مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة.. خبراء القانون الدولي يتفقون: جريمة حرب بأدوات أمريكية - إسرائيلية

انتهاكات جسيمة
مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة.. خبراء القانون الدولي يتفقون: جريمة حرب بأدوات أمريكية - إسرائيلية
انفوبلس/..
منذ نكبة عام 1948، والفلسطينيون يواجهون سياسات التهجير والتطهير العِرقي التي تمارسها "إسرائيل" تحت مظلة الدعم الدولي، لكن الخطط الأخيرة التي كشف عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للاستيلاء على قطاع غزة وتهجير سكانه، تثير مخاوف كبيرة حول تصعيد جديد في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي.
وأكد خبراء في القانون الدولي أن هذه الخطة، التي تتماشى مع السياسات الإسرائيلية التوسّعية، تمثل "جريمة حرب" واضحة بموجب اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية. ويرى هؤلاء الخبراء أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى عواقب قانونية خطيرة على المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين المشاركين في تنفيذها، ما قد يعرضهم للملاحقة الجنائية أمام المحاكم الدولية.
يستعرض هذا التقرير الأبعاد القانونية والإنسانية والسياسية لهذه الخطة المثيرة للجدل، مستندًا إلى آراء خبراء القانون الدولي وردود الفعل العالمية، في محاولة لفهم مدى خطورة هذه الإجراءات على مستقبل القضية الفلسطينية والمنطقة ككل.
وكشف ترامب، في مؤتمر صحافي مع نتنياهو بالبيت الأبيض في 4 فبراير الجاري، عن عزم بلاده الاستيلاء على غزة بعد تهجير الفلسطينيين منها.
ومنذ 25 يناير/ كانون الثاني الماضي يروج ترامب لمخطط تهجير فلسطينيي غزة إلى دول مجاورة، مثل الأردن ومصر.
وبدعم أمريكي ارتكبت إسرائيل، بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية في غزة، خلّفت نحو 160 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
*العودة حق حقيقي
مؤكداً ضرورة النظر إلى الوضع في غزة في سياقه التاريخي، قال أستاذ القانون الدولي بجامعة ولاية أوهايو الأمريكية جون كويغلي، إن “سكان غزة في وضع غريب للغاية من الناحية القانونية”.
وأوضح، إن “الغالبية العظمى من السكان (في غزة) هم أشخاص تم إبعادهم قسراً عام 1948 من أجزاء أخرى من فلسطين، وهذه المناطق تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ ذلك التاريخ”.
وفي ذلك العام أُقيمت إسرائيل على أراضٍ احتلتها عصابات صهيونية مسلحة بعد ارتكابها مجازر بحق الفلسطينيين وتهجير نحو 700 ألف فلسطيني من أراضيهم.
وأكد كويغلي، إن “لهؤلاء الناس الحق في العودة إلى ديارهم، لذا فإنهم في الواقع لديهم الحق في الذهاب إلى مكان ما، لكن ليس لمصر أو الأردن، بل الأراضي التي تحتلها إسرائيل”.
وحوّلت إسرائيل غزة إلى أكبر سجن في العالم، إذ تحاصرها للعام الـ18، وأجبرت حرب الإبادة نحو مليونين من مواطنيها، البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع مأساوية مع شح شديد متعمد في الغذاء والماء والدواء.
وحول خطة ترامب، أكد أنها تنتهك القانون الدولي بشكل واضح قائلا: “من الواضح أنه من غير القانوني للولايات المتحدة الاستيطان في غزة دون موافقة الشعب الفلسطيني”.
وشدد على أنه “لا يمكن لأي قوة خارجية الاستيلاء على أراضي أي دولة أوروبية دون موافقتها، ولذلك لا يمكن أيضا القيام بذلك في غزة”.
ومستنكرا تابع: “من الغريب جدا أن نقول إن الطريقة للتعامل مع شعب بعد تعرضه لإبادة جماعية هي تهجيره، وحتى لو لم يقر ترامب بارتكاب إبادة جماعية (إسرائيلية)، فهذا حدث بالفعل”.
وزاد، بأنه “عندما يتم ارتكاب إبادة جماعية، فإن الشيء الرئيسي الذي يجب القيام به هو تعويض الضحايا قدر الإمكان”.
كويغلي شدد على أن “إخراج الناس من أراضيهم ليس بالتأكيد الطريقة الصحيحة للقيام بذلك (التعويض)، إنه انتهاك آخر لهذه الحقوق”.
*جريمة حرب
“خطة ترامب تعادل أكثر من جريمة واحدة”.. هكذا بدأت مديرة قسم حقوق الإنسان الدولية في كلية الحقوق بجامعة بوسطن سوزان أكرم حديثها.
وبيَّنت، أن “النزوح القسري وحده يشكل جريمة حرب بموجب اتفاقية جنيف الرابعة ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية”.
ولفتت إلى أن “المادتين 45 و49 من اتفاقية جنيف تحظران النقل القسري للأفراد أو الجماعات وطردهم من الأراضي المحتلة”.
وأردفت: “تحدد المادة 147 الطرد أو النقل غير القانوني للأشخاص المحميين، أي المدنيين ومَن لا يشاركون في أعمال عدائية والسكان المحتلين، باعتباره انتهاكات جسيمة”.
أكرم شددت على، أن “هذه الانتهاكات لا تشكل جرائم حرب فحسب، بل أيضا عناصر من الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية”.
واستطردت، أن “المادة الثامنة من نظام روما الأساسي تحدد بوضوح عناصر جريمة الحرب المتمثلة في تهجير المدنيين، في حين تحدد المادة السابعة بوضوح الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في النقل القسري أو الترحيل”.
ولفتت الانتباه إلى مسؤولية الدولة في الخطة الأمريكية في القانون الدولي، قائلة إن “المشاركة في الإبادة الجماعية تشكل جريمة منفصلة وانتهاكا لمسؤولية الدولة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية”.
وأشارت إلى، أن “قضية نيكاراغوا ضد ألمانيا أمام محكمة العدل الدولية تتناول هذه المسألة تحديدا، إذ يمكن إدراج دول أخرى والأشخاص الذين يأمرون بارتكاب أعمال الإبادة الجماعية في القضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية”.
وفي 1 مارس/ آذار 2024، رفعت نيكاراغوا قضية أمام محكمة العدل الدولية تُطالب فيها بإلزام ألمانيا بوقف دعمها العسكري لإسرائيل الذي “يُسهل ارتكاب إبادة” بحق الفلسطينيين في غزة.
وشددت أكرم على أنه “يمكن محاكمة جرائم التحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية، والتي تشمل الدعوة إلى النقل القسري للسكان، أمام المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الوطنية على حد سواء”.
وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهمتي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.
*تهجير ممنهج
أما الدكتورة نجمة علي من جامعة أوتاغو فقالت، إن سياسة التهجير القسري “قد يكون لها عواقب قانونية خطيرة” على المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين.
وأوضحت، إنه “يمكن تحميل المسؤولين الأمريكيين المسؤولية عن المساعدة والتحريض على هذه الجرائم بموجب المادة 25 والفقرات 3 ج من نظام روما الأساسي، بسبب تقديم المساعدة العسكرية أو الحماية الدبلوماسية”.
ولفتت إلى أن “دولا مثل بلجيكا وإسبانيا وجنوب إفريقيا تسمح (لمحاكمها الوطنية) بمحاكمة المتهمين بجرائم حرب بغض النظر عن مكان ارتكابها، وهذا يعني أن المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين قد يواجهون أوامر اعتقال في محاكم أجنبية”.
وشرحت السياق التاريخي لدعم المسؤولين الإسرائيليين لخطة ترامب بالقول: “الوزراء والسياسيون الإسرائيليين، وخاصة في بداية الحرب، أعلنوا صراحة نيتهم إخلاء غزة وإعادة بناء المستوطنات اليهودية فيها، دون الاعتراف بأي حدود أخلاقية أو قانونية”.
وأكدت أن “هذا الدعم يعزز الحجة القائلة بأن التهجير القسري ليس مجرد نتيجة للصراع، بل هو سياسة متعمدة بدأت بالتطهير العرقي وتهجير الشعب الفلسطيني في عام 1948”.
وشددت على أن “تصريحات كبار المسؤولين حول التطهير العرقي والإبعاد الدائم للفلسطينيين لم تكن عفوية”.
وزادت بأنه “بالنسبة للفلسطينيين فإن التهجير القسري هو سياسة مستمرة وحولت الأغلبية منهم إلى لاجئين، وهذه السياسة تتجلى في التوسع الاستيطاني المستمر في الضفة الغربية، وتعزز الادعاء بأن الهدف هو الهندسة الديموغرافية، وليس مجرد السيطرة العسكرية”.
وختمت بأن “هذه التصريحات تقوض الحجة القائلة بأن التهجير الجماعي هو إجراء حربي مؤقت أو محاولة إنسانية لتوفير ظروف أفضل للفلسطينيين، وتظهر أنها جهد متعمد لإبعاد الفلسطينيين قسرا عن أراضيهم”.