شركات تكنولوجيا أميركية زوّدت الكيان الإسرائيلي بقدرات ذكاء اصطناعي لتعزيز عملياته العدوانية
تواطؤ رقمي في حرب الإبادة

تواطؤ رقمي في حرب الإبادة
انفوبلس/..
في تحقيق حديث، كشفت مصادر مطلعة، عن تورط شركات تكنولوجيا أميركية كبرى، في تزويد الكيان الإسرائيلي بخدمات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، مما مكّنه من استهداف عدد أكبر من الأفراد خلال عدوان الكيان على غزة ولبنان.
هذا التعاون، أثار مخاوف بشأن ارتفاع عدد الضحايا المدنيين، ودور هذه التقنيات في تصعيد النزاعات، ومن بين هذه الشركات، قدمت مايكروسوفت وOpenAI تقنيات متقدمة للجيش الإسرائيلي، مما أدى إلى زيادة كبيرة في استخدام هذه الأدوات خلال العدوان على غزة.
بالإضافة إلى ذلك، شاركت شركات مثل جوجل وأمازون، في تقديم خدمات حوسبة سحابية بموجب عقود ضخمة، مما يثير تساؤلات حول المسؤولية الأخلاقية لهذه الشركات في استخدام تقنياتها لأغراض عسكرية.
تعاظم المخاوف بشأن دورها
وجاء في تحقيق أجرته وكالة (أسوشيتد برس)، أن شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة زودت الكيان الإسرائيلي سراً، بطفرة هائلة في خدمات الذكاء الاصطناعي والحوسبة التي مكّنتها من ملاحقة وقتل أعداد أكبر ممن تزعم أنهم مقاتلون في غزة ولبنان.
وقالت الوكالة الأميركية في تحقيقها الذي نشرته -أمس الثلاثاء- إنه "مع تصاعد القتلى في صفوف المدنيين، تعاظمت المخاوف بشأن دور هذه التقنيات في قتل الأبرياء".
وأشار التحقيق، إلى طفرة كبيرة في استخدام الكيان الإسرائيلي، لتقنيات شركتي "مايكروسوفت" و"أوبن إيه آي" في تلك الأنشطة منذ 7 تشرين الأول 2023.
ونقلت الوكالة، عن ضابط استخبارات إسرائيلي قوله، إن "الضباط الشباب يتعرضون لضغوط للعثور على الأهداف بسرعة فيقعون في أخطاء". مضيفاً، إنه "شاهدنا أخطاء استهداف تتعلق بالذكاء الاصطناعي بسبب ترجمات غير دقيقة"، مشيرا إلى أن هذه الأنظمة حددت طلابا في المرحلة الثانوية على أنهم مقاتلون محتملون".
واستند التحقيق، إلى وثائق وبيانات ومقابلات مع مسؤولين صهاينة حاليين وسابقين، بينهم 3 ضباط استخبارات في الاحتياط، وكذلك مقابلات مع موظفين حاليين وسابقين في شركات مايكروسوفت وأوبن إيه آي وغوغل وأمازون.
شركة غوغل شريكة بالعدوان
بين أغسطس/آب 2024 ويناير/كانون الثاني 2025، أقرت الولايات المتحدة صفقتي أسلحة للكيان الإسرائيلي بقيمة 28 مليار دولار، رغم احتجاجات حقوقية واسعة طالبت بفرض حظر على توريدها، وذلك على خلفية العدوان الوحشي على غزة.
لم تكن تلك الأسلحة العنصر الوحيد في الجرائم التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي في غزة، إذ لعبت الأدوات التكنولوجية وتقنيات الذكاء الاصطناعي، المقدمة بشكل أساسي من دول وشركات أميركية، دورًا محوريًا في تحويل آلاف المدنيين والمؤسسات والمواقع في غزة والضفة الغربية ولبنان إلى أهداف مبرمجة ومرصودة مسبقًا، تمهيدًا لتصفيتها أو تدميرها.
وتكشف تقارير وتحقيقات عديدة عن تزويد شركات تكنولوجية كبرى للكيان الإسرائيلي بوسائل استُخدمت في ارتكاب هذه الجرائم، كان آخرها ما أوردته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية حول تورط شركة غوغل في تقديم دعم مباشر لجيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب على غزة، رغم محاولاتها التنصل من ذلك، خصوصًا بعد احتجاجات موظفيها على عقد الحوسبة السحابية الذي أبرمته مع الحكومة الإسرائيلية، مما أدى لاحقًا إلى فصل 49 موظفًا.
ويشير التقرير، الذي استند إلى وثائق مسربة، إلى أن موظفين داخل الشركة قدموا لجيش الاحتلال الإسرائيلي إمكانية الوصول إلى أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك منذ الأسابيع الأولى للعدوان على غزة.
تعزيز آلة القتل الإسرائيلية
وتكشف الوثائق أن الكيان الإسرائيلي وسّع نطاق استخدامه لتقنيات الذكاء الاصطناعي بعد عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مستفيدًا مما يقدمه قسم الحوسبة السحابية لدى الشركة من أدوات متقدمة، وعلى وجه الخصوص خدمة "فيرتكس" (Vertex)، التي تتيح تطبيق خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف بدقة ورصدها ثم تدميرها عند توظيفها لأغراض عسكرية.
ووفقًا للتقرير، استمر جيش الاحتلال الإسرائيلي حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2024 في الاعتماد على خدمات غوغل للوصول إلى أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك تكنولوجيا "جيميناي" (Gemini) الخاصة بالشركة، وذلك بهدف تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في تحليل المستندات والبيانات والملفات الصوتية، ما عزز قدراته في إدارة عملياته العسكرية.
مشروع نيمبوس Nimbus
يمتد تأثير الدعم الذي قدمته غوغل للكيان الإسرائيلي في عدوانه على غزة ليشمل الاتفاق المتعلق بمشروع "نيمبوس" (Nimbus)، وهو نظام حوسبة سحابية تعاقدت عليه الحكومة الإسرائيلية وجيشها في أبريل/نيسان 2021 بقيمة 1.2 مليار دولار مع شركتي "غوغل" و"أمازون".
وفي هذا السياق، صرّح غابي بورتنوي، المدير العام لمديرية الأمن السيبراني التابعة لحكومة الكيان الإسرائيلي، في فبراير/شباط 2024، بأن هذه الاتفاقية "ساهمت بشكل مباشر في العمليات العسكرية القتالية للجيش أثناء الحرب على غزة"، مضيفًا أنه "بفضل نيمبوس، تحدث تطورات هائلة خلال القتال، حيث تلعب دورًا محوريًا في تحقيق الانتصار"، وفقًا لما نقلته مصادر إعلامية غربية.
كما كشف تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" أن الكيان الإسرائيلي طوّر، استنادًا إلى تقنيات غربية، أداة ذكاء اصطناعي تُعرف باسم "حبسورا" (Habsora)، تتيح لجيش الاحتلال جمع وتحليل بيانات آلاف الأهداف البشرية والبنى التحتية، مما يسهل تنفيذ عمليات اغتيال وملاحقات وتدمير ممنهج. ووفقًا للتقرير، يمكن لهذا النظام تحديد 100 هدف يوميًا للقصف في غزة، مقارنة بـ50 هدفًا يحددها المحللون البشريون سنويًا.
وتتماشى هذه التصريحات مع ما كشفته وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية حول وجود تعاون وثيق، وأحيانًا سري، بين شركات تكنولوجيا غربية وأجهزة استخبارات، لدعم وتطوير القدرات العسكرية للكيان الإسرائيلي، عبر تزويدها بأنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في العمليات القتالية.
تعاون وثيق مع شركات تكنولوجية
وفقًا لتقرير نشرته مجلة "ذا نايشن" (The Nation) الأميركية في 12 أبريل/نيسان 2024، أنشأت الوحدة 8200 التابعة للكيان الإسرائيلي، المتخصصة في التنصت وفك الشفرات والحرب السيبرانية، مركز "موشي ديان" لعلوم البيانات والذكاء الاصطناعي، والذي يتولى تطوير أنظمة متقدمة أحدثت تحولًا جذريًا في مفهوم استهداف الأهداف داخل جيش الاحتلال، بحسب ما نقلته المجلة عن أحد المتحدثين باسم المركز.
وتعمل هذه الوحدة بشكل وثيق مع شركة "بالنتير تكنولوجيز" (Palantir Technologies) الأميركية، التي زودتها بأعداد كبيرة من الأجهزة وبرمجيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، والتي تعتمد على تحليل كميات ضخمة من البيانات الاستخباراتية السرية، بما في ذلك المعلومات القادمة من وكالة الأمن القومي الأميركية، لتحديد الأهداف العسكرية وتنفيذ الضربات.
وتقع الوحدة 8200 في مفترق جليلوت داخل مستوطنة "رامات هاشارون"، التي أُنشئت على أنقاض قرية إجليل الفلسطينية، والتي هُجّر سكانها أو قُتلوا. ووفقًا لتقرير "ذا نايشن"، يجري هناك تدريب الجنود وخبراء الاستخبارات في معسكر موشيه ديان لإتمام المهمة، سواء عبر القصف أو إطلاق النار أو فرض الحصار والتجويع على الفلسطينيين الذين أجبروا على العيش في ظروف قاسية داخل غزة، الخاضعة للاحتلال العسكري منذ عقود.
موظفو "بالنتير" قدموا استقالة
ولا تخفي شركة "بالنتير"، التي تربطها علاقات وثيقة بوكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA)، دعمها للكيان الإسرائيلي، حيث أعلنت عبر منشوراتها على منصة "إكس" (X) أنها تقف إلى جانبه. كما عقد مسؤولوها اجتماعات عدة مع الحكومة الإسرائيلية، وكان أول اجتماع لمجلس إدارتها في عام 2024 قد عُقد في تل أبيب خلال شهر يناير/كانون الثاني.
وفي يناير/كانون الثاني 2023، وقع أليكس كارب، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي للشركة، اتفاقية متطورة مع وزارة دفاع الكيان الإسرائيلي، مشيرًا في تصريحاته التي نقلها تقرير "ذا نايشن" إلى إعجابه بالكفاءات التي يجري استقطابها هناك، قائلاً: "أنا سعيد جدًا بالمواهب هنا، وما أراه في إسرائيل هو مزيج فريد من الخبرات المتميزة".
ورداً على هذا التعاون، قرر عدد من موظفي "بالنتير" الاستقالة بدلاً من العمل في شركة متهمة بدعم عمليات الإبادة الجماعية المستمرة في غزة. كما شهد مقر الشركة في لندن احتجاجات نظّمها متظاهرون اتهموا "بالنتير" بالتواطؤ في جرائم الحرب.