ماذا قالت المصادر الصينية والعالمية والخبراء عن موقع العراق في مبادرة الحزام والطريق؟
انفوبلس/ تقرير
عِبرَ لقاءات تلفزيونية، أُثيرَ الجدل حيال موقع العراق في مبادرة الحزام والطريق، بعدما صرّحَ وزير النقل العراقي رزاق محيبس بأن العراق لا يمتلك أي شيء حقيقي عن "طريق الحرير" وردّ عليه النائب سعود الساعدي بوثائق تؤكد أن العراق جزء من ذلك. فأين حقيقة الأمر؟ وماذا قالت المصادر الصينية والعالمية؟ سنتعرّف عليها في هذا التقرير.
أطلقت جمهورية الصين الشعبية مبادرة الحزام والطريق في عام 2013، وهو مشروع واسع النطاق يهدف إلى ربط بلدان العالم ببعضها البعض عبر شبكة من الطرق البرّية، والسكك الحديدية، والموانئ، وخطوط أنابيب النفط والممرات البحرية وشبكات الاتصال السلكية واللاسلكية التي تمرّ بالصين وبلدان آخر. ودّمت الحكومة الصينية هذه المبادرة باعتبارها وسيلة لتحسين التعاون والاتصال فيما بين المناطق، وأطلقت الصين هذا المشروع الذي بلغت كلفته تريليون دولار، واستقطب 8 تريليون دولار إضافية منذ إطلاقه.
*وزير النقل يكذب
وفي لقاء تلفزيوني قال وزير النقل رزاق محيبس، إن "العراق لا يمتلك أي شيء حقيقي عن "طريق الحرير" ولم يتلقَّ أي دعوة من الصين". مشيرا إلى أن "المسؤولين في الوزارة سمعوا بالمشروع من وسائل الإعلام".
وقال محيبس، إن "الوزارة ليست لديها أية أوليات أو خرائط أو دعوة من الصين حول مشروع "طريق الحرير".
*سعود الساعدي يرد بالوثائق
لكن وفي لقاء تلفزيوني آخر، خرج رئيس كتلة حقوق سعود الساعدي، وقال إن "وزير النقل" لم يدرس مبادرة الحزام والطريق جيداً واستغربتُ نفيه لمبادرة الحزام والطريق". مشيرا إلى أن "السفير الصيني أكد أن العراق جوهرة طريق الحرير".
وأضاف، "جلبتُ وثائق حكومية عراقية تؤكد أن العراق جزء من طريق الحرير خوفاً من أن يتم نفي وجود حتى دولة اسمها الصين".
فيما بيّن السفير الصيني الجديد لدى العراق "تسوي وي" مؤخراً، أن "العراق لؤلؤة لامعة في طريق الحرير الذي ترك للصين والعراق ذكريات طيبة".
وقال رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إن العراق يرتبط مع الصين بعلاقات عميقة، ونتطلع إلى تعزيزها وفق مبادرة الحزام والطريق.
وقد أظهرت دراسة نشرتها رويترز، أن العراق كان "الهدف الرئيسي لمبادرة الحزام والطريق" الصينية عام 2021، وتلقى تمويلا بنحو 10.5 مليارات دولار، من أجل مشاريع تشمل محطات توليد كهرباء.
وكشفت الدراسة التي أجراها مركز التمويل الأخضر والتنمية بجامعة فودان في شنغهاي، ونشرتها رويترز، أن العراق حلّ في المرتبة الأولى فيما يخص عقود البناء في إطار المبادرة خلال العام 2021، تلته صربيا في المرتبة الثانية، وإندونيسيا في المرتبة الثالثة.
يتضح من التقرير، أن المشاريع الاستثمارية التي تقوم بها الصين في العراق، هي ضمن مبادرة "الحزام" البرّي، وبالنظر لحجم الاستثمارات الصينية الضخمة والمشاريع التي تنفذها في العراق، فهذا ينسف الأحاديث عن وجود عقبات و"مؤامرات" تُبعد العراق عن المساهمات الصينية في بناه التحتية ومشاريعه، بل إنّ الإسهام الصيني في المشاريع التي تنفذ داخل العراق أكبر من مساهمات الدول الأخرى.
*صحيفة صينية تكشف
أكد تقرير لصحيفة "جاينا اورغ" الصينية مؤخراً، مبادرة الحزام والطريق الصينية ستضع العراق في قائمة الدول الأكثر اهتماما بإعادة إعمار وتطوير البنى التحتية، حيث إن المبادرة تهدف إلى ربط آسيا بإفريقيا وأوروبا عبر الشبكات البرية والبحرية لتحسين التكامل الإقليمي وزيادة التجارة وتحفيز النمو الاقتصادي.
ونقل التقرير عن الأستاذ في الجامعة المستنصرية في بغداد عقيل حمدان قوله، إن "الصين يمكن أن تلعب دورًا حيويًا في إعادة إعمار العراق بعد الحرب، لاسيما من خلال مبادرة الحزام والطريق التي اقترحتها ".
وأضاف، إن "البنية التحتية في العراق متداعية بعد عقود من الحروب والعقوبات والمشاكل الاقتصادية، ونعتقد أن الشركات الصينية يمكنها تلبية حاجة العراق الملحّة للاستثمار الأجنبي والتكنولوجيا والمعدات لاستعادة اقتصاده".
وأشار إلى، أن "العراق بحاجة إلى مبادرة الحزام والطريق، لأنها مشروع يبني الطرق والجسور ويعزز التنمية في المناطق الصناعية والطبية وكذلك في المدن السكنية". مبينا، إن الدول الغربية غزت واحتلّت بلادنا بشكل غير قانوني بينما تقدّم الصين إجابة نحو الازدهار".
من جانبه أشاد رئيس جمعية الصداقة العراقية الصينية حيدر الربيعي بمبادرة الحزام والطريق ووصفها، بأنها "مبادرة تنموية مشتركة تساعد العالم على تحقيق العدالة والسلام والأمن". منوها إلى، أن "المزيد والمزيد من رجال الأعمال الصينيين يأتون للاستثمار في العراق ومن المتوقَّع أن يؤتى المزيد من الثمار في التعاون الثنائي".
وفي السياق ذاته، قال المختص بالشأن الاقتصادي الدكتور عبد الكريم العيساوي، إن موقع العراق من مبادرة الحزام وطريق الحرير متميز، فالمبادرة من التاريخ القريب كانت تضم خط قطار اكسبرس الشرق القديم من بغداد إلى برلين مرورا بإسطنبول أيام الدولة العثمانية، وحينها كانت ألمانيا تريد الوصول إلى الخليج العربي ولكن التنافس انتهى بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى وتحول الخط إلى بريطانيا، وفي الألفية الجديدة سيمثل ميناء الفاو الكبير خط الشرق الصيني الجديد الذي يربط أوراسيا كمنطقة تجارة حرة.
كما يقول الخبير الاقتصادي والباحث العراقي حيدر حسين آل طعمة، "فضلا عن موقع العراق في خارطة الطاقة الصينية، فإنه يمثل جسراً جغرافياً رابطاً بين قارتي آسيا وأوروبا، ومنطقتي الخليج العربي وبلاد الشام، وهذا يعني أنَّ العراق يقع في قلب مشروع الحزام والطريق؛ لأنَّه يمثِّل ملتقى خطوط المواصلات العالمية، فضلاً عن أنَّه جارٍ لثلاثة أطراف في المبادرة الصينية، وهم (إيران، وتركيا، والمملكة العربية السعودية).
وأضاف، "ومن خلال التمعّن في شبكة طرق التجارة يتضح أنَّ موقع العراق الجغرافي يُعدُّ المركز الرئيسي لطريق الحرير، والذي عن طريقهِ سيُنقل النفط والغاز والمواد الأولية والبضائع الأخرى. ويُتوقَّع أن يقلل هذا الطريق ما نسبته (70%) من تكلفة الربط التجاري بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، والذي يبدأ من الصين –أوزباكستان – طاجكستان – إيران – العراق – تركيا – أوروبا، ليكون العراق المركز الاستراتيجي لطريق الحرير في الشرق الأوسط".
وتابع، "غير أن تلك الأهمية مشروطة باكتمال ميناء الفاو الكبير الذي يشهد تلكؤا مقصودا في الإنجاز رغم تعاقب الحكومات وتخصيص المليارات من الدولارات لإنجاز هذا المشروع الاستراتيجي، رغم الآثار الايجابية المتوقعة لانضمامَ العراق إلى مبادرة الحزام والطريق والدور المحوري للعراق في التبادلات التجارية والاقتصادية المترتبة على إنجاز المبادرة. ويُتوقَّع أن يعزز المشروع العلاقات التي تربط العراق مع الدول التي تقع على طريق المبادرة الصينية، ولاسيَّما في المجال الاقتصادي والتجاري".
وذكر الخبير الاقتصادي أيضا، "إن إتمام تنفيذ مشروع ميناء الفاو الكبير سيوفر أقصر الطرق لنقل البضائع واستمرار التجارة بأقل كلفة، إذ ستنقل البواخر الصينية البضائع من الصين إلى ميناء (جوادر) في باكستان، ومنها إلى ميناء الفاو الكبير، لتفرّغ حمولتها وتُنقل عن طريق السكك الحديدية، أو ما يسمى الميناء الجاف، ليكون الوسيط لنقلها إلى ميناء طرطوس في سوريا، أو إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا."
وأوضح، "وعليه، من الممكن أن يكون العراق البلد الأكثر أهمية في المبادرة الصينية، إذا ما أُنْجزَت (القناة الجافة)، والتي تستند على مشروع ميناء الفاو الكبير. ومن أجل اللحاق وضمان انضمام العراق إلى مبادرة الحزام والطريق ينبغي العمل على:
1- وضع خطط طويلة الأمد؛ لتطوير المدن الساحلية العراقية، ترتكز على نظرة استراتيجية، تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية، على أن تركّز على الاندماج ضمن مبادرة الحزام والطريق.
2- العمل على إنشاء برنامج بحري عراقي للمنافسة البحرية، مع دول الجوار لمواجهة المشاريع المنافسة، والتي تهدف إلى إلغاء دور العراق وتهميشه في الملاحة البحرية، ولاسيَّما ميناء مبارك الكبير.
3- الإسراع في إنجاز مشروع (ميناء الفاو الكبير)، ومنحه الأولوية ضمن المشاريع الأخرى، وإعادة تفعيل خطط مشروع (القناة الجافة)، لربط ميناء الفاو بأوروبا، وإكمال الحلقة المفقودة في خطة عبور مبادرة الحزام والطريق عن طريق العراق، ممَّا يوفِّر موردا مالياً غزيرا للبلد، فضلاً عن توفير فرص عمل في جنوب العراق.
4- العمل على توفير مناخ استثماري ملائم، لاسيَّما في قطاع الموانئ العراقية، وطرح المشاريع الكبرى للقطاع الخاص.
5- الالتزام بالاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي وُقِّعت مع الصين، والعمل على تنفيذها، لأنّهَا تصبُّ في مصلحة العراق.
6- على الحكومة العراقية تعديل سياستها الاقتصادية، للاستفادة من مبادرة الحزام والطريق، والابتعاد عن الاعتماد الكلي على النفط، مع التأكيد على أنَّ دخول العراق في هذه المبادرة سيفتح نافذة جديدة لتوسيع القاعدة الاقتصادية وتحقيق التنويع الاقتصادي.
7- يُرجَّح أن تكون الحكومة العراقية في موقع استفادة أكبر في حال أجرت مفاوضاتها بشكل ثنائي مع الحكومة الصينية، بالتركيز على تأمين تدفق النفط العراقي إلى الصين مقابل إعادة الإعمار وتأهيل البنية التحتية عبر الاستفادة من خبرة وقدرات الصين في هذا المجال.
كما أشار إلى انَّ لانضمام العراق إلى مبادرة الحزام والطريق انعكاسات إيجابية على الاقتصاد العراقي في حالة استكمال مشروع ميناء الفاو الكبير، لاسيَّما أنَّ الاقتصاد العراقي يُعد اقتصادا ريعياً أُحادي الجانب يعتمد على النفط بشكل خطير، لذلك فإن إنشاء ميناء الفاو وفتح منافذ استراتيجية مهمة لطريق الحرير في العراق، يعني فتح مورد اقتصادي غير نفطي، ما سينعكس بصورة إيجابية على تنويع الاقتصاد العراقي.
كما تكمن أهمية مشروع طريق الحرير بالنسبة إلى العراق، كونه يمثل فرصة لإعادة البناء والإعمار وتعزيز النمو والاستقرار الاقتصادي، ليكون العراق فاعلًا في محيطه، فالسوق العراقية تُعد من الأسواق الضخمة في منطقة الشرق الأوسط. ويُعد ضم العراق إلى المبادرة محفِّزاً للصين في تفعيل علاقاتها الاقتصادية مع العراق، كما أن الواردات الصينية من النفط الخام ارتفعت كثيرا في السنوات الأخيرة مما يعكس أهمية النفط العراقي في التوجهات الصينية نحو الخارج كون العراق من البلدان الكبرى من حيث احتياطات النفط، وفقاً للخبير.
وبحسب الخبير، فإنه "على الرغم من أن العراق لا يشكل حاليا جزءا من طريق الحرير، إلا أن موقعه الاستراتيجي كونه يمثل ملتقى خطوط المواصلات العالمية، وكذلك جارا لثلاثة أطراف في المبادرة الصينية وهي إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية، كلها مزايا توفر للعراق فرص الانضمام للمبادرة، ومن الممكن أن يستثمر العراق قوة الجذب لديه عبر موقعه المهم، وذلك عبر استثمار الشركات الصينية في المجال الصناعي وتطويره، ولا يقتصر التعاون بين العراق والصين على الاستيراد والتصدير، بل يجب أن يشمل أيضا تطوير البنى التحتية للعراق.