وصاية الفيدرالي الأمريكي تخلق فجوة بين البنك المركزي العراقي والشارع
انفوبلس..
بعد تخلصهم من قبضة البعث الإجرامية في 9/4/2003، ظن العراقيون إنهم وصلوا إلى أبواب الحرية، وإن المستقبل الذي ينتظرهم سيحتوي على ما يكفي من الاستقلالية والديموقراطية، وإن حقبة مصادرة الحقوق من قبل السلطة الديكتاتورية ستصبح من الماضي بناءً على وعود أممية وعناوين برّاقة تؤكد أن العراق سيدير شؤونه بنفسه ويحدد مصيره ومسقبله بسواعد أبنائه.
وما هي إلا 43 يوماً، وتحديداً بتاريخ 22/5/2003 حتى أصدر مجلس الأمن الدولي قراره المرقم (1483)، حيث أفاق العراقيون على صدمة نقلتهم من ديكتاتورية مصغرة بقيادة صدام حسين إلى ديكتاورية أكبر بقيادة البنك الفيدرالي الأمريكي يتحكم وفقها بثروات العراق بطرق مباشرة وغير مباشرة.
قرار مجلس الأمن نص على فتح حساب بالبنك الفيدرالي في نيويورك للعراق باسم صندوق التنمية العراقي DFI، والذي تغير فيما بعد إلى حسابين حساب العراق (1) وحساب العراق (2) الأول يستخدم لوضع الفائض الدولاري ويسمى الاحتياطي الذي تجاوز الآن حاجز 100 مليار دولار.
وتكمن المشكلة في حساب العراق (2) الذي يُستخدم لتمويل نافذة بيع العملة التي تسمى مجازا "مزاد العملة" وتمويل المشتريات الحكومية، حيث كان هذا الحساب في السابق يتم تحويل المبالغ منه بموافقة موقّعة من قبل رئيس الوزراء ووزير المالية، أما الآن فالأمر بات بيد البنك الفدرالي الأمريكي.
الفيدرالي الأمريكي وراء ارتفاع سعر صرف الدولار..
ونتيجة القيود الجديدة على الحوالات الخارجية المفروضة من الخزانة والفيدرالي الامريكي حدثت فجوة بين (العرض والطلب) للدولار في السوق المحلية، حيث لا توجد مشكلة في مسألة احتياطي البنك المركزي بل إنها تسجل زيادة يومية بسبب ارتفاع أسعار النفط العالمية حتى وصل الاحتياطي الى (100) مليار دولار نهاية عام 2022.
الفيدرالي الأميركي وضع شروطاً مشددة في الآونة الأخيرة، تُلزم العراق بعرض قوائم بالدولار المُباع، تتضمن أسماء الأشخاص والجهات المستفيدة، ويتم الانتظار 15 يوماً لبيان موقف البنك الفيدرالي من سلامة عملية الشراء للطرف مقدِّم الطلب، وأن عملية البيع ستتوقف في حال اعترض البنك الفيدرالي على اسم معيّن كونه مطلوباً أو يوجد تشابه أسماء أو وجد شبهة بالهدف من شراء الدولار.
بالإضافة إلى أنه بصدد إضافة ثلاث جهات رقابية على عمليات بيع الدولار للتدقيق في وجهته بعد البيع، لمنع وصوله لجهات محظورة من قبله. وبسبب هذه الشروط والمحددات لا يستطيع البنك المركزي توفير الدولار لجميع من يطلبونه، كما أن العراق مُجبر على الالتزام بتطبيق هذه المعايير لمنع صدور قرار أمريكي بوقف تدفق الدولار للعراق لأنه سيحدث كارثة.
منصة أوفاك وتحليلات الخبراء..
وبناءً على ما تقدم، اضطر البنك المركزي العراقي على التعامل مع منصة "أوفاك" الأمريكية، وهي شركة أمريكية تعمل في مجال التجارة الخارجية والامتثال لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي منذ عام 1981.
الخبير في الاقتصاد الدكتور جواد البكري ذكر أن "منصة (أوفاك الإلكترونية) التي أنشأها البنك المركزي العراقي هي التي عقّدت عملية بيع الدولار إلى المصارف وتسببت بقلّة عمليات العرض في الأسواق، الأمر الذي تسبب بزيادة الطلب وارتفاع أسعار الصرف".
وأشار إلى أن "البنك المركزي باشر ببناء تلك المنصة بعد الاتفاق مع شركة دولية متخصصة في هذا المجال وعمل من خلالها على ربط المصارف مع البنك المركزي لغرض إحكام وتنظيم عمليات نافذة بيع وشراء العملة الأجنبية وضمان فاعلية الرقابة عليها".
وأضاف البكري أن "المنصة تتطلب تقديم معلومات عن الزبائن طالبي التحويل والجهات المستفيدة والمصارف المرسلة، ولحداثة استخدام هذه المنصة فإن العديد من الأخطاء يجري اكتشافها مما يتطلب من المصرف إعادة تحميلها"، لافتاً إلى أن "تلك الإجراءات تحتاج زمنا إضافيا لقبول الطلب وتمريره عبر النظام المالي العالمي".
وبسبب تلك الإجراءات المعقدة لمنصة أوفاك تفشّت ظاهرة (التحويلات السوداء) وهي للتجّار الذين بدأوا بشراء الدولار من السوق السوداء لغرض جلب البضائع وعدم انتظار الموافقات من المنصة الجديدة التي تأخذ اسبوعين على الأقل، مما تسبب في زيادة الطلب على الدولار مع انخفاض عرضه.
فيما يرى المتخصص في الشأن المالي محمود داغر أن النظام الذي اتبعه البنك المركزي العراقي بضغط من البنك الفيدرالي، كان يجب أن يتم بشكل تدريجي، مشيراً إلى أن النظام الحالي أربك الأسواق، ولن يتراجع المركزي والفيدرالي عن تطبيق هذا النظام.
وقال داغر إن "طريقة التدقيق الجديدة خالفت الإجراءات السابقة التي كان العراق يعمل عليها منذ سنوات، فكان التدقيق يجري في البنك المركزي العراقي وقبله في المصارف، ثم يرسل (السوفت) إلى البنك الفيدرالي ومن ثم يحول المبلغ إلى المصرف المراسل. وبين أن التدقيق حالياً يجري على ثلاث مراحل ومن دون علاقة بينهما، فيجري التدقيق في المصارف العراقية، ومن ثم البنك المركزي، ثم يجري في الفيدرالي، ومن ثم في المصرف المراسل، حيث يذهب المبلغ للمستفيد الأخير.
وأضاف داغر أنه من الأفضل التهيؤ لهذه المرحلة والتدريب عليها بدلاً من الإسراع في تطبيقها، لافتاً إلى أن الذي يجري الآن هو أن المعروض من الدولار قد قل، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار، وهذا قانون اقتصادي معروف.
وأوضح داغر أن البنك المركزي كان يجب عليه أن يتفاهم مع الفيدرالي الأميركي لتكون الإجراءات بطيئة، لا أن تسبب هزة للسوق، والآن الأحداث أصبحت صعبة لأن الفيدرالي لن يتراجع ولا البنك المركزي قادر على التغير، مرجحاً أن يؤدي استمرار الوضع على حاله إلى التأثير على الأسواق، لذا على الحكومة العراقية إيجاد الحلول.