صعود اليمين وفشل ذريع لماكرون.. الرئيس الفرنسي يحل البرلمان قاطعا الطريق على فوز خصومه
انفوبلس/..
بعد تعرض حزبه لهزيمة ثقيلة في انتخابات البرلمان الأوروبي، وصعود اليمين المتطرف في فرنسا، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أنه قرر حل الجمعية الوطنية (البرلمان) ودعا إلى انتخابات تشريعية مبكرة تكون في نهاية شهر حزيران الحالي وتحديداً في اليوم الأخير منه.
*ماذا قال ماكرون؟
وقال ماكرون في خطاب للأمة من قصر الإليزيه الرئاسي: "لقد قررت أن أُعيد لكم خيار مستقبلنا البرلماني من خلال التصويت. ولذلك فإنني أحل الجمعية الوطنية".
واشار ماكرون إلى، أنه سيدعو لانتخابات برلمانية جديدة اعتبارا من 30 يونيو/ حزيران الجاري.
ولفت الرئيس الفرنسي إلى أن نتيجة انتخابات الاتحاد الأوروبي ليست جيدة للحكومة الفرنسية، مشيرا إلى أن "صعود اليمين يمثل خطرا على فرنسا وأوروبا بشكل عام".
*فوز اليمين وفشل ماكرون
وفي انتخابات الاتحاد الأوروبي، فاز اليمين المتطرف الفرنسي بقيادة جوردانبارديلا، الأحد، بالانتخابات الأوروبية في فرنسا بحصوله على نسبة تقارب 32.5 بالمئة من الأصوات، أي ضعف ما حققه حزب الرئيس إيمانويل ماكرون.
وشكل ذلك فشلا ذريعا لغالبية الرئيس الفرنسي، التي كان التجمع الوطني اليميني المتطرف يسبقها في انتخابات عام 2019 بنقطة مئوية واحدة، بحصوله على 23.34 بالمئة، مقابل 22.42 بالمئة للغالبية الرئاسية.
*رد فوري
وفي رد فعل فوري، أعلنت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن: "نحن على استعداد لممارسة السلطة إذا منحنا الفرنسيون ثقتهم".
وخسرت لوبن في مواجهتها مع ماكرون مرتين في الانتخابات الرئاسية لعامي 2017 و2022،وتهدف إلى الوصول إلى الرئاسة في الاستحقاق المقرر عام 2027.
وستكون أعلى نسبة تمثيل في البرلمان الأوروبي الذي يضم 27 دولة، هذا العام، من نصيب ألمانيا بـ96 مقعداً، تليها فرنسا بـ81 مقعداً، ثم إيطاليا بـ76 مقعداً، وإسبانيا بـ61، وبولندا بـ53 مقعداً، ثم رومانيا 33، وهولندا 31، ثم بلجيكا 22، واليونان 21، والتشيك 21، وصولاً إلى ستة مقاعد لأصغر الدول، وهي مالطا وقبرص ولوكسمبورغ. ويضم الاتحاد الأوروبي أيضاً: السويد،والبرتغال، والدنمارك، والمجر، والنمسا، وبلغاريا، وفنلندا، وسلوفاكيا، وإستونيا،وكرواتيا، وليتوانيا، وأيرلندا، وسلوفينيا، ولاتفيا.
وستترك نتائج الانتخابات الأوروبية بصمات واضحة على الخريطة السياسية في فرنسا، وأيضاً على السنوات الثلاث الباقية من ولاية ماكرون قبل الانتخابات الرئاسية في عام 2027، رغم أن ماكرون كان قد كرر في وقت سابق في تصريحاته التي تقلل من قيمة نتائج هذه الانتخابات عبر التأكيد أن هذا الاستحقاق أوروبي وأن تداعياته أوروبية بحتة.
*ماذا بعد الحل؟
غداة إعلانه حل الجمعية الوطنية مساء الأحد، جدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الاثنين، ثقته "بقدرة الفرنسيين" على "القيام بالخيار الأنسب" خلال الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة بعد ثلاثة أسابيع، فيما أعلن رئيس التجمع الوطني جوردان بارديلا عن ترشحه عن حزبه اليميني المتطرف لمنصب رئيس الوزراء في فرنسا، على ما أعلن نائبه سيباستيان شونو.
وفي منشور له على منصة X قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "أنا أثق بقدرة الشعب الفرنسي على القيام بالخيار الأنسب له وللأجيال المقبلة، طموحي الوحيد هو أن أكون مفيدا لبلادنا التي أحب".
وغداة دعوة الرئيس إيمانويل ماكرون لانتخابات تشريعية مبكرة، إثر فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية في فرنسا، أعلن شونو ترشيح بارديلا لرئاسةالوزراء في الانتخابات التشريعية المقبلة بعد انتخابه نائباً أوروبياً، وأوضح قائلاً في مقابلة إذاعية أن التجمع الوطني لن يتحالف في إطار الانتخابات المبكرة مع أي أحزاب أخرى لكنه سيقترح منصة انتخابية "ستكون موجهة للجميع من خارج الأحزاب السياسية".
*الانتخابات الأوروبية في الحياة السياسية الأوروبية
لا تكتسب الانتخابات الأوروبية، عادة، اهتماما كبيرا في الحياة السياسيةالفرنسية، وكانت تعاني من نسبة تغيب كبيرة، نظرا لأن دور البرلمان الأوروبي في إدارة الاتحاد يظل محدودا، ولأن ما يحدث في بروكسل يظل أمرا غامضا بالنسبة لرجل الشارع الفرنسي، الذي يستخدم هذه الانتخابات عادة لتوجيه رسائل إلى رئيس الجمهورية والأغلبية الحاكمة.
انتخابات 2024 الأوروبية هي الانتخابات الأوروبية الثالثة التي يحتل فيها اليمين المتطرف المركز الأول، مما كان يعتبر دوما رسائل احتجاج وغضب من الناخبين، ولكن الفارق هذه المرة هو أنها تأتي في سياق موجة صعود لليمين المتطرف على المستوى الأوروبي، كما أن الأرقام التي حققها "التجمع الوطني" غير مسبوقة.
يعاني ماكرون، بالفعل، من هزيمة أولى مُني بها حزبه في الانتخابات التشريعية عام 2022، إذ لم يتمكن من الحصول على الأغلبية المطلقة في البرلمان، مما جعل من عملية إقرار ميزانية الدولة أو أي قوانين جديدة عملية شاقة، تدفع الأغلبية الحاكمة للجوء إلى بند دستوري يسمح لها بتمرير القرارات دون نقاشها في البرلمان، ولكنها تسمح للمعارضة بطلب التصويت على الثقة في الحكومة، وهي طريقة لا يمكن الاستمرار في استخدامها طوال الوقت.
نتيجة الانتخابات الأوروبية كانت ضربة جديدة، أدت إلى إضعاف موقع الرئيس كثيرا، وكان من المستحيل أن يستمر خلال السنوات الثلاث الباقية من ولايته فيظل هذا التوازن السياسي الذي يحتل فيه موقعا ضعيفا.
الخيار الجذري، كان اللجوء إلى نص دستوري يسمح للرئيس بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة، على أمل إعادة توزيع الأوراق بين القوى السياسية الفرنسية.
*رهانات ماكرون الخطرة
يرى الكثير من المراقبين أن الرئيس الفرنسي يراهن على أن تصويت الفرنسيين لصالح اليمين المتطرف كان مجرد رسالة وليس تصويتا حقيقيا، وأنه بالدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة، وهي انتخابات هامة بالنسبة للناخبين، وماكرون يأمل بالتالي، بأن يكون بذلك قد أعطى صدمة كهربائية للفرنسيين، عندما يرون أن اليمين المتطرف على أبواب السلطة بالفعل.
والاحتمال الأول، وإن كان الأضعف، هو أن يتغير توجه الرأي العام بالفعل،ويتراجع الكثيرون عن التصويت لحزب مارين لوبن، بحيث تعود الساحةالسياسية إلى توازنها التقليدي، سواء بمنح تيار ماكرون الأغلبية التي يريدها،أو خلق الظروف لإقامة ائتلاف بعيدا عن اليمين المتطرف، يسمح بالاستمرار فيحكم البلاد.
أما الاحتمال الثاني، فيتعلق بانتصار اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية، دون الحصول على الأغلبية المطلقة، مما يضع حزب "التجمع الوطني" في ذات المأزق الذي يعيشه حزب ماكرون.
وحتى في حال حصول اليمين المتطرف على الأغلبية البرلمانية المطلقة، فإن النظام الحاكم سيدخل في المرحلة المعروفة باسم "التعايش" بين رئيس جمهورية وحكومة لا تنتمي لتياره السياسي، وهي التجربة التي عاشهاالرئيسان الأسبقان فرانسوا ميتران وجاك شيراك، وفي كلتا الحالتين انتهت تجربة "التعايش" لصالح التيار السياسي الذي يدعم الرئيس.
ماكرون، الذي لا يستطيع ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، يمكن أن يحقق بذلك أغلى أمانيه، وهي ألا يكون الرئيس الذي سلّم قصر الرئاسة لمارين لوبن.