انفوبلس تفصّل قصته وفد حكومي واقتصاديون يعارضون.. العراق يريد إعادة تشغيل خط أنابيب النفط عبر سوريا

انفوبلٍس/ تقرير
عاد الحديث مجدداً حول ملف خط النفط بين العراق وسوريا الذي يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1952، إذ أرسلت بغداد وفدًا رسميًا رفيع المستوى إلى دمشق، أمس الجمعة 25 أبريل/نيسان 2025؛ لدراسة إمكانية إعادة تأهيل وتشغيل خط أنابيب النفط بين البلدين، وسط اعتراض خبراء الاقتصاد، مؤكدين عدم وجود أي جدوى اقتصادية.
ويعود تاريخ إنشاء الخط إلى عام 1952 بطول يبلغ 800 كيلومتر، وبقدرة ضخ تصل إلى 300 ألف برميل يوميًا، وقد توقف العمل به مرارًا على مرّ العقود بسبب التوترات السياسية والأمنية التي مرت على المنطقة.
وفد حكومي
وأمس الجمعة، توجّه وفد رفيع المستوى بقيادة رئيس جهاز المخابرات العراقي حميد الشطري إلى العاصمة السورية دمشق، في زيارة رسمية بحث خلالها الوفد العراقي مع القيادة السورية الجديدة توسعة فرص التعاون الأمني والاقتصادي بين الجانبين.
والتقى الشطري مع الرئيس السوري الانتقالي أبو أحمد الجولاني "أحمد ألشرع"، وسلّمه دعوة رسمية لحضور مؤتمر بغداد المزمع عقده في العاصمة العراقية في أيار المقبل. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية عن مصدر تحفظت على الكشف عن هويته، أن "الوفد العراقي برئاسة الشطري، التقى الشرع، وعددا من المسؤولين الحكوميين وبحث التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وتعزيز الترتيبات المتعلقة بتأمين الشريط الحدودي المشترك وتقويتها بالضدّ من أي خروقات أو تهديدات محتملة، وتوسعة فرص التبادل التجاري ومناقشة إمكانية تأهيل الأنبوب العراقي لنقل النفط عبر الأراضي السورية إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط".
وبحسب مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني فإن الوفد الرسمي يضم مسؤولين عن؛ قيادة قوات الحدود في وزارة الداخلية، ووزارتي النفط والتجارة، وهيأة المنافذ الحدودية. ويبحث الوفد العراقي مع الجانب السوري، التعاون في مجال مكافحة الارهاب، وتعزيز الترتيبات المتعلقة بتأمين الشريط الحدودي المشترك وتقويتها بالضدّ من أي خروقات أو تهديدات محتملة، وتوسعة فرص التبادل التجاري بما يصبّ في مصلحة الشعبين الشقيقين، فضلاً عن دراسة إمكانية تأهيل الأنبوب العراقي لنقل النفط عبر الأراضي السورية إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط.
وستتضمن مباحثات الوفد العراقي في دمشق، تأكيد دعم العراق وحرصه على وحدة وسيادة الأراضي السورية، وأهمية استقرار سوريا بالنسبة للأمن الوطني العراقي وأمن المنطقة، بحسب البيان الرسمي.
ويُعد خط أنابيب النفط العراقي السوري، المعروف باسم "كركوك-بانياس"، من أقدم مسارات تصدير النفط في الشرق الأوسط.
ومع أن أنبوب "كركوك - بانياس" يوفر منفذًا حيويًا لبغداد على البحر المتوسط، إلا أن المشروع لا يزال يواجه تحديات أمنية وفنية كبيرة؛ أبرزها تدهور البنية التحتية للأنبوب الذي تعرّض للاستهداف والتخريب خلال سنوات الحرب في سوريا، بالإضافة إلى التكاليف المرتفعة لإعادة تأهيله، التي تُقدّر بأكثر من 8 مليارات دولار. فيما يعتبر مختصون أن هذا رقم كبير كون طاقة الخط التصديرية تُقدر بـ700 ألف برميل يومياً فقط.
يرى مراقبون أن إحياء خط أنابيب النفط العراقي السوري يرتبط بقرار سياسي بامتياز، في ظل استمرار التوترات في الأراضي السورية وعدم استقرار الأوضاع الأمنية على الحدود. كما في المقابل، يُحذّر خبراء من مغبة المضي قدمًا في هذا المشروع في ظل هشاشة الأوضاع في سوريا، مؤكدين أن خطوط أنابيب النفط تحتاج إلى بيئة مستقرة سياسيًا وأمنيًا.
بهذا الخصوص، أكد عضو لجنة النفط والغاز في البرلمان العراقي، النائب صباح صبحي، أن "هذا المشروع (خط كركوك - بانياس) هو من المشاريع التي ليس من الممكن أن تنهض بفترة قياسية، بل يحتاج إلى سنوات"، لافتاً إلى أن "هذا الأنبوب مدمر ويحتاج إلى تأهيل والعديد من الإصلاحات الجذرية، فليس من السهل الحديث عن هذا الأنبوب إلا بعد سنوات وصرف الملايين عليه".
*لا جدوى اقتصادية
أكد الخبير الاقتصادي المختص في شؤون النفط والطاقة، نبيل المرسومي، عدم وجود أي جدوى اقتصادية من إعادة بناء الخط النفطي العراقي السوري "كركوك -بانياس". وقال المرسومي، اليوم السبت، إنه "لا توجد أي جدوى اقتصادية من إعادة بناء الخط النفطي العراقي – السوري خلال المرحلة المقبلة، خاصة وأن هذا الخط يربط بين حقل كركوك وبانياس"، معلّلاً ذلك بأن "معظم إنتاج حقول كركوك التي تبلغ نحو 300 ألف برميل يومياً يجري استهلاكها داخلياً وحتى لو طوّرت برتش بتروليوم حقول كركوك فإنها لن تضيف سوى 112 الف برميل إلى الانتاج الحالي".
وأضاف أن "هذا يعني ارتفاع كبير في كلفة النقل ورسوم المرور، ولهذا أصلا إن الخط متوقف منذ فترة طويلة، فالعراق لا يريد طرح الفكرة للنقاش وليس هناك أي قرار نهائي بشأن إعادة تفعيل الخط في المستقبل القريب"، مردفاً: "يجب على العراق أن يفكر في مصلحته الاقتصادية حصراً بدل مصالح الدول الأخرى، فبعض القرارات ربما يكون لها أضرار مالية واقتصادية، بدل من المنفعة".
في المقابل، كتب الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي على صحفته الشخصية في "فيسبوك" مؤخرا ايضاً، وتابعته شبكة "انفوبلس"، أن "ما يجري في سوريا حالياً يثبت خطأ التفكير بإعادة إحياء خط أنبوب النفط (العراقي - السوري)، إذ أن خطوط أنابيب النفط ينبغي أن تمر عبر أراضي دول مستقرة أمنياً وسياسياً".
بينما يعود تاريخ إنشاء أنبوب "كركوك - بانياس" إلى العام 1952، حيث قامت شركة "بريتيش بتروليوم" البريطانية بتنفيذه بهدف نقل النفط الخام من حقول كركوك الغنية في العراق إلى ميناء بانياس على ساحل البحر الأبيض المتوسط في سوريا، وعلى الرغم من أهميته الاستراتيجية، إلا أن الأنبوب تعرض لتوقف متكرر على مر السنين بسبب الصراعات السياسية والعسكرية التي شهدتها المنطقة.
وفي العام 2007 اتفق العراق مع سوريا على إعادة تأهيل هذا الخط، إلا أن العقد الذي أبرم مع شركة "ستروي ترانس" غاز التابعة لمجموعة غازبروم الروسية، ألغي في عام 2009 بسبب ارتفاع التكاليف ولأسباب أخرى غير معلنة.
وفي تعليق سابق، قال باسم العوادي، المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية، إن "العراق يفكر بإحياء خط تصدير النفط الذي يمر بميناء بانياس، إذ يبحث العراق عن منافذ جديدة لتصدير النفط"، مشيراً إلى أن "العراق اليوم بات على استعداد لمناقشة أمر إعادة تأهيل خط النفط المار بين كركوك وبانياس مع سوريا".
ويُعد العراق ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة "أوبك" بمتوسط إنتاج يومي يبلغ أكثر من 3 ملايين برميل يومياً، في حين يشكل النفط في العراق أكثر من 90% من إجمالي الصادرات، كما يعد مصدراً مهماً في تمويل الموازنة المالية العامة ومشاريع التنمية داخل البلاد.
في المحصلة، وبين طموحات بغداد الاقتصادية وتعقيدات المشهد السوري، يبقى مشروع إعادة تشغيل خط أنابيب النفط العراقي السوري معلقًا بين الحاجة الواقعية والتحديات السياسية؛ ما يجعل مستقبله رهنًا بمدى استقرار الإقليم وإرادة الأطراف المعنية بالمضي قدمًا.
وكان المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، قد أعلن قبل أيام، عن مخطط حكومي جديد للتعامل مع سوريا ما بعد بشار الأسد، تتألف من 11 مساراً، مُبدياً عزم البلاد على إعادة نشاطها الدبلوماسي في دمشق بكادر أكبر، ورسم خطط استثمارية جديدة في الدولة الجارة وتوسيع منافذ التجارة الثنائية خصوصاً عبر البحر الأبيض المتوسط.
يشار إلى أن التبادل التجاري بين العراق وسوريا محدود جدا إذ لا تزيد صادرات سوريا الى العراق المسجلة في الهيئة العامة للكمارك العراقية عن 58 مليون دولار عام 2023 مقابل صادرات عراقية إلى سوريا بقيمة 27 مليون دولار.