الطريق إلى جحيم اليمن.. الإمارات تفتح نار الحرب البرية وواشنطن تبارك من الخلف

انفوبلس/..
في خضم صراع إقليمي اتخذ طابعًا دمويًا منذ سنوات، تعود الإمارات العربية المتحدة لتدفع باتجاه تصعيد جديد ضد اليمن، عبر السعي لشنّ هجوم بري يستهدف حركة أنصار الله (الحوثيين) في مناطق استراتيجية، تحت ذريعة “ضمان أمن الملاحة” و”ردع التهديدات الحوثية”.
هذا التحرك لا يجري بمعزل عن الرعاية الأميركية، التي وإن بدت مترددة في اتخاذ موقف علني حاسم، إلا أنها تدير دفة التوازنات بصمت، تاركة حلفاءها الإقليميين يمضون في حساباتهم العسكرية، طالما أنها لا تُكلّف واشنطن أكثر من القلق الدبلوماسي. أما السعودية، الحليف التاريخي لواشنطن في الخليج، فتقف على حافة التردد، لا حبًا بالسلام، بل خشية من التورط في مستنقع بري جديد بعدما جرّبت مرارة الحرب لثماني سنوات دون نصرٍ حاسم.
إن ما يحدث اليوم يكشف بجلاء أن الملف اليمني لم يُغلق، بل أُعيد فتحه وفق اشتراطات جديدة فرضها الصراع في البحر الأحمر، والتحولات الجيوسياسية في الإقليم، وتحديدًا بعد تصاعد دور الفصائل المقاومة والمناهضة للوجود الأميركي والإسرائيلي، وتنامي نفوذ انصار الله كقوة فعلية على الأرض. ومع ذلك، تصرّ الإمارات – بما تملكه من طموح يتجاوز حجمها الجغرافي – على تصدّر مشهد المواجهة، وتدفع باتجاه مغامرة عسكرية جديدة ستكون نتائجها كارثية على المدنيين أولاً، وعلى استقرار الإقليم بأكمله.
أما الولايات المتحدة، فهي تحاول أن تمسك العصا من الوسط، بين دعمها لحلفائها الخليجيين وخشيتها من تكرار سيناريوهات الفشل في العراق وأفغانستان. تسهيلات عسكرية هنا، وتصريحات “قلقة” هناك، لكنها لا تخفي دعمها الاستخباراتي واللوجستي لأي تحرك ضد صنعاء، طالما أنه يصبّ في خانة حماية مصالحها في باب المندب والبحر الأحمر، ويُرضي حليفها الإسرائيلي في زمن الصفقات الخفية والحروب بالوكالة.
وفي خلفية هذا المشهد، تقف السعودية بوجهين: أحدهما يُعلن الحذر، والآخر لا يمانع في الدفع باتجاه تسوية تعيد خلط الأوراق، وتُضعف شوكة القوى التي باتت تفرض معادلات عسكرية وسياسية لا تروق للرياض وأبوظبي وواشنطن. وبين ازدواجية الموقف السعودي واندفاع الإمارات وصمت الولايات المتحدة، يُحاك سيناريو جديد من سيناريوهات الموت المؤجل في اليمن، بانتظار من يُشعل الفتيل.
*تقرير يفصل
نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرًا أعده بينوا فوكون ونانسي يوسف وصالح البطاطي، قالوا فيه إن الضربات الجوية الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن شجعت ميليشيات يمنية ارهابية، تسيطر على العاصمة صنعاء، على التحضير لعملية برية للسيطرة على أراضٍ من الحوثيين.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين يمنيين وأمريكيين قولهم إن الضربات الأمريكية، تدفع ميليشيات يمنية مسلحة للقيام بهجوم عسكري.
وقالت الصحيفة إن شركات تعهّد أمني خاصة قدّمت للجماعات اليمنية الارهابية دعمًا استشاريًا بشأن العملية البرية، وذلك وفقًا لأشخاص على علاقة بالتخطيط للعملية. وذكرت أن الإمارات العربية المتحدة، التي تدعم هذه الفصائل، ناقشت الخطة مع مسؤولين أمريكيين، خلال الأسابيع القليلة الماضية، بحسب ما أفاد به مسؤولون أمريكيون ويمنيون.
وتعلّق الصحيفة بأن الأمريكيين لا يعارضون دعم عملية برية تنفذها قوات محلية، وفقًا للمسؤولين، رغم أنهم أشاروا إلى أن قرار دعم العملية لم يُتخذ بعد.
ونقلت الصحيفة عن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، بريان هيوز، الذي تحدّث للصحيفة، الأسبوع الماضي: “في نهاية المطاف، تقع مسؤولية أمن البحر الأحمر على عاتق شركائنا في المنطقة، ونحن نعمل معهم عن كثب لضمان بقاء حركة الملاحة في تلك الممرات المائية آمنة ومفتوحة في المستقبل البعيد”.
وتشمل الخطة، التي لا تزال قيد النقاش، نشر قوات الفصائل الإرهابية المتمركزة في جنوب البلاد على طول الساحل الغربي لليمن، الذي يسيطر عليه الحوثيون، وستحاول السيطرة على ميناء الحديدة على البحر الأحمر، بحسب نص التقرير.
*تهديد صريح
في المقابل، قال محمد علي الحوثي، أحد مسؤولي الحركة الحوثية، إن الغارات الأمريكية فشلت في إضعاف الحركة، وإن أي هجوم بري سيواجه نفس مصير الحملة الأمريكية.
وتذكر الصحيفة أن النقاشات حول دعم عملية برية في اليمن تتزامن مع دراسة إدارة دونالد ترامب تقليص غاراتها الجوية، مع حرص الإدارة على إظهار التزامها بحملات محدودة وتجنب الحروب المستمرة.
وتحذر الصحيفة من أن أي هجوم بري كبير قد يعيد إشعال الحرب الأهلية اليمنية الساكنة منذ سنوات، والتي تسببت في أزمة إنسانية كبرى، عندما دعم تحالف سعودي-إماراتي القوات البرية المحلية بحملة قصف جوي.
وقد بدأت أنصار الله باستهداف السفن في مياه البحر الأحمر بعد الهجوم الإسرائيلي على غزة.
ورغم تشكيل إدارة جو بايدن تحالفًا دوليًا لاستهداف الحوثيين، والحملة التي تنفذها إدارة ترامب حاليًا منفردة، إلا أن ذلك لم يُسفر عن عودة الملاحة التجارية عبر مضيق باب المندب إلى قناة السويس. وتفضّل معظم السفن اتخاذ طريق أطول حول القارة الإفريقية عبر رأس الرجاء الصالح، ثم إلى المحيط الأطلسي والأسواق الأوروبية.
وقد بدأت العملية العسكرية الأمريكية الجديدة ضد الحوثيين في 15 آذار/مارس، وذكرت إدارة ترامب أن الهدف منها حماية المصالح الأمريكية، وردع الأعداء، وإعادة حرية الملاحة البحرية لأحد أكثر المعابر ازدحامًا في العالم، لكن ذلك فشل في الحدة من قدرات الحوثيين.
ومنذ ذلك الحين، شنت الولايات المتحدة 350 غارة، إلا أن القوات الأمريكية لم تُصدر أي تقييم رسمي لأثر هذه الهجمات منذ بدايتها. وقال مسؤولون يمنيون ومراقبون يتابعون الحملة عن كثب إن نتائج الضربات الأمريكية كانت فاشلة، مشيرين إلى أن الغارات الجوية وحدها لن تهزم الحوثيين.
ومنذ بدء الغارات، أطلق الحوثيون صواريخ وطائرات مسيّرة باتجاه حاملة الطائرات الأمريكية هاري إس ترومان، المتمركزة في البحر الأحمر، كما استأنفوا هجماتهم على إسرائيل.
وقال مسؤولون أمريكيون إن حاملة طائرات ثانية، مع سفن مرافقة لها، وصلت مؤخرًا إلى المنطقة، ما قد يؤدي على الأرجح إلى تصعيد الضربات لعدة أسابيع أخرى على الأقل.
وأشارت الصحيفة إلى أن الحملة البرية المحتملة، والتي قد تدعمها الولايات المتحدة، تستند إلى دعم سابق قدّمته لائتلاف بقيادة السعودية والإمارات، وشارك فيه 12 بلدًا عربيًا، للإطاحة بالحوثيين من العاصمة صنعاء لكنه باء بالفشل الذريع.
*خشية سعودية
وأبلغ مسؤولون سعوديون، مسؤولين أمريكيين ويمنيين سرًا أنهم لن ينضموا أو يدعموا أي هجوم بري في اليمن مجددًا، خوفًا من هجمات الحوثيين بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، التي طالت مدنًا سعودية في السابق.
ويأتي الحديث عن عملية برية في ظل استئناف المحادثات الأمريكية- الإيرانية بشأن الملف النووي الإيراني، حيث عُقدت جولة أولى في عمان، ومن المتوقع عقد جولة أخرى في روما السبت المقبل.
وقال مسؤولون أمريكيون إن واشنطن تسعى لإدراج دعم طهران لحلفائها الإقليميين، مثل الحوثيين، ضمن المحادثات، لكن هذا الموضوع لم يُطرح في محادثات مسقط، وفق نص التقرير.
في المقابل، تعمل الولايات المتحدة مع وسطاء عرب على خطة لوقف إطلاق النار في حرب غزة، وقد أعلن الحوثيون أنهم سيتوقفون عن مهاجمة السفن في البحر الأحمر إذا توقفت الحرب في غزة.
وقد أمضى الحوثيون سنوات في تخزين وتصنيع الأسلحة، وأخفوها في مغاور جبلية أو مخازن تحت الأرض، حيث أنشأوا مراكز لتجميع الأسلحة وإطلاق الصواريخ.