المشاريع الصغيرة في العراق.. أرباح قليلة لكنها تصنع الفارق

انفوبلس/ تقارير
في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه العراق، تبرز المشاريع الصغيرة كأحد أهم الحلول الفعالة لتقليل نسب البطالة وتحفيز النمو الاقتصادي المحلي. فقد أصبحت هذه المشاريع، التي تشمل قطاعات متعددة من الحرف اليدوية إلى ريادة الأعمال الرقمية، ركيزة أساسية في بناء اقتصاد متنوع ومستدام بعيداً عن الاعتماد الأحادي على النفط. في هذا التقرير سلطت انفوبلس الضوء على تلك المشاريع واصحابها الذين تحدثوا عن تجاربهم المحفزة واعتماد مصدر دخل خاص بهم بعيدا عن وعود التعيين وانتظاره المُمل.
تجارب محفزة وارتياح
وبهذا الصدد، عبَّر أحمد عباس (30 عاما) عن ارتياحه لمسار التحول الذي شهدته حياته بعد أن اعتمد على نفسه بفتح محل لمشروعه الصغير الخاص بتصليح المرشات المائيَّة "الفارة" وبيعها، مؤكداً أنّ لديه بارقة أمل حقيقيّة بتغيير ملموس في حياته الاجتماعية وتحسّن في حالته المادية؛ فعلى الرغم من الصعوبات التي واجهته بعد التخرّج من إحدى الجماعات العراقية، إلا انه استطاع من خلال مشروعه أن يرسم ملامح الطريق الى الرزق والنجاح.
وأكد احمد، انه سيمضي قدماً من اجل الوصول الى تحقيق حلمه بفتح متجر كبير لبيع المرشات المستوردة من دول مختلفة والتي تحمل جودة عالية".
إسراء.. من كلية التربية إلى محل اكسسوارات
أما إسراء حامد (28 عاماً) خريجة كلية التربية قسم الكيمياء وجدت نفسها من دون عمل بعد التخرّج وبدلاً من انتظار التعيين والحصول على وظيفة حكوميَّة قرّرتْ استثمار مهارتها في تصنيع الاكسسوارات، حيث قالت مبتسمة : "البدء بخطوة صغيرة أفضل من الانتظار؛ لذا بدأت مشروعي بصناعة الاكسسواراتمن الخرز والنمنم، وحياكتها بأشكال وألوان مميزة، ثم عرضها على صفحتي في "الفيس بوك" لبيعها، ونالت إعجاب كثير من الناس فتطور العمل بالتطريز والحياكة على القماش، وصناعة كل ما يخص المناسبات مثل الاكسسواراتالرمضانيَّة الخاصة بالمنزل، وزينة زكريا، والمولد النبوي وغيرها".
إسراء أكدتْ أن مشروعها هو مصدر رزقها الوحيد فهي لم تلقِ بحملها وحمل أسرتها على الدولة وفق ما تقول، فطوّرتْ مشروعها، وأصبحت الان تستورد الكلابيات والاكسسوارات المصريَّة وتجري عليها بعض التعديلات والإضافات، وتبيعها من خلال الترويج عنها في مواقع التواصل الاجتماعي عبر إعلان ممول.
مشاريع صغيرة ومتنوّعة لشابات وشباب من بينهم اصحاب شهادات عليا، شكلت نقطة تحول في حياتهم، واستطاعوا النهوض بواقعهم، ومنعوا أنفسهممن أن يشكلوا عبئاً على الدولة.
حيث أكد هؤلاء، أنهم لم يرضخوا للفقر وانهم يطمحون للنهوض بواقع الصناعة العراقيَّة، وناشدوا الحكومة بدعم المشاريع الصغيرة، وفتح آفاق جديدة لعمل الشباب واستغلال طاقتهم.
تمكين اقتصادي
ولأنَّ تمكين المرأة لا يكتمل من دون تعزيز دورها فقد أكدت مدير قسم شؤون المرأة في شبكة الإعلام العراقي إسراء العطار : "أنَّ المحور الاقتصادي مهم جداً ويعدّ من المحاور الاستراتيجية الوطنيّة للمرأة العراقيّة، وأن التمكين الاقتصادي هو الركيزة الاساسيّة التي يبدأ من خلالها تمكين المرأة، ومن ضمن ذلك التمكين كانت مبادرة المشرق التي تمت مع البنك الدولي، إذ تمكنوا من مساعدة مجموعة من النساء والشابات على فتح مشاريع صغيرة واحتوت على أفكار عديدة منها خياطة، وصناعة الشموع، والرسم على الزجاج، والريلز،والحياكة، وأعمال يدويّة مختلفة.
وأضافت العطار في حديث لها تابعته شبكة انفوبلس، أنّه من واجب قسم شؤون المرأة هو توعيتها بضرورة أن يكون لها دخلها الخاص، الذي يدعمها ويرفع مكانتها في الأسرة والمجتمع، فليس بالضرورة الاعتماد على الحكومة في توفير العمل، فالشباب والشابات قادرات على الابتكار والنجاح في أعمال بسيطة لكنها مربحة ممكن ان تشكل دخلاً جيداً للأسرة".
استثمار ناجح
وأشارت العطار الى ان الاحصائيات الخاصة بالتنمية المستدامة في جميع المجتمعات تدل على ان الرجال والنساء يعملون جنباً الى جنب، لذلك من المهم جداً أن نعمل على تمكين المرأة والشباب اقتصادياً من أجل تطوير مشاريعهم الصغيرة.
وأكدت أن هنالك دكتورة تعمل في مجال الرسم وأخرى تحب صنع المعجنات، واستطعن فتح مشاريعهن ونجحن، هذه بوادر جيدة في المجتمع ومن واجب الجهات المختصة دعم هذه الفئة المجتهدة".
خيار جيد
من جانبها، قالت عضو الهيئة الاستشارية في اتحاد الصناعات العراقي ورئيس فريق "قصناع سارة" للحرف اليدوية الدكتورة رغد الشجيري: "في ظل التحديات الاقتصادية، وضغوط الحياة ومتطلباتها اصبحت تلك المشاريع الصغيرة خياراً جيداً لعدد كبير من الشباب والشابات ممن اتعبتهم البطالة، ففي فريقي ما يقرب من الألف مبدع ومبدعة، سعوا ومازالوا يسعون لتحقيق نجاح واستقلال مالي بعيداً عن التفكير بالحصول على الوظيفة، مبيّنة أن أكثر المشاريع من الصغيرة والمتناهية بالصغر استطاع أصحابها النجاح والتطور، وتمكنوا من خلال العمل المستمر والمواظبة على فتح محل او معمل، والبعض من النسوة أسهمن من خلال تطوير مشاريعهن الى تشغيل بعض الشباب العاطلين عن العمل، ومن ثم فإنّ تلك المشاريع اذا ما تمّ تطويرها واستثمارها تسهم في تقليل البطالة في المجتمع".
وبيّنت الشجيري أنَّ المشاريع متنوّعة منها ما يتعلق بتصميم الملابس، وأخرى في صناعة الحلوايات والمخبوزات، وحتى التجارة والنجارة وغيرها الكثير، هذه المشاريع لو تم استثمارها بشكل صحيح من الممكن أن تدر دخلاً جيداً على أصحابها ومن الممكن أن تكبر، وقد نوّهت رغد الى اهمية الدعم في تطويرها خاصة اذا كان من الحكومة.
واقع المشاريع الصغيرة في العراق
تشمل المشاريع الصغيرة في العراق طيفاً واسعاً من النشاطات: من الورش الحرفية، والمحال التجارية، والمشاريع الزراعية، إلى المبادرات التقنية الناشئة. وتنتشر هذه المشاريع في كل المحافظات، لكنها تبقى ذات طابع فردي، تفتقر إلى التنظيم المؤسسي، والربط مع الأسواق، والتمويل المستدام.
ورغم أن المادة (25) من الدستور العراقي تنص على "إصلاح الاقتصاد العراقي وفق أسس حديثة"، إلا أن التنفيذ الفعلي لدعم المشاريع الصغيرة ما يزال ضعيفاً، وغالباً ما يواجه صعوبات بيروقراطية، وشروط قروض مرهقة، وغياب الدعم الفني والتدريبي.
دعم حكومي لا بأس به
وعن تجربة قالت: "مؤخراً استطعت الحصول على قرض بمبلغ "عشرة ملايين" دينار لاصحاب تلك المشاريع من المصرف الصناعي، حيث حصلنا على 150 قرضاً لكل صاحب مشروع عشرة ملايين دينار بفائدة قليلة وتسديد بسيط، وأن هذه المبادرة التي أقدم عليها مدير المصرف متفضّلاً لم تمر من دون أن تترك أثراً عميقاً في تطوير المشاريع الصغيرة حيث اكثر النساء استطعن من خلال مشاريعهن ان يتركن بصمة واضحة في حياة كثير من المواطنات ممن لم يحضين بوظائف حكوميّة واستطعن النجاح بتأمين دخل جيد لهن ولأسرهن".
وعن تأكيد رغد الشجيري على الدعم الحكومي فإنها استطاعت من خلال مجلس سيدات الأعمال ان توصل صوت فريقها إلى رئيس الوزراء وطرحت عليه مشروعها "قصناع سارة"، وقالت: "كان رئيس الوزراء داعماً لنا منذ العام الماضي ومؤخراً زار الفريق في الاتحاد ووعد بأن يتكفّل بمشاريع الفريق، وأخيراً أشادت العطار بكل من دعم تلك الأعمال اليدويَّة التي تنهض بالصناعة العراقية، وتحسن مستوى المواطن المعيشي".
نماذج ناجحة رغم كل شيء
في محافظة النجف الأشرف، تمكن الشاب حيدر الركابي من تأسيس مشروع ناجح لصناعة الحقائب الجلدية يدوياً، وبدأ في تصدير منتجاته إلى باقي المحافظات عبر الإنترنت. يقول: "واجهت صعوبة في البداية، لكن بالإصرار والتسويق الذكي عبر مواقع التواصل، حققت دخلاً ثابتاً وشغّلت 4 شباب عاطلين عن العمل."
قصص مشابهة في البصرة وأربيل وبغداد تعكس حجم الإمكانيات الكامنة في الشباب العراقي إذا ما توفرت لهم البيئة المناسبة.
في النهاية، فإن المشاريع الصغيرة في العراق ليست مجرد أنشطة اقتصادية جانبية، بل هي مشروع وطني تنموي متكامل، يستحق أن يُدرج في صميم سياسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية. الاستثمار فيها هو استثمار في الاستقرار، في العدالة، وفي المستقبل.