أحكام محاكم السوشيال ميديا
ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار تحديد صلاحيات النشر في الشؤون العامة بذوي الاختصاص الصحفي، واعتماد ذلك قاعدة أساسية في تشريع أي قانون يتعلق بضوابط النشر الإلكتروني
كتب / سلام عادل
تزداد يوماً بعد آخر حالات الاستهداف الشخصي والتسقيط الإعلامي من على منصات ومواقع السوشيال ميديا، لدرجة أن بعضها نصّبت نفسها قاضياً شرعياً يصدر أحكاماً قبل أن تصل القضايا إلى المحاكم الرسمية التابعة لمجلس القضاء الأعلى، بل وقامت هذه المنصات بابتلاع دور الادعاء العام أيضاً، وصارت تتصدى لمختلف الشؤون العامة في البلاد من دون أي مقدمات وبلا شعور بالمسؤولية حتى.
ولعل واحدة من الفراغات الخطيرة في مكتبة التشريعات العراقية، التي فسحت المجال لمن هبّ ودب باستخدام الفضاء الإلكتروني بمزاجية او كراهية او لأسباب ربحية، هو خلو هذه المكتبة من قانون ناظم تتحد بموجبه المسموحات والممنوعات، بما لا يتعارض مع حرية التعبير والنشر، وفق الحدود التي رسمتها الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وعلى رأس ذلك قواعد النشر الصحفي والإعلامي.
وبالتالي ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار تحديد صلاحيات النشر في الشؤون العامة بذوي الاختصاص الصحفي، واعتماد ذلك قاعدة أساسية في تشريع أي قانون يتعلق بضوابط النشر الإلكتروني، بغض النظر عن النسخة الجدلية، التي جرت مناقشتها من قبل مجلس النواب، والتي يراد تمريرها تحت عنوان "قانون جرائم المعلوماتية".
وتأصيلاً لحقوق الصحافيين في النشر الخاص بالشؤون العامة نرى العديد من المواد القانونية بهذا الخصوص، من بينها ما جاء في قانون حقوق الصحافيين العراقيين رقم 21 لسنة 2011.
وقد سبقت العراق دول عديدة في هذا الجدل، حول من له الحق في النشر، وما هي نوعية وطبيعة المنشور، او الجهة المستهدفة منه، سواء كانت شخصية اعتبارية ذات مكانة اجتماعية او دينية او سياسية، او صاحب وظيفة حكومية، ويشمل ذلك المعلومات السرية والشائعات، والأمور ذات الحساسية المرتبطة بالأمن والاقتصاد.
ولا شك من كون الأحداث الأخيرة، التي أخذت مساحة واسعة في النشر، ما يتعلق بالتسريبات الصوتية، باتت دليلا على الفوضى الإلكترونية في العراق، ودليل على أن محاكم السوشيال ميديا، غير المسيطر عليها، باتت تنافس محاكم مجلس القضاء الأعلى، إذا ما صارت تستبقها بالتحقيق والأحكام، مع الإشارة إلى انعدام أي حقوق قانونية او إنسانية للأشخاص والجهات المستهدفة، بما فيها حقهم بالدفاع او التمييز او الاستئناف.
والجدير بالذكر أن (التسجيل الصوتي)، لا يعدو عن كونه (قرينة)، وليس دليلاً لإثبات أي تهمة في حال افتقدت إلى اعترافات المتهم او شهادة الشهود او المستندات الرسمية، بحسب ما جاء في المادة 213 من قانون أصول المحاكم الجزائية، مما يحيل (التسريبات الصوتية)، التي ظهرت هنا وهناك، إلى خانة الغوغائية الإعلامية المنتشرة هذه الايام، والتي ينبغي الوقوف بوجهها بعد أن صارت تزحف على مهنة أهل الإعلام المحترفين.