مئوية معاهدة "لوزان" وهواجس التمدد التركي.. إليك الجدل المستمر بشأن العراق وسوريا وقبرص
انفوبلس/ تقارير
بعد مرور 100 عام على توقيع معاهدة "لوزان" التي شكلت حدود الدولة التركية الحديثة، لايزال الأكراد يعلنون رفضهم لتلك الاتفاقية التي يصفونها بـ"المجحفة"، بينما تواصل تركيا التطلع إلى العراق وسوريا وقبرص. انفوبلس سلطت الضوء على مئوية هذه المعاهدة وستفصّل مطامع الأتراك فيها ومخططاتهم فضلا عن سبب رفضها من قبل الكرد والجدل القائم إلى الآن.
*ما هي معاهدة "لوزان"؟
عقب نهاية الحرب العالمية الأولى، فكّكت معاهدة "سيفر" الموقَّعة في 10 أغسطس 1920، السلطنة العثمانية، مما كان يمهد الطريق لإنشاء دولة كردية.
ولكن، في نوفمبر 1922، انعقد مؤتمر "لوزان" لإعادة التفاوض على معاهدة "سيفر"، المبرمة بين الحلفاء والإمبراطورية العثمانية، ورفضها الزعيم الاستقلالي التركي، مصطفى كمال أتاتورك، الذي أصبح لاحقا مؤسس تركيا الحديثة.
وتولت الدبلوماسية البريطانية تنسيق المؤتمر الذي ضم خصوصا بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وتركيا.
وفي 24 يوليو 1923 تم توقيع معاهدة "لوزان" بين تركيا وقوى متحالفة، بينها بريطانيا وفرنسا.
والمعاهدة بحسب المركز الثقافي الكردستاني "أقرّت توزيع الشعب الكردي على أربع دول هي تركيا والعراق وإيران وسوريا".
وتخلّت القوى الكبرى عن الأكراد "لدولة تركية قومية وعنصرية، مما أدى إلى قرن من المجازر وعمليات التهجير القسري وسياسات القمع والاستيعاب"، بحسب المركز الثقافي الكردستاني.
ومن بين التداعيات التي نجمت من المعاهدة تبادل قسري للسكان بين تركيا واليونان، شمل أكثر من 1.5 مليون من اليونانيين والأتراك.
وتم إلحاق شرق الأناضول بتركيا الحالية في مقابل تخلي الأتراك عن المطالبة بمساحات في سوريا والعراق كانت ضمن أراضي الإمبراطورية العثمانية.
ومنذ ذلك الحين، يُنظر إلى الأكراد المطالبين بإقامة كردستان موحدة على أنهم تهديد للسلامة الإقليمية للدول التي استقروا فيها، تبعاً لتقلبات الأحداث الدولية، وإن نُظر إليهم في بعض الأحيان على أنهم حلفاء مؤقتون لقوى معينة.
*لماذا يرفض الأكراد المعاهدة؟
الأكراد شعب من دون دولة، يتراوح عدد أفراده بين 25 و35 مليون شخص منتشرين بين العراق وإيران وسوريا وتركيا.
ويعيش الأكراد في مناطق تمتد على نحو نصف مليون كيلومتر مربعة، ومعظمهم من الطائفة السُنية، إضافة إلى أقليات غير مسلمة ومجموعات سياسية معظمها علمانية.
ويرجع الخبير في الشؤون الكردية التركية، خورشيد دلي، السبب الأساسي لرفض الأكراد الاتفاقية إلى "اعتقادهم بأنها أطاحت بحلمهم القومي في إقامة دولة مستقلة في المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى".
ويوضح دلي، أن التظاهرة الضخمة التي شهدتها لوزان في الذكرى المئوية لهذه الاتفاقية كانت رسالة في اتجاهين.
الرسالة الأولى إلى الدول الغربية، لاسيما الأوروبية، بضرورة تحمل مسؤولياتها إزاء القضية الكردية وأنه حان الوقت لتحرك دولي من أجل إيجاد حل سياسي للقضية، حسبما يشير دلي.
أما الرسالة الثانية فهي تتعلق بتحذير المجتمع الدولي من السياسات التركية ضد الأكراد، وفقا لحديثه.
*تهجير ملايين الأكراد
من جانبه، يرى مدير المركز الكردي للدراسات في ألمانيا، نواف خليل، أن محصلة ١٠٠ عام بعد معاهدة لوزان شملت "تهجير ملايين الأكراد وتدمير قراهم، ومحاولة محو الهوية الكردية بشكل كامل".
ويتابع خليل، "لاتزال تداعيات تلك الاتفاقية مستمرة، ليس فقط داخل تركيا، لكن خارج الحدود التركية الرسمية، لكنها لم تستطع "إنهاء المقاومة الكردية".
*تداعيات جغرافية وتاريخية
تشير الناشطة الكردية، لامار اركندي، إلى تداعيات جغرافية وتاريخية وإنسانية مستمرة حتى يومنا هذا للاتفاقية التي تم توقيعها قبل قرن.
وتصف اركندي الاتفاقية بـ"المجحفة بحق الأكراد"، من حيث "ترسيم الحدود"، والتسبب في تشتيت الكرد بين دول عدة.
ومارست بعض تلك الدول "انتهاكات" بحق الملايين من الأكراد، منذ ذلك الحين، وفقا لحديثها.
ولذلك يعتبر الأكراد "معاهدة لوزان" مأساة تاريخية مريرة بعدما حلت محل معاهدة "سيفر"، مما شكل "ضربة قاضية" لتطلعات الكرد بـ"تحديد مصيرهم"، حسبما توضح اركندي.
*مطامع تركيا التوسعية في العراق وسوريا
مع استمرار سلسلة الأحداث الكبيرة في العراق، المرتبطة بغزو الكويت صيف عام 1990، وحرب الخليج الثانية عام 1991، ومن ثم بعد 12 عاماً إطاحة نظام المقبور صدام، ووقوع العراق تحت وطأة الإرادات الدولية والإقليمية المختلفة والمتقاطعة، كانت تركيا تعزز وجودها وحضورها الميداني، الذي وصل إلى حد إنشاء قواعد ومعسكرات ثابتة في عدة مدن عراقية من إقليم كردستان في شمال البلاد، ناهيك بالمقرات والأوكار الاستخباراتية. كل ذلك كان تحت ذريعة ملاحقة عناصر حزب العمال وتعقبهم وحماية الأمن القومي التركي
ومع مرور الوقت، راحت أنقرة تفصح أكثر فأكثر عن مطامعها التوسعية. على سبيل المثال لا الحصر، ادعى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في خطاب له عام 2016 أن الموصل وكركوك العراقيتين وحلب السورية هي مدن تركية في الأصل، ولابد من ضمها إلى الأراضي التركية.
وفي السياق نفسه، ما زالت بعض وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث والأوساط السياسية التركية تروج لخرائط تاريخية قديمة تظهر الموصل وكركوك وحلب وبعض الجزر اليونانية في بحر إيجه ضمن حدود الدولة التركية، إلى جانب دعوات أطلقها أردوغان بضرورة تعديل معاهدة لوزان، بما يفضي إلى استعادة بلاده حقوقها المسلوبة في الماضي.
*مشاريع ومخططات خبيثة
من جانبه، دعا البروفيسور العراقي تيسير الآلوسي إلى التنبّه لمصادر قوة المشاريع التركية الخبيثة وهي:
ـ تسويق انتهاء معاهدة لوزان 1923 ببعض فقراتها التي تخدم المشروع السلطاني للعثمنة.
ـ التحضير للجرائم التوسعية بوساطة لا عشرات، بل مئات المراكز والنقاط والقواعد العسكرية، مثلما نراه في العراق وسوريا وليبيا.
ـ التمدد باتجاه آسيا وأفريقيا وحتى أوروبا، وإن كان بصيغ متخفية بما يحمل الوهم أو الحلم المرضي.
ـ إثارة المشكلات الكارثية لتكريس هشاشة دول الشرق الأوسط ولاختلاق التناحرات والانشغالات بقضايا تُبعد النظر عما تستهدفه تركيا الأردوغانية.
ـ البحث عن قوى مؤدلجة تخدم مشروع العثمنة وهي قوى إخوانية، وسط شعب المنطقة تتفق وعبث اجترار التاريخ ونماذجه ما قبل الدولة الحديثة.
ـ بالمحصلة تمزيق دول المنطقة ووضعها بتناقضات بين الدولة الوطنية لمخلفات سايكس بيكو، وبين التناحر الداخلي وأوهام التبعية لأطراف إقليمية أو دولية للشوشرة على أي استقرار.
ـ اختلاق التناحرات وسط الأمتين العربية والكردية، واحتراب شعوبهما بالمستويين الإقليمي والمحلي المخصوص بالهوية القومية لكل منهما.
ـ إخراج مشروعات العثمنة وجوهر الأخونة بالأيديولوجيا السياسية من أدراج التاريخين القديم والحديث لفرض الأمر الواقع.