مدنيون عَرَّاهم الاحتلال بالقوة.. مراكز مختصة تدحض رواية "استسلام" مقاتلي القسام.. هذه قصة الرجل الستيني وهذه كواليس المسرحية بالكامل
انفوبلس/ تقارير
لم تكن مشاهد تعرية المدنيين الفلسطينيين في غزة بعد اعتقالهم من قبل جيش الاحتلال غريبة، فهو عُرْفٌ قديم مستمر يمارسه الاحتلال مع الفلسطينيين المعتقلين، لكن الجديد في ذلك هو توثيق ونشر هذا السلوك الإسرائيلي المخالف لكل الأعراف القانونية والإنسانية. والغريب هذه المرة هو فبركة تلك الصور والادعاءات بأنها لمقاتلين من كتائب القسام استسلموا لجيش الاحتلال. لكن مراكز مختصة سرعان ما أثبتت أكذوبة تلك الادعاءات وأكدت أن ما نُشر هي مشاهد لمدنيين عزّل تم إجبارهم على جلسات تصوير وبينهم امرأة. في حين وصفها الإعلام الصهيوني بالفبركة للتغطية على هزيمة قواتهم في غزة.
*القصة
أول أمس السبت، نشرت حسابات وصفحات إسرائيلية على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصوراً قالوا إنها تُظهر مقاتلين من حماس وهم يسلّمون أنفسهم وأسلحتهم لقوات الجيش الإسرائيلي المتوغلة داخل قطاع غزة.
وقد نشرت القناة 12 الإسرائيلية مقطع فيديو يظهر رجلا فلسطينيا بعمر الـ50 تقريباً يحمل بيده اليسرى سلاحاً خفيفاً ويستسلم لجيش الاحتلال، ويضع سلاحه على الأرض دون أن ينظر يمينا أو شمالا ويعود إلى مكان اعتقاله.
أما صحيفة يديعوت أحرونوت فقد نشرت الفيديو لذات الرجل والذي أطلقوا عليه اسم "أبو إبراهيم" وهو يحمل نفس السلاح ولكن بيده اليمنى ويتوجه للاستسلام على حد زعمهم، وعندما يصل لنفس مكان تسليم السلاح ينظر إلى الجنود ويتحدث معهم.
*حماس ترد: مسرحية مفضوحة ومكشوفة
وعقب الحادثة، نفت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) صحة مشاهد زعمت إسرائيل أنها لاستسلام عناصر من مقاتلي كتائب القسام، الجناح العسكري للحركة، ووصفتها بـ"المسرحية المكشوفة والسخيفة"، مؤكدةً أن مَن ظهروا في الفيديو ليسوا سوى مدنيين عزّل.
وقال عضو المكتب السياسي للحركة عزت الرشق في بيان، إن "أبطال القسام لا يستسلمون، وأكاذيب الاحتلال لا تنطلي على أحد".
وأضاف الرشق، إن "عرض الاحتلال الصهيوني الإرهابي لصور ومشاهد لمواطنين مدنيين عُزّل في غزة، بعد احتجازهم ووضعه أسلحة بجانبهم، ما هو إلا فصل من فصول مسرحية مكشوفة وسخيفة، دأب الاحتلال على فبركتها من أجل صناعة نصر مزعوم على رجال المقاومة".
*مركز مختص يثبت أكذوبة استسلام القسام
من جانبه، تحقق موقع "مسبار" الخاص بمكافحة الإشاعات والأخبار الكاذبة، من الرواية الإسرائيلية المتداولة، وأكد في تحقيق نشره أمس الأحد (10 ديسمبر الجاري) أنها مضلّلة.
وأوضح المركز، أنه بعد مراجعة المشاهد، عُثر على عدد من العوامل التي تدل على أن من يظهرون في المشاهد هم من المدنيين الذين كانوا في مدرسة خليفة في بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، وليسوا عناصر من حماس سلّموا أنفسهم.
وأكد "مسبار"، أن المشاهد جرى تصويرها بعدما أجبرهم الجيش الإسرائيلي على التعرّي وتصويرهم بهذا الشكل.
واستشهد "مسبار" بتكرار مشاهد أظهرت خروج مواطن فلسطيني من بين الصفوف وهو يحمل بندقية كلاشنكوف في يده، والذي أظهر في شكل واضح أن القوات الإسرائيلية أجبرته على التقدم مرتين وهو يرفع البندقية في الهواء باتجاههم كأنه مقاتل يستسلم.
وظهر الرجل في مقطع فيديو وهو يتقدم لتسليم سلاحه يرفعه في يده اليسرى، وفي مشهد آخر مختلف ظهر الرجل نفسه وهو يتقدم لتسليم سلاحه وكان يحمله في يده اليمنى.
بعد دقائق من عرض المشاهد وانتشارها، تعرف بعض سكان غزة على مواقع التواصل الاجتماعي على الرجل الذي ظهر وهو يحمل البندقية الكلاشنكوف، وهو مواطن مدني اسمه معين قشطة المصري، وصاحب ورشة ألمنيوم من بلدة بيت لاهيا.
*معلقون إسرائيليون يكذّبون الجيش: صور "استسلام" مقاتلي حماس مفبركة
بدورهم، اتهمَ باحثون وصحافيون إسرائيليون، الناطق باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري بتضليل الرأي العام والكذب عليه، عبر فبركة صور وفيديوهات للتدليل على استسلام عناصر من وحدة "النخبة"، الوحدة المختارة في "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس.
وفي سلسلة تغريدات كتبها أمس الأحد على حسابه في منصة إكس، قال أوري غولدبرغ، الباحث في "مركز هرتسليا متعدد الاتجاهات"، إنّ "الأشخاص الذين عرض هاغاري صورهم وهم يلقون السلاح وهم عُراة، هم فلسطينيون لجأوا إلى مراكز إيواء" هرباً من قصف جيش الاحتلال".
وبحسب غولدبرغ، فإنّ إصرار إسرائيل على سياساتها الحالية تجاه قطاع غزة يعني أن "تتواصل الحرب 18 عاماً، تماماً كما حدث في حرب لبنان الأولى"، مشيراً إلى أنّ جيش الاحتلال يواصل الحرب من دون تحديد أهداف لتحقيقها.
وحول صورة الرجل الستيني الذين ظهر في الصورة، التي عرضها الناطق باسم جيش الاحتلال بوصفه عنصراً، تساءل الصحافي إسلان كليل على حسابه في منصة إكس: "هل يُعقل أن يكون هذا الرجل الذي تجاوز الستين عاماً مقاتلاً في النخبة؟".
أما الصحافي شاي ليفي فعلّق على صورة الرجل الستيني: "يمكنكم اعتبار هذا مقاتلاً في النخبة إن كنتُ أنا ضفدعاً".
*سلوك استعراضي
من ناحيته، تطرّق الكاتب يوآف غروفايس إلى مظاهر "السلوك الاستعراضي" التي يقدم عليها جيش الاحتلال في قطاع غزة، من أجل رفع معنويات الجمهور، مثل رفع العلم الإسرائيلي وإشعال الشمعدان اليهودي في قلب مدينة غزة، وعرضها على أنها شكل من أشكال مرض "الذهان" الذي أصاب المجتمع الإسرائيلي بعد عملية "طوفان الأقصى".
وكتب غروفايس على حسابه في منصة إكس: "هذا عرض وثني لغريزة التبول في منطقة ما لتمييزها"، على حد تعبيره.
*تغطية لهزائم كبيرة
يؤكد الكاتب والباحث السياسي ياسر عبد العزيز، أن ما قام به جيش الاحتلال الإسرائيلي من "تعرية الفلسطينيين وتصويرهم بهذا الشكل، هي محاولة لتحقيق أي شيء يعتبره بالنسبة له انتصاراً بعد الهزائم الكثيرة جداً التي مُني بها".
وأوضح عبد العزيز، أن جيش الاحتلال وعلى مدار أيام الحرب منذ الـ7 من أكتوبر "لم يحقق أي انتصار، ولجأ إلى هذه الخطوة في محاولة لتصوير أنه منتصر بعد أن تلقى هزائم كبيرة حتى خلال الهدنة وتبادل الأسرى، وحينها تمكنت المقاومة بأدائها الراقي من هزيمته بدون سلاح".
ويشير إلى أن محاولة الاحتلال تصوير مَن اختطفهم باعتبارهم من المسلحين، "محاولة غبية وفضيحة ثانية للاحتلال، خصوصاً بعد تسريب فيديو يؤكد أنهم من قاموا بتسليم الرجل المسن السلاح قبل أن يطلبوا منه تسليمه مدّعين أنه استسلم".