستوى العالم.
امام الرأي العام، وضع المساواة بين الجنسين في صميم خطته لدفع الإمارات إلى قمة النظام الاقتصادي العالمي، وتعهد "بإزالة جميع العقبات التي تواجهها المرأة"، لكن بالنسبة لابنته، كانت دبي "سجنًا مفتوحًا"، حيث امر بمعاقبة العصيان بوحشية.
تعرضت لطيفة اثناء مراهقتها للضرب المبرح لتحديها والدها، وحينما أصبحت بالغة مُنعت من مغادرة دبي، وظلت تحت المراقبة المستمرة من قبل حراسها.
عرفت لطيفة منذ وقت مبكر أن الهروب يمثل تحديًا "ضخمًا بشكل لا يمكن ان يفهمه أحد" وكتبت قائلة "سيكون أفضل أو اخر شيء افعله" وكتبت لاحقًا "لم اعرف مطلقًا الحرية الحقيقية، وبالنسبة لي انه شيء يستحق ان نموت من اجله".
قمت بجمع تفاصيل تجربة لطيفة من خلال قراءة مئات الرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني والنصوص والاستماع للرسائل الصوتية التي أرسلتها إلى اصدقائها على مدار عقد من الزمان.
حافظت لطيفة على خطة الهرب طي الكتمان لسنوات حيث أرست الأساس عبر ممارسة التدريب في الرياضات الخطرة، والحصول على جواز سفر مزور، وتهريب النقود إلى شبكة من المتآمرين.
بحلول الوقت الذي كشفت فيه عن المخطط لـصديقتها التي كانت الان معها على متن اليخت تحت هذه السماء الصافية، كانت قد استأجرت بالفعل أحد رجال اليخوت ليلتقي بها قبالة الساحل وينقلها فيما بعد إلى الهند أو سريلانكا، حيث كانت تأمل في السفر إلى محطتها النهائية الولايات المتحدة وطلب اللجوء هناك.
لقد احتاجت للمساعدة في الوصول إلى نقطة اللقاء، على بُعد ستة عشر ميلًا من الشاطئ، في المياه الدولية.
جوهياينن امرأة صلبة وذات عظام وجنتين عاليتين وعيون زرقاء جليدية، وقد قضت وقتًا في السنوات الاخيرة بالقرب من لطيفة أثناء إعطائها دروس الكابويرا (رياضة قتالية برازيلية) في القصر الذي سكنته، وأرادت مساعدتها في رؤية العالم.
قالت لي: "لقد كنت متحمسة للغاية" بعد أن وعدت بمرافقة لطيفة طوال الطريق الى الحرية "أخيرًا، سنتمكن من القيام بذلك معًا".
قبل الانطلاق، تسللت لطيفة إلى شقة جوهياينن، التي أصبحت مخزنًا لمعدات الغوص، وأجهزة الاتصال عبر الأقمار الصناعية، وأجزاء القوارب التي جمعتها المرأتان طوال سنوات، وجلست أمام جهاز تسجيل فيديو.
ارتدت قميصًا أزرقًا فضفاضًا، وسجلت ما يقرب من أربعين دقيقة من شهادتها، من اجل ان يتم نشرها للرأي العام في حالة فشل خطة الهرب والقبض عليها.
قالت إن والدها "مجرم كبير" مسؤول عن تعذيب وسجن العديد من النساء اللواتي قمن بعصيانه، وقالت إن أختها الكبرى كانت في الأسر تحت التخدير بعد محاولتها الهرب من البلاد، قبل ثمانية عشر عامًا، كما تم قتل خالتها بسبب العصيان.
قالت لطيفة إنها سعت للهرب لتطالب بحياة "حيث لا يتعين عليّ أن أسكت"، وحيث يمكنها أن تستيقظ في الصباح والقول لنفسها "يمكنني أن أفعل ما أريده اليوم، ويمكنني الذهاب إلى أي مكان أريده، ولدي كل الخيارات المتاحة في العالم".
نفى محامو الشيخ محمد ارتكاب أي خطأ من جانبه، لكنهم رفضوا الرد على أسئلة مفصلة.
على متن اليخت، كتبت لطيفة إلى صديقة لها قائلة "أشعر حقًا بالحرية الآن بالرغم من انني مازلت هدفًا ولكنني حرة تمامًا".
بعد أسبوع من بداية الرحلة، اكتشف القبطان سفينة أخرى قريبة منهم، وطائرة صغيرة تحلق في سماء المنطقة. كان الهاربون على بعد حوالي ثلاثين ميلاً من سواحل الهند، وكان وقود اليخت ينفد.
خشي القبطان من العثور على لطيفة، وارسل رسالة الى صديق في الثالث من مارس قائلًا "اذا عثروا عليها سوف يقتلونها".
في اليوم التالي، حلقت طائرة أخرى.
قالت جوهياينن إنه بحلول الليل، كان كل شيء هادئًا، لكن لطيفة كانت صامتة ومن المتعذر الحديث معها، وفي حوالي الساعة 10 مساءً، نزلت المرأتان إلى الكابينة الخاصة بهما، حيث بدأت لطيفة بتنظيف اسنانها في الحمام الضيق، وحال خروجها، اهتز الهواء بسلسلة من الانفجارات المتتالية العنيفة.
بدأ صوت وقع الأحذية يُسمع فوق سطح السفينة، وفي هذه اللحظة صرخت لطيفة "لقد عثروا علي"، وهرعت مسرعة مع صديقتها الى الحمام الضيق وأغلقتا على نفسيهما الباب وارسلتا رسائل مذعورة تطالب المساعدة.
سرعان ما تصاعد الدخان من خلال فتحات التهوية وأجهزة الإنارة، وبينما كانتا تكافحان من أجل التنفس، قالت لطيفة إنها آسفة، وعانقتها جوهياينن ثم انهارت المرأتان في الغرفة الضيقة.
كانت خطوط الليزر الصادر من البنادق الهجومية تخترق الظلام الممتد في جميع الاتجاهات، وقام رجال ملثمون بأخذ المرأتين واجبروهن على الصعود الى سطح السفينة المجاورة لليخت، بعد تقييد القبطان وطاقمه وتعريضهم الى الضرب المستمر.
امتلئت الأرض بالدماء، وكانت يدا لطيفة مقيدتين خلف ظهرها لكنها قاومت عبر الركل والصراخ والتشبث بالحواجز، وبينما كان الرجال يسحبونها بعيدًا، سمعت جوهياينن صراخها وهي تقول "أطلقوا النار علي هنا! لا ترجعني الى دبي"، ثم اختفت الأميرة في البحر.
+
قصر زعبيل، المقعد الملكي للشيخ محمد، عبارة عن قلعة ذات أعمدة بيضاء تقع في أراضي محاطة بأشجار النخيل مع نوافير متقنة وسرب من الطاووس المتجول.
عندما تم بناؤه في منتصف الستينيات كان وحيدًا في الصحراء وامتدت حوله الرمال الجرداء، لكنه الان يفصل بين احياء دبي المستقبلية وأسواقها القديمة.
عندما يستقبل الشيخ محمد الضيوف، يحب أن يذكرهم كيف انبثقت البنايات الشاهقة من الرمال، حيث قال لطاقم احد الأفلام عام 2007 "كل هذا لم يكن هناك عام 2000" مشيرًا الى المدينة بيده "لكن انظر الان".
عندما ولد الشيخ محمد عام 1949، كان مسقط رأسه عبارة عن ميناء ساحلي صغير، ويمثل واحدة من سبع مشيخات صحراوية خاضعة لسيطرة الإمبراطورية البريطانية.
حكمت عائلته من مجمع من الطين حيث كانوا ينامون على السطح في الصيف، ويرشون الماء على أنفسهم ليظلوا باردين.
تؤكد مذكرات الشيخ محمد، "قصتي"، على طفولته المتجذرة في التقاليد البدوية، حيث يقول إنه حينما بلغ الثامنة من العمر كان يصطاد في الصحراء مستخدمًا الكلاب والصقور.
تُظهر صورة مبكرة له صبياً صغيراً يداعب طائر صيد ضخم يقف على معصمه، وتصف المذكرات والدته (لطيفة) بأنها شخصية ذات فضائل اسطورية باعتبارها "صاحبة خصائص ملكة تسحر كل ما حولها" ولكنها أيضًا امرأة قوية يمكنها إطلاق النار "أفضل من العديد من الرجال" وركوب الخيل "كما لو كانت قد ولدت وهي تمتطي سرجًا".
في سن العاشرة تقريبًا، رافق محمد والده الشيخ راشد في رحلة إلى لندن، وعند هبوطه في مطار هيثرو، حدق في المطار المزدحم "رمز اقتصاد المملكة البريطانية القوي" وتحدث مع نفسه قائلًا "نحن في دبي لدينا القدرة على أن نصبح مدينة عالمية". لاحقًا، في داونينج ستريت، شاهد والده وهو يتحدث عن ضرورة ان تبني دبي مطارًا دوليًا خاصًا بها.
أعلن البريطانيون انسحابهم من الخليج عام 1968، وتشكلت دولة الإمارات وأصبحت مصدرا رئيسيا للنفط، وفي هذه الفترة، عاد الشيخ محمد من التدريب العسكري في إنجلترا لتولي دور قيادي في حكومة والده، ثم بعد نحو نصف قرن، تم الترحيب به باعتباره عبقريًا تحديثيًا حول دبي إلى مركز تجاري مزدهر، مع مطار حل مكان مطار هيثرو باعتباره المركز الدولي الأكثر ازدحامًا في العالم.
عندما توفي الشيخ راشد عام 1990، فرضت العادات أن يتولى ابنه الأكبر، الشيخ مكتوم المعتدل منصب الحاكم، لكن لم يشك أحد فيمن كان يدير البلاد حقًا.
ابتكر الشيخ محمد مبادرة الأجواء المفتوحة التي رحبت بالمسافرين العالميين وأطلق شركة طيران الإمارات وأدخل سياسة الإعفاء الجمركي التي حولت دبي إلى واحدة من أكثر مراكز الشحن ازدحامًا في العالم، واقام شبكة من المناطق الخالية من الضرائب التي اجتذبت البنوك والشركات الدولية؛ كما جعل دبي المدينة الاولى في الخليج حيث يمكن للأجانب تملك العقارات.
في فترة الازدهار العقاري الناتج عن هذه السياسات، تباهى الشيخ محمد بثروات دبي ببناء سلسلة من المعالم البارزة بما في ذلك برج العرب الذي كثيرًا ما يوصف بأنه أفخم فندق في العالم، وبرج خليفة الذي يعد أطول مبنى في العالم.
اليوم يمكن من الفضاء ملاحظة مجموعة من الجزر الاصطناعية على شكل خريطة العالم، وأخرى على شكل نخلة.
تولى الشيخ محمد العرش رسميًا بعد وفاة أخيه عام 2006.
في الداخل، قدم صورة زعيم عربي تقليدي يصور نفسه على أنه رجل مخلص للعائلة، ومؤلف غزير الإنتاج للشعر النبطي، وبطل سباقات القدرة على التحمل الخاصة بالخيول، اما في الخارج فكان يداعب الغرب دائمًا.
بعد هجمات 11 سبتمبر، أصبحت الامارات شريكًا استراتيجيًا حاسمًا في الحرب على الإرهاب، واتخذت دبي إجراءات صارمة ضد تمويل الإرهاب من خلال بنوكها وأصبحت أكبر ميناء بحري أمريكي خارج الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت استثمرت الحكومة الإماراتية عشرات المليارات من الدولارات في أمريكا وبريطانيا، وتمكن الشيخ محمد من تأسيس محفظة عقارية عالمية ضخمة، وامتلك أكبر عملية لانتاج الخيول الأصيلة في العالم الخاصة بالسباقات، من خلال اسطبل جودولفين في نيوماركت الذي شكل أساس صداقة قيّمة مع الملكة إليزابيث، التي كانت تحب سباقات الخيول.
مع نمو مكانته، سعى الشيخ محمد إلى مواجهة الصورة الشائعة عن الإمارات باعتبارها دولة قمعية استبدادية وأقرت حكومته قانونًا يضمن للمرأة المساواة في الأجر عن العمل المتساوي ووصلت تسع نساء إلى مناصب وزارية وفي رسالة بمناسبة يوم المرأة الإماراتية العام الماضي، وصف المرأة بأنها "روح ونفس الدولة" ولكن يرفض العديد من الخبراء هذه التغييرات باعتبارها غير كافية.
قال لي نيل كويليام، الزميل في شؤون الشرق الأوسط في مركز أبحاث تشاتام هاوس: "هناك نساء في مناصب بارزة للغاية الآن ولكن في الواقع الكثير من ذلك هو مجرد زينة" مضيفًا "يُتوقع من النساء أن يتصرفن ضمن حدود ضيقة للغاية، وإذا خرجن عنهن، فإنهن بذلك يقمن بالإساءة لشرف الأسرة".
لا تزال المرأة الإماراتية تعيش تحت وصاية الرجل، غير قادرة على العمل أو الزواج دون إذن ويمكن للرجال أن يتزوجوا نساء عدة وأن يطلقوا زوجاتهم من جانب واحد، لكن المرأة تحتاج إلى أمر من المحكمة لخلع الزواج، كما لا يزال بإمكان أقارب الضحية العفو عن الرجال الذين يقتلون النساء، مما يسمح بجرائم الشرف دون عقاب، لأنه في مثل هذه الحالات غالبًا ما يكون الضحية والجاني مرتبطين عائليًا.
داخل الأسرة الحاكمة في دبي، تلعب النساء دورًا مزدوجًا مؤلمًا حيث يتم تعظيم دورهن كرموز للنهوض بالمرأة بينما يعتبرن حاملات شرف العائلة.
تزوج الشيخ محمد من ست نساء على الأقل أنجبن له عشرات الأطفال، ووفقًا لحسين إيبش، الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، فإن عصيان الإناث في دائرة الأمير يثير سؤالًا "خطيرًا" على الصعيد السياسي بين الشعب مفاده كيف يمكنك أن تخبرنا حقًا بما يجب فعله عندما لا تستطيع انت التحكم في عائلتك؟
يتطلب منطق القوة المطلقة سحق مثل هذه الثورات بسرعة وعلانية، ويقول ابيش "انها نوع من المسرحية الابوية التي تقوم على سؤال مفاده هل تريد ان تشاهدني وانا اتحكم في عائلتي؟ .. هاك اذًا ما تريده".
+
مر العقد الأول من حياة لطيفة دون أن تعرف أن لديها أخوات.
والدتها حورية لامارا كانت جميلة جزائرية تزوجت من الشيخ محمد وأنجبت منه أربعة أطفال لكن لطيفة لم تكبر مع عائلتها بعد ان تم أخذها مع شقيقها الأصغر وهما طفلان وتم تقديمهما كهدايا إلى أخت والدهما التي لم تنجب.
تتذكر لطيفة الحياة في قصر عمتها بانها كانت "خانقة بشكل رهيب" حيثُ بقيت مع العشرات من الأطفال الآخرين، وكانت المربيات يقمن بمتابعة الاطفال ومساعدتهم على حفظ القران ولم يسمحوا لهم بالخروج من غرفهم.
نادرا ما كانت عمتها تزورها، وعندما تفعل كانت قاسية. تتذكر لطيفة أنها اقتحمت ذات مرة الحضانة وضربت الأطفال حتى غطت أجسادهم بالبثور. (رفضت حكومة دبي التعليق على هذا الحادث).
كتبت لطيفة: "أتذكر عندما كنت طفلة كنت دائمًا اجلس على النافذة أشاهد الناس في الخارج" وبين فترة وأخرى، سيأتي المصورون إليها ويلبسونها "بالجواهر والفساتين والماكياج لاصبح مثل الدمية"، ويعطونها كلابًا لتلعب بها ويلتقطون صورًا لها لإرسالها الى والدتها، ولكن عندما ينتهي التصوير يتم اعادتها الى غرفتها.
في الليل، كانت تحلم بأن تطير طائرة ورقية ضخمة لدرجة أنها قادرة على حملها إلى السماء.
كانت لطيفة تزور والدتها حورية وابنتيها شمسة وميثاء، وقيل لها انها عمتها وابنتاها.
تركت شمسة، التي تكبرها أربع سنوات، انطباعًا خاصًا لدى لطيفة التي كتبت عنها قائلة إنها كانت "مليئة بالحياة والمغامرة" و"طالبة إثارة حقيقية ولكنها أيضًا إنسانة عطوفة".
عندما بلغت لطيفة في العاشرة من عمرها، علمت الحقيقة، دخلت شمسة إلى قصر عمتها وطالبت بإعادة أختها الصغرى وشقيقها إلى والدتهم.
كتبت لطيفة: "شمسة كانت الوحيدة التي قاتلت من أجلنا ومن اجل حريتنا" مضيفة "لقد وجدت فيها شخصية الأم وأفضل صديق".
أعيدت الشقيقات إلى والدتهم، وكان الشيخ محمد يزورها من حين لآخر. وصفه أحد الموظفين بأنه "أب شغوف"، يداعب بناته بالعناق والقبلات، لكن الشيخ كان غاضبًا أيضًا من التحدي الواضح لسلطته.
أخبرت لطيفة أصدقاءها أنها رأته ذات مرة يلكم شمسة بشكل متكرر على رأسها لأنها قامت بمقاطعة حديثه. (ينفي محامو الشيخ محمد أنه كان عنيفًا مع بناته).
عندما نضجت شمسة، بدأت تغضب من قيود الأنوثة الملكية؛ لقد أرادت القيادة والسفر والدراسة وكرهت تغطية نفسها بالعباءة التقليدية؛ كتبت لطيفة: "شمسة كانت متمردة وأنا كذلك"، لكن شمسة كان صبرها اقل.
اشتبكت شمسة مع والدها بسبب رفضه السماح لها بالالتحاق بالجامعة، وكتبت إلى أحد أقربائها: "لم يسألني حتى عما كنت مهتمة به"؛ فكرت في الانتحار، لكنها استعادت عزمها الآن وكتبت "أريد أن أعتمد على نفسي بالكامل" مضيفة "الشيء الوحيد الذي يخيفني هو أن أتخيل نفسي عجوزًا وأن أندم على عدم المحاولة عندما كان عمري 18 عامًا".
في أوائل عام 2000، بعد وقت قصير من إرسال الرسالة، ظهرت شمسة عند باب غرفة نوم لطيفة وأخبرتها أنها ستغادر وسألت "هل ستأتين معي؟"؛ أصيبت لطيفة بالدهشة؛ كانت في الرابعة عشرة من عمرها، وكانت شمسة بمثابة الداعم لها.
بعد فترة صمت قالت شمسة "لا تهتمي" ثم استدارت ومشت بعيدًا وكتبت لطيفة: "ظلت تلك اللحظة محفورة في ذاكرتي، لأنني لو قلت نعم ربما كانت النتيجة مختلفة".
+
يقع قصر (لونغ كروس) في ريف سوري البريطاني، وعندما اشترى الشيخ محمد العقار، استحوذ على مساحة من المناظر الطبيعية التي أسرته عندما كان طفلاً.
في مذكراته "قصتي" يتذكر قيادة السيارة في إنجلترا مع والده "لا شيء يمكن أن يهيئني لجمال هذه الأرض" مضيفًا "كانت هناك تلال خضراء تتدحرج مثل الأمواج على البحر".
خلال فصل الصيف، عندما كانت دبي شديدة الحرارة، كان الشيخ محمد يجلب عددًا قليلاً من الزوجات والأطفال المفضلين إلى إنجلترا، وفي عام 2000، على الرغم من تمرد شمسة، سُمح لها بالانضمام إلى الحفلة في لونغ كروس.
لقد أحبت إنجلترا التي أصبحت مكانها المفضل كما أخبرت لطيفة، كما شعرت بالحب تجاه احد الحراس البريطانيين التابعين لوالدها وهو شرطي سابق وضابط جيش في أوائل الأربعينيات من عمره يُدعى جرانت أوزبورن.
حاولت شمسة الاقتراب من أوزبورن، وفقًا لصديق تحدثت إليه كثيرًا في ذلك الصيف لكنه رفضها.
كان الأمن في لونغ كروس مشددًا حيثُ جرى مراقبة العقار بواسطة كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة وقام الحراس بدوريات ولكن في إحدى الليالي في شهر يونيو، عندما كان المنزل ساكنًا، تسللت شمسة عبر الظلام وصعدت إلى سيارة رينج روفر السوداء التي تُركت دون رقابة وتمكنت من تشغيل المحرك والقيادة عبر التلال على الرغم من أنه لم يُسمح لها بالقيادة، وعندما وصلت إلى الجدار الخارجي، تخلت عن السيارة وتسللت عبر البوابة سيرًا على الأقدام.
بعد اكتشاف السيارة المهجورة، حلّق الشيخ محمد في صباح اليوم التالي بطائرة مروحية من قاعدته التابعة لاسطبل الفروسية في نيوماركت لقيادة عملية صيد شمسة، وانتشر الموظفون في السيارات وعلى ظهور الخيل، لكن كل ما وجدوه هو هاتف شمسة الخلوي، الذي سقط خارج البوابة.
لا أحد في لونغ كروس تمكن من تقديم أي دليل على مكان وجودها ولكن بالعودة إلى دبي سمعت لطيفة من أختها، التي حصلت على هاتف جديد، وكانت تقيم في نُزل في جنوب شرق لندن، تفكر في خطوتها التالية.
في الحادي والعشرين من يونيو، دخلت شمسة إلى مكتب متواضع في شارع خلفي في ويست إند بلندن وهناك استقبلها رجل بعيون زرقاء شاحبة وذقن ناعم كان يعمل محاميًا يُدعى بول سايمون وجدته من خلال الصفحات الصفراء وأخبرته أنها هربت من العائلة المالكة في دبي وتريد طلب اللجوء.
شعر سايمون بأنه بلا حيلة، لقد تعاملت شركته عادةً مع قضايا الهجرة الروتينية، ومعالجة تأشيرات العمل وطلبات الجنسية، لكنه كان يعرف ما يكفي لإبلاغ شمسة بأن مطالبتها ستفشل بالتأكيد "في ضوء العلاقات الودية" بين المملكة المتحدة ودولة الإمارات.
قابلت شمسة سيمون مرتين أخريين في الأسابيع التالية، وأخبرته أنها تخشى أن يجدها والدها ويجبرها على العودة إلى دبي، لكن سايمون قال إنه سيكون من الصعب مساعدتها ما لم تقدم جواز سفرها الذي كان تحت سيطرة عائلتها.
كانت شمسة في هذا الوقت تقيم مع صديقة أسترالية في اليفنت اند كاسل، وهو حي في جنوب لندن به مجمعات سكنية وشوارع مليئة بالقمامة.
بدأت خياراتها تنفد، وأخبرت لطيفة أن والدها زار صديقة لها في الإمارات، وعرض عليها ساعة رولكس مقابل المساعدة في تعقبها واعتقدت أن هاتف صديقتها يتعرض للتنصت لكنها استمرت في الاتصال على أي حال.
شعرت لطيفة بالفزع لكنها استجابت للاتصالات قائلة: "لم يكن لديها أي شخص آخر تتحدث معه".
في أواخر ذلك الصيف، تواصلت شمسة مع ضابط الأمن أوزبورن وطلبت منه مساعدته.
هذه المرة، استجاب بحرارة، ورتب لاصطحابها إلى كامبريدج، حيث حجز غرفة لمدة ليلتين في اقدم وأروع فندق في المدينة (يونفيرستي ارمز).
(قال أوزبورن إن هذه الرواية تحتوي على "معلومات غير صحيحة وكاذبة" لكنه رفض الإشارة إلى التفاصيل).
في 19 أغسطس، تم تسجيل فيديو لشمسة وأوزبورن على كاميرا مراقبة أثناء خروجهما من الفندق وصعودهما إلى سيارة حيث بدت شمسة مخمورة وتولى أوزبورن القيادة.
قام بقيادة السيارة إلى جسر قريب، حيث توقف فجأة ونزل، وهنا انكشف الكمين، حيث قفز أربعة رجال إماراتيين إلى السيارة، فهرب مسرعا وتم قيادة السيارة إلى منزل والدها في نيوماركت، وهناك أمضت ليلة في مانور هاوس التابع لدلهام هول ومع شروق اول خيوط شمس اليوم التالي تم إخراجها من بريطانيا نحو دبي.
في الأول من سبتمبر، عادت امرأة من ساري تدعى جين ماري ألين إلى المنزل بعد العطلة لتجد رسالة غريبة على جهاز الرد الآلي الخاص بها، تركها شخص أعطى اسمًا يشبه "شانسا" وقالت المتصلة إنها "أعيدت إلى دبي رغما عنها" وطلبت تنبيه محاميها بول سايمون.
لم تكن الن تعرف المرأة، وتوقعت ان رقم الاتصال خاطئ على الأرجح، لكن من الواضح ان المرأة المتصلة كانت في ورطة فقامت بالاتصال بالشرطة.
تحدث رجال الشرطة في ساري إلى سيمون وعلموا عن لقاءاته مع شمسة، وعندما سمعوا أنها عضو في العائلة المالكة في دبي، أحالوا الأمر إلى الفرع الخاص المحلي، وهو وحدة شرطة تتولى الأمن القومي.
اتصل الضباط بممثلي الأسرة، الذين أصروا، وفقًا لوثائق الشرطة، على أنهم "لا يملكون أي معرفة بالاسم المذكور أو أي حادث من هذا القبيل"، وسواء صدّق الضباط هذه المزاعم الكاذبة أم لا، فقد استنتجوا - بالتشاور مع سيمون - أن شمسة لديها هاتف، ويمكنها الاتصال بالشرطة بنفسها إذا احتاجت لذلك.
تم إغلاق القضية دون تسجيل أي جريمة. (رفض سايمون التعليق على هذا المقال، مستشهدا بحقوق سرية العميل).
بعد ستة أشهر من الاختطاف، تلقى سايمون رسالة بريد الكتروني من شمسة قالت فيها "انا مراقبة طوال الوقت لذلك سأدخل في الموضوع مباشرة" مضيفة "اعرف هؤلاء الأشخاص، لديهم كل المال والقوة ويعتقدون ان بإمكانهم القيام بكل شيء يمكنهم القيام به".
كانت شمسة محتجزة في ساحة القصر في دبي، حيث قالت إن حراس والدها كانوا "يحاولون ترويعي وتحطمي"، لكنها وجدت طريقة لإيصال الرسائل، من خلال إقناع العاملة بتهريب الأوراق في شعرها وتسليمها إلى لطيفة واشخاص اخرين.
في احدى هذه الرسائل، امرت شمسة سيمون باشراك السلطات البريطانية بما يحدث "على الفور".