ألعاب العنف ودورها بتفاقم الجرائم.. تصاعد ملحوظ في نينوى وانفوبلس تكشف الفئة العمرية الأكثر تأثرا

انفوبلس/ تقارير
في تطور جديد ومقلق، سلّطت إحصائيات جديدة الضوء على تأثير ألعاب الفيديو العنيفة على معدلات الجرائم في العراق، وبمتابعة دقيقة من شبكة انفوبلس توصلت إلى الفئة العمرية الأكثر تأثراً بهذه الألعاب، فما الذي أظهرته نتائج البحث؟
مدخل
تتوالى التحذيرات حول العالم من مغبة ارتفاع معدلات إدمان الأطفال على الشاشات والألعاب الإلكترونية العنيفة، وتأثيراتها السلبية على توازنهم السلوكي والنفسي وتفاعلهم الاجتماعي وتحصيلهم العلمي، وهنا برزت العديد من التحذيرات في العراق سواء قضائية أو حقوقية، من تفشي هذه الألعاب بين الأطفال العراقيين.
وبهذا الصدد، تحدثت قاضية متخصصة بنظر قضايا الأحداث في نينوى عن أهم الجرائم وأكثرها ارتكاباً من قبل الأطفال والمراهقين من (9-18 عاما)، وفيما أكدت أن السرقات والمخدرات تتصدر هذه الجرائم، أشارت إلى وجود جرائم أخرى نظرتها المحكمة كالإرهاب، وفي وقت حذرت من خطورة ألعاب العنف الإلكترونية خشية تقليدها، تحدثت عن ضرورة إعادة النظر بقانون رعاية الأحداث بشأن احتياجه إلى تعديلات أو تحديثات تواكب العصر.
وتقول رئيس محكمة أحداث نينوى القاضية هند محمود الجميلي، خلال حديث لمجلس القضاء تابعته شبكة انفوبلس، عن الفئة العمرية التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة طبقاً لأحكام قانون رعاية الأحداث العراقي رقم (76) لسنة 1983، أن "محاكم الأحداث تختص بالنظر في قضايا الأحداث الذين أتموا التاسعة من أعمارهم ولم يتموا الثامنة عشرة منها عند ارتكاب الجريمة، أما من لم يتم التاسعة من عمره فإنه يُعد صغيراً ولا يُسأل جزائياً".
جرائم متعددة
وعن أبرز الجرائم التي ترد إلى المحكمة، توضح الجميلي أن "الجرائم تختلف حسب الأوضاع الاجتماعية وأبرزها جرائم السرقات بالإضافة إلى جرائم الاعتداء الجسدي والجرائم الأخلاقية والجرائم الإلكترونية بسبب انتشار وسائل التكنولوجيا".
وعن تأثر هذه الفئة العمرية بالفكر الإرهابي بعد سيطرة عصابات داعش على نينوى في 2014، بينت الجميلي أن "فترة سيطرة كيان داعش لمدة ثلاث سنوات على مدينة الموصل لكنها تركت تأثيرها على بعض الأحداث خاصة من نشأ منهم في أسر ينتهج أفرادها سلوكاً متطرفاً كما ان البعض منهم قد تم تجنيده قسرياً مما عرضهم للصدمات النفسية والاجتماعية إلا ان الجهود قائمة لإعادة تأهيلهم".
وكشفت أن "هناك جرائم تتعلق بالانتماء إلى الجماعات الإرهابية او ارتكاب أعمال مسلحة او مساعدة تلك الجماعات إلا ان تلك القضايا تعالج بحذر شديد ويتم التركيز على مدى استيعاب الحدث للفكر المتطرف قبل محاكمته".
تأثير الألعاب الإلكترونية على السلوكيات
وعن الحالات أو الجرائم التي تعتبر حديثة والأسباب المؤدية إلى ظهورها تشير إلى أن "هناك نمو لجرائم تعاطي وترويج المواد المخدرة بين الأحداث، وكذلك ثمة وجود لجرائم ترويج العملة المزيفة وجرائم الابتزاز الإلكتروني واختراق الحسابات والاحتيال الإلكتروني (الهكر) بسبب تطور وسائل التكنولوجيا وسهولة الوصول اليها والتعامل معها".
وعن تأثير الألعاب الإلكترونية على السلوكيات ترى أن ألعاب العنف الإلكترونية ساهمت في ازدياد السلوك العدواني لدى بعض الأحداث نتيجة ميلهم للتقليد"، لافتة إلى أن "هذه الألعاب لها تأثير بشكل مباشر واحياناً غير مباشر على سلوكيات الأحداث وبالإمكان أن تدفعهم لارتكاب الجرائم لا بل ان البعض منها تحرض على القتل بشكل مباشر وبسبب المرحلة العمرية للحدث، فانه يميل لتقليد مرتكبي تلك الأفعال".
العقوبات وأقصاها
وعن العقوبات وأيها أشد التي يمكن أن تطلق كجزاء للحدث الجانح توضح القاضية بالقول: "بصورة عامة يركز قانون رعاية الأحداث على الجانب الإصلاحي اكثر من العقابي الا انه في حالات نادرة وبسبب خطورة الجريمة المرتكبة تحكم المحكمة بعقوبة الإيداع لمدة خمس عشرة سنة وهي اشد عقوبة يمكن ان يحكم بها على الحدث الجانح".
وعن حاجة قانون الأحداث إلى تحديث أو سن قانون جديد، تنوه إلى أن "قانون الأحداث لكي يواكب المستجدات فهو بحاجة إلى تعديلات من ناحية رفع سن المسؤولية الجزائية وكذلك تعزيز الجانب التأهيلي وإدخال برامج إصلاحية أكثر حداثة".
حرب ناعمة
بدوره، قال رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق فاضل الغراوي، في تصريحات صحفية تابعتها شبكة انفوبلس، إن "الحروب الناعمة بدأت تستهدف الأطفال من خلال احتلال عقولهم عبر الألعاب الإلكترونية الخطيرة".
وقال الغراوي، إن الأطفال في العراق "يتعرضون بشكل يومي لغزو ممنهج عبر تغذية عقولهم بألعاب العنف والقتل، والتي تقودهم إلى الإدمان الإلكتروني".
وأشار إلى أن الأطفال من عمر 5 سنوات إلى 10 سنوات هم الأكثر تعرضاً للإدمان الإلكتروني عالميا.
وأضاف، إن "عددا من هذه الألعاب تساهم في تعليم الأطفال كيفية سرقة السيارات والقتل واختراق الحسابات وسرقة البنوك، هذا إلى جانب المساعدة في تجنيدهم بشكل ممنهج".
علاقتها بالجرائم
يؤكد الغراوي أن الإدمان على الألعاب الإلكترونية من قبل الأطفال يتسبب في جعلهم أكثر عدوانية وانطوائية، ويقلل من رغبتهم في بالدراسة، فضلا عن التسبب بقلة النوم ومشاكل صحية عديدة بسبب تعرضهم لهذه الشاشات لفترة طويلة، وسهولة تعرضهم للابتزاز والتحرش الجنسي واستغلال حساباتهم.
ودعا الحكومة لإطلاق حملة أمنية لغلق كافة المحلات التي تبيع هذه الألعاب الخطرة ومنع استيرادها، بالتزامن مع حملة إعلامية وتثقيفية لكافة الأسر للتعريف بمخاطر إدمان أطفالهم على الألعاب العنيفة.
من جانبه، يقول مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية قاسم حسين صالح في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، إن "أخطر ما اقترفته ألعاب العنف الإلكترونية، أنها قتلت براءة الطفولة، والمتهم الأول في ذلك هم مالكو الصناعات السمعية والمرئية من منتجي ألعاب عنف تغوي الأطفال والمراهقين وحتى الشباب، وتعظم القتلة والسفاحين، موظفين علم نفس الطفولة والمراهقة، حيث يعمد الطفل والمراهق في هذه المرحلة العمرية لتقليد من يراه بطلا في اعتدائه على الآخرين، والإعجاب بجرأته على القتل دون التفكير بما يترتب على ذلك من عواقب".
ويؤكد صالح، إن "التعرض لفيديوهات عنف لفترات طويلة، يترتب عليه نتائج سلبية للغاية على شخصية الطفل والمراهق، أخطرها تنمية السلوك الإدماني الوسواسي، ونزع المشاعر الإنسانية للمدمن عليها، كما أنها تجعله مشروعا جاهزا لمجرم خطير وللتحول لفرد في عصابات القتل والسلب والنهب".
دور الأسر
في النهاية، وعن الخلفية الأسرية للأحداث الجانحين في العادة، أكدت القاضية المتخصصة بنظر قضايا الأحداث في نينوى، أن "الأسرة تلعب دوراً رئيساً في تنشئة الأبناء فهي المؤثر الأول والمباشر على سلوكياتهم وبالتالي فإن تفككها وغياب أحد الأبوين أو كليهما ينعكس سلباً على تلك السلوكيات ويؤدي الى انحراف الأبناء عن جادة الصواب إلا أن ذلك لا ينفي وجود أحداث جانحين ينحدرون من أُسر اعتيادية دفعتهم ظروف معينة إلى ارتكاب الجريمة".
وفيما تشير إلى أن "هناك نقصا في مدراس تأهيل الصبيان والفتيان والشباب البالغين في محافظة نينوى وأن المحافظة تحتاج إلى المزيد كون الموجود لا يلبي الحاجة الحقيقية"، ترى أن "ما يجب تعزيزه أيضا في الجانب التأهيلي للأحداث الجانحين تعزيز وتكثيف برامج التأهيل النفسي ابتداء ثم برامج التعليم والتدريب المهني وإشراك منظمات المجتمع المدني من اجل القيام بدورها المرسوم لها في إعادة تأهيل الأحداث الجانحين".