استقطاع 4 آلاف دينار من الرواتب.. ماذا تعلم عن قرار البنك المركزي حول البطاقات الإلكترونية؟

انفوبلس/ تقرير
منذ صباح اليوم الخميس 13 شباط/ فبراير 2025، تدور ضجة كبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي والأوساط المصرفية، حول أعمام جديد صادر عن البنك المركزي العراقي، برفع أسعار إصدار البطاقات الإلكترونية ورسوم الدفع والسحب الإلكتروني من البطاقات، من بينها سحب الرواتب، حيث سيكون السقف 4 آلاف دينار مقطوعة بدلا من ألفي دينار، بالإضافة إلى المبالغ التي سيقتطعها صاحب منفذ الرواتب، فما التفاصيل؟
استقطعت الحكومات العراقية خلال السنوات العشر الماضية، مليارات الدولارات من رواتب الموظفين والمتقاعدين تحت مختلف المسميات وآخرها لتقديم المعونات إلى قطاع غزة ودولة لبنان، ما أثار موجة غضب واستياء كبيرة ليس بسبب عدم رغبتهم في مساعدة اللبنانيين والفلسطينيين، وإنما في مخاوفهم من أن تكون هذه حيلة جديدة من حيل الفساد.
*تفاصيل القرار
بحسب وثيقة صادرة من البنك المركزي العراقي موجهة الى المصارف والمنافذ كافة – اطلعت عليها شبكة "انفوبلس" - فإنه تقرر رفع سعر إصدار واستبدال بطاقة الراتب الى 15 ألف دينار بدلا من 10 آلاف دينار، وإصدار بطاقة بدل تالف أو بدل ضائع 25 ألف دينار.
كما تم رفع عمولة رفع الراتب على الماستر 2000 دينار بدل 1000 دينار، وأجور السحب النقدي من أجهزة pos أصبحت 2000 دينار على المليون بدل 1000، وفقاً للوثيقة التي أثارت موجة انتقادات "واسعة" في العراق.
إذ انتقد مختصون في الشأن الاقتصادي وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، القرار، مؤكدين أن ذلك سيكون عقبة أمام العراق نحو التقدم في الاقتصاد الرقمي وانتشار الدفع الإلكتروني حيث سيشجع المواطنين على التمسك بالسيولة النقدية، وسط اتهامات بـ"سرقة" الموظفين والمتقاعدين لملء جيوب الفاسدين، وتوجه البلاد نحو الإفلاس.
وقال الخبير الاقتصادي صفاء الشمري في تدوينة على منصة أكس (تويتر سابقاً) تابعتها شبكة "انفوبلس"، إن قرار البنك المركزي سيؤدي لعرقلة الدفع الالكتروني، فبدلًا من أن يكون البنك المركزي قوة دافعة نحو الاقتصاد الرقمي، جاء هذا القرار ليكون عقبة جديدة أمام انتشار الدفع الإلكتروني، حيث إن فرض رسوم على العمليات المصرفية الإلكترونية يشجع المواطنين والتجار على التمسك بالسيولة النقدية".
وأضاف، إن "القرار يبدو وكأنه مصمم لحماية أرباح المصارف الخاصة بدلًا من خدمة الاقتصاد والمستهلكين”، مشيرا إلى أنه "كان من المفترض أن يلزم البنوك بخفض الرسوم تدريجيًا وليس تقنين استغلالها".
وأوضح، إنه "في الوقت الذي تتسابق فيه الدول لتطوير خدمات الدفع الإلكتروني وتقديم بدائل مريحة، يأتي هذا القرار ليضع قيودًا قاتلة على القطاع، فالمصارف الآن غير مضطرة لتطوير خدمات جديدة أو تحسين أنظمتها، لأن البنك المركزي منحها سقوف رسوم مريحة تضمن لها الربح بدون الحاجة إلى التنافس والابتكار".
وأكد، إنه "كلما زادت تكلفة الدفع الإلكتروني، زادت الحوافز لاستخدام النقد خارج النظام المصرفي، مما يفتح الباب واسعًا أمام التهرب الضريبي وتداول الأموال خارج الإشراف الحكومي”، موضحا أنه “إذا لم تتم مراجعة هذا القرار فورًا، فإن العراق سيتخلف لعقود عن اللحاق بركب التكنولوجيا المالية، وستبقى السيولة النقدية هي الملك، بينما بقية العالم يتقدم في الاقتصاد الرقمي".
إلى ذلك، قال القيادي في المجلس الوطني للمعارضة العراقية عمر عبد الستار، في تدوينة على منصة أكس (تويتر سابقا ايضاً اطلعت عليها شبكة "انفوبلس"، إن "البنك المركزي العراقي يفرض زيادة 2000 دينار على رواتب الموظفين ويزيد الرسوم على السحوبات النقدية بسبب نقص السيولة والانهيار قريب جدا".
على الرغم من أن استقطاعات الرواتب موجودة في جميع البلدان، إلا أنها غالباً ما تتعلق بمسائل تخص صاحب الراتب نفسه، كالضمان الاجتماعي أو التقاعد أو الضمان الصحي، غير أن استقطاعات الرواتب في العراق، تصب على الأغلب في مصلحة أطراف أخرى ليس للموظف صلة بها.
وقصة استقطاعات الرواتب ملازمة لحكومات النظام السياسي بعد 2003، سواء كانت على شكل مقترحات أو قرارات فعلية تم تنفيذها، ويكاد لا يمر عام إلّا وشعر متقاضو الرواتب من الموظفين أو المتقاعدين بأن رواتبهم مهددة.
وأبرز الاستقطاعات التي حدثت خلال السنوات العشرة الماضية، هي اقتراح ومصادقة اللجنة المالية في منتصف 2023، على استقطاع 1 بالألف من رواتب الموظفين لغرض دعم صندوق مؤسسة الشهداء والسجناء السياسيين، ولم يُعرف حتى الآن مصير الاستقطاع وما إذا تم تطبيقه بالفعل، فغالباً ما تذهب هذه الأرقام الصغيرة من دون أن ينتبه إليها الموظف أو الموظفة، خصوصاً مع تحول الرواتب إلى بطاقات إلكترونية، إذ يجهل متقاضي الراتب، في أحيان كثيرة، سبب الاستقطاعات ويظن أنها تتعلق بخدمات البطاقة فقط.
وفي 2021، وأثناء استعداد حكومة مصطفى الكاظمي لصياغة الموازنة في ظروف كانت صعبة نتيجة تراجع أسعار النفط وقلة الإيرادات المالية، تم اقتراح فرض استقطاعات على رواتب الموظفين، لكن بنسب متغيرة ووفقاً لقانون ضريبة الدخل.
وكذلك في الأعوام 2015 و2016 و2017 و2018، تضمنت نصوص الموازنة استقطاعاً بنسبة 3.8 بالمئة من إجمالي رواتب الموظفات والموظفين، وكان يُزعم أن الاستقطاع يهدف لدعم الحشد الشعبي والنازحين، وفقاً لنص قانون الموازنة.
في الأعوام السابقة لـ2014، وخلال ولايتي نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق، كانت الإيرادات النفطية جيدة وأسعار النفط في أعلى مستوياتها التاريخية، لذلك كان اللجوء إلى الاستقطاع من رواتب الموظفين في تلك الحقبة أمراً نادراً نسبياً.
وبحسب تقارير اقتصادية اطلعت عليها شبكة "انفوبلس"، فإن حصيلة الاستقطاعات من الرواتب الموظفين والمتقاعدين خلال الأعوام العشرة الماضية، تبلغ نحو ستة تريليونات دينار، وإذا ما احتسبت بشكل تراكمي بعملة الدولار بسبب تغيُّر سعر الصرف الرسمي، سيكون إجمالي المبلغ نحو خمسة مليارات دولار، جميعها استقطعت بشكل غير قانوني، أي لم تأت من قانون مشرّع بل بقرارات.
ولا توجد معلومات أو بيانات منتظمة عن هذه الاستقطاعات تتيح ملاحقتها، وربما أنها تبوّب ضمن الإيرادات غير النفطية في أبواب الرسوم والضرائب، أو ربما تتسرّب بطريقة أخرى على طريقة "الأمانات الضريبية"، كما حصل في حادثة “سرقة القرن”، خصوصاً مع غياب الحسابات الختامية منذ 2014، وعدم انتظامها منذ 2005.
وكانت تصريحات محافظ البنك المركزي علي العلاق، الشهر الماضي، حول اغلاق منافذ الصرف الإلكتروني، قد اثارت موجة سخط عارمة وتسببت بإعلان رابطة منافذ دفع الرواتب في العراق كافة وبجميع المحافظات الإضراب عن العمل، ليخرج البنك ببيان آخر يؤكد فيه عدم صحة ما تم تداوله.
الجدير بالذكر أن عضو اللجنة المالية النيابية، مصطفى الكرعاوي، أكد في 14 كانون الثاني/ يناير الماضي، وجود أزمة مالية حقيقية تواجه البلاد، مشيرا إلى أنه "خلال استضافتنا لوزيرة المالية، تبين لنا وجود أزمة لكنها لن تؤثر على تمويل رواتب الموظفين، بل قد تؤدي إلى تأخير صرفها".
وكان العراق رفع ميزانيته في عام 2024 حتى بعد حجم إنفاق قياسي في عام 2023 عندما تم تعيين أكثر من نصف مليون موظف جديد في القطاع العام، وبدأت عملية تحديث للبنية التحتية على مستوى البلاد تتطلب أموالا ضخمة.
يشار إلى أن المستشار المالي للحكومة مظهر محمد صالح، أكد في أيلول/سبتمبر 2024، بأن العراق سيواجه أزمة بالموازنة في عام 2025 بسبب انخفاض أسعار النفط، الذي يعتبر المصدر الرئيسي لإيرادات البلاد، وقال: "لا نتوقع مشكلات كبيرة في عام 2024 لكننا نحتاج إلى انضباط مالي أكثر صرامة في عام 2025".
وتتزايد التصريحات والمؤشرات والتلميحات الرسمية والحكومية، على وجود أزمة مالية في العراق، بعد أشهر من التصريحات التي كانت تقتصر على أعضاء في البرلمان والتي تحاول الحكومة ووزارة المالية نفيها بين الحين والآخر، لكن التصريحات الحكومية الرسمية بدأت تؤكد هذه المعلومات بقصد أو دون قصد.