في مثل هذا اليوم قبل أكثر من 4 عقود.. شابور بختيار يستقيل والثورة تنتصر.. كيف خطط رئيس وزراء الشاه لانقلاب مع الجنرال الأميركي هايزر؟ وكيف أفشله الإيرانيون؟
انفوبلس/ تقارير
في مثل هذه الأيام بالضبط، قبل أكثر من أربعة عقود، كان نظام الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي يعيش أيامه الأخيرة حيث وصلت التظاهرات ضده أوجها حتى غادر البلاد تاركاً الحكم لـ "مجلس المُلك" ورئيس وزراء جيءَ به من صفوف المعارضة، هو شابور بختيار الذي خطط مع الجنرال الأمريكي هايزر لانقلاب عسكري، لكن الشعب الإيراني أفشل تحرك القطعات العسكرية ثم سرعان ما استقالت حكومته وغادر إيران.
*مرحلة حكم الشاه
في عام 1941 تسلَّم الشاه محمد رضا بهلوي الحكم في إيران، وخلال مدة حكمه التي دامت حتى عام 1979 أي ما يقارب 38 عاماً، حَكَمَ الشاه باستبدادٍ مُطلق، سلاحُهُ الحديد والنار، حيث تسلَّط على العباد والبلاد وساد القمع والاضطهاد والفساد، وأصبح الشاه أُلعوبة وأداةً بيد واشنطن لتنفيذ مخططات وأوامر الرؤساء الأمريكيين في إيران، وقام نظامه في السماح بتغلغل الثقافة الغربية بشدة لتخريب وتدمير القيم والمبادئ السامية التي تربَّى عليها أبناء الشعب الإيراني، وكانت الإدارة الأمريكية هي المسيطرة على الجيش الإيراني بعهده وعلى قراره عبر بيعه مختلف أنواع الأسلحة وإنشاء قواعد أمريكية على الأراضي الإيرانية للتدخل في شؤون البلاد الداخلية.
بعد ذلك، ونتيجة سخط الشعب على حُكمه، توصَّل الشاه إلى قناعة مفادها عدم إمكانية قيادة البلاد بقوة الحديد والنار والقمع البوليسي, وقبل أن يغادر البلاد بتاريخ 16/1/1979 كلَّف شابور بختيار بتشكيل الحكومة، إلا أن الإمام رفض حكومة بختيار والتعامل معها لأنها حكومة غير شرعية تم تعيينها من قبل شخص ليس له صفة قانونية.
*استقالة بختيار وانهيار عهد الشاه
باستقالة رئيس الوزراء شابور بختيار، وإعلان الجيش حياده، انهار عهد الشاه تماماً، وصار في إيران مركزان للحُكم: حكومة ديمقراطية إصلاحية برئاسة مهدي بازركان، تدير المؤسسات البيروقراطية والخدمية وترسل تطمينات للطبقات المدنية وكبار المُلاك والتجار الإيرانيين والمجتمع الدولي. و"مجلس ثوري" بزعامة الإمام الخميني (قدس سره) ورجال الدين المحيطين به، يمتلكون السلطة الحقيقية.
*علاقة بختيار بالجنرال الأميركي هايزر
كان الجنرال الأميركي هوايزر، حينما جاء إلى طهران لكي يخمد ثورة شعب إيران، يظن أن بإمكانه أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء من جديد، ويفعل مع الإمام الخميني مثلما فعل كيرمت روزفلت مع مصدّق. ولكن كان من سوء حظ أميركا الآن أن الظروف تغيّرت، فلا الشعب أصبح ينقاد بسهولة إلى الدعاية الممولة من الخارج، ولا قيادته الجديدة مستعدة للمساومة أو التنازل. وسرعان ما تبيّن للجنرال روبرت هايزر أن الرهان على نجاح شابور بختيار في امتصاص الثورة الشعبية، هو رهان فاشل تماماً. وبرغم أن رجل أميركا الجديد في إيران حاول أن ينجز في أيامه القليلة في الحكم مجموعة من المطالب الشعبية، مثل: الإفراج عن السجناء السياسيين، وحل جهاز «السافاك»، وإبعاد الشاه من البلاد، وتأميم أموال أسرة بهلوي، ورفع الرقابة عن الصحف، والابتعاد عن سياسة التحالف مع «إسرائيل»، والوعد بإجراء انتخابات مجلس تأسيسي تشارك فيها كل المكونات السياسية في إيران، من أجل إعادة صياغة الدستور، واختيار نظام جديد للبلاد ينظر في مصير الملكية... فإن كل تلك الوعود البرّاقة لم تُجدِ نفعاً. ذلك لأنّ الخميني كان حاسماً في عدم قبوله بالحلول الترقيعية. ولقد أيّده الشعب، فانتهى شابور بختيار بسرعة مثل ورقة محروقة.
*انقلاب فاشل
لم يعد أمام الجنرال الأميركي حينئذ سوى التعويل على مؤسسة الجيش للقيام بانقلاب يقمع الثورة بالحديد والنار. وحينما بدأت التجهيزات تُدبَّر في الأيام الأولى من شباط 1979 للإعداد لتسلم العسكر السلطة في طهران بقيادة الجنرال إفشار أميني (مدير مكتب الشاه)، أصدر الإمام الخميني تعليماته للجنود الإيرانيين بأن يعصوا أوامر قادتهم، ويلتحقوا بإخوانهم المدنيين. وهكذا حصل أول تمرد عسكري، في مدينة مشهد، حينما انشقت كتيبة كاملة مؤلفة من 500 ضابط وجندي، والتحقوا مع كامل عتادهم بصفوف الجماهير، ثم تمردت أكبر قاعدة جوية عسكرية قرب طهران، ووفّر جنودها للإمام الخميني طائرة هيلوكوبتر ليتنقل بها، مخالفين بذلك أوامر رؤسائهم. وبعد ذلك كرّت السبحة، وأخذ الجنود يلتحقون بالمئات، ثم بالآلاف، ثم بعشرات الآلاف، بحشود الجماهير. وفي نهاية المطاف، وفي يوم 3 شباط 1979، كتب الجنرال روبرت هايزر برقية عاجلة إلى مستشار الأمن القومي الأميركي زبغينيو بريجنسكي، يُعلِمُهُ فيها أنّ إيران سقطت تماماً من قبضة واشنطن، وأن الجيش الإيراني صار مجموعة متنافرة من الجنرالات الذين لا يتحكمون في حركة جنودهم. وبأنّ اللعبة انتهت، والصفحة الأميركية طُويت، وأنّ أفضل ما يصنعه الآن هو أن يختفي، بأسرع ما يمكن، من طهران.
*"لقد ألقوا بالإمبراطور مثل فأر ميت"
وحينما انتصرت الثورة الإيرانية، وأُلقي القبض على كثير من جنرالات الشاه المخلوع، سأل آية الله صادق خلخالي، قاضي المحكمة الثورية، الجنرال أمير حسين ربيعي قائد سلاح الجو الإيراني السابق، عن الدور الذي قام به الجنرال الأميركي هايزر، في الأيام الأخيرة من أجل مساعدة الشاه. فأجاب ربيعي متهكماً: «نعم، ساعده الأميركيون حقاً!». ثم أضاف ربيعي قائلاً: «ولقد ألقى الجنرال هايزر بالإمبراطور خارج البلاد، مثل فأر ميت».
*انتصار الثورة الإسلامية
مع إشراقة شمس الأول من شباط/ فبراير 1979 كان العالم على موعد مع بزوغ فجر المستضعفين في العالم، فقد كانت طائرة الـ AirFrance تستعد لنقل راكب مميز على متن رحلتها المتوجهة إلى طهران.. وبعد تأجيل انطلقت على اسم الله معلنةً صرخة الله اكبر مدويةً رغم التهديد باستهدافها. عاد الإمام الخميني (قدس سره) إلى أرض الوطن بعد 14 عامًا من النفي والإبعاد بين تركيا والكويت والعراق، فباريس محطته الأخيرة. شهدت إيران الإسلام أعظم استقبال في التاريخ. كان التواجد المليوني الذي شكّل طوابير المستقبلين الممتدة من مطار طهران إلى جنّة الزهراء يعبّر عن مدى حبّ الجماهير وتعلُّقهم المنقطع النظير بقائدهم.
نزل الإمام من الطائرة يتهادى فاهتزّت قاعة الوصول بهتاف "الله أكبر" لدى دخول الإمام إليها، وعلا صوتُ المستقبلين بنشيد "خميني يا إمام".
من المطار كانت أولى محطات الالتحام بالشعب فشكر سماحة الإمام الخميني شعبه قائلاً: "أشكر مشاعر الشعب بمختلف طبقاته، إنّ مشاعر الشعب الإيراني تُثقل عاتقي ولا أستطيع أن أُجازيه". معاهداً أنّ طرد الشاه كان الخطوة الأولى في الانتصار، وحثّ الجميع على وحدة الكلمة والمضي في المواجهة حتى الاجتثاث الكامل لجذور الفساد، ثمّ غادر المكان متّجهاً نحو جنّة الزهراء لتجديد العهد.