ظهور مرتقب لعبد الله أوجلان.. هل تتجه تركيا إلى تسوية للقضية الكردية وحزب العمال أم مجرد تكتيك سياسي؟

انفوبلس/..
في تطور لافت على الساحة السياسية الإقليمية، يترقب الجميع ـ تركيا وسوريا والعراق ـ ظهور زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، من داخل سجنه في جزيرة إيمرالي التركية. هذا الحدث، الذي يحمل أبعادًا سياسية وأمنية معقدة، قد يشكل نقطة تحول في مستقبل القضية الكردية ومسار العلاقة بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني.
تباينت وجهات النظر حول طبيعة هذا الظهور، حيث يرى البعض أنه يمهد لجولة جديدة من المفاوضات قد تُفضي إلى اتفاق هدنة، بينما يعتقد آخرون أنه سيكون خطوة رمزية دون تأثير فعلي على الأرض. وتشير مصادر مطلعة إلى أن خطاب أوجلان المرتقب سيتناول عدة محاور، أبرزها إمكانية تسوية العلاقات مع تركيا، والانخراط في العملية السياسية، وسط حديث عن احتمال إلقاء مقاتلي الحزب للسلاح، الأمر الذي قد يؤدي إلى انسحاب القوات التركية من العراق وسوريا.
في هذا السياق، تتزايد التكهنات حول موقف أنقرة من أي مبادرة للسلام، ومدى استعدادها لتقديم تنازلات جدية لإنهاء الصراع المسلح الذي استمر لعقود. فهل يكون هذا الظهور بداية لمرحلة جديدة من الحلول السياسية، أم مجرد محاولة أخرى في سلسلة من المحاولات التي لم تحقق اختراقًا ملموسًا؟
دعوة لنزع سلاح حزب العمال
وفي وقت سابق، قال تونجر باكيرهان، الرئيس المشارك لـ"حزب المساواة والديمقراطية للشعوب" لنواب الحزب في البرلمان، "أوجلان يستعد لإطلاق دعوة تاريخية في الأيام المقبلة من أجل حل دائم للقضية الكردية". مضيفا، "إننا مستعدون لحل دائم وجذري، ونولي أهمية لهذه الدعوة ونؤيدها".
ولم يذكر باكيرهان ما سيعلنه أوجلان، لكن تصريحاته تشير إلى أن أي دعوة لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني قد تكون مشروطة بالخطوات التي تتخذها تركيا، وليس إعلانا غير مشروط.
وقال باكيرهان، إن حزب المساواة والديمقراطية للشعوب -ثالث أكبر حزب في البرلمان- حث الحكومة على "دعم الظروف التي تتناسب مع جدية هذه الدعوة وأن تلعب دورها في الحل التاريخي".
وذكرت وسائل إعلام تركية، أن أوجلان قد يختار يوم 15 فبراير/شباط الجاري ـ وهو الذكرى السنوية لاعتقاله في كينيا عام 1999ـ موعداً لإصدار بيان.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أيّدت حكومة رجب طيب أردوغان، عرضاً قدّمه (دولت بهتشلي) زعيم حزب الحركة القومية، وحليف أردوغان- لأوجلان لدعوة حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح.
ترقب ظهور أوجلان
وتترقب تركيا، بالإضافة الى سوريا والعراق، وبشكل غير مباشر، حدثًا هامًا يتمثل في ظهور زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، من داخل سجنه في جزيرة إيمرالي التركية.
ويرى مراقبون أن هذا الظهور، قد يمثل بداية جولة جديدة من المفاوضات، بينما تباينت الآراء حول مصير الوجود العسكري التركي في العراق في حال توصل الطرفان إلى اتفاق هدنة.
وتؤكد مصادر مطلعة، أن "ظهور أوجلان سيشمل عدة محاور، أبرزها الإعلان عن تسوية العلاقات مع تركيا، والانخراط في العملية السياسية تمهيدًا لإطلاق سراحه.
وتشير هذه المصادر، في حديث صحفي، إلى أن "أوجلان قد أبدى في نهاية كانون الأول/ديسمبر الماضي، التزامه بالحوار استنادًا إلى مسؤولية تاريخية، وهو ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى التأكيد في كانون الثاني/يناير على حدوث تقدم ملحوظ في المفاوضات".
وتعتقد المصادر، أن "أوجلان سيطلب من مقاتلي حزب العمال الكردستاني في تركيا وسوريا والعراق، إلقاء السلاح والانخراط في العمل السياسي، مما يعني انتهاء الصراع المسلح، وهذا سيترتب عليه بشكل ضمني ضرورة انسحاب القوات التركية من إقليم كردستان العراق والحدود العراقية، وترك القواعد العسكرية".
سحب القواعد التركية من العراق
وفي هذا الإطار، يقول رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، خلال حديث صحفي، تابعته INFOPLUS، إن "الأيام المقبلة بانتظار ما يوجهه الزعيم المؤسس لحزب العمال أوجلان لأنصاره، لاسيما أن أغلب قواعد الحزب وأسلحته في جبال قنديل عبر الأراضي العراقية والسورية".
ويضيف فيصل، أن "من المؤكد إذا وجه أوجلان دعوة لوقف العمليات العسكرية ضد تركيا، فإن أنقرة ستنسحب من قواعدها العسكرية من العراق، وتحديداً من إقليم كردستان، لكن قبل ذلك علينا معرفة شروط الهدنة بين الطرفين، ونزع سلاح حزب العمال الكردستاني".
ويعتقد، أن "الذهاب لمفاوضات جديدة، سيليها اتفاق على شكل من أشكال الحكم الذاتي، لضمان حقوق الكرد في تركيا، والعودة للحياة الطبيعية، وأنقرة كتحصيل حاصل ستسحب قواتها من الأراضي السورية والعراقية، التي كانت موجودة لضمان أمن الحدود، وإنهاء عملياتها العسكرية، وهذا كله يعتمد على مرحلة المفاوضات، وضغط الحكومة العراقية".
لقاءات مع مسؤولين كرد
وكان وفد من حزب "المساواة وديمقراطية الشعوب" التركي، وصل أمس السبت، إلى كردستان بعد لقائه بأوجلان، ويضم الوفد، كلا من أعضاء وفد إمرالي بروين بولدان وسري سريا أوندر والرئيس المشترك لحزب الأقاليم الديمقراطية كسكين بايندر وأعضاء لجنة العلاقات الخارجية والمسؤولون في حزب المساواة والديمقراطية.
ويتضمن برنامج الزيارة اجتماعات مع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني ورئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني، بعد ذلك، سينتقل الوفد إلى السليمانية للاجتماع مع رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني وقوباد طالباني وممثلي الاتحاد الوطني الكردستاني.
إلى ذلك، يشير السياسي والأكاديمي الكردي حكيم عبد الكريم، إلى أن “وفد كرد تركيا الذي يزور إقليم كردستان حاليا سيلتقي بزعيمي الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني بافل طالباني".
ويضيف عبد الكريم، أن “الوفد يحمل رسالة من عبد الله أوجلان إلى القيادات الكردية، يطلعهم على مضمون الرسالة الفيديوية التي سيعلنها للرأي العام في الأيام المقبلة، والتي تهدف لضمان الهدنة، ويطلب منهم المشاركة في المفاوضات مع أنقرة".
دعوة تركية سابقة للحوار
وكان زعيم حزب الحركة القومية في تركيا، دولت بهتشلي، قد دعا في وقت سابق، زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، لإلقاء السلاح وإلغاء الحزب مقابل الاستفادة من "حق الأمل" (العفو)، مؤكداً استعداد حزبه للعمل لحل القضية الكردية داخل البرلمان.
وأكد بهتشلي، في 22 تشرين الثاني 2024، أن القضاء على الإرهاب يتطلب المسؤولية الجماعية، وأن الحل يكمن في إنهاء المنظمة الكردية من خلال خطوات ديمقراطية، داعياً أوجلان للإعلان عن نهاية الإرهاب.
وفي ردها، قالت رئيسة حزب ديم الكردي، تولاي حاتم أوغلاري أوروج، إن الحزب مستعد للمساهمة في السلام وتقديم التضحيات اللازمة.
كما أكدت ضرورة رفع العزلة عن أوجلان، معتبرة أن رسالته تفتح الطريق لحل الأزمة الكردية بشكل سلمي. يأتي ذلك في سياق محاولات الحكومة التركية لتقديم مبادرات جديدة لحل النزاع مع الأكراد، والتي كانت قد بدأتها حكومة أردوغان عام 2012 دون نجاح.
وسبق أن قاد حزب العدالة والتنمية، مرحلة السلام مع حزب العمال الكردستاني، عبر لقاءات جرت في أوسلو عام 2012، وتشكيل لجنة حكماء في عام 2014، ولكن لم يتم الوصول إلى أي تطور، وعادت المواجهات بالتوازي مع حالة الحرب التي كانت موجودة في شمال سورية وتشكيل كيانات وإدارة ذاتية كردية لاحقاً.
وكان اوجلان قد اعتُقل في العاصمة الكينية، نيروبي، بالتنسيق الكامل بين الاستخبارات التركية والأميركية والإسرائيلية، وذلك بعد إبعاده في خريف عام 1998، من سوريا، بفعل التوتّر الذي طرأ على العلاقات بين أنقرة ودمشق وصولاً إلى حافة الحرب، فكان أن خرج إلى روسيا فاليونان وإيطاليا وصولاً إلى كينيا، حيث اختُطف واقتيد، في الـ16 من شباط من العام التالي، إلى تركيا.
حوار بلا خريطة طريق
ويزايد الحديث عن إمكانية توجيه عبد الله أوجلان من سجنه في إيمرلي في بحر مرمرة "نداءً" إلى "حزب العمال الكردستاني" في ذكرى اعتقاله، يدعوهم فيه إلى ترك السلاح ووقف العمل المسلح، وهذا يتماشى مع مسار التواصل الجديد الذي بدأه زعيم "حزب الحركة القومية"، دولت باهتشلي، في بداية تشرين الأول الماضي، حين اقترح مفاجأة الجميع بإمكانية توجيه أوجلان خطاباً تحت قبة البرلمان إلى كتلة نواب "حزب المساواة والديمقراطية للشعوب" الكردي.
وأحدث هذا الاقتراح تحركات سياسية في تركيا، حيث قام وفد من النواب الكرد بزيارة أوجلان في إيمرلي مرتين، لمناقشة احتمال توجيه هذا النداء، لكن دون أن يتم الكشف عن تفاصيله، خلال هذه اللقاءات، ظل الموقف الرسمي ثابتًا وواضحًا في دعوته لإنهاء ما وصفه بـ "الإرهاب" الكردي في كافة المناطق، تركيا وسوريا والعراق.
في المقابل، لم يصدر عن أوساط الحكومة التركية أو وسائل الإعلام المحسوبة على "حزب العدالة والتنمية" أي إشارات حول الخطوات التي قد تتخذها السلطة بشأن مطالب الحركة الكردية في تركيا، بل كان لافتًا أن الحديث عن هذه المطالب ظل محصورًا في الجانب الكردي، مما زرع بعض الشكوك حول إمكانية نجاح الحوار في ظل هذا التوازن غير المتكافئ.
ومن المهم أن نذكر أن تاريخ العلاقة بين الدولة التركية العميقة والحركة الكردية على مدار المئة عام الماضية كان حافلاً بالمجازر ومحاولات محو الهوية الكردية، ولم يتغير ذلك بعد وصول "العدالة والتنمية" إلى السلطة عام 2002.
لكن هذا الواقع ليس غائبًا عن قادة الحركة الكردية في تركيا، ففي وقت سابق، نقلت الصحافة التركية، عن استعداد "العدالة والتنمية" لتشكيل فريق عمل مخصص لحل القضية الكردية، يضم شخصيات بارزة مثل وزير الداخلية السابق إفكان علاء، والنائب عبدالله غولر، ووزير الخارجية حاقان فيدان.
لكن رغم هذه الإشارات، يظل الوضع ملبدًا بالغموض، لا سيما مع استمرار السياسات السلبية، مثل إقالة عدد كبير من رؤساء البلديات الكرد في جنوب شرق البلاد، وكذلك الإقالات المتكررة لبلديات "حزب الشعب الجمهوري" بتهم التعاون مع "الإرهاب الكردي"، إضافة إلى استمرار الاعتقالات بحق الصحافيين المقربين من الحركة الكردية.
مواقف تشاؤمية وتساؤلات
كل هذه التطورات أسفرت عن مواقف تشاؤمية من بعض الأوساط الكردية، حيث أعرب رئيس "حزب المساواة والديمقراطية للشعوب"، تونجير باقرخان، عن شكوكه بشأن فعالية الحوار إذا اقتصر على طرف واحد، وطرح تساؤلات حيوية حول ما إذا كان النداء المزمع من أوجلان سيتبعه خطوات ملموسة من قبل الحكومة التركية. وقال: "إذا كان النداء يدعو إلى ترك السلاح، فما هي الخطوات التالية من قبل الحكومة؟ أين يذهب من يترك السلاح؟ هل يعود إلى عائلته؟ وما هو مصير المعتقلين السياسيين؟".
وأضاف باقرخان في مناسبة أخرى، أن "السلام ليس مجرد كلمة تلوكها الألسنة، بل هو مسار قانوني ودستوري يتطلب التزامًا حقيقيًا من الجميع". كما أكد أن الحوار مع أوجلان، الذي سيظل محصورًا في زنزانته الصغيرة، لا يمكن أن يكون حلاً حقيقيًا للقضية الكردية التي تمتد جذورها لأكثر من مئة عام، مشيرًا إلى أنه يجب توفير الظروف المناسبة للقاء مباشر بين أوجلان وحزبه.
إن هذه التلميحات حول إمكانية الوصول إلى اتفاق بين الحكومة التركية و"حزب العمال الكردستاني" تطرح أسئلة كثيرة حول مصير الحوار، ومدى استعداد الحكومة لتحقيق تقدم حقيقي في حل القضية الكردية، خصوصًا في ظل التحديات الحالية.