كنوز الأرض المدفونة.. ما وراء النفط: نظرة على المناجم والثروات المعدنية المنسيّة وغير المستغلة في العراق

انفوبلس/ تقرير
على الرغم من هيمنة النفط على الاقتصاد العراقي، إلا أن بلاد الرافدين يحتضن ثروات معدنية ضخمة تتركز في عدد من المناجم لا تزال غير مستغلة حتى الآن لأسباب عديدة بينها تتعلق بالبنية التحتية والاستثمار، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على أبرز هذه المناجم وأهميتها.
من أبرز المعادن في العراق هي الكبريت والفوسفات، بالإضافة إلى الملح الصخري، إلى جانب معادن إستراتيجية مثل الحديد والمنغنيز والزنك والرصاص.
ومنذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، يشهد العراق جموداً شبه تام في قطاع التعدين، على الرغم من الإمكانات الجيولوجية الهائلة التي يمتلكها، وهو ما عبّر عنه المدير التنفيذي لهيئة الشفافية في الثروات الطبيعية محي الدين بالقول: "لدينا موارد مهملة منذ عقود، في وقت تعتمد فيه أكثر من 60 دولة ضمن مبادرة الشفافية على التعدين كرافد أساسي من روافد الاقتصاد".
المناجم في العراق
بحسب خبراء اقتصاد، فإن قطاع التعدين في العراق ظلّ مهمشًا لعقود طويلة، نتيجة التوترات السياسية والأمنية، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت اهتمامًا متزايدًا بتفعيل هذا القطاع الحيوي؛ إذ تحاول الحكومة العراقية اليوم جذب استثمارات دولية لإعادة إحياء المناجم، ولا سيما مع التوجّه إلى تنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على النفط.
وتشير البيانات الجيولوجية والمسوحات إلى أن العراق يمتلك احتياطات هائلة من خامات مهمة مثل الكبريت والفوسفات والملح الصخري والحديد والمنغنيز، بعضها يصنّف بين الأكبر عالميًا، كما تكشف تقارير دولية عن أن العراق يتصدّر الاحتياطي الأول عالميًا من الكبريت الحر، بالإضافة إلى احتياطيات كبيرة من رمال السيليكا.
ويقول الخبراء أن عمليات التعدين في كثير من هذه المواقع توقفت بسبب الحروب أو الإرهاب، فإن العديد من المشروعات لإعادة التأهيل والاستثمار ما زالت قيد البحث.
وبحسب مختصين، فإن صناعة التعدين تُعدُّ من الصناعات القادرة على استقطاب الاستثمارات الكبيرة، فضلاً عن دورها المحوري في نقل التكنولوجيا وتوليد فرص العمل. وتشمل هذه الصناعة مجموعة واسعة من الأنشطة، تبدأ من الاستكشاف والتنقيب، مروراً بالاستخراج والمعالجة، وانتهاءً بالتسويق والتصدير. وتزداد أهميتها في ظل الارتفاع المستمر في الطلب العالمي على المعادن، لا سيما في ظل الثورة الصناعية الرابعة والتحول نحو الطاقة النظيفة.
ومن بين أبرز 5 مناجم في العراق، يبرز منجم المشراق للكبريت، ومنجم عكاشات للفوسفات، ومنجم السماوة للملح، إضافة إلى مناجم الحديد والمنغنيز في السليمانية، فضلًا عن مواقع الزنك والرصاص في إقليم كردستان؛ إذ توفّر هذه المواقع خريطة جيولوجية فريدة، يمكن أن تضع العراق في مقدمة الدول المنتجة للمعادن بالمنطقة.
منجم المشراق
يُعد منجم المشراق في محافظة نينوى جنوب الموصل أحد أبرز 5 مناجم في العراق ومن أكبر مناجم الكبريت الطبيعي في العالم، إذ يحتوي على احتياطيات ضخمة من الكبريت الطبيعي القريب من سطح الأرض.
ويُستخرج الكبريت من المنجم بطريقة الاستخلاص بالانصهار، ويُستعمل في صناعات الأسمدة والمنتجات النفطية ومعالجة المياه. كما بدأ استغلال المنجم منذ الستينيات وبلغ ذروته في السبعينيات، لكنه توقف بعد عام 2003، ورغم وجود خطط لإعادة تأهيله؛ فلا يزال المنجم خارج الخدمة.
ويتكون منجم المشراق من 3 حقول، يُقدر احتياطي الحقل الأول بنحو 23.5 مليون طن، وتبلغ احتياطيات الحقل الثاني 65.8 مليون طن، ويبلغ احتياطي الحقل الثالث 224 مليون طن. ويشار إلى أن منجم المشراق تعرّض لدمار واسع خلال حقبة سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي، إذ أشعل التنظيم النيران في مخازن الكبريت عام 2016، مسبّبًا كارثة بيئية نادرة.
منجم عكاشات
يقع منجم عكاشات بمحافظة الأنبار، ويُعد من أغنى المواقع بالفوسفات في الشرق الأوسط، بإجمالي احتياطي يُقدّر بأكثر من 7 مليارات طن، ليظهر ضمن أبرز 5 مناجم في العراق.
ويُستعمل الفوسفات المستخرج في صناعة الأسمدة وحمض الفوسفوريك والأعلاف الحيوانية، وتُقدّر احتياطياته في الصحراء الغربية للعراق بأكثر من 10 مليارات طن. ويضم المنجم مقلعًا مفتوحًا ومحطة للمعالجة وخط سكك حديدية يربطه بمصنع القائم، لكن البنى التحتية تضرّرت بفعل الحروب والإرهاب، إذ توقفت عمليات الإنتاج لسنوات طويلة، وهناك مساعٍ لإعادة تشغيله ضمن شراكات استثمارية.
وقبل حرب الخليج الأولى عام 1991 كان العراق يصدر الفوسفات لدول شرق وشمال شرق آسيا ودول أوربية عدة، إلا أن يد الإهمال والإرهاب المتمثل بـ"الاحتلال الامريكي" ثم باجتياح تنظيم "داعش" الارهابي محافظة الأنبار، تسبب بتدمير البنى التحتية في المناجم، التي أسهمت شركات يوغسلافية في سبعينات القرن الماضي بتطويرها آنذاك.
ووفقاً لمسؤول محلي في المحافظة فإن المناجم بالمجمل تعاني "من إهمال حكومي من بغداد، جعل منها منطقة مهجورة.
وتأسست عكاشات عام 1976، كوحدة إدارية جديدة وتم بناء مجمعات سكنية للموظفين والعاملين في قطاع صناعة الفوسفات، بالإضافة إلى إنشاء خط سكك حديد لنقل الإنتاج من معامل الفوسفات إلى بغداد ومنها إلى البصرة للتصدير، لكن منذ فرض الحصار الاقتصادي على العراق عام 1991، توقف تصدير العراق للمنتج ما جعله مقتصراً على الصناعات الداخلية فقط وأغلبه للقطاع الزراعي.
منجم السماوة
في محافظة المثنى جنوب العراق، يقع منجم السماوة، أحد أبرز 5 مناجم في العراق المتخصصة باستخراج الملح الصخري. ويتميز خام الملح هناك بجودته العالية وتكوينه الرسوبي النقي، ويُستعمل في الصناعات الغذائية والكيميائية، حسبما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
ويعمل المنجم يعمل بشكل متقطع وتديره الشركة العامة للصناعات التعدينية، إذ يعاني نقصًا في الاستثمارات، لكنه يغطّي جزءًا مهمًا من احتياجات السوق المحلية، مع إمكان تطويره ليصبح مركزًا إقليميًا لتصدير الملح.
الحديد والمنغنيز
تمتلك محافظة السليمانية في إقليم كردستان مناطق واعدة لرواسب الحديد، لا سيما في قرة داغ وبيرسبي؛ إذ تحتوي الصخور الرسوبية على خامات الهيماتيتوالماغنيتيت بنسب تركيز تتراوح بين 30 و45%. ورغم هذه المؤشرات الجيدة، فلم يُستغل أي من هذه المناجم تجاريًا حتى الآن.
وبالنسبة للمنغنيز، يوجد في مناطق مثل سوران ودهوك، لكن عمليات الاستكشاف ما زالت أولية؛ إذ تمثل عوامل مثل غياب البنية التحتية ووسائل النقل، بالإضافة إلى ضعف التمويل، أبرز المعوقات أمام تطوير هذه المواقع.
الزنك والرصاص
تظهر مؤشرات على وجود رواسب من الزنك والرصاص بنوعيات جيدة، ضمن تكوينات كربونية استبدالية من نوع "إم في تي" (MVT) في المناطق الجبلية قرب الحدود التركية والإيرانية، مثل ميرگسور وزاخو وقلعة دزه.
وتشمل المعادن الرئيسة هناك الغالينا والسفاليرايت، إلى جانب الباريت والفلورايت، وفق تقارير طالعتها منصة الطاقة المتخصصة. ورغم وجود هذه الثروات؛ فلم تُستغل المناجم حتى الآن، لكنها تشكّل فرصة ذهبية لخطط العراق المستقبلية لتطوير قطاع التعدين.
وتتركّز معظم المناجم في غرب العراق (الأنبار) وشماله (كردستان)، في حين توجد خامات أخرى في وسط البلاد وجنوبها، وتسعى الحكومة العراقية حاليًا إلى جذب استثمارات أجنبية لتطوير القطاع المعدني.
بدوره يرى أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي أن "العراق يمتلك ثروة معدنية هائلة، إلى جانب الثروة النفطية، إلا أن هذه الثروة لم تستثمر بعد ولم تتم الاستفادة من كامل طاقتها.
ويعتقد السعدي بأن "تلك المعادن في العراق يمكن أن تكون مورداً رئيساً بعد نضوب النفط، إلا أنها تحتاج إلى شركات عالمية لاستخراجها وتصديرها، إضافة إلى أن تلك المعادن أكثر عدلاً من النفط، فهي موزعة على جميع محافظات البلاد"، إذ إن آخر مسح أجرته هيئة المسح الجيولوجي العراقية بالتعاون مع جامعات تكريت وبابل والأنبار، أظهر أن العراق يحتوي على عشرات المعادن بكميات كبيرة منها بعض المعادن النادرة كاليورانيوم والذهب والفضة والزئبق الأحمر والكبريت الحر، فضلاً عن الحديد والنحاس والقصدير والكروم والنيكل والألمنيوم وغيرها من المعادن موزعة تقريباً على جميع محافظات العراق، من جنوبه إلى شماله ومن غربه إلى شرقه.
وأوضح السعدي أن المسح الأخير اعتمد على بيانات عام 1966 حين كانت أكبر حملة استكشاف في العراق منحت لمصلحة شركات بريطانية آنذاك ورفضت بغداد حينها عروض الشركات للبدء بالاستثمار، إذ كانت ترفع شعار "ضمان مستقبل الأجيال بعد نضوب النفط"، كما يبين أن نحو 80 في المئة من المعادن في البلاد غير مستثمرة مثل الذهب والزئبق واليورانيوم والنحاس، لافتاً في الوقت ذاته إلى وجود عمليات سرقة للزئبق بطرق بدائية تجري في جنوب العراق من قبل عصابات ويتم تهريبه إلى دولة إقليمية مجاورة.
وشدد على أن "ما يحتاج إليه العراق الآن هو وضع خطط مستقبلية، لذا يجب على الدولة الإشراف على تعديل قانون الاستثمار المعدني النافذ رقم 91 لسنة 1988 ووضع مشروع لقانون جديد في هذا المجال يتناسب مع تطور الفكر والتوجه الاقتصادي للبلاد وبما يتيح تنشيط قطاع المعادن والتعدين ليصبح رافداً مهماً في الاقتصاد الوطني مستقبلاً. وأيضاً يجب العمل على إنشاء معامل تابعة لوزارة الصناعة والمعادن وصيانة الموجود منها، فضلاً عن أهمية إشراك القطاع الخاص وفتح مكاتب في عدد من المحافظات العراقية إيماناً بأهمية تعريف هذه المحافظات بالموارد المعدنية الطبيعية المتوافرة لديها، فضلاً عن إرشادها إلى كيفية التعامل بشأن استثمارها، وهذه المكاتب تؤدي أعمالاً استشارية للحكومات المحلية في كل محافظة".
ويرى السعدي أن الثروة المعدنية في العراق بأنواعها المختلفة لم تستثمر بشكل يضمن تحقيق موارد مالية كبيرة للبلاد، لكن تفشي الفساد المالي والإداري واعتماد نهج المحاصصة وغياب الاستراتيجية الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي والأمني، كلها عوامل تعوق عمليات الاستكشاف المعدني واستثمار الثروة المعدنية، على رغم أن استثمار الكبريت والفوسفات والسيليكا عالية النقاوة يمكن أن يعود على خزانة الدولة بمبالغ تتراوح بين 4 و6 مليارات دولار سنوياً. لذلك من الضروري إصدار الجهات المعنية في العراق خريطة طريق ودليلاً للاستثمار المعدني وتوفير المعلومات الخاصة بهذا الجانب وعرض فرص الاستثمار أمام الشركات العالمية الرصينة لاستثمار المعادن وهي كثيرة بموجب قانون الاستثمار الذي يضمن مصالح الطرفين مع حماية قطاعات الاقتصاد الوطني من هيمنة رأس المال الأجنبي، بما يحول دون التحكم بالثروات الوطنية وفقاً لضوابط محددة مع قيام الدولة بوضع السياسات التعدينية الاستراتيجية للبلاد ومراقبة حسن تنفيذها من قبل قطاعي الدولة والخاص.
ونوه إلى أن كثيراً من معادن العراق ما زالت في مكانها وغير مستثمرة بشكل جيد، كما أن استثمار المعادن يحتاج إلى أموال وإلى قانون متكامل ولكن كل ما تم ذكره يجب تنفيذه عندما يكون هناك استقرار سياسي وحكومة قوية قادرة على السيطرة وفرض قوة الدولة والقانون سواء على المستثمرين أو الشركات المحلية والدولية. أما مع الوضع الحالي وضعف الأداء الحكومي، فالأفضل أن يبقى الوضع كما هو حتى لا تهدر هذه الثروات الوطنية كما هدرت الثروة النفطية.
والخلاصة، فأن أبرز 5 مناجم في العراق ليست مجرّد مواقع تعدين، بل تشكّل فرصة اقتصادية نادرة بإمكانها إحداث تحول جذري في الاقتصاد العراقي إذا استُثمِرت بالشكل الصحيح، من خلال شراكات دولية وبنى تحتية مدروسة.
كما تكشف أبرز 5 مناجم في العراق عن خريطة ثروات معدنية لا تزال غير مستغلة حتى الآن، وذلك بعد عقود طويلة من التحديات الأمنية التي شهدتها البلاد، أدّت إلى إهمال هذه الموارد. وتمثل أبرز 5 مناجم في العراق فرصة اقتصادية واعدة، لكنها تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالبنية التحتية والاستثمار.