استقطاعات "الدفع الالكتروني".. ملف "غامض" وأرقام "مخيفة": عشرات المليارات شهريًا
انفوبلس/..
يعد ملف عمولات واستقطاعات دفع الرواتب والمستحقات عبر بطاقات الدفع الالكتروني من أكثر الملفات غموضًا في العراق. ولعل مسألة القطوعات التي تعد قليلة نسبيًا أثناء عملية دفع الرواتب، من أهم الأسباب التي تجعل هذا الملف متروكًا، بالرغم من أن هذه الاستقطاعات "البسيطة نسبيًا" تبلغ عوائدها المالية بالحقيقة عشرات المليارات شهريًا نظرًا للعدد الكبير ممن يستلمون رواتبهم عبر بطاقات الدفع الالكتروني في العراق.
يشكو الموظفون والمتقاعدون من تفاوت العمولات المستقطعة من رواتبهم أثناء استلامها من منافذ الصرف
وقرر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الأسبوع الماضي، تشكيل لجنة تدقيقية مختصة، تتولى مراجعة العمولات التي تستحصلها شركات الدفع الالكتروني كافة من المواطنين، فيما حث اللجنة على "اتخـاذ الإجراءات كافة بحق المخالف منها وفقًا للقانون".
وطوال السنوات الماضية، يشكو الموظفون والمتقاعدون من تفاوت العمولات المستقطعة من رواتبهم أثناء استلامها من منافذ الصرف، بين منفذ وآخر وشهر وآخر، إلا أن أصواتهم لا تجد صدى.
وتوجد العديد من بطاقات الدفع الالكتروني في العراق، إلا أن المسيطر الأكبر على رواتب موظفي الدولة والمتقاعدين والمشمولين بالرعاية الاجتماعية، هما كل من الشركة العالمية للبطاقات الذكية والمالكة لمشروع بطاقة "كي كارد" والمتعاقدة مع مصرف الرافدين، فضلًا عن شركة "بوابة العراق" والمالكة لمشروع "ماستر النخيل" والمتعاقدة مع مصرف الرشيد.
ويحمل هاتين البطاقتين قرابة 7 ملايين شخص في العراق بين موظفين ومتقاعدين ومشمولين بالرعاية الاجتماعية، وتتم عبرها دفع أموال تناهز الـ8 تريليون دينار شهريًا.
لا يعلم حاملو هذه البطاقات آلية الاستقطاع منهم أثناء السحب من بطاقاتهم، لكنهم يتفقون أنّ ما يتم استقطاعه منهم يتجاوز بكثير ما تتحدث عنه إدارات المصارف وشركات الدفع الالكتروني في بياناتهم وتصريحاتهم الإعلامية.
وعمومًا، تتضارب النسبة المعلنة بشأن العمولة، فبينما تقول إدارة شركة كي كارد في أكثر من مناسبة إنّ "عمولة التاجر تبلغ 0.003، أي 3 بالألف"، لا توضح ما إذا كانت هذه العمولة يتم استقطاعها من قبل التاجر مباشرة، أم هي مستقطعة بالفعل داخل البطاقة، وما إذا كانت هذه عمولة التاجر لوحده، فكم تبلغ عمولة الشركة والمصرف؟
بالمقابل، يشير تصريح متلفز سابق لمدير مصرف الرشيد، إلى أنّ "على كل 750 ألف دينار يتم استقطاع 2500 دينار"، ووفق ذلك، فإنّ العمولة تبلغ أيضًا 0.003، بالنسبة لبطاقة ماستر النخيل، إلا أن بيانًا لمصرف الرشيد في مناسبة أخرى، يشير إلى أن "عمولة المكاتب تبلغ 0.006 بالألف تستقطع الكترونيًا".
ووفقًا لمراجعة لبعض التعليقات والشكاوى المدونة في مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الموظفين والمتقاعدين، يتبيّن أنّ نسبة الاستقطاع تبلغ 0.006 بالألف بالفعل، سواء في بطاقات الكي كارد، أو الماستر كارد، وليس 0.003 بالألف، كما تدعي إدارة شركة كي كارد، فضلًا عن تصريح مدير مصرف الرشيد.
ويتضح وجود لبس كبير وعدم تحديد شامل ونهائي لمبلغ العمولات، حيث أنّ العمولات تتقسم إلى عمولة إيداع الراتب، والتي قد تذهب إلى كل من المصرف وشركة الدفع الالكتروني صاحبة البطاقة، وعمولة سحب وتذهب إلى أصحاب المنافذ ومكاتب الدفع الالكتروني.
ووفق العمولة البالغة 0.006، يعني أنّ من يبلغ راتبه 750 ألف دينار، يبلغ الاستقطاع الشهري منه 4500 دينار، ومن يبلغ راتبه مليون دينار، يبلغ الاستقطاع 6 آلاف دينار شهريًا.
بالرغم من أن العمولة التطبيقية في الواقع تبلغ "ضعف" ماتتحدث عنه التصريحات الرسمية أي 6 بالألف وليس 3 بالألف، فإنّ الموظفين والمتقاعدين وجميع حاملي بطاقات الكي كارد وماستر النخيل، يؤكدون أنّ هناك استقطاعات أخرى من أصحاب المنافذ، فضلًا عن العمولة المستقطعة مسبقًا في البطاقة.
ويقول الموظف في وزارة الصحة أحمد الربيعي والذي يحمل بطاقة ماستر النخيل على مصرف الرشيد، إنّ "راتبه الشهري يبلغ 679 ألف دينار، ويتم إيداع 675 ألف دينار فقط في البطاقة، ما يعني استقطاع 4 آلاف دينار الكترونيًا".
وفي حسابات، فهذا يعني أنه تم استقطاع نسبة 0.006 الكترونيًا، والتي من المفترض هي العمولة النهائية للمصرف وشركة الدفع الالكتروني فضلًا
عن منفذ أو مكتب الصرف.
لكنّ الربيعي يؤكد أنّ "المكتب يسلمه 673 ألف دينار فقط"، ما يعني أنّ المكتب استقطع ألفي دينار إضافية، فوق الـ4 آلاف دينار المستقطعة الكترونيًا، ليكون مجمل الاستقطاع يبلغ 6 آلاف دينار.
قيمة المدفوعات الشهرية للموظفين والمتقاعدين ورعاية اجتماعية تلامس الـ8 تريليون دينار شهريًا
أما بالنسبة لمن راتبه يبلغ مليون دينار، فيقول سيف النجار وهو موظف في وزارة الكهرباء، إنّ "راتبه يبلغ مليون دينار وفي البطاقة يتم دفع 994 ألف دينار فقط"، ما يعني نسبة استقطاع 0.006 أيضًا، ولكن صاحب المنفذ يسلمه 991 ألف دينار، أي أنّ صحاب المنفذ يستقطع 3 آلاف دينار ليصبح مجمل المبلغ المستقطع 9 آلاف دينار عراقي.
وبهذه الطريقة، تتفاوت نسب الاستقطاع بين منفذ لآخر، لكنّ نسبة الاستقطاع "الالكترونية" تبلغ 0.006، من المفترض أن من بينها عمولة التاجر.
ومن غير المعلوم، إلى ماذا سيتوصل السوداني باللجنة التي شكلها حديثًا، حيث يرى مراقبون أنّ تأكيدات شركات الدفع الالكتروني بوجوب التبليغ على أصحاب المنافذ، هي مسألة عديمة الجدوى، ومنذ أعوام طويلة تستمر هذه الطريقة بدفع الرواتب ولم يتغير أي شيء، والمفترض أن تجري شركات الدفع الالكتروني والمصارف الحكومية آلية جديدة مثل إنشاء صرافات آلية دون الاعتماد على المنافذ والمكاتب التي يصعب السيطرة عليها.
ولإيضاح قيمة المبالغ المستقطعة من حاملي هذه البطاقات بشكل أوضح، خصوصًا وأن صغر المبالغ المستقطعة نسبيًا من كل حامل بطاقة أدى لعدم فتح هذا الملف والإصرار عليه، فإنّ قيمة المدفوعات الشهرية للموظفين والمتقاعدين ورعاية اجتماعية، تلامس الـ8 تريليون دينار شهريًا، ما يعني أنّ نسبة الـ0.006، المستقطعة من قبل مصرفي الرشيد والرافدين وشركائهم من شركات الدفع الالكتروني، تبلغ 48 مليار دينار عراقي شهريًا، وهي تعادل راتب موظف متوسط يتقاضى نحو 800 ألف دينار شهريًا، لمدة 8 آلاف عام، وهي إشارة قد تنبّه الجميع إلى مقدار ما تتقاضاه الشركات والمصارف من عمولات شهرية.