ملف المياه في العراق .. تحت يد النصّابين السياسيين والإداريين
وصل الحال أن عيّنت الدولة العراقية سفيراً عراقياً فوق العادة متخصصاً بالمياه وهندسة السدود ومتخرج من جامعة أجنبية، على أمل حل هذا الموضوع، وهو حسن الجنابي الذي تولى أيضاً وزارة الموارد المائية العراقية.
كتب / سلام عادل
بين فترة وأخرى تنشط مجاميع المحللين والمدونين، وكأنهم على اتفاق، للحديث عن أزمة المياه التي ينبغي أن نجد لها حلاً عبر التفاهم مع تركيا، على الرغم من أن الحكومات العراقية المتعاقبة على مدار 20 سنة عقدت الكثير من المحادثات وأرسلت عشرات الوفود الى أنقرة لبحث هذا الأمر.
ووصل الحال أن عيّنت الدولة العراقية سفيراً عراقياً فوق العادة متخصصاً بالمياه وهندسة السدود ومتخرج من جامعة أجنبية، على أمل حل هذا الموضوع، وهو حسن الجنابي الذي تولى أيضاً وزارة الموارد المائية العراقية.
وفي كل موسم صيف يُعاد تشغيل ذات (الاسطوانة المچروخة)، عن ضرورة أن تفرش الدبلوماسية العراقية كل ما يقع في متناول يديها من تنازلات للجارة المسلمة من أجل إرضائها حتى لا تزعل علينا وتقطع المياه التي جعل فيها الله سرّ الحياة، لدرجة أن بعض العراقيين الكرماء أخذته حالة السخاء في إحدى التصريحات التلفزيونية، فاقترح التفاهم مع تركيا على صيغة (النفط مقابل الماء).
ومن طرائف ما يحصل أن واحدة من الناشطات المدنيات المعروفات صدّعت رؤسنا ذات مرة عن مخاطر (سد أليسو)، بصيغة أن هذا السد سيقود إلى حجز المياه المتدفقة كافة من تركيا إلى العراق، ما يهدد بنهاية الحياة تماماً في بلاد الرافدين، ولكن اتضح فيما بعد أن هذه (الناشطة)، وهي مهندسة سدود ومياه ومتخرجة من جامعة أجنبية أيضاً، كانت تخطط للحصول على منصب رفيع في وزارة الموارد المائية، وقد حصلت على ما تريد في حينها، ثم اكتشفنا لاحقاً أن سد أليسو لا يحتفظ بالمياه لكونه مخصصاً لتوليد الطاقة.
وحتى جوقة المحللين السياسيين والمعلقين وبعض المدونين ذوي الثقافة السطحية صاروا يجدون موضوع المياه أسهل مادة للتعليق في متناول اليد، فهي لا تستحق أي جهد في ظل استخدام نصوص إعلامية جاهزة تُنتشر هنا وهناك، من قبيل (تطبيق قوانين الدول المتشاطئة) أو (تطبيق اتفاقيات الأمم المتحدة) .. الخ، وهي كلها سفسطة تشبه إلى حدٍّ ما محفوظات المدارس الابتدائية.
ولهذا يبدو من الواضح أن الحديث عن ملف المياه بات موضوعاً للنصب والاحتيال على الدولة، من قبل بعض أبناء الدولة، وفي نفس الوقت هو مادة ابتزاز للحكومة العراقية تستخدمها المخابرات التركية للضغط من أجل الحصول على المزيد من المصالح والاستثمارات.
ولعل حجم المكتسبات التركية المتزايدة من العراق يؤكد حجم الضغط التركي الذي يقف خلفها، وهو الذي جعل الأسواق العراقية تغرق بالبضائع التركية حد التخمة، وجعل تركيا صاحبة أكبر تبادل تجاري مع العراق، كما جعل من العراقيين أكبر مشتري العقارات في تركيا، وأكثر من يطلب جنسيتها، وأغلب الأجانب الذين يدرسون في مدارسها وجامعاتها الحكومية والأهلية.
ومع ذلك تبدو العلاقات التركية العراقية في ربيع دائم حتى نصل لموضوع المياه، حيث تنقلب الجارة المسلمة بخصوص هذا الموضوع الى أشبه بالكيان الصهيوني الغارق بالأنانية والذي لا يرى أحداً أمامه غير مصالحه، لدرجة أن أردوغان قال لوزير الدفاع العراقي قبل أيام إن بلاده لن توافق على زيادة تدفق المياه لأن العراق يستخدم هذه المياه في زراعة الكثير من الحنطة، وهو تبذير للمياه، بحسب أردوغان بالطبع.
ومن هنا يتضح حجم السخافة التركية التي تفرض قناعة بعدم جدوى التفاوض معها حول ملف المياه، وبدل تضييع الوقت وتقديم المزيد من التنازلات ينبغي على العراق اتخاذ ما يلزم بخصوص استثمار ما يصل له من تدفقات مائية بالطريقة الأمثل، وعلى رأس المعالجات بناء (قناطر) في شط العرب تحول دون تسرّب المياه الحلوة الى الخليج، وهو حل على (الطريقة المصرية) وفي متناول اليد، باعتبار أن الحالة العراقية تشبه الحالة المصرية.
وفي الختام .. نسمع الكثير من الضجيج سواءً من السياسيين أو من الإداريين العراقيين، ولكن لا نرى مقابل ذلك عملاً جاداً يستهدف تطوير شبكات الرّي أو كراء الأنهر أو توسعة أحواض الخزن، ولا حتى تصليح أنابيب الماء وخزانات الأحياء السكنية، وهو ما بات يؤكد على أن البلاد تُدار من قبل نصّابين لا أكثر ولا أقل.