التداعيات "المحتملة" في حال تخلف واشنطن عن سداد ديونها: العراق قد يخسر 40 مليار دولار
انفوبلس/ تقرير
تواجه الولايات المتحدة مأزقاً يحذر فيه الكثيرون من تداعياته على العالم أجمع، يتمثل في احتمال كبير بأن تتخلف واشنطن عن سداد ديونها خلال أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، في وقت يقول خبراء اقتصاد إهن من الممكن فقدان سندات الخزانة الأميركية ميزتها التي يمتلك العراق منها بقيمة تصل إلى 39 مليار دولار.
ويبلغ الحد الأقصى الحالي لإجمالي الدَّين 31.4 تريليون دولار (117% من الناتج المحلي الإجمالي)، وتتجه أمريكا نحوه بشكل سريع. وحذّرت "جانيت يلين" ـ وزيرة الخزانة ـ يوم 1 مايو/ أيار 2023، من أن الولايات المتحدة مهدّدة بالتخلف عن سداد ديونها اعتباراً من بداية يونيو/ حزيران المقبل، وسط خلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن رفع سقف الاقتراض في أمريكا.
*ماذا يحدث لو تخلفت أمريكا عن سداد ديونها البالغة 31.4 ترليون دولار؟
قال الخبير الاقتصادي العراقي نبيل المرسومي، في تدوينة تابعتها "انفوبلس"، "ستواجه الحكومة الأمريكية صعوبة في سداد جميع فواتيرها في الوقت المحدد بعد الأول من شهر يونيو المقبل، إذا لم يرفع الكونغرس سقف الدين الأمريكي، وبخلاف ذلك ستواجه أمريكا والعالم تداعيات خطيرة منها:
أولا: التأثير على الاقتصاد والمجتمع الأمريكيَيْن
*إعاقة قدرة الحكومة على تمويل عملياتها، ومن ذلك توفير أموال للدفاع الوطني أو استحقاقات التمويل مثل الرعاية الطبية أو الضمان الاجتماعي.
*خفض التصنيف الائتماني.
*زيادة تكاليف الاقتراض للشركات وأصحاب المنازل على حد سواء.
*انخفاض ثقة المستهلك ودفع الاقتصاد إلى الركود.
*الابتعاد عن الاستثمارات المعزِّزة للنمو الاقتصادي.
*زعزعة الاستقرار.
*خسارة 3 ملايين وظيفة.
* عجز الحكومة عن دفع رواتب الموظفين الفيدراليين والعسكريين، أو المعاشات التقاعدية.
ثانيا: التأثير على مكانة الدولار
*تخلّف الولايات المتحدة عن السّداد من شأنه أن يسبب "أزمة مالية عالمية" وسيؤدي إلى زيادة كلفة الاقتراض وسيقوّض مكانة الدولار بصفته عملة احتياطية دولية.
*الانخفاض المتوقّع في قيمة الدولار يجعل الديون المقوَّمة بعُملات أخرى أكثر تكلفة.
*دفع المستثمرين إلى بيع سندات الخزانة الأميركية ومن ثم إضعاف الدولار الأميركي.
*فقدان سندات الخزانة الأميركية ميزتها بصفتها أحد الأصول الخالية من المخاطر.
*احتمال انكماش الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بنسبة 4%.
*انهيار الدولار سيؤدي إلى تعزيز مكانة الصين باعتبارها أكبر منافس للولايات المتحدة على النفوذ العالمي، وسيعزز من قيمة اليوان الصيني كأحد أهم العملات الرئيسية في العالم.
المرسومي أشار في تدوينة له إلى أنه من الممكن فقدان سندات الخزانة الأميركية ميزتها بصفتها أحد الأصول الخالية من المخاطر، وهو ما يشكل خطرا حقيقيا للعراق باعتبار أن حيازة العراق من هذه السندات الأمريكية تصل إلى 39 مليار دولار.
كما دعت مؤسسة "عراق" المستقبل للدراسات والاستشارات الاقتصادية مؤخرا، إلى ضرورة مراجعة سبب قيام البنك المركزي العراقي زيادة نمو حيازته السنوية من السندات الأمريكية في ظل انخفاضها لدى البلدان الأخرى التي تمتلك أكبر نسبة من تلك السندات نتيجة التخوّف الحاصل من فقدان الدولار قيمته العالمية.
وأوضح رئيس المؤسسة منار العبيدي في تقرير، أن "هذا التراجع يعود إلى التخوف الحاصل في قيمة الدولار وخصوصا مع ظهور توجهات لتخفيف الاعتماد على الدولار في الكثير من التعاملات التجارية العالمية، وبالتالي فإن الدولار من الممكن أن يفقد قيمته".
وفيما يخص العراق قال العبيدي، إنه من الغريب أن العراق من أكثر الدول التي شهدت نموا مضطردا بامتلاك سندات الخزينة، حيث بلغت نسبة النمو السنوية بحدود 69% لتبلغ قيمة سندات الخزينة الامريكية التي يمتلكها البنك المركزي العراقي بحدود 41 مليار دولار أمريكي في شباط/ فبراير 2023 بعد أن كانت قيمتها في نفس الشهر من العام الماضي 24 مليار دولار فقط.
وأردف بالقول، إن هذه الزيادة في قيمة سندات الخزينة الامريكية المملوكة للعراق تُثير مجموعة أسئلة عن كيفية إدارة احتياطي البنك المركزي العراقي، وهل هناك دراسة واضحة لمخاطر الاستمرار باستثمار الكمية الأكبر من احتياطيات البنك بالدولار بدلا من تنويع الاحتياطيات؟
كما أشار رئيس المؤسسة إلى، أن "الدولار فقد أمام الذهب خلال الأشهر الماضية ما قيمته 10.7% مما يعني أن احتياطي البنك المركزي من الدولار أيضا فقد نفس القيمة أمام الذهب".
ومضى بالقول، إن أدوات استثمار احتياطي البنك المركزي تعتمد على عوامل كثيرة تتعلق بمقدار المخاطر وبالاستقراءات المستقبلية، لكن تقليل الدول العظمى والحليفة والمقرّبة للولايات المتحدة من قيمة سنداتها مقابل أن يقوم العراق بزيادة استثماراته في هذه السندات أمر يتطلب مراجعة وضرورة التأكد من أن سياسات البنك المركزي حول المحافظة على قيمة هذه الاستثمارات تتماثل مع المعايير الدولية والاستقراءات المستقبلية لوضع الدولار في مختلف الأسواق.
وتابع العبيدي قائلا: إن هذه التساؤلات لا تعني بالضرورة أن يكون هنالك خلل في إدارة ملف احتياطيات البنك المركزي، ولكن المتابعة ومعرفة الأسباب التي دفعت العراق لزيادة الاستثمارات في هذه السندات مقابل تراجع أغلب الدول يحتاج إلى تفسير من أجل التأكد من أن هذه الاحتياطيات تُستثمر بطريقة آمنة ولا تعرّض العراق إلى مخاطر تدهور احتياطياته.
واليوم الثلاثاء 16 مايو/ أيار 2023، أعلنت وزارة الخزانة الامريكية، أن حيازة العراق من السندات الأمريكية انخفضت للشهر الثاني تواليا لتصل إلى 39 مليار دولار.
وذكرت الخزانة في أحدث جدول لها اطلعت عليه "انفوبلس"، أن "حيازة العراق من سندات الخزانة الامريكية لشهر آذار من العام 2023 انخفضت بمقدار 1.4 مليار دولار لتصل إلى 39.3 مليار دولار بعد أن كانت 40.7 مليار دولار خلال الشهر الذي سبقه"، مبينة أن " هذه السندات ارتفعت بنسبة 50% عن نفس الشهر من العام 2022 عندما كانت حيازة العراق من السندات تبلغ 26.2 مليار دولار".
عربيّاً.. تأتي السعودية في مقدِّمة الدول الأكثر حيازة حيث بلغت 116.2 مليار دولار، وتأتي الإمارات ثانيا 61.5 مليار دولار، ومن ثم الكويت ثالثا بواقع 39.3 مليار دولار، ومن ثم العراق رابعاً، وعمان خامسا بواقع 7.061 مليارات دولار، ثم المغرب بواقع 3.890 مليارات دولار.
وأشارت إلى، أن "أكثر الدول حيازة للسندات الأمريكية هي اليابان وبواقع 1087.7 ترليون دولار، تليها الصين وبواقع 869.3 مليار دولار، تليها المملكة المتحدة وبواقع 714 مليار دولار، ومن ثم تأتي بلجيكا بواقع 336.5 مليار دولار".
فلماذا تبدو الأمور أكثر خطورة هذه المرّة؟
قبل عشر سنوات وعندما احتدم الخلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين حول رفع سقف استدانة الإدارة الأمريكية، كانت النتيجة قيام وكالة تصنيف ائتماني كبرى هي "ستاندرد آند بوروز" بتخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة للمرّة الأولى.
كان ذلك عام 2011، أثناء إدارة باراك أوباما الرئيس الأسبق وكان بايدن نائبه وقتها، وخفّضت "ستاندرد آند بورز" ـ وهي إحدى أكبر شركات التصنيف الائتماني في العالم ـ علامة التصنيف الائتماني للولايات المتحدة في سُلّم تقييمها من درجة تصنيف (AAA) إلى (AA+) .
وأثار ذلك التقييم وقتها جدلاً هائلاً ووجهت الإدارة الأمريكية انتقادات عنيفة للوكالة، إذ إن التخفيض يؤدي على الأرجح إلى تناقص في ثقة المستثمرين بالاقتصاد الأمريكي، الذي كان يعاني وقتها من أثقال الدَّين الكبير ونسبة بطالة وصلت إلى 9.1%.
وكان أحد أسباب ذلك التخفيض في التصنيف أيضاً حالة الشلل التي تعرّضت لها الحكومة الفيدرالية بسبب السِّجال الدائر في الكونغرس وهي الحالة التي استمرت عدة أشهر.
ووقتها دافع زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونل، وهو أيضاً لا يزال زعيم الجمهوريين في المجلس حتى اليوم، في تصريح لصحيفة "واشنطن بوست" عن سقف الاستدانة، واصفاً إياه بأنه "رهينة تستحق الفدية"، لكنها هي الرهينة تقع في الأُسر مجدداً بعد عشر سنوات.
وتختلف الظروف الآن بشكل كبير عما كانت عليه قبل عشر سنوات من جميع النواحي تقريباً، فالولايات المتحدة تعاني بشدة من جراء جائحة كورونا ووضعها الاقتصادي يتراجع حتى وإن ظلّت الاقتصاد الأكبر عالمياً، وهو ما يجعل للخلاف الدائر تداعيات أخطر من المعتاد نظراً إلى أنه في حال تعذّر رفع سقف الدَّين ستتخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها في تشرين الأول/ أكتوبر، وهو ما قد يؤدي إلى بداية انهيار دائم في اقتصادها وتقويض إحدى دعامات النظام المالي العالمي.
وفي هذا الشأن، قال براين ريدل الذي كان حينها كبير المستشارين الاقتصاديين للسيناتور الجمهوري روب بورتمان، لإذاعة مونت كارلو الدولية، إن "قادة الحزب (الجمهوري) بغالبيتهم يعتبرون المواجهة التي وقعت في العام 2011 حول رفع سقف الاستدانة نجاحاً مكّنهم من إجبار (الرئيس أوباما) على توقيع قانون لكبح الإنفاق هو الأكثر حصراً للنفقات منذ عقود من دون أن نصل فعلياً إلى التخلّف عن السداد".
وكان الاتفاق الذي تم التوصل إليه يرمي إلى خفض إنفاق الحكومة لسنوات، لكنه لم يدُم؛ إذ ارتفعت في السنوات اللاحقة المديونية الأمريكية وازداد عجز الميزانية بسبب إنفاق الإدارات الديمقراطية والجمهورية المتعاقبة.
ويحذّر آخرون ممن خاضوا المواجهة في عام 2011 من أن سياسة حافة الهاوية لها تداعياتها حتى وإن كان خطر التخلّف عن السداد غير قائم، إذ قال شاي أكاباس، مدير السياسة الاقتصادية في مركز بايبارتيزان بوليسي، لمونتي كارلو إن "من الصعوبة بمكان قياس التداعيات المحتملة على بلادنا وقوتها الاقتصادية لكن من المرجّح أنها (التداعيات) تحصل في العمق، وأن مصداقيتنا تتآكل".
*كم تبلغ ديون أمريكا؟ ومن يمتلك تلك الديون؟
الولايات المتحدة إذن، دولة مدينة تثقلها الديون الضخمة؟ الحقيقة أن أمريكا هي أكبر دولة مدينة في العالم، إذ يبلغ الدَّين العام على الحكومة الأمريكية نحو 28.5 تريليون دولار (في أغسطس/آب 2021)، بزيادة نحو 1.7 تريليون دولار عن العام الماضي، وبزيادة أكثر من 4 تريليونات عن عام 2019. وبلغت نسبة العجز في الموازنة الأمريكية 133.6% في مارس/ آذار الماضي (المقصود بالعجز هو نسبة الدَّين إلى إجمالي الناتج القومي في عام).
أما بالنسبة لمن هم الدائنون الذين تقترض منهم الولايات المتحدة، يأتي على رأس القائمة شركات وهيئات أمريكية كشركات التأمين وصناديق الاستثمار المحلي وغيرها، وتبلغ نسبة ما يمتلكه هؤلاء من الدَّين الأمريكي نحو 72% تقريباً، بينما تمتلك دول أجنبية باقي تلك الديون.
وتقترض الحكومة الأمريكية من خلال إصدار سندات بالدولار الأمريكي تطرحها في الأسواق بفائدة يحددها البنك المركزي، ويشتري تلك السندات أفراد وهيئات أمريكية ودول أجنبية والعراق أيضاً، ويأتي على رأس تلك الدول الأجنبية اليابان والصين، وبحسب بيانات العام الماضي، كانت طوكيو تمتلك 1.2 تريليون دولار من الديون الأمريكية تليها بكين بـ1.1 تريليون دولار أمريكي.
أما الأسباب التي تدفع الأفراد والهيئات والحكومات الأجنبية لشراء سندات أمريكية فأولها وجود فائض مالي لديهم يريدون استثماره بشكل مضمون، وبالتالي فإن سندات الخزانة الأمريكية هي أكثر مجال مضمون للاستثمار نظراً للثقة المطلقة في أن واشنطن ستُسدّد ديونها في الموعد المحدد.
*متى تسدّد أمريكا ديونها؟
لا يوجد أي مؤشر على أن ذلك قد يحدث من الأساس، فالدول على الأرجح لا تسدّد ديونها، بل تُديرها، بمعنى أنه إذا حان موعد سداد أقساط أو فوائد لتلك الديون وواجهت الدولة أزمة في تدبير المبلغ المطلوب في موعده، تلجأ إلى الاقتراض مرة أخرى لسداد المستحق، وهكذا.
وفي هذا لا تختلف الولايات المتحدة عن غيرها من الدول، ولكونها القوة الاقتصادية الأكبر عالمياً يسعى الجميع لإقراضها عندما تحتاج لأن ذلك استثمار مضمون. كما تلجأ واشنطن إلى طبع دولارات عند الحاجة، وقد فعلت ذلك مرات عديدة من قبل سواء في الأزمة المالية عام 2008 أو عام 2011 أيضاً، وإن كان ذلك الإجراء يؤدي إلى التضخم لكن تأثيره السلبي يكون أكبر على غير الأمريكيين في العادة.
وبحسب تحليل لمعهد Brookings الأمريكي، تواجه الخزانة الأمريكية بالفعل أزمة في سداد مستحقات الديون منذ الشهر الماضي، لكن الوزارة اتخذت "إجراءات استثنائية" مكّنتها من الوفاء بالتزامات الحكومة الفيدرالية حتى الآن وصولاً إلى يوم 18 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، اليوم الذي حددته وزيرة الخزانة "جانيت يلي" بالفعل.
وبالتالي، فإن عدم توصل الكونغرس إلى اتفاق ما قبل ذلك اليوم، وهو احتمال يبدو غير مرجّح، ستجد واشنطن نفسها في ورطة حقيقية فيما يخص الوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين، وهو ما يمثل سابقة خطيرة ستكون لها تداعيات مُستدامة على الاقتصاد الأمريكي وبالتبعية اقتصاد العالم أجمع، الذي لا يزال الدولار يمثل رُكناً أساسياً فيه.
وأخطر تداعيات تخلّف واشنطن عن سداد ديونها في موعدها المستحق هو أن ثقة المستثمرين (أفراداً وهيئات وحكومات) المطلقة في السندات الأمريكية سوف تهتز، وهو ما يعني أن تتجه الولايات المتحدة من الآن فصاعداً لبيع تلك السندات ومن ثم يبدأ طريق الانهيار الاقتصادي، الذي يتوقف مداه الزمني على عوامل كثيرة لن يكون لواشنطن السيطرة على أغلبها.
وعلى الرغم من أن "وورن باين" ـ الذي كان كبير المستشارين الاقتصاديين للجنة البرلمانية للتشريعات الضريبية عام 2011 ـ يرى أنه لم تكن هناك "أي نيّة للسماح بحصول تخلّف عن السداد في عام 2011. وأعتقد أنه بالنظر إلى التصريحات العلنية للأعضاء حالياً، تجد أنه لا نيّة الآن للسماح بحصول تخلّف عن السداد". يبقى السؤال المطروح هو: كيف يمكن تجنّب التخلّف عن السداد؟ بحسب إذاعة مونت كارلو الدولية.
وقال مارك غولدوين، الذي كان عضواً في "لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة" أثناء أزمة 2011، إن الجمهوريين لم يُبدوا إلى الآن رغبة في التوصل لاتفاق على الرغم من قرب انتهاء المُهل، مشدداً على أن آجال الدَّين لا تحتمل المراوغة، إذ إن "مجرّد الاقتراب منها مُكلِف".