الرئيس الإيراني يُقيل نائبه إثر رحلة سياحية "فاخرة".. إليك قصة الحدث الأكثر جدلا في إيران

انفوبلس/ تقرير
أثار قرار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، اليوم السبت، بإقالة نائبه للشؤون البرلمانية، شهرام دبيري، بعد أن تمّ التأكّد من قيامه برحلة سياحية فاخرة إلى القطب الجنوبي، في وقت تمرّ فيه البلاد بظروف اقتصادية صعبة، أثار القرار جدلاً واسعاً في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الأمر الذي اعتبره عراقيون ومراقبون "درسا مجانيا" إلى السياسيين العراقيين، فما قصة هذا الحدث الجدلي؟ وكيف تمكن الاستفادة منه في العراق؟
وشهرام دبيري (64 عاما) طبيب وأحد المقربين من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، عُيّن بهذا المنصب في أغسطس/آب من العام الماضي 2024.
*تفاصيل القرار الإيراني
أقال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، اليوم السبت 5 نيسان/ ابريل 2025، نائبه المكلف بالشؤون البرلمانية، بعد قيامه برحلة إلى القطب الجنوبي، في وقت يعاني الإيرانيون أزمة اقتصادية خانقة وتضخماً قياسيا.
وأظهرت صورة نُشرت في الأيام الأخيرة على منصات التواصل الاجتماعي نائب الرئيس شهرام دبيري إلى جانب امرأة قُدمت على أنها زوجته، قرب سفينة سياحية تحمل اسم "بلانسيوس"، تعرض منذ 2009 رحلات فاخرة إلى القطب الجنوبي. والسفينة "بلانسيوس" بُنيت في 1976 وكانت مخصصة لإجراء أبحاث في المحيطات. لكنها جُددت بالكامل في 2009 لتقوم برحلات سياحية.
وكتب الرئيس الإيراني في رسالة نشرتها وكالة الأنباء الرسمية (إرنا) السبت، "اتضح لنا أنك كنت في رحلة ترفيهية إلى القطب الجنوبي خلال عيد النوروز (...) وفي وضع لا تزال فيه الضغوط الاقتصادية كثيرة على الناس، فإن السفر الباهظ الثمن للمسؤولين الرسميين، حتى ولو كان على حساب النفقات الشخصية، لا يمكن الدفاع عنه وتبريره". وأضافت الوكالة، أنه بناءً عليه، "أعفى الرئيس الإيراني مساعده للشؤون البرلمانية شهرام دبيري من مهامه ومنصبه".
وانتقد العديد من المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي رحلة دبيري. وقال المنتقدون إنه في الوقت الذي لا يستطيع فيه الشعب الإيراني تلبية احتياجاته الأساسية في ظل ظروف اقتصادية صعبة، يقوم نائب الرئيس بجولة في بوينس آيرس ويتوجه أخيرا في رحلة سياحية "فاخرة" إلى القارة القطبية الجنوبية.
وتعرضت الحكومة الإيرانية، لانتقاد شديد بعد نشر الصورة، حتى إن العديد من مؤيدي بزشكيان طالبوه بإقالة نائب الرئيس. وفي 26 مارس/آذار، نقلت وكالة إرنا عن "عضو في مكتب" دبيري أن الأخير قام بالرحلة المذكورة في وقت لم يكن "يتولى أي مسؤوليات" في الحكومة.
بحسب تقرير موقع "تابناك"، فإن رحلة شهرام دبيري وزوجته على متن سفينة بالينسياس التي تنطلق من مدينة أوشوايا في الأرجنتين، تبدأ من 8 آلاف دولار. لكن بحسب المعلومات المنشورة على الموقع الرسمي لهذه السفينة فإن تكلفة الرحلة إلى القارة القطبية الجنوبية تتراوح بين 32 ألف و36 ألف دولار. وهو ما دفع العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى وصف هذه الرحلة بأنها رمز "لبُعد المسؤولين عن الواقع الاقتصادي للمجتمع".
وبحسب مسؤولين إيرانيين فإن قرار الإقالة جاء بعد تأكد الرئيس بزشكيان من أن دبيري قام برحلة شخصية مكلفة إلى القطب الجنوبي، ما اعتُبر متناقضًا مع مبادئ الحكومة الحالية التي تؤكد التزامها بالبساطة والابتعاد عن مظاهر الترف، خصوصًا في ظل الأوضاع الاقتصادية التي يواجهها المواطنون الإيرانيون.
وكانت ردود الفعل على إقالة شهرام دبيري بشكل عام إيجابية من قبل الرأي العام الإيراني، أبرزها تلبية مطالب، إذ شعر الكثير من الإيرانيين بالارتياح لقرار الرئيس بيزشكيان، حيث اعتبروه استجابة لمطالبهم ومشاعر الغضب التي أثارتها صور دبيري في القارة القطبية الجنوبية. وثانياً تأكيد على قيم، حيث رأى البعض في الإقالة تأكيدًا على القيم التي يجب أن يتحلى بها المسؤولون، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد. واعتبروها رسالة بأن الترف والبذخ غير مقبولَين من قبل القيادة. وثالثا تعزيز الثقة، حيث بالنسبة لبعض المؤيدين للرئيس بيزشكيان، قد تُعزز هذه الخطوة ثقتهم في قيادته وقدرته على محاسبة المقصرين والالتزام بشعارات حكومته.
أما بالنسبة لردود الفعل الرسمية والسياسية، أعرب المتحدث باسم الحكومة فاطمة مهاجراني عن تأييده لقرار الرئيس، مؤكدًا على التزام الحكومة برفاهية الشعب ونزاهة المسؤولين، وكذلك أعلن أن السلطة التنفيذية تعمل على إعداد ضوابط جديدة تنظم سفر المسؤولين، بهدف منع أي ممارسات قد تثير استياءً أو حساسيات لدى الرأي العام.
كما أنه من المحتمل أن تكون هناك بعض الأطراف السياسية التي لم تعب!ر عن رأيها بشكل علني أو أبدت تحفظًا، خاصة المقربين من دبيري أو أولئك الذين يرون أن الإقالة تمت تحت ضغط شعبي كبير، بالإضافة الى ان الإقالة رسالة للمسؤولين الآخرين، اذ يُنظر إلى الإقالة على أنها رسالة واضحة لجميع المسؤولين الحكوميين بضرورة التحلي بالحساسية تجاه الأوضاع الاقتصادية للناس وتجنب المظاهر الباذخة.
لم ترد تقارير عن رد فعل شهرام دبيري بعد الإقالة مباشرةً. في السابق، كان قد دافع عن الرحلة في البداية قبل انتشار صور حديثة له. من المحتمل أنه التزم الصمت بعد قرار الإقالة.
ويمكن القول إن رد الفعل الأبرز على إقالة شهرام دبيري كان إيجابيًا على المستوى الشعبي، حيث اعتبرها الكثيرون خطوة ضرورية ومستحقة. أما على المستوى الرسمي والسياسي، فقد كان هناك تأييد علني لقرار الرئيس، مع احتمال وجود تحفظات أو صمت من بعض الأطراف. وقد سلطت وسائل الإعلام الضوء بشكل كبير على القضية وتداعياتها.
بدأ الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بزشكيان في شهر تموز الماضي 2024، مهامه رئيساً تاسعاً للجمهورية الإسلامية الإيرانية، بعد تصديق المرشد الأعلى الامام الخامنئي على فوزه بالرئاسة. وانطلقت مراسيم التنصيب بحضور المرشد، وكبار المسؤولين الإيرانيين السياسيين والعسكريين. وجاء في نص مرسوم "حكم رئاسة الجمهورية" الذي سلّمه الإمام الخامنئي لبزشكيان، أنه ينصّب بزشكيان رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية "بناءً على خيار الشعب".
*رسالة الى السياسيين العراقيين
وبحسب مدونين عراقيين ومراقبين تحدثوا لشبكة "انفوبلس"، فإن إقالة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لنائبه على خلفية رحلة سياحية "باهظة الثمن" في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الشعب الإيراني تحمل في طياتها رسالة واضحة ومهمة للسياسيين العراقيين، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أولاً: الشعب أولاً.. يجب على السياسيين العراقيين أن يكونوا على دراية تامة بالظروف المعيشية للمواطنين العراقيين، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهها البلد. إن أي مظهر من مظاهر الترف أو البذخ من قبل المسؤولين، خاصة في أوقات الضيق، يمكن أن يثير غضب واستياء شعبيَّين كبيرَين.
ثانيا: الأولوية للاحتياجات الأساسية: يجب أن تركز جهود السياسيين على تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين وتحسين مستوى معيشتهم بدلاً من الانشغال بأمور شخصية قد تُفسر على أنها استغلال للمنصب.
ثالثا: المحاسبة على الأفعال: قرار الرئيس الإيراني يظهر أهمية محاسبة المسؤولين على أفعالهم، حتى لو كانت تتعلق بأمور شخصية خارج نطاق العمل الرسمي، إذا كانت تمس صورة المنصب وثقة الشعب.
رابعاً: الشفافية في الإنفاق: يجب أن يكون هناك قدر كبير من الشفافية في إنفاق الأموال العامة والخاصة من قبل المسؤولين، لتجنب أي شبهات أو انتقادات.
خامساً: صوت الشعب مسموع: إن رد الفعل الشعبي الغاضب في إيران على رحلة النائب كان له دور كبير في قرار الإقالة. هذا يذكر السياسيين العراقيين بقوة الرأي العام وأهمية الاستماع إلى مطالب وتطلعات المواطنين.
سادسا: وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة للمحاسبة: أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة قوية للمواطنين للتعبير عن آرائهم ومحاسبة المسؤولين. يجب على السياسيين العراقيين أن يكونوا واعين لهذا الدور.
سابعاً: المسؤولية الأخلاقية: يجب على القادة والمسؤولين أن يكونوا قدوة حسنة للمواطنين في سلوكهم ونمط حياتهم. إن التواضع والزهد والاهتمام بشؤون الناس يعزز الثقة والاحترام، واتخاذ إجراءات حاسمة تجاه أي مظاهر للفساد أو الإسراف يساهم في بناء ثقة الشعب في الطبقة السياسية.
ويصنّف العراق ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم، في مؤشر مدركات الفساد لعام 2023 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، إذ احتل العراق حاليا المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر فسادا في العالم. كما لا ينكر المسؤولون العراقيون وجود الفساد المستشري في أجهزة الدولة، من خلال خطاباتهم وندواتهم السياسية أمام الإعلام.