هيمنة مصرفية أمريكية.. اتفاقيات استراتيجية تعزز نفوذ "جي بي مورغان" في مفاصل الاقتصاد العراقي

انفوبلس/..
في إطار تحول ملحوظ يشهده الاقتصاد العراقي واندماجه بشكل أعمق مع النظام المالي الأمريكي، تتزايد هيمنة مصرف "جي بي مورغان" في العراق، مما يسلط الضوء على تأثير الإدارة الأميركية في رسم معالم الاقتصاد الوطني.
وفي هذا السياق، جاء حديث رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني خلال استقباله لوفد مصرف "جي بي مورغان" برئاسة نائب مدير المصرف دانيل زيليكو، والذي تم استقباله على هامش مؤتمر إصلاح القطاع المصرفي الذي عُقد في بغداد.
وقد ناقش الوفدان سبل تعزيز التعاون المالي والمصرفي، مع التركيز على توسيع الشراكة بين المصارف العراقية ومصرف "جي بي مورغان"، في خطوة يُنظر إليها على أنها مؤشر على توجهات أوسع نحو إدارة اقتصادية أمريكية غير مباشرة.
وأكد السوداني في بيانه على أهمية تقديم الدعم الكامل من جانب الحكومة العراقية لتفعيل هذه العلاقة وتوسيع مجالات الشراكة، حيث يُمكن أن يساهم ذلك في فتح آفاق جديدة لتمويل مشاريع استثمارية ضخمة تدعم الاقتصاد الوطني.
في المقابل، عبّر وفد المصرف الأمريكي عن استعداده لتوسيع عدد الحسابات المراسلة المفتوحة للمصارف العراقية، مما يُتيح فرصة أكبر لتسهيل المعاملات المالية وضمان وصول الاعتمادات والتحويلات المالية إلى مستحقيها في أوروبا والولايات المتحدة.
ويُعد هذا التوجه استجابة للتحديات التي يواجهها القطاع المصرفي العراقي، ويسعى إلى تحسين الخدمات المقدمة للتجار والمستوردين.
ومن هنا يظهر جلياً أن الخطوات المتخذة نحو تعزيز التعاون مع "جي بي مورغان" ليست بمحض الصدفة، بل هي جزء من استراتيجية أشمل تهدف إلى إرساء قواعد نظام اقتصادي يخضع في جوهره للإدارة الأميركية، مما يترك للعراقية تحديات ومسارات اقتصادية جديدة تستلزم إعادة النظر في السياسات المالية الوطنية لمواجهة هذه الهيمنة المتزايدة.
هيمنة أميركية على المصارف
وفي تشرين الثاني 2023، كشفت تسريبات إعلامية عن نتائج اجتماعات سرية بين وفد من البنك المركزي العراقي والجانب الأميركي في أبو ظبي، حول آليات التحويلات الخارجية لتمويل الاستيرادات.
الغريب أن هذه النتائج لم تُنشر على المنصات الرسمية لرئاسة الوزراء أو البنك المركزي، بل جرى تمريرها لوسائل الإعلام عبر "مصدر حكومي" مجهول الهوية.
الاجتماعات أسفرت عن اتفاقات لفتح حسابات دولارية لخمس مصارف عراقية عبر بنوك أردنية وتسهيل الحوالات من خلال "جي بي مورغان"، إضافة إلى تعزيز الأرصدة بالدرهم الإماراتي بالتنسيق مع أحد المصارف الإماراتية.
كما تم الاتفاق على خطوات مماثلة لتعزيز الأرصدة باليورو، واليوان الصيني، والروبية الهندية، في خطوة توحي بتبني مسارات تمويل جديدة في ظل تزايد القيود الأميركية.
الإجراءات الجديدة لا علاقة لها بكبح سعر الدولار في السوق السوداء، الذي لا يزال يشهد ارتفاعاً بسبب رفض الاحتياطي الفيدرالي الأميركي للعديد من الحوالات العراقية، ما يجبر التجار على اللجوء للسوق الموازي
ورغم هذه التحركات، أكدت مصادر مصرفية أن الإجراءات الجديدة لا علاقة لها بكبح سعر الدولار في السوق السوداء، الذي لا يزال يشهد ارتفاعاً بسبب رفض الاحتياطي الفيدرالي الأميركي للعديد من الحوالات العراقية، ما يجبر التجار على اللجوء للسوق الموازي.
هذا التوجه، بحسب مراقبين، يكشف عن مستوى التأثير الأميركي المتصاعد على النظام المصرفي العراقي، وسط انتقادات لغياب الشفافية في سياسات البنك المركزي واعتماده على تسريبات غير رسمية بدل البيانات المعلنة.
ويبدو أن مصرف "جي بي مورغان" بات في صلب هذه الهيمنة المتزايدة، مع توسّع نفوذه في إدارة الحوالات والتمويلات، ما يطرح تساؤلات جدّية حول مستقبل السيادة الاقتصادية للعراق في ظل هذا الارتهان المالي المتنامي.
من هو JPMorgan ؟
جي بي مورجان تشيس، هو بنك أمريكيّ متعدد الجنسيات للخدمات الماليَّة المصرفيَّة. هو أكبر بنك في الولايات المتَّحدة، مع إجمالي أصول الولايات المتحدة 3.67 تريليون دُولار. وهو المزود الرئيسيّ للخدمات الماليَّة، استنادا إلى ترتيب مجلة فوربس هو ثالث أكبر شركة مساهمة عامة في العالم.
تأسس عام 1799 يقع في نيويورك في الوول ستريت كان في البداية اسمه جي بي مورجان، في عام 2000 اندمج مع بنك تشايس منهاتن فسمي جي بي مورجان تشايس يوجد حوالي 230,000 موظف في عام 2008 يعمل في البنك في جميع أنحاء العالم القيمة السوقيَّة للبنك فاقت 145 مليار دُولار سنة 2007.
جي بي مورجان تشيس، في هيكلها الحالي، هو نتيجة مجموعة من العديد من الشركات المصرفيَّة الأمريكيَّة الكبيرة منذ عام 1996، بما في ذلك بنك تشيسمانهاتن، جي بي مورجان وشركاه، بنك وان، بير ستيرنز وواشنطن ميوتشوال. وبالعودة إلى أبعد من ذلك، فإن أسلافها تشمل الشركات المصرفيَّة الكبرى من بينها كيميكال بنك، والمصنعين هانوفر، وبنك شيكاغو الأول، وبنك ديترويت الوطني، وبنك تكساس التجاري، وبروفيدان فاينانشيال، وغريت ويسترن بنك أقدم مؤسسة سابقة للشركة، بنك شركة مانهاتن، كانت ثالث أقدم مؤسسة مصرفيَّة في الولايات المتَّحدة، وأقدم 31 بنكًا في العالم، بعد أن أسسها آرونبور في 1 سبتمبر 1799.
توسع نفوذ "جي بي مورغان"
في حزيران 2023، شهدت بغداد لقاءات رفيعة المستوى بين البنك المركزي العراقي ومصرف "جي بي مورغان" الأميركي، في مؤشر واضح على تعميق العلاقة المالية بين الطرفين.
فقد التقى محافظ البنك المركزي علي العلّاق بنائب رئيس المصرف الأميركي دانيال زيليكو، حيث ناقشا دعم المصارف العراقية في تمويل التجارة الخارجية بالدولار، وأشاد الجانب الأميركي بالإجراءات العراقية في مكافحة غسل الأموال ومواءمة التحويلات المالية مع المعايير الدولية.
وخلال اللقاء، دعا العلّاق إلى "فتح مكتب تمثيلي للمصرف في العراق"، مؤكدًا استعداد البنك المركزي لتقديم الدعم الكامل لهذه الخطوة، التي يُتوقع أن تعزز الارتباط المالي بالعالم الخارجي وتفتح أبوابًا جديدة للتعاون في مجالات الاستثمار والتدريب والدعم الفني.
في اليوم ذاته، التقى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وفداً من المصرف الأميركي، وأبدى ترحيبه بفتح فروع له داخل العراق، مشدداً على ضرورة استمرار دعم "جي بي مورغان" للبنك المركزي والمصرف الصناعي، على غرار دعمه السابق للمصرف العراقي للتجارة.
وسبق ذلك أن تولى "جي بي مورغان" في شباط 2023 إدارة التحويلات المالية بين العراق والصين عبر منصة "سويفت"، لتسهيل تمويل استيرادات القطاع الخاص، ما يعكس دور المصرف المتزايد في ربط الاقتصاد العراقي بالأنظمة المالية الدولية، ويعزز من حضوره في مفاصل القرار المالي داخل البلاد.
تمويل مشاريع الكهرباء
وتزايد نفوذ "جي بي مورغان" في العراق بشكل ملحوظ خلال عام 2023، ليصبح شريكاً أساسياً في تمويل المشاريع وتسهيل التحويلات الخارجية، ففي تشرين الثاني، وقعت وزارة المالية اتفاقية قرض بقيمة 257 مليون دولار مع المصرف الأمريكي لتمويل صيانة محطات الكهرباء، بالشراكة مع شركة "جنرال إلكتريك"، وبضمان من بنك الاستيراد والتصدير الأمريكي.
كما كشف مصدر حكومي عن اتفاق مع واشنطن لتعزيز أرصدة عشرة مصارف عراقية بالدولار، خمسة منها عبر "جي بي مورغان".
المصرف الأمريكي بات أيضاً مسؤولاً عن تسهيل المدفوعات إلى الصين، بعد اتفاق مع البنك المركزي لتسهيل تمويل استيرادات القطاع الخاص، حيث يؤدي دوراً محورياً في إدارة السيولة والاحتياطات العراقية، إضافة لتقديم دعم فني للبنك المركزي.
تُقدّر قيمة التبادل التجاري بين العراق والصين بـ53 مليار دولار سنوياً، وهو ما يفسر اندماج العراق المتزايد مع النظام المالي الأميركي عبر بوابة "جي بي مورغان".