تجارة بلا ميزان.. تبادل العراق التجاري يستنزف عملته الصعبة دون تحقيق الفوائد المرجوة.. تركيا أبرز النماذج

انفوبلس..
يستنزف العراق عملته الصعبة عبر تبادل تجاري غير متوازن مع دول عدة، أبرزها تركيا، التي تحقّق فائضاً تجارياً ضخماً على حساب السوق العراقية. ويؤدي غياب استراتيجية تجارية فعالة إلى نزيف اقتصادي مستمر، دون وجود سعي جاد إلى تنويع الواردات ودعم الصناعات الوطنية لإنقاذ الاقتصاد.
فوائد معدومة
وحول هذا المجال، يقول الخبير الاقتصادي منار العبيدي في منشور له على فيسبوك: في كل مرة نتحدث فيها عن التبادل التجاري للعراق مع العالم، نجد أنفسنا أمام سؤال بسيط : لماذا لا يستفيد العراق من تجارته الخارجية كما يجب؟
ويضيف العبيدي، إن العراق يتعامل تجاريا مع دول مثل الإمارات، تركيا، إيران، الصين، البرازيل، الهند، وحتى الولايات المتحدة، لكن حين نفتح دفاتر الأرقام، نجد أن الميزان التجاري يميل وبقوة لصالح اكثر هذه الدول، وليس لصالح العراق.
ويتابع: خذوا مثلا الإمارات، الشريك التجاري الأهم… العراق يستورد منها سنويًا ما تتجاوز قيمته 25 مليار دولار، بينما لا يصدّر إليها سوى القليل. تركيا بدورها تسجل عجزا يتجاوز 10.5 مليار دولار، وإيران تقترب من 12 مليارًا، أما العجز مع البرازيل والسعودية ومصر والأردن فيتراوح بين 1.6 و2 مليار دولار.
مجمل هذا العجز مع هذه الدول وحدها يتجاوز حاجز الـ50 مليار دولار سنويًا، هذا الرقم الضخم يعادل تقريبًا 18% من الناتج المحلي للعراق، والأسوأ من ذلك أنه يلتهم أكثر من 70% من العملة الصعبة التي نحصل عليها من بيع النفط.
وهنا يجب أن نتوقف… لأن هذه الأرقام ليست مجرد بيانات، بل مؤشر على نزيف مستمر في رصيد العراق من العملة الأجنبية، وعلى خلل واضح في بنية التجارة الخارجية، وفقا للعبيدي الذي أكد إن البلاد بحاجة إلى استراتيجية متكاملة لإعادة التوازن، تبدأ بتقليل الاعتماد على الواردات من الدول التي تستهلك معظم دخلنا من الدولار، والعمل على تعزيز الصادرات ولو بشكل تدريجي، سواء عبر سلع جديدة أو خدمات قابلة للتصدير.
بلاد مثل الصين والهند وكوريا واليابان، التي نملك معها فائضا تجاريًا، يمكن أن تكون بديلا مفيدا لإعادة رسم خارطة الاستيراد.
كما أن إنشاء آليات للمقاصة التجارية المباشرة مع بعض الدول، دون المرور بالدولار، قد يكون أحد حلولنا لتقليل الاعتماد المفرط على عائدات النفط في تمويل تجارتنا.
الميزان التجاري ليس فقط أرقامًا بين الصادرات والواردات، بل هو مرآة تظهر لنا ما إذا كنا ننتج، أو فقط نستهلك.
نموذج تركيا
وفي حالة تركيا، يقول العبيدي، إنها تضاعف صادراتها من السيارات إلى العراق في 2024 والذي يبرز كأحد أكبر أسواقها الإقليمي.
وبحسب العبيدي: سجلت صادرات السيارات التركية إلى العراق خلال عام 2024 نموًا استثنائيا، إذ ارتفع عدد السيارات الجديدة المُصنّعة في تركيا والمصدرة إلى السوق العراقية ليصل إلى 8,800 سيارة، مقارنة بـ 4,000 سيارة فقط في عام 2022، مما يعكس تضاعف حجم الصادرات خلال عامين فقط. وتشير التوقعات إلى إمكانية تسجيل ارتفاع إضافي في هذه الأرقام خلال عام 2025، في ظل تنامي الطلب في السوق العراقية.
وفي العام ذاته، بلغت قيمة السيارات التركية المصدرة إلى العراق نحو 132 مليون دولار أمريكي، ما يؤكد أهمية العراق كسوق رئيسي للسيارات التركية الصنع.
وتُعد تركيا من أبرز الدول المصنعة للسيارات في المنطقة، حيث تحتضن مصانع لعدد من العلامات التجارية العالمية مثل هيونداي، فورد، رينو، وفيات، وتلعب دورًا محوريًا في تلبية احتياجات الأسواق الأوروبية والشرق أوسطية على حد سواء.
وعلى الصعيد العالمي، بلغت صادرات تركيا من السيارات التي تستخدم لأغراض شخصية في عام 2024 حوالي 715 ألف سيارة إلى مختلف دول العالم، بقيمة إجمالية تقدر بنحو 960 مليون دولار أمريكي، مما يعكس مكانتها كمحور صناعي وتصديري رئيسي في قطاع المركبات.
ويؤكد الخبير الاقتصادي، إن العراق شريك استراتيجي لصادرات تركيا، ولكن دون استثمار فعال للثقل التجاري، فمن بين 98 فئة سلعية تصدرها تركيا إلى مختلف دول العالم، استحوذ العراق على المركز الأول كأكبر مستورد في 14 سلعة منها، كما احتل مراكز ضمن الثلاثة الأوائل في استيراد 28 فئة سلعية أخرى، مما يعكس مكانة العراق كلاعب رئيسي في التجارة الخارجية التركية. وتمثل صادرات هذه الفئات مجتمعة نحو 25% من إجمالي صادرات تركيا العالمية.
وبحسب بيانات عام 2024، بلغت قيمة الصادرات التركية نحو 237 مليار دولار، كان نصيب العراق منها 12 مليار دولار، ليحتل العراق بذلك المركز الخامس بين أكبر مستوردي السلع التركية.
السلع التي يتصدر العراق استيرادها من تركيا على عدة فئات رئيسية، هي:
1-الأثاث
2-مستحضرات الحليب والقمح
3-الخضروات
4-الأخشاب
5-مستحضرات التجميل
6-منتجات صناعة المطاحن
7-مستحضرات غذائية متنوعة
8-منتوجات الكاكاو
9-منتجات مصنعة متنوعة
10-السجائر والتبوغ
11-منتجات الألبان
12-الأعلاف الحيوانية
13-اللحوم
14- سلع محضرة من اللحوم والاسماك
وفيما يتعلق بنسب الاستحواذ، تصدر العراق استيراد:
1-اللحوم بنسبة 65% من إجمالي صادرات تركيا في هذا القطاع.
2-منتجات صناعة المطاحن بنسبة 33%.
3-منتجات مصنعة متنوعة بنسبة 27%.
يذكر أن أبرز السلع التركية المصدرة في 2024 كانت:
1-الأجهزة الميكانيكية: تمثل 10% من إجمالي صادرات تركيا، احتل العراق المركز التاسع كمستورد رئيسي بنسبة 2.78% من هذه الصادرات.
2-الأجهزة الكهربائية: تمثل 6% من إجمالي الصادرات، وكان العراق ثالث أكبر مستورد لها بنسبة 4.6%.
3-المعادن الثمينة: تشكل 5.5% من مجمل الصادرات التركية، والعراق جاء رابعًا بنسبة استيراد بلغت 7.8%.
رغم الثقل الكبير للعراق كأحد أهم الأسواق للمنتجات التركية، إلا أن هذا الدور لم يستثمر بشكل فعال سياسيا أو تجاريا. لا تزال تركيا تحظى بميزان تجاري يميل بشدة لصالحها مع العراق، في حين تظل استثماراتها المباشرة في العراق - خاصة في قطاعي النفط والغاز، اللذين تعتمد عليهما تركيا لتلبية احتياجاتها الطاقوية – محدودة للغاية.
ويرى العبيدي، إنه أصبح من الضروري للعراق أن يعيد النظر في علاقته التجارية مع تركيا بهدف الضغط للحصول على مكتسبات سياسية وتجارية واقتصادية.
فضلا عن الضغط على تركيا لتمويل طريق التنمية لما سيحققه الطريق من اهمية لنقل البضائع التركية الى الدول الخليجية وزيادة التبادل التجاري بين تركيا ودول الخليج والذي سيكون لطريق التنمية اهمية كبيرة في دعم هذا التبادل.
كما يجب على العراق العمل على تنويع مصادر استيراد السلع الأساسية عبر فتح السوق أمام منافسين آخرين وتقليل الاعتمادية على البضائع التركية والتوجه نحو مصادر بضائع اخرى كالسعودية والاردن لغرض تقليل التأثير الاقتصادي التركي على العراق والذي من الممكن ان يستخدم سياسيا، فالسوق العراقي يعد اليوم من أكبر الأسواق الاستهلاكية في الشرق الأوسط، مما يجعل تعزيز التنافسية فيه أداة قوية لتعظيم الفوائد الوطنية.
أمثلة وحلول
وبحسب بيانات الصادرات التركية، استورد العراق خلال السنوات من 2020 لغاية 2024 اكثر من 2.1 مليون غرفة نوم بقيمة 1.1 مليار دولار امريكي وبمعدل سعري للغرفة الواحد بلغ 516 دولارا امريكي
على الرغم من انخفاض أعداد غرف النوم المصنوعة من الخشب في 2024 الى 398 ألف غرفة فقط مقارنة ب 483 ألف غرفة في 2020 الا أن معدل أسعار الغرف ارتفع من 470 دولار في 2020 ليصل الى 653 دولارا في 2024 الأمر الذي لم يقلل قيمة صادرات غرف النوم الى العراق، إذ بلغت قيمة صادرات غرف النوم التركية الى العراق في 2024 260 مليون دولار امريكي بينما بلغت قيمة صادرات غرف النوم التركية الى العراق في 2020 226 مليون دولار امريكي.
ويعتبر قطاع صناعة الاخشاب واحدا من القطاعات المهمة التي يجب العمل على إعادة تنشيطها من خلال وضع محددات على استيراد الأثاث وتحديدا الكمالية منها لغرض تنشيط ودعم المشاريع المحلية التي يمكن ان تكون مصدرا مهما لخلق فرص العمل في العراق.
وبحسب بيانات وزارة التخطيط العراقية فإن أعداد ورش تجارة الأخشاب في العراق بلغت 3688 ورشة تخلق 12 ألف فرصة عمل مقابل 5139 ورشة مسجلة في سنة 2015 كانت توفر فرص عمل لأكثر من 20 ألف عامل مما يعني أن أكثر من 1500 ورشة نجارة قد أُغلقت ما يمثل أكثر من 20% من أعداد الورش نتيجة عدم القدرة على التنافس مع المنتوجات الأجنبية المستوردة.
وقال الخبير العبيدي، هي دعوة لإعادة إحياء صناعة الأثاث العراقي من خلال دعم مشاريع النجارة من خلال مجموعة آليات تشمل:
1- تقديم قروض ميسرة لأصحاب المشاريع لشراء الآلات الضرورية لتشغيل الورش بالإضافة الى تمويل شراء المواد الاولية.
2- إعفاءات ضريبية لأصحاب المشاريع المسجلين الرسميين.
3- إعادة تأهيل المعاهد المهنية لخلق برامج تدريب على صناعة الأثاث وفق أحدث التقنيات.
4- بناء مجمع صناعي متكامل يستوعب عددا معينا من المشاريع الصغيرة لغرض استخدام الادوات والآلات الضرورية التي يوفرها المجمع.
5- رفع التعرفة الكمركية على استيراد الاثاث من دول تركيا والصين لخلق القدرة على التنافس مع هذه المنتوجات.