أسعار النفط تنهار والرواتب مؤمنة ولكن.. ماذا لو انخفضت دون الـ60 دولارا؟

انفوبلس/ تقارير
بعد الانخفاض الكبير لأسعار النفط والذي يعد الأكبر منذ ذروة جائحة كورونا عام 2020، سلّطت شبكة انفوبلس الضوء على تداعيات ذلك الانخفاض على العراق لاسيما الرواتب، وفي الوقت الذي وجدت فيه أن الرواتب مؤمنة "في الوقت الحالي" توصلت إلى أن مرحلة التأثر الحقيقي ستبدأ في حال نزل سعر البرميل دون 60 دولارا، فماذا سيحدث؟ وماذا قال الخبراء عن ذلك؟ إليك الخيارات الحرجة أمام الحكومة.
انخفاض هو الأكبر منذ جائحة كورونا
شهدت أسعار النفط العالمية انخفاضا قياسيا أمس الاثنين بنسبة 7%، يعد الأكبر منذ ذروة جائحة كورونا عام 2020، إذ تأثرت أسعار النفط سلبا بعد قرار تحالف أوبك بلس -الخميس الماضي- زيادة إنتاج النفط بأكثر من 400 ألف برميل يوميا، ليأتي بعده قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بزيادة الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة، مما أسهم في رد فعل صيني أدى لانخفاض أسعار النفط نتيجة المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
وتأتي هذه العوامل مجتمعة لتصب سلبا في مصلحة الدول المصدرة للنفط، لا سيما العراق الذي يعتمد بنسبة تقارب 90% في موازنته المالية السنوية على ما يصدره من النفط الخام، إذ يدق انخفاض أسعار النفط ناقوس الخطر لدى الحكومة العراقية التي وجدت نفسها في معادلة وخيارات محدودة أحلاها مر، بحسب مراقبين.
تأثير الانخفاض على الرواتب
في هذا التقرير، ستستعرض شبكة انفوبلس تأثيرات انخفاض أسعار النفط على العراق سواء على اقتصاده أم على رواتب الموظفين.
وبهذا الصدد، كشفت اللجنة المالية النيابية، عن تأثير انخفاض أسعار النفط على رواتب موظفي الدولة.
وقال عضو اللجنة، حسين فرج، في حديث له تابعته انفوبلس، إن اللجنة المالية شددت أكثر من مرة على ضرورة أخذ احتمالية انخفاض أسعار النفط بالحسبان عند اعداد الموازنة المالية، وهذا ما أيده وزير النفط.
وحول تأثير أسعار النفط على رواتب موظفي الدولة العراقية، أكد فرج ان رواتب الموظفين تمثل اولوية بالنسبة للحكومة، ومع حراجة الموقف، فانها مؤمنة عن طريق خطوات عدة مثل بيع السندات وضبط موضوع الرسوم والضرائب والايرادات.
ولم يُخفِ فرج "تخوفه" من ازمة انخفاض أسعار النفط، مؤكداً أن رواتب الموظفين مؤمنة ولكن بـ"حراجة"!
وبشأن الحلول المطروحة امام العراق، يرى عضو اللجنة المالية، أن "الحكومة الاتحادية مطالبة بالإسراع في ارسال جداول الموازنة المالية الى البرلمان؛ لكي يتم تكيفيها مع التحديات الجديدة المتمثلة بانخفاض سعر برميل النفط".
ويشير الى، أن النفط يمثل 96% من صادرات العراق"، مؤكدا ان اعادة رسم الموازنة وفق التحديات يمثل جزءا من الحل للازمة الجديدة".
ويختم عضو اللجنة المالية النيابية، حديثه، ان المسار الحقيقي امام العراق يتمثل بتعظيم الموارد غير النفطية وضبط العلاقة مع اقليم كردستان الذي يصدر كميات كبيرة من النفط بلا ضابط، ودون ان يخدم خزينة العراق باي مبالغ.
تأثير الانخفاض على الاقتصاد العراقي
وفي ذات السياق، حذر الخبير الاقتصادي نبيل التميمي،من تداعيات انخفاض أسعار النفط على الاقتصاد العراقي.
وقال التميمي في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، إن “انخفاض أسعار النفط بطبيعة الحال ينعكس سلباً على حجم الإيرادات العامة للدولة، لكون الاقتصاد العراقي يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط كمصدر رئيسي للتمويل”.
وأضاف، أن تزايد النفقات الحكومية، وخصوصاً التشغيلية منها، يضع الإيرادات الحكومية في موقف حرج أمام الالتزامات المالية المتزايدة.
وأشار إلى أنه “في حال استمرار الأسعار عند هذا المستوى، فإن جزءاً من الموازنة، لا سيما الاستثمارية منها، قد لا يُنفذ، ما يعني توقف أو تأجيل تمويل مشاريع البنى التحتية والخدمات الأساسية”.
وشدد التميمي على "ضرورة تحرك الحكومة نحو إيجاد بدائل حقيقية للإيرادات النفطية، وتعزيز مصادر التمويل غير النفطية، لتفادي أزمات مالية مستقبلية محتملة".
وبحسب بيانات حكومية، فان الرواتب ومعاشات التقاعد تكلف 90 تريليون دينار (69 مليار دولار)، أي أكثر من 40% من الموازنة، وهي عامل رئيسي للاستقرار الاجتماعي في العراق.
مظهر محمد صالح: الموازنة أخذت بالحسبان تقلبات سوق النفط
على صعيد متصل، أكّد المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، أن الموازنة الاتحادية للعراق للأعوام "2023-2025" قد وضعت في الحسبان تقلبات السوق النفطية، ولن يؤثر انخفاض أسعار النفط عالمياً على الأوضاع الداخلية في البلاد".
وقال مظهر في تصريح لمركز الدراسات الاستراتيجية والسياسات التجارية في وزارة التجارة تابعته شبكة انفوبلس، إن "هناك مؤشرات على دخول العالم في دورة هبوط لأسعار النفط لن تتسبب بإحداث تأثيرات على الأوضاع الداخلية في البلاد
وأشار الى أن "تلك المؤشرات يعود السبب فيها الى التراجع في حدة النزاع الروسي الأوكراني، والانفتاح الإيراني على التفاوض مع الولايات المتحدة من جهة، وتصاعد الحرب التجارية التي تقودها الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية في مختلف الأسواق رغم استثناء النفط والغاز منها من جهة أخرى، ما أثر سلباً على تعاقدات وأسواق النفط".
وأكمل، أن "ما يجري على الساحة العالمية هو أزمة مؤقتة ستستقر خلال الفترة القادمة ضمن منطق التوازنات الاقتصادية العالمية".
وأوضح أن "التصادم بين مناخات الانفراج الجيوسياسيوتصاعد الحرب التجارية قد يؤدي إلى صدمة اقتصادية عالمية تقلل من الطلب على الطاقة، خصوصاً مع الانخفاض الحاصل في معدلات النمو العالمي بنسبة 1%، ومعدل الانخفاض بـ 0.5 على طلب النفط الخام في الاسواق العالمية".
وبين أن السوق النفطية باتت مهددة بتخمة قد تُضعف بالأسعار في العقود المقبلة مع عودة إنتاج أوبك+ إلى طبيعته".
وأكد صالح، "أهمية معادلة الصراع النفطي بين الصين والولايات المتحدة، فالأولى تُعد من أكبر مستوردي النفط، والثانية من أكبر منتجيه، ما يجعل من استقرار أسعار النفط قضية حيوية للطرفين".
خيارات صعبة وحرجة أمام الحكومة
على الجانب الآخر، يرى الخبير الاقتصادي أنمار العبيدي أن جميع الخيارات المطروحة أمام الحكومة العراقية تعد صعبة التحقيق وأن أحلاها مر، حسب وصفه، لا سيما أن نسبة رواتب الموظفين من قيمة الموازنة تزيد على 65%، وبالتالي، فإنه حتى إذا عمدت الحكومة لاعتماد مبدأ صرف (واحد إلى 12) من قيمة موازنة العام الماضي استنادا للمادة 13 من قانون الإدارة المالية رقم (6) لسنة 2019، فإنه لا يمكن لهذه المعادلة أن توفر للحكومة السيولة الكافية لتسديد رواتب الموظفين، خاصة إذا ما وصل سعر برميل النفط لحدود 60 دولارا فما دون، بما يعني أن العجز الكلي في الموازنة سيكون بنحو 25% لرواتب الموظفين فقط من دون احتساب بقية النفقات.
وقال العبيدي في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، أن أمام الحكومة عديدا من الخيارات التي قد تتعامل معها بصورة تدريجية اعتمادا على المدى الزمني للأزمة، واعتمادا على الوضع السياسي الداخلي للبلاد، مبينا أنه في حال استمرار انخفاض أسعار النفط، فإن الحكومة ستلجأ للاعتماد على الاحتياطي النقدي للبلاد البالغ نحو 115 مليار دولار، وفق قوله.
أما عن تغيير سعر صرف الدينار أمام الدولار، فلا يستبعد العبيدي أن تلجأ الحكومة لمثل هذا الإجراء، خاصة أن حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي لجأت له في ذروة أزمة كورونا، مبينا أن هذه الخطوة ستكون مصحوبة بمخاطر جمة على سمعة البلاد الاقتصادية، فضلا عن تخوف الحكومة من أي اضطراب شعبي في حال اتخاذ قرار كهذا، حسب قوله.
إمكانية تغيير سعر الصرف
في مقابل ذلك، يستبعد المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء التوجه لتغيير سعر صرف الدينار، وأن تأثيره سيكون كبيرا وممتدا لما بعد انتهاء الأزمة، لافتا إلى أن مثل هذه الإجراءات تأتي في نهاية سلسلة الإجراءات الحكومية التي قد لا تستمر إذا ما ارتفع سعر برميل النفط للحد المسعر به في الموازنة العامة للبلاد، وفق قوله.
ويذهب في هذا المنحى أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني الذي يعتقد أن تغيير سعر صرف الدينار لا يمكن حاليا، لا سيما أن تأثير ذلك سيكون على الموظفين بصورة رئيسية من خلال انخفاض قيمة رواتبهم، فضلا عن أنه حتى في حال الإقدام على هذه الخطوة، فإنه لا يمكن للحكومة السيطرة على الفجوة بين السعر الرسمي لصرف الدينار وبين سعره في السوق السوداء، لا سيما أن التجارة مع إيران لا تزال قائمة على قدم وساق، بما يعني ارتفاعا إضافيا لسعر صرف الدولار في الأسواق الموازية.
وينظر المشهداني بعين الأمل للأزمة الحالية، مبينا أن ما يجري يعد تذبذبا في أسعار النفط، ولا يمكن اعتبار ذلك انهيارا، مبينا أن مستقبل أسعار النفط يعتمد على مجمل الوضع الدولي والإقليمي سواء ما يتعلق بتهديدات واشنطن لطهران، فضلا عن قرارات أوبك بلس ومستقبل الرسوم الجمركية الأميركية.
وبالعودة إلى عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر، يؤكد على وجوب ابتعاد الحكومة عن الاقتصاد الريعي المعتمد كليا على النفط، لافتا إلى أنه بخلاف ذلك، فإن الحكومة ستدخل مرحلة حرجة إذا انخفضت أسعار النفط دون 60 دولارا، وهو ما سيجعل الحكومة عاجزة عن تسديد رواتب الموظفين، وفق قوله.