الأردن تضرب عصفورين بحجر واحد.. تناغم الاحتلال بالقبض على المقاومين والداعمين وتحارب الاخوان المسلمين سياسياً.. تعرف على التفاصيل

انفوبلس..
بعنوان كبير وتسليط ضوء إعلامي، أعلن وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، الثلاثاء الماضي، اعتقال 16 شخصا بتهمة التورط في تصنيع صواريخ ومسيّرات بهدف "إثارة الفوضى والتخريب داخل المملكة"، فما حقيقة الأمر؟ وهل تلك الخلايا تخريبية فعلاً، أم أنها خلايا دعم للمقاومة الفلسطينية نشأت في المملكة الهاشمية؟
الموقف الرسمي
والثلاثاء، أعلنت المخابرات الأردنية اعتقال 16 شخصا بتهمة التورط في تصنيع صواريخ ومسيّرات بهدف "إثارة الفوضى والتخريب داخل المملكة"، وكشفت عن مستودعات تحت الأرض في مدينة الزرقاء تتضمن آلات متقدمة لتصنيع الأسلحة والصواريخ.
الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، قال إنه "تم القبض على 16 عنصرا ضالعا بنشاطات غير مشروعة تابعتها المخابرات العامة بشكل دقيق منذ عام 2021".
وأوضح الوزير، إن هذه الأعمال التي تمثلت بـ4 قضايا رئيسة انخرط بها 16 عنصرا ضمن مجموعات كانت تقوم بمهام منفصلة، وشملت هذه القضايا: تصنيع صواريخ قصيرة المدى يصل مداها بين 3- 5 كلم، وحيازة مواد متفجرة وأسلحة أوتوماتيكية، وإخفاء صاروخ مُجهز للاستخدام، ومشروعا لتصنيع طائرات مسيرة، بالإضافة إلى تجنيد وتدريب عناصر داخل المملكة وإخضاعها للتدريب بالخارج.
وقال المومني، إن إحدى الخلايا التي تم ضبطها والمكونة من 3 عناصر كانت تعمل على نقل وتخزين متفجرات شديدة الانفجار من أنواع "تي إن تي" و"سي4″ وسيمتيكس-إتش" وأسلحة أوتوماتيكية تم تهريبها كلها من الخارج، في حين ألقي القبض على عنصر رابع كان يعمل ضمن خط منفصل على إخفاء صاروخ من نوع "كاتيوشا" مجهز بصاعق في إحدى مناطق العاصمة.
وفي القضية الثانية، أكد الوزير إلقاء القبض على خلية تتكون من 3 عناصر رئيسة بدأت بعملية تصنيع الصواريخ بأدوات محلية وأخرى جرى استيرادها من الخارج لغايات "غير مشروعة".
ونوه إلى أن عناصر هذه الخلية قامت بإنشاء مستودعين لغايات التصنيع والتخزين في محافظة الزرقاء والعاصمة عمان، أحدهما كان محصّنا بالخرسانة لتخزين الصواريخ ويحتوي على غرف سرية مقفلة.
وفي القضية الثالثة، أكد الوزير أن 4 عناصر انخرطت في مشروع لتصنيع طائرات مسيرة "درونز"، مستعينة بأطراف خارجية عبر زيارات لدول للحصول على الخبرات اللازمة لتنفيذ مخططها، قبل أن تنجز من مواد أولية مجسما لطائرة مسيرة.
وفي القضية الرابعة المكونة من 5 عناصر ضمن مجموعتين، أشار الوزير إلى أن المخططين الذين تدرب بعضهم في الخارج قاموا بالعمل على تجنيد وترشيح عناصر وإخضاعها لدورات وتدريبات أمنية "غير مشروعة".
بيان المخابرات العامة قال إن دائرة المخابرات العامة أحبطت "مخططات كانت تهدف إلى المساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى والتخريب المادي داخل المملكة".
وقال، إن المخابرات ألقت القبض على 16 عنصرا ضالعا بتلك المخططات التي كانت تتابعها الدائرة بشكل استخباري دقيق منذ عام 2021. "وشملت المخططات قضايا تتمثل في: تصنيع صواريخ بأدوات محلية وأخرى جرى استيرادها من الخارج لغايات غير مشروعة، وحيازة مواد متفجرة وأسلحة نارية وإخفاء صاروخ مُجهز للاستخدام، ومشروع لتصنيع طائرات مسيرة، بالإضافة إلى تجنيد وتدريب عناصر داخل المملكة وإخضاعها للتدريب بالخارج".
وأعلنت دائرة المخابرات العامة أنها أحالت القضايا جميعها إلى محكمة أمن الدولة لإجراء المقتضى القانوني.
التُهم والمتهمون
محكمة أمن الدولة في الأردن أسندت لأحد المتهمين تهمة جناية التدخل بتصنيع أسلحة بقصد استخدامها على وجه غير مشروع، كما أسندت لمتهمين اثنين تهمة تصنيع أسلحة بقصد استخدامها على وجه غير مشروع، وأسندت لـ3 متهمين تهمة جناية القيام بأعمال من شأنها الإخلال بالنظام العام.
وأسندت المحكمة في قضية مشروع تصنيع الطائرات المسيرة لـ4 متهمين جناية القيام بأعمال من شأنها الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، كما أسندت التهمة ذاتها لـ5 متهمين في قضية تجنيد وتدريب عناصر داخل المملكة وإخضاعها للتدريب بالخارج.
أما قضية نقل وتخزين مواد متفجرة وأسلحة أوتوماتيكية تم تهريبها من الخارج وإخفاء صاروخ بإحدى ضواحي عمان، فهي منظورة أمام محكمة أمن الدولة وهي في مرحلة البينات الدفاعية التي يُحاكم فيها 4 متهمين، وفقا لمدعي محكمة أمن الدولة.
والمتهمون في تلك القضايا، بحسب ما صرح النائب النعام لمحكمة أمن الدولة العميد القاضي أحمد طلعت شحالتوغ، هم: عبد الله هشام، ومعاذ الغانم، ومحسن الغانم، وعلي قاسم، وعبد العزيز هارون، وعبد الله الهدار، وأحمد خليفة، وخضر عبد العزيز، وأيمن عجاوي، ومحمد صالح، ومروان الحوامدة، وأنس أبو عواد، ومحمد خليل.
علاقة الإخوان المسلمين
في اعترافات المتهمين التي تم بثها على قناة تلفزيون المملكة الرسمي وحساب وكالة الأنباء الأردنية على منصة إكس، أقر أحد المتهمين بأنه التقى في إحدى الدول العربية عضوا من جماعة الإخوان المسلمين في الأردن وأنه أعطاه مبلغا ماليا وطلب منه العودة به إلى الأردن وتسليمه إلى عضو آخر في المجموعة.
كما أفاد مصدر أمني أن الموقوفين مرتبطون بجماعة الإخوان المسلمين، وتلقوا تدريبا وتمويلا في لبنان وخططوا لشن هجمات على أهداف داخل المملكة باستخدام صواريخ وطائرات مُسيرة.
وفور الكشف عن حيثيات القضية، خرجت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ببيان عبر حزبها جبهة العمل الإسلامي تنفي فيه صلتها بالأشخاص المقبوض عليهم، وقالت إن ما أعلنته الحكومة هي أعمال فردية على خلفية دعم المقاومة الفلسطينية "لا علم لنا بها ولا صلة".
وأكدت الجماعة التزامها "بالخط الوطني وبالنهج السلمي وبعدم الخروج عن وحدة الصف الوطني"، كما أكدت أن "مصالح الأردن العليا فوق كل اعتبار".
دعم المقاومة الفلسطينية
وفقا للإعلان الرسمي للحكومة الأردنية وبيان المخابرات العامة فإنه كان يتم تتبع مخططات المتهمين "بشكل استخباري دقيق" منذ عام 2021، أي قبل أكثر من عامين على أحداث عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
لكن وكالة رويترز للأنباء ذكرت نقلا عن مصدر أمني أن المشتبه بهم ينتمون إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وهو أمر لم يؤكده المتهمون في التسجيلات التي بثت لهم، كما لم تؤكده الحكومة الأردنية حتى الآن.
ووفقا للمحامي عبد القادر الخطيب الموكل عن اثنين من المتهمين -بحسب ما نقلت عنه شبكة سي إن إن بالعربية- فقد التقى موكِّليه في القضية قبل أكثر من أسبوع، وكان تم القبض عليهما قبل نحو 3 أشهر مع متهمين آخرين، وإن أحد المتهمين قال له إن الهدف "هو تهريب السلاح إلى الضفة الغربية وليس المس بالأمن الوطني".
وبحسب الخطيب، فإن أقوال المتهم اشتملت أيضا على الإشارة إلى أن "عناصر من حركة حماس أبلغته بأن الأردن خط أحمر، وأن الهدف هو العدو الصهيوني فقط".
خلافات الدولة والإخوان
وشهدت الفترة الأخيرة توترا غير معهود في العلاقة بين "الإخوان المسلمين" ومراكز الدولة المختلفة -ولا سيما الأمنية منها- على خلفية العدوان الصهيوني على غزة وما تعتبره الجماعة موقفا رسميا غير كافٍ لإسناد القطاع وما تعتبره الدولة استقواء من الجماعة عليها في الشارع.
بَيد أن حزب جبهة العمل الإسلامي أصدر بيانا أدان واستنكر فيه تورط أي مواطن في أعمال تستهدف أمن الوطن واستقراره، وعبر عن "أسفه لما تقوم به بعض الأطراف من حملات تجييش وتحريض ضد الحركة الإسلامية والحزب ومحاولات اتهامها بأعمال فردية تستهدف أمن الوطن على فرض ثبوتها بحق المتهمين".
وقبل الإعلان عن القضية، أفادت الأنباء في الأردن أن السلطات اعتقلت صباح ذلك اليوم الناشط السياسي خالد الجهني، الذي يشغل منصب رئيس حزب "جبهة العمل الإسلامي" في مجلس النواب الأردني. ويربط البعض اعتقال الجهني بهذه القضية.
ويتوقع مراقبون، أن يكون هناك "مسار جديد يبدأ التعامل مع تنظيم جماعة الإخوان المسلمين"، والتوجه نحو" الفصل" بين الجماعة وذراعها السياسية (حزب جبهة العمل الإسلامي)".
وبدأت دعوات من مسؤولين سابقين، بمحاسبة أي حزب أو تنظيم مرتبط "بالجماعة"، وقال وزير الإعلام الأردني السابق سميح المعايطة في منشور له على منصة "إكس"، (تويتر سابقا)، إن "أي تنظيم أو حزب تثبت علاقته بالتنظيم الإرهابي يجب أن يعاقب قانونيا بالحل والتصنيف كتنظيم إرهابي محظور".
الشعب الأردني وفلسطين
وفي الخامس والعشرين من أيار/ مايو 1946 تم الإعلان عن قيام المملكة الأردنية الهاشمية، تطورا من إمارة شرق الأردن التي تأسست في العام 1923، قبل ذلك بعام (1945) تأسس في الأردن فرع لجماعة الإخوان المسلمين، ووافق مجلس الوزراء الأردني في العام 1946 على تأسيس جمعية الإخوان لتصبح كيانا قانونيا منذ ذلك الوقت، بل لتصبح أحد أعمدة المملكة الأردنية حتى الآن رغم بعض التوترات بين الحين والآخر.
التوتر الحالي مع الجماعة على خلفية اكتشاف المخابرات الأردنية خلية لتصنيع الصواريخ والمسيرات دعما للمقاومة الفلسطينية؛ ليس الأول من نوعه، وإن بدا حتى الآن أنه قد يكون الأكبر مع تصاعد التحريض الإعلامي والسياسي من معارضي الإخوان لتوجيه ضربة كبرى للجماعة، وحل حزبها (حزب جبهة العمل الإسلامي) وبالتالي إبطال عضوية نوابه في البرلمان.
مع الاجتياح الصهيوني لقطاع غزة عقب عملية طوفان الأقصى كان الشعب الأردني في طليعة الشعوب الثائرة ضد العدوان، وهذا أمر مفهوم بحكم العلاقة العضوية بين الشعبين الأردني والفلسطيني، وصلت سخونة الشارع الأردني حد حصار السفارة الأمريكية في عمان، بل أكثر من ذلك جرت بعض محاولات لاقتحام الحدود مع الكيان الصهيوني لعل أشهرها قصة الأردني ماهر الجازي، شهيد عملية معبر الكرامة يوم 8 أيلول/ سبتمبر 2024، وقد احتفى الشعب الأردني بهذه العملية التي رآها تعبيرا عن ضميره بمناسبة مرور عام تقريبا على الطوفان، وتلتها عملية حسام أبو غزالة وعامر قواس اللذين اشتبكا في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 مع جنود إسرائيليين في منطقة البحر الميت قرب مستوطنة إيلوت، وأصابا جنديين منهم قبل مقتلهما.
مع غليان الشارع الأردني، وتزايد احتمالات حدوث المزيد من العمليات العسكرية الفردية أو المنظمة عبر حدوده مع الكيان الصهيوني، ارتفعت المخاوف من تسبب هذه العمليات في توريط المملكة في صدام مباشر مع جيش الاحتلال، وتوترت العلاقة مع الإخوان باعتبارهم القوة الأكبر في حشد المظاهرات، وتسخين الشارع الأردني، وجاءت الانتخابات البرلمانية في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي ليحقق الإخوان فيها المفاجأة بحيازتهم للمركز الأول بين القوى السياسية في البرلمان، وهو ما اعتبره البعض ترجمة لتعاطف الشعب الأردني معهم بسبب دعمهم لغزة.
تضخيم حكومي متعمد
وفي هذا المناخ ظهرت قضية خلية الدعم المسلح للمقاومة الفلسطينية (صناعة صواريخ ومسيرات لتهريبها إلى الأرض المحتلة)، وظهر خلل الرواية الأمنية حول الواقعة، فهذه ليست خلية واحدة بل أربع خلايا، كما أن أنشطتها ومتابعتها لم تكن في توقيت واحد بل بدأت من العام 2021. وقد ضغط وزير الاتصال السياسي محمد المومني على هذا التاريخ ليمرر رسالة أن هذا التجهيز للصواريخ كان قبل طوفان الأقصى، أي ليس مرتبطا بدعم المقاومة، ونسي أن الأوضاع في الأرض المحتلة كانت ملتهبة باشتعال معركة سيف القدس في أيار/ مايو من ذلك العام، كما أن إحدى الخلايا المضبوطة ليست جديدة ولكنها تحاكم بالفعل أمام القضاء الأردني منذ فترة، كل ما في الأمر انه تم تجميع 4 حالات ودمجها معا بهدف تضخيم القضية، وإثارة الفزع، والتهيئة لضربة كبرى ضد الجماعة، مع العلم أن 3 متهمين فقط أعلنوا في التحقيقات التي بثتها الحكومة انتماءهم للإخوان من بين 16 متهما في هذه الخلية.
وضمن الادعاءات التي تستهدف إثارة الفزع الداخلي تأكيد الوزير المومني أن مدى الصواريخ التي يجري تصنيعها ما بين 3 و5 كيلومترات، أي أنها ستكون موجهة ضد أهداف داخل المملكة، وليس خارجها، وبغض النظر عن ظهور معلومات بأن مدى الصواريخ محل الاتهام ما بين 7 و12 كيلومترا حسبما نشر نشطاء أردنيون، فإن مدى الخمسة وحتى الكيلومترين فقط يمكن أن يصل إلى داخل الأرض المحتلة، حيث يبلغ طول الحدود الأردنية مع إسرائيل والضفة الغربية 335 كيلومترا، منها 97 كيلومترا مع الضفة الغربية، و238 كيلومترا مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحيث يبلغ عرض نهر الأردن الفاصل بين الجانبين أقل من كيلو متر.
وتعرض بيان الإخوان لانتقادات متباينة على صفحات التواصل بين من يراه تخليا من الجماعة عن أبنائها، أو أنه في المقابل تبرير غير مباشر لفعلهم، ثم جاء بيان حزب جبهة العمل الإسلامي منددا بما وصفه بـ"حملات تجييش وتحريض ضد الحركة الإسلامية والحزب، ومحاولات اتهامها بأعمال فردية تستهدف أمن الوطن على فرض ثبوتها بحق المتهمين".
في بيان الحزب وقبله الجماعة إشارة إلى دوافع المتهمين، وهي دعم المقاومة الفلسطينية، وفي البيانين أيضا تأكيد على رفض استهداف أمن الأردن واستقراره، واعتبار ذلك خطا أحمر، وضرورة تمتين الجبهة الداخلية و"تفويت الفرصة على من يسعى للفتنة الداخلية التي تخدم مخططات الاحتلال لإضعاف الأردن، أو الفت في عضد النسيج الوطني الأردني في وقت الأردن أحوج ما يكون فيه لوحدة الصف في مواجهة ما يتعرض له من تهديدات من قبل المشروع الصهيوني التوسعي". ثم جاء بيان جماعة الإخوان المسلمين بقيادة الدكتور صلاح عبد الحق ليؤكد أن "دعم المقاومة الفلسطينية واجبٌ شرعي، وشرفٌ لكلّ مسلم، ولا يجوز أن يُجرَّم أو يُصادَر، فالمقاومة ضدّ الاحتلال حقٌّ أصيل أوجبته الشرائع السماوية، وأقرّته القوانين الدولية، ويتّسق مع النخوة العربية والفطرة الإنسانية السويّة"، كما أكد في الوقت نفسه أن موقف الجماعة "من حبّ الأوطان والحفاظ عليها واضحٌ وثابت، لا يُزايد عليه أحد، ولكنّ الخلط بين دعم المقاومة والسعي إلى التخريب، هو تضليل للرأي العام وتشويش على الموقف الشعبي الصادق في نصرة فلسطين"، وأوضح أن تهمة الإرهاب "لم تَعُد تنطلي على الرأي العام من كثرة سوء استخدامها وبغير حق، وأدان اعتقال أيّ ناشطٍ، أيّا كان موطنه، بسبب وقوفه إلى جانب فلسطين".