الشعب يتمنى أن تكون "زوبعة".. مخاوف انقطاع الرواتب والكهرباء تتزايد والخبراء يجددون التحذيرات

انفوبلس..
وسط تصاعد التحديات الاقتصادية والطاقوية في العراق، يحذر الخبراء بكثافة من أزمة وشيكة نتيجة العقوبات الأمريكية، ما يهدد بانقطاع الغاز وتراجع إنتاج الكهرباء. إضافة إلى ذلك، تتزايد المخاوف بشأن قدرة الحكومة على تأمين الرواتب، وسط ارتفاع الدَّين الداخلي واحتمالات انخفاض أسعار النفط، مما ينذر بأزمات خانقة تلوح بالأفق.
ويوم أمس، تحدث أكاديمي عراقي عن خيارات العراق في مواجهة احتمالات انقطاع الغاز الإيراني عن محطات توليد الطاقة بسبب قرارات وعقوبات أميركية، واستعرض نقص التخطيط للمستقبل وعدم واقعية الحلول الآنية، منوهاً إلى أن الدولة تسقط في حالتين: انقطاع الكهرباء أو انقطاع الرواتب على خلفية تحذيرات متعلقة بالسيولة وسعر الصرف والبنوك الأميركية أيضاً.
وقال مازن السعد الخبير في مجال الطاقة: "نحن أمام مشكلة جدية للغاية.. قلت سابقاً أن البلد يمكن أن ينتهي بطريقتين، أما أن تتوقف الرواتب لشهر أو شهرين أو إذا انقطعت الكهرباء 7 أو 10 أيام فسينزل الناس إلى الشارع، لماذا هذا البلد غير قادر على حل المشاكل وهي سهلة؟".
وأضاف: "بخصوص بدائل الغاز الإيراني أنا أعتقد وحسب الروتين العراقي أنه من المستحيل أن نبني الموديل الاقتصادي العراقي يرافقه موديل فني بكفاءة وبمعايير إنجاز حقيقية تصل إلى الهدف في ظرف عدة شهور فقط، فاليوم نحن نتكلم عن حلول آنية، وكنا نتحدث عن بدائل الغاز الايراني منذ 3 سنوات، كان بالإمكان بناء شيء خلال هذه المدة".
وبين، إنه "عندما تكون الوزارات تحت ضغط، تأتي ببدائل سريعة تؤذي الدولة واقتصادها بطريقة غير طبيعية، تحدثنا سابقاً عن أن الملف هذا يكلف 15 مليار دولار في السنة، ونحن في مشكلة أزمة الرواتب ولا نجني منه أكثر من نصف مليار أو مليار في أحسن أحواله، فأي منطق وأي بزنس هذا لإدارة الدولة لملف الكهرباء بهذا الشكل؟".
وتابع: "أعتقد أن كل المنظومة الكهربائية في العراق سواء كانت من توفير الوقود أو إنتاج الطاقة أو نلقها أو توزيعها والتخطيط لها من قبل وزارة المالية ووزارة التخطيط، فهناك نقص كبير جداً بطبيعة الموديل الذي نعمل به وطريقة التفكير".
وأشار إلى إنه "لا يجب أن تدار الأمور في الدولة بطريقة حل المشكلة عند الحاجة أو عند ظهورها، بل تحل عن طريق تعريف الحاجة الحقيقية وحساب التحديات وحساب الربح والخسارة، فملف الكهرباء في العالم كله هو ملف ربحي، بينما نحن نعطي الكهرباء ببلاش للمتجاوز ولحملة السلاح والعشائر وكل من سلطته أعلى من سلطة الدولة".
وأكد إن "الدولة بكل أمانة تعترف بفشلها بإدارة حرق الغاز المصاحب، فمنذ عام 2011 أشركنا شركات كبيرة، وفي 2017 قلنا إن آخر شعلة للغاز ستحترق، ثم قلنا ذلك في 2020، واليوم نحن في 2025 ولا أحد يجرؤ على القول بأنه في التاريخ الفلاني ستحترق آخر شعلة للغاز هباءً في الجو".
وفي وقت سابق، حذر الأكاديمي العراقي نبيل المرسومي، من جملة تطورات قد تؤثر على قدرة بغداد في ضمان رواتب ملايين الموظفين والمتقاعدين، على رأسها تصاعد تاريخي في الدين الداخلي بلغ 13 ترليون دينار، إلى جانب اقتراب روسيا وأوكرانيا من اتفاق سلام قد يعيد تدفق البترول الروسي بكميات كبيرة إلى الأسواق ويخفض الأسعار بشكل مقلق، معرباً في الوقت نفسه عن استغرابه من صدور مواقف متناقضة من وزيرة المالية طيف سامي حول القدرة أو العجز عن تأمين الرواتب.
وكتب الخبير: "بيان وزارة المالية متناقض فالست طيف لم تنفي البيان الموقع منها والذي يقول إن هنالك عجزاً في توفير رواتب الموظفين والرعاية الاجتماعية والمتقاعدين، وفي بيان آخر تقول إنه لا يوجد عجز"، مضيفاً إن "هنالك صعوبات كبيرة تعاني منها وزارة المالية في توفير الرواتب، التي تتطلب مبلغ 8 مليارات دولار شهرياً".
وتابع: "اليوم يوجد اقتراض داخلي بلغ 13 ترليون دينار، وهو الأكبر في تاريخ العراق، فبسنة واحدة ارتفع الدين الداخلي بنسبة 17%، وهذا مؤشر خطر جداً ولم يحدث سابقاً، الدين الداخلي له تأثيرات سلبية على السيولة المتاحة وعلى قدرة المصارف لتمويل الرواتب وفي تمويل المشاريع الاقتصادية وعلى العملة العراقية".
وأضاف إن "سعر النفط الحالي ليس حقيقياً فقد تصل روسيا وأوكرانيا إلى اتفاق قريب ثم ستتدفق المزيد من براميل النفط الروسية، ومع مؤشرات أخرى ربما سينخفض سعر النفط الخام إلى 60 دولاراً، وستصبح المالية في حرج شديد وقد لا يقتصر الأمر على الاستدانة الداخلية، وإن بقيت الأسعار على الستينات لعدة أشهر فكل الاحتمالات واردة، حتى مسألة إعادة تسعير الدينار ستكون مطروحة من أجل زيادة الإيرادات".
ويوم أمس كتب المرسومي: "إذا كان العراق سيلتزم فعلا بقيود اوبك بلس فهذا يعني ان صادرات خام البصرة ستنخفض بمقدار صادرات كردستان وان العراق سيخسر 10 دولارات عن كل برميل نفط خام مصدر من كردستان بدلا من البصرة".
وفي الخامس من الشهر الجاري، رجح الخبير الاقتصادي، زياد الهاشمي، قرب صدور عقوبات أمريكية مباشرة على أطراف عراقية متورطة بتهريب النفط الإيراني والدولار العراقي، مؤكداً أن العراق لا يملك أي بدائل حالية لتعويض الغاز الإيراني بعد توقيع الرئيس الأمريكي حزمة عقوبات جديدة ضد طهران، يلغى بموجبها استثناء استيراد الغاز، ما يجعل الصيف العراقي المقبل "ساخناً واستثنائياً".
وقال الهاشمي في تدوينة: "(لا غاز إيراني بعد اليوم للعراق) وعد ترامب وحقق وعيده، والعقوبات المباشرة متوقعة في أي وقت على الأطراف العراقية المساهمة في تهريب النفط الإيراني والدولار العراقي، جاء هذا المنع في سياق توقيع ترامب على مذكرة عقوبات اقتصادية مشددة على إيران يمنعها من تصدير الطاقة سواء النفط أو الغاز أو الكهرباء، وبالرغم من إن هذه العقوبات موجهة لإيران، إلا إن العراق هو أول المتضررين والخاسرين نتيجة اعتماده العالي وإدمانه على غاز وكهرباء إيران، دون أي تنويع طاقي يُذكر".
وأضاف: "لا بدائل جاهزة لدى العراق لتعويض الغاز الإيراني المفقود، ولا أحد يعرف كيف سيتم تغطية الطلب العالي على الغاز صيفاً؟! لذلك من المتوقع أن يكون الصيف القادم، صيفاً ساخناً جداً واستثنائياً من ناحية نقص الكهرباء والغاز، ولا ننسى كذلك مساهمة بعض الأطراف العراقية في تهريب النفط الإيراني، حسب الدلائل والتقارير التي كتبت عنها قبل شهر، مما يجعل العراق على أبواب عقوبات وشيكة على كيانات وتشديدات مباشرة على حركة الدولار".
وأشار إلى أن "ما قام به ترامب كان متوقعاً والكثير من التحذيرات تم إطلاقها مراراً لتحذير المنظومة السياسية في العراق، لكن يبدو إن (دفن الرأس في الرمل) هي الاستراتيجية الوحيدة لهذه الحكومة للتعامل مع الأزمات والتشديدات الأمريكية، وبالرغم من إن المواطن لا يثق كثيراً بما تقوم به المنظومة السياسية إلا إن هذا لن يحميه من نتائج السياسات الخاطئة والعواقب المؤلمة التي تسببت بها هذه المنظومة بالضد من مصالح المواطن، وهذا ما يستدعي أن يبادر المواطن لترتيب وتكييف وضعه المعاشي والمالي والعملي مع متطلبات مرحلة قد تكون صعبة وحرجة تتطلب منه الخروج من دائرة الراحة التي هو فيها الآن والاجتهاد لحماية حقوقه وحقوق من حوله".
وفي منتصف شباط الجاري، حذر الخبير الاقتصادي محمود داغر، من وصول الاقتصاد العراقي إلى حالة الحرج، لافتاً إلى أن الوضع المالي لا يسمح بدفع غير الرواتب، ولا توجد مبالغ لأي شيء آخر للمشاريع، مذكراً بوضع العراق أيام التسعينات في حال فرضت عقوبات على مصارف مهمة، فيما نصح الحكومة باعتماد سعر 60 دولاراً لبرميل النفط في موازنة 2025، كما دعا النواب الذين يفهمون في الاقتصاد إلى تشكيل لوبي لتغيير الاتجاهات الاقتصادية والضغط للحد من الانفاق الاستهلاكي.
وقال داغر إن "البنك المركزي نفى موضوع (العقوبات على المصارف الخمسة)، لذا لا أستطيع التأكيد، طالما أن البنك المركزي لم يتخذ أي إجراءات وجميع هذه المصارف تعمل وموجودة الآن. عند صدور عقوبات سيعلنها البنك المركزي مباشرة ويبعث رسالة بذلك".
وحذر "من الوصول إلى يوم فيه حرج، السيولة متوفرة لكنها كافية لإعطاء الرواتب فقط، إذ أصبحت الموازنة والحياة هي عبارة عن رواتب، وهذا مأساة وخطأ، ولا توجد سيولة للاستثمار والمشاريع، فإن حدثت عقوبة سيكون هنالك “drop” (نزول) وهنا تكمن الإشكالية، ونتذكر في ذلك سنة 2020، و2015 – 2016، إذ حدث “drop” وعندها "منين نجيب؟".
وأضاف إنه "لتوضيح ما يجري حسابياً فإن البنك المركزي يبيع أقل من 300 مليون دولار يومياً، أي مليار ونصف خلال أسبوع، أي 6 مليارات شهرياً، لكن وزارة المالية بحاجة إلى 8 ترليون دينار لتدفع الرواتب، وليتم ذلك فعلى البنك المركزي أن يبيع بحدود 7 مليار دولار شهرياً، وما يتبقى هو مبلغ قليل لسد الاستثمار، فأين وضعنا أنفسنا؟ فكيف نبني الصناعة والزراعة؟ نحن نمشي في طريق غير مقبول اقتصادياً، وعندما تذهب أمريكا بالضغوط القصوى على دولة جارة فسيلحق بنا بعض “الطشار” من هذه الضغوط، لأن البعض لا يفهم معادلة الاقتصاد، ويعتقد أنه جيد عندما يعبّر سلعة من منفذ غير رسمي وعندما يلعب لعبة ويعتقد أنه جيد لأنه يخدم الجار، بينما وضعنا حرج بالنسبة لعلاقتنا لجار جغرافي، ويجب أن تكون العلاقة معها حكيمة".
وتساءل: "(ماذا سيحصل إن انخفض سعر النفط؟) على الحكومة تخفيض سعر برميل النفط في الجداول المقدمة في عام 2025 إلى 60 دولاراً، وهذه نصيحة أن يجعلوا إيراد النفط المحسوب في الموازنة عند الـ60، أما انخفاض النفط فهو وارد جداً وطبيعي، وبالتالي سترون صعوبة لملمة الأوراق".
وأضاف "لنا سنتان والنفط فوق الـ70 حتى 80، ونحن نتحمل الديون، والدين العام الداخلي ازداد من 69 ترليون دينار إلى 85 ترليون، أما الخارجي فلو وقع بيدهم لاستدانوا لكنهم لا يستطيعون، لأن العراق مصنف على أنه متوسط الدخل ولا يستحق القرض من صندوق النقد أو البنك الدولي إلا في أوقات الأزمات كهجمات داعش وغيرها".
وأكد إنه "إذا فرضت عقوبات مباشرة على رأس الجهاز المصرفي أو على مصارف مهمة فستؤثر على العراق، وليتذكر الكبار عقد التسعينات وكيف كنا نتدبر أمرنا، وكيف كانت تصرفاتنا، وعلى الرغم من انتقادي للسياسيين لكن أجد مجموعة من البرلمانيين لديهم جرأة وهم يتكلمون في الجانب الاقتصادي وليس السياسي فقط، وعليهم أن يشكلوا لوبي ضغط لتغيير الاتجاهات الاقتصادية، وكفى إنفاقا استهلاكيا. ما الفائدة أن تعطي لي راتبا وبعد سنتين لن تعطي لي، أو لابني وابنتي، راتباً؟".
وحول أزمة الطاقة، نفى وزير الكهرباء زياد علي فاضل، ما يشاع عن توقف إنتاج الكهرباء في العراق بعد انقطاع استيراد الغاز الإيراني، وأضاف فاضل على هامش معرض الطاقة العاشر في بغداد، إن العراق ينتج 18 ألف ميغاواط، دون الاعتماد على الغاز المستورد، فيما أكد المتحدث باسم الوزارة أن العراق سيفقد نحو ثلث انتاجه وهو يبحث عن غاز، لكنه يعمل على الاستيراد من تركمانستان كبديل عن إيران، لافتاً إلى أن الوزارة قد تلجئ إلى حلول وقتية مثل إنشاء محطات غاز مؤقتة واستخدام الطاقات الشمسية، معرباً عن أمله بأن تتمكن الدبلوماسية العراقية من تغيير القرار الأمريكي الخاص بمنع استيراد الغاز من إيران.
وأكد إن "الوزارة ستعمل على توفير الوقود المستورد من بلد آخر لحل موضوع توقف الغاز المستورد، وحتى الآن لا يوجد أي توجه محدد"، مضيفاً: "لدينا القدرة على تشغيل الكثير من الوحدات بالاعتماد على الوقود المحلي والأمور تسير بالاتجاه الصحيح".
وتابع "ننتج أكثر من 18 ألف ميكا واط دون الاعتماد على الغاز المستورد، لكن هناك 10 آلاف ميغاواط تعتمد عليه، وحتى الآن لا يوجد أي تبليغ رسمي بانقطاع الغاز الإيراني، وننتظر توجيهات الحكومة العراقية".
وأشار إلى إنه "لا صحة للشائعات التي تتحدث عن انقطاع الكهرباء في العراق بشكل كامل، ونأمل أن تثمر جهود الدبلوماسية العراقية لوقف القرار الأميركي بمنع استيراد الغاز من إيران".
إلى ذلك قال المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أحمد موسى إن "هناك بدائل تعمل الوزارة عليها كاستيراد الغاز من تركمانستان أو اعتماد الطاقات الشمسية، لأن حاجتنا للغاز المستورد مستمرة، وسنفقد نحو 9 آلاف ميغاواط اذا توقف الغاز الإيراني، لذلك نحاول أن نجتهد بإنشاء محطات غاز مؤقتة والاعتماد على الطاقة الشمسية".