كل مواطن خفير
الطريقة الواحدة لاختفاء أية مسافة، او اية هوة بين اجهزة الضبط وجمهور المواطنين هي عندما يصبح المواطن خفيراً، اي عندما يرتقي معنى المواطنة الى ذلك المستوى الذي يصبح فيه كل مواطن جزءاً من منظومة الضبط التي ينبثق عنها المجتمع المثالي.
الطريقة الواحدة لاختفاء أية مسافة، او اية هوة بين اجهزة الضبط وجمهور المواطنين هي عندما يصبح المواطن خفيراً، اي عندما يرتقي معنى المواطنة الى ذلك المستوى الذي يصبح فيه كل مواطن جزءاً من منظومة الضبط التي ينبثق عنها المجتمع المثالي. وبالمقابل تختفي المسافة عندما يصبح رجل الأمن، او الشرطي، او المفتش الصحي، او كل من له علاقة بفرض القانون، مواطنا ورجل أمن في آن واحد.
في عام 1954 أسس الأديب سعيد تقي الدين بالتعاون مع عدد من الوطنيين، لجنة «كل مواطن خفير» لمكافحة النشاط الصهيوني في لبنان.
وكانت غاية «كل مواطن خفير» مكافحة الصهيونية والتجسس لدولة العدو في الدول العربية بأساليب عملية.
ومثل هذا النشاط هو أفضل أداة في التربية الشعبية للتحسس بالخطر الذي تشكله أدوات التجسس التابعة للعدو بكافة أشكالها، ولبث ثقافة المقاومة بين الجماهير العربية وحكوماتها.
وبدأت اللجنة نشاطها في لبنان، وتولى سعيد تقي الدين كتابة منشوراتها الرسمية، كما تولى شأن الأحاديث الأسبوعية الخاصة باللجنة في الإذاعة اللبنانية. فقد أذنت الحكومة اللبنانية له، بصفته رئيس اللجنة، بتقديم برنامج عبر الإذاعة اللبنانية بعنوان: «ماذا أتكلم» تناول فيه النشاط الصهيوني ونشاط اللجنة المضاد.
إلا أن هذه الصراحة ضايقت بعض ذوي السلطة، فألغت الحكومة البرنامج ولم تسمح باستئناف بثه إلا بعد أن تعهدت اللجنة بأن صوت سعيد تقي الدين لن يُسمع من الإذاعة لاحقاً.
كشفت لجنة «كل مواطن خفير» عن سماح السلطات اللبنانية بدخول المطرب الأميركي المتصهين «ليو فولد» (Leo Fuld) إلى لبنان لإحياء الحفلات في ملهى «الكيت كات» في منطقة الزيتونة. كما كشفت عن شخص يهودي نمساوي يدعى الدكتور «طوبر» وهو يمارس مهنة التدريس في مدرسة برمانا البريطانية برغم أن وزارة الشؤون الاجتماعية قد رفضت إعطاءه إجازة عمل. كما لفتت اللجنة إلى زوجة هذا الدكتور وهي يهودية تعمل موظفة في شركة المياه في لبنان.
في هذا الإطار، أشار سعيد تقي الدين في مذكراته إلى الخيبة المريرة التي أصيب بها بعد الأسبوع الأول من عمل لجنة «كل مواطن خفير». فعندما كتب إلى وزير الاقتصاد يسأله أن يطرد من بين موظفي وزارته فتاة وصفها بأنها صهيونية، وأن أخاها يخدم في الجيش الإسرائيلي ويزورها في بيروت، وهي تأتي إلى الوزارة برسائل من دولة العدو تقرأها على بعض زملائها، لم يتحرك الوزير لمعالجة هذه المسألة وبقيت الفتاة في مكانها.
أمام كل ما تكشف لسعيد تقي الدين من حقيقة تغلغل العملاء في البلاد، وحقيقة تغاضي بعض المواطنين والمسؤولين عن مخاطر هذا الوجود، بات هو ولجنته على قناعة تامة بضرورة استصدار قانون لمقاطعة كيان العدو، حيث يعاقب التجسس لمصلحة إسرائيل والتهريب منها وإليها. من أجل ذلك قدمت لجنة «كل مواطن خفير» مشروع قانون وضعه القانوني إدمون رباط ليقره مجلس النواب. ومع نهاية عام 1954، تبنت جامعة الدول العربية مشروع القانون هذا ووزعته على الدول العربية. وبعد جهد مكثف استمر قرابة سنة، أقر مجلس النواب اللبناني قانون مقاطعة إسرائيل في 30 أيار 1955.
وحققت اللجنة الكثير في هذا المجال على تواضع إمكاناتها، وكانت تزود الأجهزة الأمنية في لبنان والشام بالتقارير والوثائق المتعلقة بالجواسيس والمتعاملين، فضلاً عن الناحية الإعلامية التي تولاها سعيد تقي الدين في الإذاعة اللبنانية وعبر مؤتمرات ومقابلات صحافية، إلى افتتاحيات نشرها في صحف عدة.
واليوم.. أمام تفشي العمالة بأشكال عدة ومن ضرورة نشوء الوعي الشعبي لهذا الخطر وبناء مجتمع قوي قادر على حماية نفسه أمام تسرب الأفكار والمنظمات العاملة لتنفيذ أجندات المستعمر بكافة أشكاله ندعو كافة المواطنين لنكون يداً واحدة في كشف كل العملاء والمؤسسات التي يختبؤن في عباءتها
#العلو_الاخير