ممر استراتيجي بديل للطاقة.. تركيا تكشف عن مسار جديد لنقل النفط العراقي إلى "جيهان" بعيدًا عن كردستان

انفوبلس/..
تتصاعد الأحداث في الشرق الأوسط مع طرح مقترح تركي جديد يهدف إلى رسم مسار جديد لتدفق النفط والغاز من قلب العراق إلى الأسواق العالمية، حيث يشكل هذا المشروع محطة استراتيجية تغير معالم التجارة الدولية للموارد الطاقية.
ويأتي هذا المقترح في ظل سعي تركيا لتوسيع نشاطها الإقليمي والعمل على تنويع مصادر الطاقة، إذ يُقترح بناء خطوط نقل حديثة تمتد من محافظة البصرة، التي تُعدّ من أهم مراكز إنتاج النفط العراقية، مروراً بقضاء حديثة في محافظة الأنبار غرب البلاد، وصولاً إلى مدينة سلوبي في جنوب تركيا، لتتجه أخيرًا إلى ميناء جيهان المطل على البحر المتوسط.
هذا الميناء الذي يُعَدّ بوابة حيوية لتصدير النفط والغاز إلى أوروبا وأفريقيا، ما يجعله عنصراً محورياً في دفع عجلة الاقتصاد التركي وربطه مع الأسواق الدولية.
ويلاحظ أن هذا المشروع يأتي في ظل تحديات جيوسياسية واقتصادية معقدة، خاصة بعد إغلاق خط (كركوك-جيهان) الشهير منذ أكثر من عامين إثر خلافات مالية أثرت على المشهد النفطي العراقي.
ومن الجدير بالذكر أن مسار الخطوط الجديدة المخطط له يتجنب المرور بإقليم كردستان العراق الشمالي، الأمر الذي يعكس حساسية الأوضاع السياسية والإقليمية في المنطقة، ويهدف إلى تقديم مسار بديل بعيد عن النزاعات والصراعات القائمة.
الصلة بمشروع البصرة-حديثة
ويُعتبر هذا الاتجاه البديل خطوة استراتيجية من جانب تركيا لتأمين وصول إمدادات الطاقة العراقية إلى الأسواق العالمية دون الاعتماد على الطرق التقليدية التي تعرضت لاحتمالية تعطيلها بسبب النزاعات المالية والسياسية.
وفي ظل هذه التطورات، يبرز التساؤل حول مدى تأثير هذا المشروع الجديد على الاقتصاد العراقي، وعلى العلاقات الإقليمية، خاصةً وأن العراق يعد من الدول الرئيسية المنتجة للطاقة في العالم، كما يُثير هذا المقترح الأمل في فتح آفاق جديدة للتعاون التركي مع دول المنطقة في مجال الطاقة، مما قد يعزز من مكانة تركيا كلاعب رئيسي في ميدان نقل وتصدير الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط.
ويبدو أن هناك صلة بين مسار مقترح الخطوط الجديدة، ومسار خط الربط بين "البصرة" و"حديثة" الذي حظي بموافقة حكومية، في يناير/كانون الثاني الماضي.
ورغم منافع الخط (الذي يتسع لنقل 2.25 مليون برميل يوميًا)؛ فإن أصواتًا تعالت برفضه خشية إنعاش مقترح خط يمر عبر الأردن، إلا أن الخطوط المقترحة من البصرة إلى تركيا تسلك مسارًا مختلفًا.
خطوط النفط والغاز
حسب تفاصيل المقترح، هناك مسار أولي لنقل كل من النفط والغاز والكهرباء.
نقل النفط
هناك خط تركي داخلي يربط أصول مدينة سلوبي بميناء جيهان، ويعزز المقترح الجديد ربط هذا الخط بحقول البصرة العراقية.
وأوضح وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، أن التوسعة عبر الربط مع حقول النفط العراقية في البصرة ستساعد في ضمان استدامة تصدير بغداد للخام، وتضمن وصول التدفقات إلى أسواق البحر المتوسط.
وأشار إلى أن حقول البصرة مهمة لضمان نقل خط "سلوبي-جيهان" ما يصل إلى 1.5 مليون برميل يوميًا.
نقل الغاز
تتطلع تركيا -حسب مقترح بيرقدار- إلى إنشاء نظام نقل غاز يصل إلى حدود العراق، لنقل 5 مليارات متر مكعب من الغاز بشكل متبادل وعكسي بين الدولتين.
وتخطط أنقرة لإنشاء خط غاز ينقل إمدادات الغاز من البصرة إلى سلوبي، ثم من سلوبي إلى ميناء جيهان.
وكشف "بيرقدار" عن أن تركيا ستكون نقطة عبور "ومركزًا" يضمن تزويد العراق لأنقرة ودول أخرى بالغاز.
وتستفيد تركيا من عبور نفط وغاز العراق، لتحصيل رسوم المرور عبر خطوط الأنابيب في أراضيها.
ومن المتوقع أن ينعش المشروع المقترح خزائن تركيا، التي تأثرت سلبًا بتعطل تحصيل رسوم مرور التدفقات عبر خط "كركوك-جيهان" المتوقف منذ ما يزيد على عامين؛ إذ قدرت خسائر أنقرة في هذا الشأن بنحو مليار دولار.
ويستهدف العراق حاليًا تلبية الطلب المحلي على الغاز (لأغراض توليد الكهرباء أو غيرها) عبر إنهاء حرق الغاز بحلول عام 2028، رغم امتلاكه احتياطيات كبيرة غير مستغلة.
الكهرباء
يعتمد العراق إلى حد كبير على الغاز في توليد الكهرباء، وتضمّن المقترح التركي خططًا لتزويد البلاد بإمدادات الغاز اللازمة، لكن بغداد لم تُعلِّق على مدى توافق هذه الأهداف مع خططها للاكتفاء الذاتي.
وتعتزم تركيا زيادة صادرات الكهرباء إلى العراق، ومد خطي نقل إضافيين للربط بين البلدين، ما ينقذ بغداد من ضغط نقص واردات الغاز الإيراني (الذي يشكل أكبر حصص توليد الكهرباء العراقية بنسبة 30%)، وحملة الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترمب ضده.
تحديات المقترح
استكمالاً للحديث عن المقترح التركي لمدّ خطوط جديدة لنقل النفط والغاز من العراق إلى ميناء جيهان عبر الأراضي التركية، تبرز جملة من التحديات والعقبات التي قد تعرقل تنفيذ المشروع أو تؤثر على جدواه الاقتصادية والسياسية، فرغم ما يحمله المشروع من وعود لتعزيز أمن الطاقة وتنويع طرق الإمداد، كجزء من توسعة مشروع "طريق التنمية" الذي تتبناه الحكومة العراقية، إلا أن الطريق نحو تحقيق هذه الأهداف يبدو محفوفاً بالتعقيدات.
يُنظر إلى المشروع على أنه فرصة لتقوية التعاون الإقليمي بين كل من العراق وتركيا وقطر والإمارات، فضلاً عن إمكانية جذب دعم دولي من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، حسبما أشار إليه إيسر أوزديل، الزميل غير المقيم في مركز أتلانتك كونسيل الأميركي. ورغم ذلك، يظل نجاح المشروع رهيناً بتحقيق توافق سياسي واسع النطاق، بالإضافة إلى توفير التمويل اللازم لضمان الاستدامة والبنية التحتية المطلوبة.
أبرز التحديات التي تواجه المشروع، الحاجة لتأمين دعم سياسي ومالي متعدد الأطراف، لا سيما في ظل الظروف السياسية غير المستقرة التي تمر بها المنطقة
من أبرز التحديات التي تواجه المشروع، الحاجة لتأمين دعم سياسي ومالي متعدد الأطراف، لا سيما في ظل الظروف السياسية غير المستقرة التي تمر بها المنطقة. كما أن مسار الخط المقترح يمر بالقرب من مدينة "فيشخابور" الكردية الواقعة على الحدود العراقية-التركية، وهي منطقة سبق أن تعرضت بنيتها التحتية لأضرار جسيمة نتيجة النزاعات المسلحة، مما يزيد من المخاوف حول استقرار واستمرارية تدفق النفط عبرها.
بالإضافة إلى ذلك، تعاني البنية التحتية النفطية في العراق من هجمات تخريبية متكررة تستهدف الحقول وخطوط الأنابيب، ما يهدد أمن واستمرارية التصدير. كما أن النزاع المستمر حول خط كركوك-جيهان، والذي لا يزال معطلاً منذ أكثر من عامين، يضيف بعداً قانونياً وسياسياً حساساً رغم تأكيد وزير الطاقة التركي أن هذا النزاع لن يُشكّل عائقاً أمام الخط الجديد.
ولا يمكن تجاهل المعارضة المتزايدة لمشروع "طريق التنمية" ذاته، لا سيما من قبل الأطراف الكردية في شمال العراق، الذين يعارضون استبعاد الإقليم من مسارات النقل الحيوية، كما يُضاف إلى ذلك الارتباط السياسي الحساس بميناء الفاو الكبير، الذي من المتوقع أن يكتمل بحلول عام 2028، ويعد أحد أكبر الموانئ في المنطقة.