العراق في مواجهة تحديات مناخية غير مسبوقة.. ما السيناريوهات المحتملة خلال العقود القادمة؟

صيف شديد الحرارة في 2025
انفوبلس/..
يشهد العراق أزمة مناخية غير مسبوقة مع توقعات بصيف 2025 ليكون الأكثر حرارة على الإطلاق، مما يزيد من تفاقم المشكلات البيئية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، حيث تشير التقارير إلى أن درجات الحرارة ستبدأ في الارتفاع مبكرًا، متأثرة بالتغيرات المناخية المتسارعة، وانخفاض مناسيب الأنهار، واستمرار عمليات إزالة الغطاء النباتي دون تعويض، كما أدى التصحر وشح المياه إلى فقدان مساحات زراعية كبيرة، مما أثر على الأمن الغذائي ودفع آلاف العائلات إلى البحث عن بدائل للعيش.
وتبرز مشكلة الإجهاد المائي، كأحد أخطر التحديات التي تواجه البلاد، حيث انخفض نصيب الفرد من المياه العذبة إلى مستويات خطيرة، بينما تشهد الموارد المائية تراجعًا مستمرًا بسبب الجفاف وسياسات دول المنبع.
ومع ازدياد العواصف الرملية والتلوث البيئي، تتطلب مواجهة هذه الأزمة حلولًا عاجلة، تشمل الاستثمار في تقنيات الري الحديثة، وتحلية المياه، ووضع سياسات بيئية مستدامة، لضمان مستقبل أكثر استقرارًا للعراق وسكانه.
صيف 2025 الأشد حرارة
درجات الحرارة ستبدأ بالارتفاع خلال شهر رمضان، وتستمر في التصاعد خلال شهري أيار وحزيران، حتى تصل إلى أعلى مستوياتها
وتوقع مرصد "العراق الأخضر"، اليوم الثلاثاء، أن يكون فصل الصيف المقبل الأعلى في معدل ارتفاع درجات الحرارة على مدى السنوات الماضية في العراق، ما يزيد من خطورة الأزمة البيئية التي يعاني منها البلد.
وقال مصدر في المرصد، إن "درجات الحرارة ستبدأ بالارتفاع خلال شهر رمضان، وتستمر في التصاعد خلال شهري أيار وحزيران، حتى تصل إلى أعلى مستوياتها في الأيام الأولى من تموز وآب وما بعدهما".
وأشار المصدر، إلى أن "هذا الارتفاع الحاد يأتي نتيجة التغيرات المناخية المستمرة، والتي لم تتم معالجتها حتى الآن"، مبينا أن انخفاض مناسيب المياه في مناطق الشمال والجنوب، إلى جانب إزالة الأشجار دون تعويضها، يمثلان عوامل أساسية تفاقم أزمة المناخ في العراق".
كما نبّه، إلى أن "الإجراءات البيئية المتخذة لمواجهة هذه التغيرات لا تزال بطيئة جدا، مطالبا الجهات المعنية باتخاذ خطوات سريعة وجادة لإنقاذ البيئة قبل فوات الأوان".
التغيرات المناخية والزراعة
العراق شهد زيادة ملحوظة في درجات الحرارة بمعدل 1.2 درجة مئوية مقارنة بما قبل منتصف القرن العشرين، مع توقعات بزيادة إضافية تصل إلى 2.5 درجة مئوية بحلول عام 2050
وفي هذا الشأن، صرّح رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان فاضل الغراوي، في كانون الأول الماضي، بأن العراق فقد نحو 30% من الأراضي الزراعية المنتجة بسبب التغيرات المناخية خلال السنوات الثلاثين الاخيرة.
ونقل تقرير صادر عن المركز، عن الغراوي قوله، إن "العراق يُعَدُّ أحد البلدان الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تظهر آثار هذه التغيرات بشكل متزايد على قطاعات المياه، الزراعة، الصحة، والاقتصاد".
وتشير البيانات الحديثة، إلى أن التغيرات المناخية والضغوط البيئية، باتت تمثل تهديداً مباشراً على استدامة الموارد الطبيعية والتنمية البشرية في البلاد.
وأضاف التقرير، أن "العراق شهد زيادة ملحوظة في درجات الحرارة بمعدل 1.2 درجة مئوية مقارنة بما قبل منتصف القرن العشرين، مع توقعات بزيادة إضافية تصل إلى 2.5 درجة مئوية بحلول عام 2050 إذا لم تُتخذ تدابير فعالة".
نصيب الفرد من المياه العذبة
ووفقا لرئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان، فإن نصيب الفرد من المياه العذبة انخفض إلى أقل من 1,000 متر مكعب سنوياً، مما يضع العراق ضمن الدول التي تعاني من الإجهاد المائي الشديد حيث أدى الجفاف المتكرر خلال العقد الماضي إلى تقليص مساحة الأراضي الزراعية بنسبة تجاوزت 30%.
كما اشار الغراوي، الى ان منسوب نهري دجلة والفرات انخفض بأكثر من 50% مقارنة بالمعدلات التاريخية بسبب قلة الأمطار وسياسات دول المنبع في حين تعاني 39% من أراضي العراق من التصحر، بينما تواجه 54% خطر التدهور.
ونوه إلى أن العراق فقد 25% من الأراضي الزراعية المنتجة خلال العقود الثلاثة الماضية.
ولفت الى أن العراق سجل زيادة سنوية في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 3%، معتمداً بشكل كبير على الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة. تُعدّ بغداد والبصرة من بين أكثر المدن تعرضاً للتلوث الهوائي، مما يفاقم المشاكل الصحية للسكان.
كما أن العراق شهد ارتفاعاً في معدل العواصف الرملية والغبارية بمعدل 272 يوماً سنوياً في بعض المناطق، مع توقعات بارتفاع العدد إلى 300 يوم بحلول عام 2030، بحسب تقرير المركز.
تداعيات اقتصادية واجتماعية وبيئية
المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان، أكد أن تداعيات التغير المناخي على العراق عديدة أهمها اقتصادياً: تكبُّد العراق خسائر سنوية تُقدّر بمليارات الدولارات نتيجة لتدهور الزراعة وزيادة الكوارث الطبيعية.
أما اجتماعياً فقد تفاقم النزوح الداخلي، حيث نزح أكثر من 100,000 شخص بسبب ندرة المياه وتدهور البيئة في جنوب العراق، وبيئياً: تهديد التنوع البيولوجي مع فقدان العديد من الأنواع النباتية والحيوانية التي تعتمد على المياه العذبة.
وطالب رئيس المركز، الحكومة بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لمواجهة التحديات البيئية الناتجة عن التغير المناخي في العراق، والتي تتضمن حلول شاملة ومستدامة تُركز على الجوانب البيئية، الاقتصادية، والاجتماعية.
تحدٍّ مناخي طارئ
ويعدّ العراق من بين الدول الخمس الأكثر عرضةً لعواقب التغير المناخي، وفق الأمم المتحدة.
وقالت منظمة البنك الدولي، في نهاية العام 2022، إن العراق يواجه تحدياً مناخياً طارئاً ينبغي عليه لمواجهته التوجه نحو نموذج تنمية "أكثر اخضراراً ومراعاةً للبيئة"، لا سيما عبر تنويع اقتصاده وتقليل اعتماده على الكربون.
ووفقا لتقرير صادر عن المنظمة، فإنه وبحلول العام 2040، "سيكون العراق بحاجة إلى 233 مليار دولار كاستثمارات للاستجابة إلى حاجاته التنموية الأكثر إلحاحاً فيما هو بصدد الشروع في مجال نمو أخصر وشامل"، أي ما يساوي نسبة 6% من ناتجه الإجمالي المحلي سنوياً.
الهجرة وتحديات الاقتصادية والاجتماعية
ويعاني العراق منذ سنوات عدة من أزمة للمياه غير أنها اشتدت وبلغت مرحلة خطيرة في السنوات الأربع الأخيرة، حيث انخفضت مناسيب المياه إلى مستويات غير مسبوقة بفعل الجفاف الذي يضرب المنطقة بأسرها.
ويواجه العراق أزمة مائية متفاقمة بسبب التغيرات المناخية، حيث أدت قلة هطول الأمطار وانخفاض مناسيب الأنهار إلى تقليص المساحات الزراعية وتراجع الإنتاج الزراعي. وتعتمد نسبة كبيرة من السكان، خاصة في محافظات الوسط والجنوب، على الزراعة كمصدر رئيسي للعيش، إلا أن شح المياه أثر سلبًا على آلاف العائلات، مما ضيق مصادر الرزق وأجبر البعض على البحث عن بدائل اقتصادية أخرى.
ومع استمرار أزمة الجفاف، شهدت مناطق الأهوار والمحافظات الجنوبية موجات هجرة متزايدة نحو المدن الكبرى مثل بغداد والبصرة، مما شكل ضغطًا متزايدًا على الخدمات العامة وسوق العمل.
ويرى خبراء أن هذه الهجرة قد تؤدي إلى تحديات اقتصادية واجتماعية في ظل ضعف الاستعداد الحكومي لاستيعاب النازحين البيئيين.
إلى جانب العوامل المناخية، تلعب السياسات المائية دورًا أساسيًا في تفاقم الأزمة، حيث يعاني العراق من ضعف إدارة الموارد المائية وانخفاض تدفق المياه من دول المنبع. ويؤكد المختصون أن الحل يكمن في تحسين إدارة المياه، تحديث تقنيات الري، والاستثمار في مشاريع تحلية المياه، لضمان الأمن المائي وتعزيز قدرة البلاد على التكيف مع التغيرات المناخية قبل أن تتحول الأزمة إلى كارثة إنسانية.