الثروة السمكية بتدهور مستمر.. فقدان ثلثي إنتاج العراق من السمك يرفع أسعاره إلى الضعفين.. تعرف على المستجدات
انفوبلس..
بسبب شحة المياه وقرارات وزارة الموارد المائية بردم بحيرات تربية الأسماك، انخفض إنتاج العراق من الثروة السمكية من مليون إلى 150 ألف طن في العام الواحد، وارتفع متوسط سعر كيلو غرام السمك الواحد من 4 إلى نحو 12 ألف دينار، الأمر الذي تسبب بظهور أزمة كبيرة خصوصاً مع ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء خلال السنوات الأخيرة.
وبحسب مختصين، قد يصل سعر السمك في العراق إلى 15 ألف دينار للكيلوغرام الواحد في حال استمر تراجع العرض نتيجة انخفاض الإنتاج من مليون طن إلى 150 ألف طن، بسبب شحة المياه وردم الأحواض السمكية ونفوق أعداد منها بسبب السموم وغيرها، فضلاً عن زيادة الإقبال عليها بعد ارتفاع أسعار اللحوم وعدم تفضيل السمك المستورد (المجمد أو الطازج) على المنتج المحلي.
وتتراوح أسعار الأسماك حالياً ما بين 11 و12 ألف دينار للكيلوغرام الواحد، بحسب رئيس الجمعية العراقية لمنتجي الأسماك، إياد الطالبي، الذي بيّن أن "ارتفاع الأسعار يعود إلى ردم الأحواض ما أدى إلى قلة العرض، حيث أغلقت وزارة الموارد المائية العراقية آلاف المبازل ما تسبب بنفوق آلاف الأطنان من الأسماك حتى تراجع الإنتاج إلى 150 ألف طن بعد أن كان يصل إلى مليون طن".
ويضيف الطالبي، أن "وزارة الموارد المائية سمحت بإنشاء أقفاص جديدة، لكن ذلك كان وفق تعليمات جائرة لا يمكن تنفيذها لمن يرغب بإنشاء مشروع مجاز جديد، لذلك العرض سوف يستمر بالتراجع إلى أن يصل سعر السمك إلى 15 ألف دينار للكيلوغرام".
وينتقد الطالبي قائلاً، إن "وزارة الموارد المائية سمحت للفلاحين بزراعة 5 ملايين دونم، والمتجاوزين على الحصة المائية بزراعة مليوني دونم، لكن طن الحنطة بـ300 دولار عالمياً أما طن الأسماك بـ6 آلاف دولار"، متسائلاً "أي سياسة اقتصادية تعمل عليها وزارة الموارد المائية؟".
ويتفق الخبير الاقتصادي، كريم الحلو، مع ما ذهب إليه إياد الطالبي حول تأثير ردم أحواض الأسماك على ارتفاع أسعارها مؤخراً، موضحاً أن "نفوق أعداد منها جرّاء تعرضها للسموم وغيرها كان سبباً آخر لارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى زيادة الطلب على الأسماك بعد ارتفاع أسعار اللحوم في الفترة الماضية ما أدى إلى ارتفاع أسعار الأسماك أيضاً".
وينوّه الحلو إلى، أن "المشكلة في العراق هي في الاعتماد على الأسماك النهرية خلافاً لدول الخليج والدول المطلة على البحار التي تعتمد على الأسماك البحرية الوفيرة والأكثر فائدة من الأسماك النهرية، ورغم وجود أسماك مستوردة وهي أرخص ثمناً وأقل تكلفة من تربية الأسماك المحلية، كما تُعد خياراً أفضل من استهلاك المياه العراقية والمواد الغذائية الطبيعية إلا أن العراقيين لا يحبون المستورد".
ويشدد على، أهمية "التثقيف على الأسماك المستوردة (المجمدة أو الطازجة)، وكذلك الترويج للأسماك البحرية وإرسال بواخر خاصة للصيد في الخليج كما تفعل الكويت والإمارات والدول الخليجية المعتمدة على الأسماك البحرية لعدم وجود الأنهر لديها".
من جهتها، ترى وزارة الزراعة العراقية، أن "ارتفاع الأسعار غير مبرر، حيث إن السمك لا يكلف المربي 4 آلاف دينار، لكن ما يجري حالياً هو تحميله ضعف المبلغ أو أكثر وهذا غير جائز، لذلك هناك نية وإجراءات بانتظار مصادقة الوزير عليها لفتح الاستيراد الذي يُقرَّر عادة بعد تجاوز سعر السمك حدود 5,500 دينار".
وعن ردم المبازل، تؤكد الوزارة بحسب مصدر مخوّل فيها، أن "ردم المبازل وعدم السماح لتربية الأسماك فيها يعود إلى وجود مواد سامة وملوثات ضارة فيها قد تسبب الأمراض السرطانية وفق دراسات علمية أعدَّها مختصون في كلية الزراعة بهذا الخصوص، لكن بعض المربين لا يهتمون لصحة المواطنين بل هدفهم الكسب المادي فقط".
إلى ذلك، كشف مسؤول الأسماك في دائرة الثروة الحيوانية التابعة لوزارة الزراعة حاتم فيصل الجبوري، سبب ارتفاع أسعار الأسماك في العراق في الآونة الأخيرة، فيما أشار الى أن البلد يخسر حوالي 800 ألف طن من هذه الثروة سنويًا.
وقال الجبوري، إن "سبب ارتفاع أسعار السمك بالدرجة الأولى هو شحة المياه بشكل عام وبسبب الحصار المفروض على العراق من دول الجوار والمنبع، حيث كانت المياه الواردة من تركيا تُقدر بحوالي 70 مليار متر مكعب سنويا وحاليا وصلت الى ما دون 20 مليار متر مكعب، مما يعني أنها منعت ما يقارب 50 مليار مكعب"، موكدا أن "هذا أدى الى انحسار تربية الاسماك في العراق".
وأوضح، أن "قيام وزارة الموارد المائية بطمر البحيرات الطينية يعدّ سببا في ارتفاع اسعار السمك"، مشيرا الى، إن "الوزارة طلبت من مربي الاسماك الاتجاه والتحول الى نظام البحيرات المغلقة وهي مكلفة جدًا، فضلا عن عدم وجود دعم حكومي الى مربي الاسماك".
ولفت الى، أن "حجم الانتاج العراقي من الاسماك كان يُقدر بحوالي مليون طن سنويًا، وحاليا يقدر بـ 200 ألف طن سنويًا، ما أدى الى ارتفاع اسعار الاسماك في الاسواق المحلية".
وفي العاشر من الشهر الجاري، أعلنت وزارة الزراعة، تفاصيل تفسيرية لارتفاع أسعار الأسماك في الأسواق المحلية، مشيرة إلى تداعيات عدة أبرزها نقص المياه وتذبذب الإيرادات.
وكشف الوكيل الفني للوزارة، ميثاق عبد الحسين، أن "الشح المائي وتذبذب الإيرادات أثرا مباشرا على تربية الأسماك في الأحواض الطينية".
وأوضح عبد الحسين، أنه تم تشكيل لجنة عليا لوضع آلية تستمر لمدة خمس سنوات، تهدف إلى التحول نحو تربية الأسماك بالأنظمة المغلقة، وذلك من خلال منح قروض ميسرة متوسطة الأجل لإنشاء هذه المشاريع، بهدف مساعدة مربي الأسماك على تطبيق الطرق الحديثة.
وأشار، إلى أنه "لا يمكن الاستمرار بتربية الأسماك بالنظم القديمة التي تستهلك المياه بكميات كبيرة، خاصة في ظل التغيرات المناخية غير المضمونة"، مؤكدا على ضرورة الانتقال إلى أنظمة بديلة تساعد على استغلال المياه بشكل أفضل من خلال التدوير.
وفي أواخر أيام العام الماضي، قدرت بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي)، خسائر الثروة السمكية بأكثر من 400 مليون دولار، مطالبة بوضع حد عاجل للتدهور البيئي والمناخي في البلاد.
وما يزيد من خطورة ما يحدث، وفق الخبراء، هو أن الثروة السمكية مصدر مهم من مصادر التنوع الاقتصادي في العراق، في بلد يسوده الاعتماد على النفط، كمصدر دخل رئيسي.
ويواجه قطاع الثروة السمكية جملة تحديات، فبالإضافة لانخفاض مناسيب المياه وتلوثها، فإن مشكلة الصيد الجائر والعشوائي وصلت لتهديد أنواع شهيرة على موائد العراقيين بالانقراض من نهري دجلة والفرات والروافد والبحيرات، وتراجعت نقاوة البيئة المائية وجودتها، بفعل تلوث المسطحات المائية بالسموم والمخلفات والنفايات وأخطرها مياه الصرف الصحي.
تدهور الثروة السمكية يخلف تداعيات خطيرة تطال التنوع الحيوي والاقتصادي، ويسهم في ارتفاع أسعار الأسماك، التي يستهلكها العراقيون بكثرة.
ويقول الخبير البيئي المهندس تحسين الموسوي: للموسم الرابع والجفاف يتوالى في العراق، وهو ما انعكس سلبا على الثروة السمكية وخاصة في الأهوار، التي تفوق مساحتها 20 ألف كيلومتر مربع وبنسبة إغمار تصل إلى 20 مليار متر مكعب، وهو ما أحدث خللا فادحا في التنوع الحيوي ونفوق أعداد ضخمة من الحيوانات والأسماك.
وأضاف إن الأهوار وهي المصدر الرئيسي لتلك الثروة، وتقلصت مساحتها لأقل من 4 آلاف كيلومتر مربع وبإغمار ضحل للغاية، وباتت خارج الخدمة تقريبا، كما أن حوضي نهري دجلة والفرات بدورهما يعانيان من الاضمحلال، حتى أن بعض الأجزاء منهما تحولت لمعابر للسكان سيرا على الأقدام، وهو ما ينسحب على البحيرات الطبيعية كذلك.