العراق يتحرر من عبودية النقد الدولي ويسدد كافة ديونه.. كم بلغت؟ وعلى ماذا أُنفقت بالتحديد؟
انفوبلس/ تقارير
على غرار تركيا وروسيا والبرازيل وكوريا الجنوبية والعديد من الدول العالمية، أقدم العراق على تحرير نفسه من عبودية صندوق النقد الدولي عندما تم الإعلان رسميا عن سداد كافة ديونه للصندوق و"تصفيرها" وبالتالي إنقاذ نفسه من وحل الاستدانة الخارجية بعد أكثر من عقدين من الغرق، فكم حجم الأموال التي سددها العراق؟ وما أهمية ذلك ومردوده على الاقتصاد؟ إليك أبرز القطاعات التي صُرفت عليها هذه المبالغ المستدانة منذ عام 2003 ولغاية الآن.
*تسديد كامل الديوان
في منتصف العام 2015، فعلت تركيا ذات الأمر حينما أعلن رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء وقتها، تمكّن بلاده من سداد جميع الديون المستحقة لصندوق النقد الدولي. كانت هذه هي المرة الأولى منذ 52 عاما التي تصبح فيها تركيا بلا ديون لدى صندوق النقد.
وعندما سددت تركيا القسط الأخير من قرض صندوق النقد كانت وقتها من ضمن 11 دولة في العالم، تمكنت من "تصفير" ديونها للصندوق في الوقت المحدد ودون تأخر في السداد، منذ عام 2000. وكان من أبرز تلك الدول كوريا الجنوبية (2001)، والبرازيل (2005)، وروسيا وأوروغواي (2006)، ولاتفيا وهنغاريا (2013)، ومقدونيا ورومانيا وآيسلندا (2015).
والأسبوع الماضي، أقدم العراق على تكرار هذا السيناريو حينما قام بسداد الديون المستحقة عليه لصندوق النقد مرة واحدة، ووفق تصريحات مستشار رئيس مجلس الوزراء للشؤون المالية العراقي مظهر محمد صالح، فقد سددت بلاده كامل القروض التي حصلت عليها من صندوق النقد الدولي منذ عام 2003.
*مستشار السوداني: مجموع القروض لم يتجاوز الـ 8 مليارات دولار
وعن تفاصيل سداد القروض، كشف مستشار رئيس مجلس الوزراء للشؤون المالية مظهر صالح، الأسبوع الماضي، عن القروض التي قدمها صندوق النقد الدولي للعراق منذ عام 2003، وفيما أشار إلى أن مجموعها لم يتجاوز 8 مليارات دولار، أكد تسديدها بالكامل.
*ماذا فعل العراق بالقروض؟
وبحسب صالح، فإنه "منذ عام 2003، قدم صندوق النقد الدولي عدة قروض للعراق كانت تستهدف دعم استقرار الاقتصاد الكلي وتنفيذ الإصلاحات المالية، فبين الأعوام 2003 و2021، حصل العراق على عدة برامج تمويلية من صندوق النقد الدولي، بما في ذلك قروض طارئة ومساعدات مالية طويلة الأجل نسبياً".
وأضاف، أنه "في السنوات الأولى بعد عام 2003، قدم الصندوق دعماً كبيراً للعراق من خلال برامج مختلفة، بما في ذلك برنامج الاستعداد الائتماني SBA وأداة التمويل السريع، فعلى سبيل المثال، في العام 2016، وافق صندوق النقد الدولي على برنامج استعداد ائتماني SBA بقيمة 5.34 مليارات دولار لدعم الإصلاحات الاقتصادية في العراق وحصل العراق على ثلثي المبلغ آنفاً، وجرى تسديده كاملاً خلال خمس سنوات".
وتابع صالح أنه "في عام 2021، طلب العراق قرضاً طارئاً بقيمة 6 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي ويبدو أنه لم يتحقق القرض لعدم ارتباطه بواحدة من برامج الصندوق في حينها"، منوهاً بأنه "قد استهدفت سبل التعاون مع صندوق النقد الدولي إلى دعم الإصلاحات الحكومية ومواجهة الأزمات الاقتصادية التي نجمت عن انخفاض أسعار النفط والتي ارتبطت بتقلبات ميزان المدفوعات وتأثيراته في النشاط الاقتصادي".
وأوضح مستشار رئيس مجلس الوزراء العراقي للشؤون المالية، أنه "منذ العام 2003، بلغت قيمة القروض والمساعدات المالية التي منحها صندوق النقد الدولي للعراق عدة مليارات من الدولارات ولا يتعدى مجموعها 7 إلى 8 مليارات دولار وجرى تسديدها كاملاً، مع التركيز عند منح القروض على تنفيذ برامج ارتبطت بدعم استقرار الاقتصاد الكلي وتنفيذ الإصلاحات المالية الضرورية".
*أهمية تصفير ديون النقد الدولي
اللافت أن العراق وحتى سنوات قريبة كاد أن يرتمي كليا في أحضان صندوق النقد والدائنين رغم أنه دولة نفطية، وذلك بسبب الفساد الذي كان مستشريا في البلاد.
ففي عام 2021، طلب العراق قرضاً طارئاً بقيمة 6 مليارات دولار من صندوق النقد، وفي مايو 2016 حصل على قرض من الصندوق بقيمة 13 مليار دولار لسد عجز الموازنة العامة والفجوة التمويلية التي كانت تمر بها البلاد.
وكاد العراق أن يغرق في وحل الديون الخارجية، وأن يكرر تجارب دول عربية أخرى، لكنه قرر وضع حد لنزيف الاقتراض والفساد المالي ونهب المال العام عبر الاستفادة من موارده الدولارية الحالية خاصة الناتجة عن تحسن سعر النفط والغاز، وقام بمراكمة الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي الذي كاد أن يتبخر قبل سنوات، وسد إلى حد ما قنوات تهريب الأموال.
وبذلك فلت العراق من المصير الذي يلقي الدول الدائنة التي ترتمي في أحضان تلك المؤسسة المالية والخضوع لبرامجها السامة وقروضها الخبيثة والتي قلما تفلت دولة من تداعياتها الخطيرة.
*هل انتعش اقتصاد البلد؟
عقب تسديد الديون له من قبل العراق، قال صندوق النقد الدولي إن الاختلالات الداخلية في العراق تفاقمت بسبب التوسع المالي الكبير وانخفاض أسعار النفط. وأضاف في بيان له اليوم الخميس أن العراق بحاجة لتصحيح أوضاع المالية العامة تدريجيا؛ لتحقيق الاستقرار في الديون على المدى المتوسط وإعادة بناء الاحتياطيات المالية.
ورحب الصندوق في بيانه بالانتعاش الاقتصادي القوي وانخفاض التضخم في العراق وتحسن الظروف المحلية التي أدت إلى تنفيذ أول ميزانية مدتها 3 سنوات. وشدد على ضرورة وجود سياسات اقتصادية سليمة وإصلاحات هيكلية في العراق لتأمين المالية العامة والديون نظرا للنزاعات الإقليمية التي قد تؤثر على أسعار النفط.
*مزايا تسديد ديون النقد الدولي على العراق
بعد كل ذلك، تقصت انفوبلس عن النقاط الإيجابية التي سيجنيها العراق بعد تصفيره جميع ديون النقد الدولي، والتي أوجزها خبراء اقتصاديون بالنقاط الآتية:
ـ تحسين التصنيف الائتماني: سيساهم تسديد الديون في تحسين التصنيف الائتماني للعراق، مما يجعله أكثر جاذبية للمستثمرين الدوليين ويُمكنه من الحصول على قروض بفوائد أقل في المستقبل.
ـ زيادة الاستثمارات الأجنبية: يُؤدي تحسن التصنيف الائتماني إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية في العراق، مما يخلق فرص عمل جديدة ويُساهم في تنمية الاقتصاد.
ـ تعزيز الثقة بالاقتصاد: يُظهر تسديد الديون التزام الحكومة العراقية بإدارة اقتصادها بشكل سليم، مما يعزز الثقة بالاقتصاد ويُشجع على النشاط الاقتصادي.
ـ الحصول على تمويلات جديدة: بعد تسديد ديونه لصندوق النقد الدولي، قد يُصبح العراق مؤهلاً للحصول على تمويلات جديدة من الصندوق أو من جهات دولية أخرى لتنفيذ مشاريع تنموية.
ـ استقرار الاقتصاد: يُساهم تسديد الديون في تقليل عبء الدين على الموازنة العامة، مما يُتيح للحكومة تخصيص المزيد من الموارد للإنفاق على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية.
ـ خلق فرص عمل: تُؤدي الاستثمارات الأجنبية المتزايدة إلى خلق فرص عمل جديدة، مما يُساهم في خفض معدلات البطالة وتحسين مستوى معيشة المواطنين.
ـ تنمية مستدامة: يُساعد تحسن التصنيف الائتماني والاستثمارات الأجنبية المتزايدة على تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة على المدى الطويل.
ـ إعادة تأكيد سيادة العراق: يُمكن النظر إلى تسديد الديون كخطوة نحو إعادة تأكيد سيادة العراق واستقلاله المالي.
ـ تحسين العلاقات مع المجتمع الدولي: يُظهر تسديد الديون التزام العراق بمسؤولياته الدولية، مما يُساهم في تحسين علاقاته مع المجتمع الدولي.